|  | 
  (1)
		
  رغم الأهمية البالغة لخطبة الجمعة والتي يحضرها 
	المسلمون أسبوعياً ، في أعداد لا تجتمع في غير هذه المناسبة ، بل يتمنى أعداء 
	الإسلام جمع عُشر مثل هذا العدد لينفثوا أباطيلهم ، رغم هذا فإنها لم تُعْطَ 
	العناية الكافية من الدعاة : ما هو الأسلوب الأمثل في مخاطبة الناس ؟ ما هي 
	المواضيع المناسبة ؟ وكيف نرقى بالناس إلى فهم دينهم فهماً واعياً ؟ كيف نقول 
	لهم في أنفسهم قولاً بليغاً ؟ كيف نعالج مشكلات حياتهم ؟ كل هذا يجب أن يبحث 
	ويكتب فيه ، فإن غالب الخطباء إما أن يتكلم بعواطف فائرة دون تبليغ فكرة أو 
	معالجة مشكلة معينة ، أو تكون خطبة هادئة جداً تصل إلى درجة البرود ، ومع ذلك 
	فإن هذا الصنف يفتقر غالباً إلى المادة العلمية القوية . 
	
	ومن الظواهر الجلية في الدعوة الإسلامية في هذا العصر أن الخطباء الذين يملكون 
	الحنجرة القوية والكلمات الطنانة الفضفاضة ، استطاعوا صياغة شخصيات كثير من 
	أصحاب النوايا الطيبة في العمل للإسلام ، وكثير من الشباب المتحمس للدعوة . 
	فأصبحت جموع كثيرة لا تحب التفكير الهادئ المتزن ولا تحب التعمق في فهم المشاكل 
	والصعوبات ، ويكفيها أن تعيش على أحلام الخطب الحماسية التي تشبع رغبتها . 
	
	نحن لا ننقص من قدر العاطفة وأهمية حشد الجماهير ؛ فالرسول - صلى الله عليه 
	وسلم - عندما كان يخطب وكأنه منذر جيش يقول : صبَّحكم مسَّاكم ، ولكننا نريد 
	الجمع بين هذه الحماسة وبين تقديم العلم النافع والفكرة الصحيحة ، حتى يجتمع 
	لنا رأي عام بين صفوف المسلمين يؤيد الدعوة ويحبها ويدافع عنها ، نريد الخطيب 
	المفكر والخطيب المؤثر ، نريد الذي يجتمع عنده أصناف الناس من متعلم وعالٍ 
	وعامي ، والكل يرجع وقد استفاد من موعظة قلبية أو فكرة هادفة . 
	
	أليس عجيباً أنك إذا زرت مدينة عربية لا تجد في كل المدينة إلا الخطيب أو 
	الخطيبين ، ممن يجتمع علية الناس ؟ وتجمع خطبه بين العلم والعاطفة والتأثير 
	القوي ؟ . 
	
	هلاّ اعتبرنا بقول أحد زعماء الأحزاب التي تحارب الإسلام في بلادنا :
  
  ( آه لو عندي مثل هذه المنابر ) 
	؟ ! 
 
		
  (2)
		
  مرة ثانية نعود للحديث عن خطبة الجمعة ، هذا 
	المنبر الأسبوعي ذو الأهمية البالغة في توجيه جماهير الأمة ورفع مستواها 
	الإيماني والعلمي . لقد أهمل غالب الخطباء الإعداد الجيد وأهملوا معرفة ما يقال 
	وما لا يقال ، وما هي أوجه النقص عند من يصلي عنده ، هل عندهم نقص فهم العبودية 
	التامة لله أو نقص في التعاطف مع أمور المسلمين في العالم ، أو غير ذلك ويحاول 
	سد هذا النقص . 
	قلما رأيت خطيباً في البلاد التي فشا فيها الجهل بتوحيد العبودية يتكلم وبقوة 
	ويقرع أسماع المصلين بالآيات القرآنية وبالأحاديث النبوية ؛ ويفصل لهم أقوال 
	العلماء الكبار في هذا الموضوع . 
	استمعت في الآونة الأخيرة إلى أحد الخطباء وكان يدعو الناس إلى الالتزام 
	بالإسلام سلوكاً وأخلاقاً ، وقال لهم في غمرة الحماسة : نحن ليس لنا دنيا ، 
	يئسنا من الحصول على شيء من الدنيا ، أفلا يكون ديننا صحيحاً … ! ؟ 
	تعجبت من هذا الفهم السقيم وكيف يلق الكلام على عواهنه ، وكأن الإسلام يفصل بين 
	الدين والدنيا ولم يدر الأخ الخطيب أننا لا نستطيع الاحتفاظ بديننا على الوجه 
	الأكمل إلا بإتقان بعض دنيانا ، وهل يقبل الإنسان منك وعظاً وهو جائع ، وهل 
	يكون دين المسلم قوياً وهو يعاني القهر أمام الأعداء . 
	
	لا يستشير الأخ الخطيب إخوانه في موضوع الخطبة ، ولا يستشير أهل الرأي والحصافة 
	من جمهور المصلين عنده ، ولا يقرأ كثيراً في الموضوع الذي سيتكلم عنه ؛ فكيف 
	يؤثر في السامعين ؟ 
	إن بعض الموضوعات لابد أن تطرح وترسخ في قلوب وعقول المصلين على اختلاف طبقاتهم 
	، وذلك بالحديث عنها لعدة خطب متوالية ؛ مثل مفهوم العبودية لله ، والاستسلام 
	لنصوص الوحيين : القرآن والسنة ، وتعظيم السنة ، وتعظيم الصحابة 
	واحترام الأجيال المفضلة ، وبيان محاسن الإسلام وفضائله ، وذكر سيرة الرسول - 
	صلى الله عليه وسلم- في سلمه وحربه ، وإبداء الرأي الشرعي فيما يجدُّ من أحداث 
	، وبث روح الأخوة والتعاون ونبذ الفرقة والخلاف ... إلى غير ذلك من الموضوعات 
	التي ليس مجال تفصيلها في هذا الخاطرة ، وإنما قصدنا الذي نريد الوصول إليه هو 
	استشعار المسؤولية الملقاة على عاتق العالم والداعية الذي يرقى المنابر ليتكلم 
	باسم الإسلام وفي بيت من بيوت الله .
  
	
	المصدر : مجلة البيان