اطبع هذه الصفحة


مَن لهذه المنابر ؟

محمد العبدة

(1)

رغم الأهمية البالغة لخطبة الجمعة والتي يحضرها المسلمون أسبوعياً ، في أعداد لا تجتمع في غير هذه المناسبة ، بل يتمنى أعداء الإسلام جمع عُشر مثل هذا العدد لينفثوا أباطيلهم ، رغم هذا فإنها لم تُعْطَ العناية الكافية من الدعاة : ما هو الأسلوب الأمثل في مخاطبة الناس ؟ ما هي المواضيع المناسبة ؟ وكيف نرقى بالناس إلى فهم دينهم فهماً واعياً ؟ كيف نقول لهم في أنفسهم قولاً بليغاً ؟ كيف نعالج مشكلات حياتهم ؟ كل هذا يجب أن يبحث ويكتب فيه ، فإن غالب الخطباء إما أن يتكلم بعواطف فائرة دون تبليغ فكرة أو معالجة مشكلة معينة ، أو تكون خطبة هادئة جداً تصل إلى درجة البرود ، ومع ذلك فإن هذا الصنف يفتقر غالباً إلى المادة العلمية القوية .

ومن الظواهر الجلية في الدعوة الإسلامية في هذا العصر أن الخطباء الذين يملكون الحنجرة القوية والكلمات الطنانة الفضفاضة ، استطاعوا صياغة شخصيات كثير من أصحاب النوايا الطيبة في العمل للإسلام ، وكثير من الشباب المتحمس للدعوة . فأصبحت جموع كثيرة لا تحب التفكير الهادئ المتزن ولا تحب التعمق في فهم المشاكل والصعوبات ، ويكفيها أن تعيش على أحلام الخطب الحماسية التي تشبع رغبتها .

نحن لا ننقص من قدر العاطفة وأهمية حشد الجماهير ؛ فالرسول - صلى الله عليه وسلم - عندما كان يخطب وكأنه منذر جيش يقول : صبَّحكم مسَّاكم ، ولكننا نريد الجمع بين هذه الحماسة وبين تقديم العلم النافع والفكرة الصحيحة ، حتى يجتمع لنا رأي عام بين صفوف المسلمين يؤيد الدعوة ويحبها ويدافع عنها ، نريد الخطيب المفكر والخطيب المؤثر ، نريد الذي يجتمع عنده أصناف الناس من متعلم وعالٍ وعامي ، والكل يرجع وقد استفاد من موعظة قلبية أو فكرة هادفة .

أليس عجيباً أنك إذا زرت مدينة عربية لا تجد في كل المدينة إلا الخطيب أو الخطيبين ، ممن يجتمع علية الناس ؟ وتجمع خطبه بين العلم والعاطفة والتأثير القوي ؟ .

هلاّ اعتبرنا بقول أحد زعماء الأحزاب التي تحارب الإسلام في بلادنا :
( آه لو عندي مثل هذه المنابر ) ؟ !
 


(2)

مرة ثانية نعود للحديث عن خطبة الجمعة ، هذا المنبر الأسبوعي ذو الأهمية البالغة في توجيه جماهير الأمة ورفع مستواها الإيماني والعلمي . لقد أهمل غالب الخطباء الإعداد الجيد وأهملوا معرفة ما يقال وما لا يقال ، وما هي أوجه النقص عند من يصلي عنده ، هل عندهم نقص فهم العبودية التامة لله أو نقص في التعاطف مع أمور المسلمين في العالم ، أو غير ذلك ويحاول سد هذا النقص .
قلما رأيت خطيباً في البلاد التي فشا فيها الجهل بتوحيد العبودية يتكلم وبقوة ويقرع أسماع المصلين بالآيات القرآنية وبالأحاديث النبوية ؛ ويفصل لهم أقوال العلماء الكبار في هذا الموضوع .
استمعت في الآونة الأخيرة إلى أحد الخطباء وكان يدعو الناس إلى الالتزام بالإسلام سلوكاً وأخلاقاً ، وقال لهم في غمرة الحماسة : نحن ليس لنا دنيا ، يئسنا من الحصول على شيء من الدنيا ، أفلا يكون ديننا صحيحاً … ! ؟
تعجبت من هذا الفهم السقيم وكيف يلق الكلام على عواهنه ، وكأن الإسلام يفصل بين الدين والدنيا ولم يدر الأخ الخطيب أننا لا نستطيع الاحتفاظ بديننا على الوجه الأكمل إلا بإتقان بعض دنيانا ، وهل يقبل الإنسان منك وعظاً وهو جائع ، وهل يكون دين المسلم قوياً وهو يعاني القهر أمام الأعداء .

لا يستشير الأخ الخطيب إخوانه في موضوع الخطبة ، ولا يستشير أهل الرأي والحصافة من جمهور المصلين عنده ، ولا يقرأ كثيراً في الموضوع الذي سيتكلم عنه ؛ فكيف يؤثر في السامعين ؟
إن بعض الموضوعات لابد أن تطرح وترسخ في قلوب وعقول المصلين على اختلاف طبقاتهم ، وذلك بالحديث عنها لعدة خطب متوالية ؛ مثل مفهوم العبودية لله ، والاستسلام لنصوص الوحيين : القرآن والسنة ، وتعظيم السنة ، وتعظيم الصحابة
واحترام الأجيال المفضلة ، وبيان محاسن الإسلام وفضائله ، وذكر سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم- في سلمه وحربه ، وإبداء الرأي الشرعي فيما يجدُّ من أحداث ، وبث روح الأخوة والتعاون ونبذ الفرقة والخلاف ... إلى غير ذلك من الموضوعات التي ليس مجال تفصيلها في هذا الخاطرة ، وإنما قصدنا الذي نريد الوصول إليه هو استشعار المسؤولية الملقاة على عاتق العالم والداعية الذي يرقى المنابر ليتكلم باسم الإسلام وفي بيت من بيوت الله .


المصدر : مجلة البيان
 

زاد الـداعيـة
  • شحذ الهمم
  • زاد الخطيب
  • فن الحوار
  • فن الدعوة
  • أفكار إدارية
  • معوقات ومشكلات
  • رسائل ومقالات
  • من أثر الدعاة
  • الصفحة الرئيسية