اطبع هذه الصفحة


تأملات تربوية في سورة الشعراء

د: عثمان قدري مكانسي

 
( 1 )


في هذه السورة الكريمة – كبقية أخواتها - مواقف تربوية جمة تنير الفكر ، وتنشط القلب والعقل ، وتضيف كنوزاً من فيض التربية القرآنية يظهر فيها واضحاً جلياً .
من أهمها :
التكرار . فما فائدة التكرار هنا ؟

ذكرت في كتابي " صور من التربية في القرآن الكريم " قريباً من اثني عشر هدفاً للتكرار . وقلت فيما سبق من تأملات : إن التكرار ظاهرة تربوية وأسلوب تعليمي أصيلان ... يدخل إلى النفوس والقلوب من أبواب متعددة ، تفتحها بطرق مختلفة ، قوية حيناً وبسيطة حيناً آخر ، مخيفة تارة ومحبِّبة تارة أخرى . فتحقق الأهداف التربوية والأخلاقية والتعليمية . فأين التكرار في هذه السورة ؟
جاءت السورة في أقسام تسعة تؤصل في قلب الإنسان التوحيد وإفرادَ المولى عز وجل بالعبادة ، وتنبه إلى اتباع الرسل والأنبياء ، وتدعو إلى تقوى الله ومراقبته سبحانه وتعالى ، وتخوّف من نتائج الكفر والعصيان .
ففي القسم الأول والأخير يخاطب الله تعالى رسوله الكريم محمداً عليه الصلاة والسلام . وفي الأقسام الأخرى يحدثنا عن الأنبياء الكرام موسى وإبراهيم ونوح وهود وصالح ولوط وشعيب عليهم صلوات الله وسلامه بشكل متتابع ، وما لاقَوْه من عنت أقوامهم ، وتكذيبهم إياهم حين دعَوهم إلى عبادة الله وحده والعملِ الصالح ، مع ذكر العقوبة التي كانت فيها نهاياتهم .

وفي نهاية الحديث عن كل نبي نجد الخاتمة في قوله تعالى " إن في ذلك لآية ، وما كان أكثرهم مؤمنين ، وإن ربك لهو العزيز الحكيم " تكررت سبع مرات توضح :
1- أن الله تعالى أيد رسله بأدلة وبراهين . ولا بد لإنجاح المَهمة أن تزود المكلَّف بأية مهمة تريد إنجاحها بآيات واضحة وبراهين دامغة .
2- وأن أكثر الناس يتبعون أهواءهم ، ويتنكبون طريق الهداية . فالشيطان والهوى يميلان بالنفس إلى التخفف من الأعباء ، ونبذ التكاليف ، والانحراف عن الحق .
3- وأن الله تعالى قوي عزيز يفعل ما يشاء ، وهذه قمة التهديد . ولأنه سبحانه عزيز قادر على كل شيء فسيعاقبهم إن شاء وقت ما شاء ، كيفما شاء .
4- وأن الله تعالى يقبل توبة من تاب وأناب مهما فعل . فهو الرحيم بعباده ، يُقبل عليهم إن أقبلوا ، ويتجاوز عن سيئاتهم إن عادوا إليه ولاذوا بحماه .
5- كما كانت هذه الآية إيذاناً بانتهاء قصة وبدء أخرى كلاهما متشابه يؤدي إلى المعنى الذي تريده السورة والهدفِ المنشود منها ، وبمعنىً آخر إن هذه الآية الكريمة تعالى {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} رابط يجمع عمل الأنبياء في عمل واحد وهدف واحد هو الدعوة إلى توحيد الله تعالى .

ونجد في بداية قصص الأنبياء الخمسة الكرام " نوح وهود وصالح ولوط وشعيب " تكراراً في الدعوة إلى التقوى والتعريف بالمهمة " كذّبت ... المرسلين إذ قال لهم أخوهم .... ألا تتقون ؟ إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون ، وما أسألكم عليه من أجر ، إن أجريَ إلا على رب العالمين " تكررت خمس مرات تؤكد فيها
1- وجوب التبليغ " إذ قال.... " وذلك ليقيم عليهم الحجة وهذا مصداق قوله تعالى " يا أيها الرسول : بلغ ما أنزل إليك من ربك ، وإن لم تفعل فما بلّغتَ رسالته "
2- وأنه " أخوهم " يحب لهم الخير ، ويودّه لهم ، إلا في الحديث عن شعيب فلم تُذكر كلمة الأخ لأن المفسرين قالوا : إن أصحاب الأيكة لم يكونوا من قوم شعيب ، وإن كان قد أرسل إليهم بعد أن دعا قومه . أما قومه الذين أرسل إليهم أولاً فهم أهل مدين . وعلى هذا ذَكر القرآن الكريم في سورة هود أنه أخوهم – أي منهم – " وإلى مدين أخاهم شعيبا ".
3- ولو تتبعنا قوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب لوجدنا أنهم أُرسلوا إلى أقوامهم فقط . فكل نبي إرسل إلى قومه وليس معه رسول آخر. فكل قوم كذّبوا نبيّهم وحده !! فلماذا أكد الله سبحانه وتعالى أنهم كذبوا المرسلين ؟ الجواب : أنه من يكذّبْ نبيا فقد كذّب الأنبياء كلهم ،ومن صدّق نبياً فقد صدّق الأنبياء جميعهم . فالأنبياء يصدرون عن مشكاة واحدة .ومن هذا نفهم قوله تعالى يمدح المسلمين أتباع محمد عليه الصلاة والسلام " والمؤمنون .. كلٌّ آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ، لا نفرق بين أحد من رسله ، وقالوا سمعنا وأطعنا ، غفرانك ربنا ، وإليك المصير "
4- وطلب إليهم أن يتقوا الله ، فالتقوى طريق الإيمان ودعامته. ولا تكون التقوى إلا بطاعة الرسول ، فالرسل كل الرسل مؤتمنون على الرسالة وصادقون في تبليغها. ولذلك أعلن الرسل جميعهم مقولة واحدة " إني لكم رسول أمين " والأنبياء رمز الأمانة ، ألم يأمر الله تعالى موسى وهارون حين يأتيان فرعون " فقولا إنا رسول رب العالمين ، أن أرسل معنا بني إسرائيل " ؟ لو لم يكونا أمينين ما اختارهما الله تعالى لقيادة بني إسرائيل إلى بر الأمان .
5- وأمروهم بالتقوى بأسلوبين يقوّي أحدهما الآخر أما الأول " ألا تتقون ؟ " فقد جاء باسلوب الاستفهام التحضيضي . وهذا أدعى إلى التفكير واتخاذ القرار دون ضغط ولا إكراه . وأما الثاني " فاتقوا الله .." فقد جاء بصيغة الأمر بعد التفكير و التعليل وتقرير أمانة الرسل وأنه قد اتضح الأمر وظهر الحق لذي عينين .أما موسى فقد أرسله الله تعالى إلى فرعون وقومه فهم
- ظالمون
- لا يتقون
" وإذ نادى ربك موسى أن ائت القوم الظالمين ، قوم فرعون ألا يتقون ؟ !!
6- وقد يأمرك أحدهم بأمر لك فيه مصلحة وله فيه – منك – مصلحة دنيوية . أما الرسل الكرام فهم يدعون لوجه الله لا يريدون منا جزاء ولا شكوراً " وما أسألكم عليه من أجر ، إن أجري إلا على رب العالمين " وثواب الأنبياء على دعوتهم كبير جداً وعظيم جداً لا يقدر عليه البشر ، ويؤديه إليهم رب البشر واهبُ النعم ، وجزاؤه خير الجزاء ، ألم يعلمنا النبي عليه الصلاة والسلام أن نقول لمن أدى إلينا معروفاً ونريدُ له المكافأة الكبيرة " جزاك الله عنا كل خير "؟
أما الآية " فاتقوا الله وأطيعون " فقد وردت في الحديث عن نوح وهود وصالح مرتين وذلك لطغيان قوم نوح وقوم هود وقوم صالح فقد مكث نوح عليه السلام بينهم الف سنة إلا خمسين عاماً يحاجّونه ويؤلبون عليه سفهاءهم ويكذبونه .. وطال عليهم الأمد حتى مل منهم ..ويظهر ألمه هذا في سورة القمر " فدعا ربه أنى مغلوب فانتصر. وأما قوم هود فلأنهم تجبروا وبطشوا بالمؤمنين وبمن حولهم من القرى ، واعتمادِهم على قوة أجسادهم وضخامتها ، ولبطرهم وغناهم وما أمدهم به الله تعالى من مال وبنين وأنعام وجنات وعيون فكانوا لنعمه جاحدين . وأما قوم صالح فلأن الله تعالى هيّأ لهم حياة هنية وغنى فاحشاً وقوةً جسدية مكنتهم من حفر الجبال واتخاذها بيوتاً، ثم طلبوا آية فأرسل الله لهم الناقة فظلموا بها وعتَوا عن أمر ربهم
أما في الحديث عن قوم لوط وعن شعيب مع أصحاب الأيكة فقد وردت الآية " فاتقوا الله وأطيعون " مرة واحدة ولعل المتتبع للسورة يجد أن مفاسدهم كانت فيما بينهم ، وأن مكوث النبيّيْن الكريمين بينهم كان أقل – والله أعلم -.

وثاني التأملات في هذه السورة الكريمة التعليــل وذكر السبب :
والتعليل لأسباب كثيرة أيضاً منها :
البراءة والإعذار .
توضيح الأمور وتبيانها .
أن يتحمل المعنيّ مسؤولية قوله وفعله .
أن يكون صاحبَ القرار الأخير فيما يتصرف.
وسأذكر بعض الأمثلة :
- فسيدنا إبراهيم أعلن عداوته للأصنام ورفض عبادتها ، وأكد عبوديته لله رب العالمين للأسباب التالية :" الذي خلقني ، فهو يهدين .
والذي هو يطعمني ويسقين .
وإذا مرضت فهو يشفين .
والذي يميتني ثم يحيين .
والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين . "
ولأن الله تعالى صاحبُ الأمر والنهي الذي يستحق العبادة فأنا أدعوه وحده فهو المجيب الذي يلجأ إليه كل المخلوقات في الدعاء وهو الذي أسأله " وإذا سألتَ فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله " فقال : "رب هب لي حكماً ، وألحقني بالصالحين .
واجعل لي لسان صدق في الآخِرين .
واجعلني من ورثة جنة النعيم .......................
ولا تخزني يوم يُبعثون ، يوم لا ينفع مال ولا بنون ، إلا من أتى اللهَ بقلب سليم "
- والشياطين لا يمكنهم أن يسترقوا السمع " وما تنزلت به الشياطين ، وما ينبغي لهم ، وما يستطيعون " فلماذا ؟ وما السبب؟ " إنهم عن السمع لمعزولون "
- وأمر الله تعالى رسوله الكريم أن يتوكل عليه " وتوكل على العزيز الرحيم " فلماذا؟ السبب: أنه تعالى هو " العزيز الرحيم
الذي يراك حين تقوم ، وتقلبك في الساجدين
إنه هو السميع العليم . "
- ويقول الله تعالى " والشعراء يتبعهم الغاوون " فلم يارب ؟ الجواب :
" ألم تر أنهم في كل واد يهيمون ؟!
وأنهم يقولون ما لا يفعلون ؟! ................ "

وثالث هذه التأملات الاعتبار بمصائر الآخرين
فمن كان ذا قلب حي وبصيرة نافذة ادّكر ووعى ، وعمل صالحاً ونأى عن مواطن الخطأ ، وأقبل على الله تعالى بقلب منيب ... والله تعالى حين يقص علينا مصارع الظالمين ونهايتَهم المخيفة يحذرنا أن نسير سيرتهم وأن نسير على منوالهم كي لا ننتهي نهايتهم .
- فكيف كانت نهاية فرعون وملئه؟ " قال سبحانه " فأخرجناهم من جنات وعيون ، وكنوز ومقام كريم " كانوا يتمتعون بها في مصر ثم استدرجهم إلى خليج السويس لينجي المؤمنين بقيادة النبيين موسى وهارون وليقضي عليهم غرقاً " وأنجينا موسى ومن معه أجمعين ثم أغرقنا الآخرين " .
- وكيف قُضي على قوم نوح ؟ أغرقهم الله تعالى بالطوفان العظيم فلم يُبقِ منهم أحداً ، ونجّى نوحاً والمؤمنين معه في السفينة التي صنعها النبي الكريم " فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون ، ثم أغرقنا بعدُ الباقين "
- أما قوم هود فقد استأصل الله تعالى شأفتهم " فأهلكناهم " وذلك بالريح الشديدة التي دمرتهم يقول تعالى في سورة الذاريات مصوراً نهايتهم المفجعة : " وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية ، سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوماً ، فترى القوم فيها صرعى ، كأنهم أعجاز نخل خاوية ، فهل ترى لهم من باقية ؟ "
- وقوم صالح أبيدوا كذلك " فأخذهم العذاب " وذلك بالصيحة التي صعقتهم فماتوا لساعتهم . يقول الله تعالى في سورة القمر " إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتظر " .
- وأما قوم لوط فأنهاهم عن بكرة أبيهم ، وكأنهم ما كانوا " ثم دمرنا الآخرين " وكان عقابهم على شقين كما ورد في سورة هود " فلما جاء أمرنا جعلنا عاليَها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود ، مسومة عند ربك ... "
- وأما أصحاب الأيكة فقد أحرقوا بنارٍ انبعثت من سحابة حسبوها تُظلهم من حر الشمس " فكذبوه ، فأخذهم عذاب يوم الظلة ، إنه كان عذاب يوم عظيم "

ورابع هذه التأملات الاستكبار يمنع الإيمان :
فقوم نوح وجدوا ضعاف القوم هم الذين يؤمنون ، فهل يتنازلون ليكونوا مثل عبيدهم ، وفي مصافهم ! لا خاصة أن هؤلاء الضعفاء سبقوهم إلى هذا الدين الجديد ، فهل يرضى السادة أن يكونوا في الصف الثاني ؟! لا وألفُ لا " قالوا : أنؤمن لك واتبعك الأرذلون ؟!! " فنبههم النبي الكريم نوحٌ إلى أن مكانة الإنسان بعمله لا بنسبه وغناه . والداعية لا يفرق بين غني وفقير ، ولانسيب وغير نسيب ألم يضحك الصحابة رضوان الله تعالى من دقة ساق عبد الله بن مسعود – الذي قطع أبو جهل أذنه ودعاه رويعيّ الغنم - فأخبرهم النبي الكريم عليه الصلاة والسلام " أن ساقه عند الله تعالى أثقل من جبل أحد " ؟ فأجابهم نوح عليه السلام ".. وما علمي بما كانوا يعملون ؟ إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون " بل قربهم إليه واعتنى بهم واحتفى بهم لأنهم لبوا دعوته حين أنذر وبشر " وما أنا بطارد المؤمنين ، إن أنا إلا نذير مبين " ويتكرر الأمر بشكل أوضح في سورة هود حين يشتد الجدال بين نوح عليه السلام وبين قومه في الآيات/ 25- 31 / ولقد فعل المشركون مع النبي صلى الله عليه وسلم الشيء نفسه حين قالوا له مثل ما قال أسلافهم لنوح فأمره الله تعالى أن يحافظ عليهم ويقربهم ، ويُدنيَهم من مجلسه وأن يترك الغافلين الذين اتبعوا أهواءهم " واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي ، يريدون وجهه.
ولا تعْدُ عيناك عنهم تريد زهرة الحياة الدنيا .
ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا ، واتبع هواه ، وكان أمره فرطاً " بل حذره من طردهم فهم عباد الله الذين يذكرونه في كل وقت يبغون رضاه سبحانه فقال في سورة الأنعام : " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ، ما عليك من حسابهم من شيء ، وما من حسابك عليهم من شيء ، فتطردهم فتكون من الظالمين " . وكان صلى الله عليه وسلم يحتفي بابن أم مكتوم فيقول له : أهلا بمن عاتبني فيه ربي .
كما أن قوم نوح هددوه بالرجم " قالوا لئن لم تنته يا نوح لتكوننّ من المرجومين "
ومن صيغ الاستكبار الإعراض والتكذيب والاستهزاء : " وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين . فقد كذّبوا ، فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون "
ومن صيغ الاستكبار وصف فرعون النبي موسى بالسحر والجنون " قال : إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون " . وقوله للملأ حوله " إن هذا لساحر عليم " ثم تهديدُه بالسجن وتهديدُ السحرة بالصلب والتقطيع " لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنك من المسجونين " " لأقطعنّ أيديكم وأرجلكم من خلاف ، ولأصلبنّكم أجمعين "
كما أن قوم هود استهجنوا الدعوة واعتبروه مخرّفاً فقالوا مستهجنين العذاب الذي هددهم به إن كفروا " أنْ هذا إلا خلق الأولين وما نحن بمعذبين " .
وهؤلاء قوم صالح اعتبروه مسحوراً ، وتحدوه بعقر الناقة " قالوا : إنما أنت من المسحَّرين ...... فعقروها "
وقوم لوط هددوه في هذه السورة بطرده من القرية " لئن لم تنته يالوط لتكونن من المخرجين "
وأما شعيب فقد نعته أصحاب الأيكة بأنه مسحور ، وأنه كاذب " قالوا : إنما أنت من المسحَّرين ..... وإنْ نظنك لمن الكاذبين " .

وخامس هذه التأملات : مخاطبة المدعوين بلغتهم :
يخاطب الله تعالى العرب أنفسهم حين يخاطب نبيه الكريم بلسان عربي واضح لا لبس فيه " ... لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين " وهذا له فوائد جمة ، منها:
أنه منهم ، يتكلم بلغتهم ، ويخاطبهم بما يفقهون .
وأنه يعرف أساليبهم ولهجاتهم فيجيبهم بأفصح لغة وأعذب بيان.
فيقيم بذلك الحجة عليهم فلا يبقى لهم عذر للإنكار .
وقد جاء هذا المعنى في آيات كثيرة ، منها في سورة يوسف :
" إنا أنزلناه قرآناً عربياً ، لعلكم تعقلون "
وفي سورة الزمر " قرآناً عربياً غير ذي عوج لعلهم يتقون "
وفي سورة الزخرف " إنا جعلناه قرآنا عربياً لعلكم تعقلون "
وعلى هذا فينبغي أن يتعلم المسلمون اللغات الأخرى ليوصلوا القرآن الكريم والدين الكامل للأمم كلها بما يفهمون ليقيموا الحجة علي الناس .وليَعذروا إلى ربهم .
كما أن تعلم اللغات يفيد في التعرف إلى الآخرين في أفكارهم ، والدخولِ إلى قلوبهم ، وأمن مكرهم . فقد أمر النبي الكريم زيد بن ثابت وغيره أن يتعلم العبرية ففعلوا . وقال صلى الله عليه وسلم : " من تعلم لغة قوم أمن مكرهم " .
 

 ( 2 )


وحديثنا هنا إن لم يكن كله عن موسى عليه السلام فجلّه عنه .. وأول ما نقف عليه :
1- تجسيد الفكرة وذلك بالعودة إلى زمان القصة ليعيش المتلقي في أجوائها ، ويتصوّرها أمامه ، وكأنه يراها . وأداة ُالانتقال الظرفُ الماضي المتحرك " إذ " الذي ينقلك إلى الحدث فتتصورُه أمامك بصراً وسمعاً فإذا بك تسمع صوت الله تعالى من أعماق قلبك " وإذ نادى ربك موسى " فتصيخ السمع .. وأنت لا تملك إلا أن تسمع ، فهو الصوت الحق الذي يمتلك الوجودَ زمانَه ومكانَه ... كيف لا وهو خالق الزمان والمكان !!! والنداء الحق لا بد أن يطرُق شغاف قلوب المؤمنين ماذا يقول الله تعالى لموسى ؟
إنه يأمره أن:
2- يدعو الناس إلى تقوى الله عز وجل ، فالتقوى مِلاك الحياة وسبيل السالكين إلى مرضاة رب العالمين وعلى المرء السويّ أن ينحو في دعوته إلى تحقيق هدفين اثنين
أولهما أن يدعو نفسه التي بين جنبيه إلى البعد عن الهوى وسبل الغواية .
وثانيهما أن يدعو الآخرين إلى ما اعتقده من الحق ليحيَوا نقاء الحياة التي
يحياها ، وليكونوا عونه في نشر دعوته التي ارتضاها .
وعلى الدعاة أن يكونوا بين الناس ، وفي حقل الدعوة ، وما أفلح داعية يطل على المدعويين من برجه العاجي ! وكيف يصل إلى قلوبهم فينتزعُها من وهدة الضلال وينتشلها من حفر الفساد إذا لم يكن بينهم يقاسمهم هموم حياتهم ؟!.. ومن هنا نفهم قوله تعالى " أن ائت القوم ... " فلا غرو أن الاندماج في الوسط الذي ندعوه أول طريق النجاح .... وقد يسأل سائل : فأين التمايز ؟ وأين المفاصلة ؟ فالجواب : إنهما في القلب ففيه يتجذر الإيمان ، وفي التصرف الذي يدل على صدق التوجه في الدعوة . وهذا كان دأبَ الأنبياء والمصلحين .
3- معرفة الهدف : فمن هم هؤلاء الذين على موسى أن يدعوهم ؟ وما صفاتهم ؟
إنهم " ... القومَ الظالمين .. قومَ فرعون ..." وتصور معي أخي الحبيب أنهم لفسادهم وشدة كفرهم ذُكِر وصفهم قبل التعريف بهم فعرّفهم بالظلم قبل البوح بهم ليتعرف شِرّتهم فيعدّ العُدّة للتعامل معهم ، وليطلب من البراهين والأدلة ما يعينه عليهم ، وهنا نقول – كما ذكرنا مراراً – لا بد من التعريف بالهدف ليكون الأمر واضحاً لا لبس فيه ، وليتخذ المنفذ له كل احتياطاته ، ويستعدَّ للقيام به على أكمل وجه . والقرآن بهذا يعلمنا أن على المسؤول أن يكشف الهدف تماماً ، ويقدم الوسائل المعينة على إدائه على الوجه الأفضل ، كما أن على المنفّذ أن يطلب ما يراه مناسباً لنجاح المهمة .
وقد عرفنا الهدف : قوم فرعون . فما المهمة ؟ إنها التقوى " ألا يتقون ؟!... " إن التقوى سبيل الحياة الطيبة ، ومدعاة إلى مرضاة المولى سبحانه .. وعودة إلى عشرات الآيات في القرآن الكريم توضح ثمرات التقوى .. الرحمة ، الغفران ، الفلاح ، الرزق ، النجاة من المهالك ......وقد جاءت التقوى أمراً ونصيحة مشوبين بأسلوب التهديد والوعيد ، وهذا الأسلوب أمضى من الأمر والنصيحة متفرقَين .
4- التوثـّقُ للأمر :5- والاستعانة بالموثوقين : موسى عليه السلام بشر :
- يخاف : " قال ربِّ إني أخاف أن يكذّبون " .
- يضيق صدره : " ويضيق صدري .." .
- يتلعثم في الحديث : " ولا ينطلق لساني ... " .
فيطلب أخاه هارون ليكون معه يؤازره ويعينه في دعوته فهو يثق به ، ومن التوثيق للأمر أن يكون الصاحب أميناً موثوقاً . وهو يعرف أخاه معرفة تامة فطلب إشراكه في مهمته :" فأرسل إلى هارون " .
فهارون تتوافر في الفصاحة ، وسيتولى عنه توضيح الفكرة -إن ضعف - ودخولهما معاً على فرعون يخفف من وطأة الموقف ، ويخفف من الحرج وضيق الصدر ، وما ينتج عنهما .
ولا ننسَ أن الخوف يؤدي إلى ضيق الصدر ..كذلك يفعل التكذيب .. وضيق الصدر يؤدي إلى ضعف البيان وتهاوي الحجة ، واستهزاء المدعويين به ....
– يخاف من القِصاص ، فقد قتل القبطي : " ولهم عليّ
ذنب ، فأخاف أن يقتلون... " .
قد يستغل فرعون مقتل القبطي والرغبةَ في القصاص – لا للقصاص ففرعون يقتل وقت ما يشاء دون رادع أو سبب- ويرى الفرصة مناسبة لوأد كلمة الحق ، فيقتلُ الرسولَ موسى عليه السلام .. إذاً كيف يدخل عرين الأسد برجليه ؟ ويمكّنه من نفسه، وهو الذي هرب منذ سنوات طويلة خوف القِصاص ؟صحيحٌ أنه عليه السلام تاب لفعلة لم يكن يقصِدها فتاب الله عليه واجتباه ...لكن فرعون سيقتله ليتخلص من دعوته .
6- تلبية المطالب المنطقية : مادامت المهمة صعبة لا يقوم بها إلا المخلـَصون الذين اُعدّوا لها ، والله تعالى أعدّ موسى لها فرباه في رعايته " ولتُصنعَ على عيني " أجاب الله تعالى مطالبَ موسى ،
- فأرسل إلى هارون ، فجعله نبياً – والله تعالى يعلم منذ الأزل أن موسى سيطلب أخاه مساعداً ومعيناً فكان لهارون من الرعاية والعناية ما لموسى فكان يُضرب المثل بعفة هارون عليه السلام وأخلاقه ، وجَمِّ أدبه " يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء ، وما كانت أمك بغيّاً "
- وزودهما بالأدلة والبراهين " ... فاذهبا بآياتنا ...." . إن الأدلة عنوان القوة ، وداعية إلى الأمان ، وبرهان على صدق المقال والفعال .
- وثبّتهما بالمعية ، " إنا معكم مستمعون فمن كان الله تعالى معه كان راضياً مطمئن النفس ثابتَ القدم ، ومضى في مهمته جريئاً لا يخاف إلا الله .
7- التصريح بالأمر دون لبس : دخل النبيان الكريمان على فرعون ثابتَي الجأش واثقَيْن بالله ، وقالا كلمة الحق التي جاءا لها فذكرا : 1- المرسِلَ والمُرسَلَ: " إنا رسول رب العالمين " .
2- الغاية من الرسالة : " أن أرسل معنا بني إسرائيل " .
إن الوضوح يزيل اللبس ويقوّي الموقف ويمهد للحوار وهنا يبدأ الحوار بين النبي موسى عليه السلام وفرعون فماذا كان في الحوار ؟
8- الحوار : فصلت في أسلوب الحوار في مواقف متعددة وأعيده هنا مختصراً :
فهو أسلوب راق في التربية له فوائد جمة منها :
سماع الحجج والبراهين من الطرفين المتحاورين ، وإثراءُ الأفكار ، واعتياد التفكير الصحيح ، وإشغال أكثر من حاسة في الحوار ، واعتمادُ الدقة في الاستنتاج والطرح ....
وهنا نجد فرعون يلقي التهم جزافاً وبشكل متتابع ليضعف موقف الخصم ويوهن من عزيمته ويزرع فيه الخوف ويجرئ عليه الآخرين ، ويشكك في دعوته ، ويوحي للسامعين أنه كذاب لا يؤبه له وأن له ماضياً أسود من قتل وإجرام يمنعه أن يكون داعية صالحاً :
" ألم نربك فينا وليداً ؟!
ولبثت فينا من عمرك سنين ؟!
وفعلت فَعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين ؟! "
وكانت معية الله تعالى تحرس موسى أن يضعف أو يهتز ، فقال ينقض من هذه الاتهامات ما يستحق النقض والنوضيح :
" فعلتها إذاً وأنا من الضالين " فلم يكن كافراً كما يزعم فرعون ، ولم يعبده لحظة من اللحظات ، إنما كان تائهاً عن الحق يبحث عنه فوجده ، والفرق بين الكافر والتائه كبير كبير : ......................." ففررت منكم لما خفتكم " وهذا أكبر دليل على أنه كان منهم بعيداً ، قد صنعه الله على عينه . فلما لا حقوه هرب منهم إلى بلاد الشام ، وهناك أكرمه الله بالنبوة :
" فوهب لي ربي حكماً ، وجعلني من المرسلين "
ثم رد على اتهام فرعون له بقتل القبطي بأسلوب الهجوم فالهجوم خير وسيلة للدفاع" وتلك نعمة تمنّها علي أن عبّدت بني إسرائيل ؟! " وتدبّر معي أيها الأخ الكريم كلمة " عبَّدْتَ بني إسرائيل " تجدِ التجبّر والظلم الشديد وفرض الهيمنة العاتية .
لئن قتل موسى القبطي خطاً ، وما كان يريد ذلك فاستغفر الله تعالى فغفر له إن فرعون كان يقتّل أبناء بني إسرائيل ويستبقي النساء لخدمته وخدمة قومه ، واستعبدهم يفعل بهم ما يشاء دون رادع ... وانظر معي إلى التهويل في كيل الاتهام " وفعلت فعلتك التي فعلت "
والعجيب أن فرعون وهو القاتل بالجملة عمداً دون رحمة ولا رأفة يرى أن موت القبطي بضربة موسى ذنبٌ عظيم يلام فيه سيدنا موسى ويحاسب عليه ! وهنا يحضرنا قول الشاعر :
قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر
وقتل شـعب آمـن مسألة فيها نظر
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول : " يرى أحدكم القذى في عين أخيه ولا يرى الجذع في عين نفسه " .
هذا دأب المجرمين في كل مكان وزمان ، يرون لأنفسهم من الحق ما يحرّمونه على غيرهم ...
طرح موسى الكليم حجته الدامغة " وتلك منة تمنها عليّ أن عبّدْتَ بني إسرائيل " فأسكتت فرعون وألقمته حجراً ، لقد قابل السخرية بسخرية أشد منها، فانطلق فرعون إلى سؤال آخر يحوّل فيه مسار الحوار، لكنني أراه قد حُصِر حين ألجأه موسى أن يسأل السؤال الذي ينبغي أن يصل إليه : " قال فرعون : وما رب العالمين ؟! " فأجاب النبي الكريم الإجابة الشافية التي عصفت بفرعون فألجمته : " قال : رب السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين " فإذا كان الله تعالى ربَ السموات والأرض وما بينهما فما الذي بقي لفرعون؟ وازداد الجواب إحكاماً حين جاءت الفاصلة المحكمةُ " إن كنتم موقنين " لتدفع الحاضرين أن يوقنوا بذلك وكأنه يقول لهم : إن فكرتم التفكير الصحيح عرفتم الإله الحقيق ، وهذا لا شك تعريض بفرعون الذي شعر بمقصد موسى فحرّض الغوغاء وإثارة النعرات والتهييج يستعديهم عليه " قال لمن حوله : ألا تستمعون ؟ " وهنا نبّه موسى الحاضرين إلى أن الله تعالى خلق آباءهم قبل أن يكون فرعون موجوداً وخلقهم كذلك كما خلق فرعونَ نفسه " قال : ربُّكم وربُّ آبائكم الأولين : فما فرعون إلا واحد ممن خلقهم الله . وهنا يطيش صواب فرعون فيصف موسى عليه السلام بالجنون ، ويصعـّد الموقف :
" قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون " فما الذي نستشف في هذه الآية مما يدل على غضبه الشديد ؟
1- بدأ بحرف التوكيد إن .
2- استهزأ به حين ذكر إرساله إليهم " رسولكم الذي أرسل إليكم" وأراد إهانته ، فهو يرفض أن يكون مرسلاً إليه وانتبهوا إلى كلمة "الذي " الدالة على الاستبعاد.. مع الفعل المبني للمجهول أُرسِل إليكم وهو بهذا ينكر الله تعالى .
3- اللام المزحلقة زيادة في تأكيد غضبه وسخريته .
4- وصرح باتهامه موسى بالجنون .

ونرى موسى عليه السلام يصعّد الموقف أيضاً بجوابه المفحم ليلجم غوغائية الحاضرين وليرد على السخرية بمثلها :" قال : رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون "
1- في الآية السابقة اخبرهم أن الله تعالى ربهم ورب آبائهم الأولين وهنا زاد حين أكد أنه رب المشرق والمغرب وما بينهما.
2- وكما صرح فرعون بجنون موسى صرح موسى عليه السلام أن من لا يعمل عقله ويتفكرُ ويتدبّر هو المجنون الحقيقي .
وهنا يستعمل المتكبر الجبار سلاح البطش والإرهاب ، سلاح التخويف " لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنك من المسجونين " ونجد أن هذا التهديد بالسجن سلاح المفلسين ممن لا دليل لديهم ولا برهان ،
وهذا مافعله فرعون حين عرف السحرة ُالحقيقة وفضلوا النعيم الدائم على الدنيا الفانية ، فهددهم بالقتل والصلب فثبتوا ثبات الجبال الرواسي " قالوا لا ضير ، إنا إلى ربنا لمنقلبون ، إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أن كنا أول المؤمنين "
1- وهذا التجبر الفرعوني دأب التافهين الفارغين الذين يعتمدون على القوة والجبروت في وأد الحق وفرض الهوى وما أكثرهم في كل زمان ومكان ، كأنهم اتعدوا على ذلك ، وأوصى به بعضهم بعضاً ....
2- ونراه يحقر النبي الكريم موسى ويريد أن يجعله من جملة المساجين الكثر التي تزخر بهم سجونه ، وهذا ما يفعله الطغاة حين يضعون كرام القوم في السجون مع المجرمين والفسقة ليزيدوا عليهم آلامهم .
3- وهنا دليل على أن الباطل يعتمد الإرهاب واعتقال الرأي وطمس الحقيقة دون اعتبار لبشرية المفكرين وإنسانية الإنسان.
9- إظهار المعجزة آخر المطاف : فموسى عليه السلام أراد أن يؤمنوا بالعقل والدليل المنطقي ، فلم يظهر العصا أول اللقاء فالأولوية للنقاش وإقامة الحجة ، لكن حين يعمى القلب وتظهر الغوغائية وينسدُّ الطريق ، ويتنادى الظلمة إلى التهديد والوعيد واستعمال القوة بدل الفكر تأتي المعجزة الباهرة ." أوَلوْ جئتك بشيء مبين ؟.......... فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ، ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين " وهنا يبلس المجرمون فآيته التي جاء بها باهرة عقلت ألسن الجميع وفي مقدمتهم إلههم الدجال .
تهييج الرعاع واستعانة فرعون – الإلهِ المزيف – بهم - والإله لا يحتاج إلى عباده إلا إذا كان ضعيفاً -جاء ملفتاً للنظر فمن ذلك قول فرعون للملأ حوله " إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره ، فماذا تأمرون ؟! "
إله ديموقراطي !، يستشيرهم " فماذا تأمرون "
ويشيرون عليه : " أرجه وأخاه وأرسل في المدائن حاشرين يأتوك بكل سحّار عليم " ...... وهل يخاف الإله سحر الساحرين ؟!
ومن ديموقراطيته أنه قال للملأ حوله في سورة أخرى " إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد " .........
ثم هو إله يترك لعبيده أن يساعدوه بسحرهم ، ويبذل لهم المال والمناصب إن هم نصروه وثبتوا ملكه :
" فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أئن لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبين ؟ "
فهم سينصرونه لمكاسب يحرزونها ،ليس لأنه إلههم، وأن عليهم أن يبذلوا الغالي والنفيس لأجله ! ويجيبهم بلهفة المستجير الغارق المتورط :
"قال : نعم وإنكم إذاً لمن المقربين "
والعجيب أنهم يرجون انتصار السحرة الذين سيثبتون - بانتصارهم إن فعلوا – ألوهية فرعون !
" لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين " وهذا من وهن العقول وسذاجة التفكير .

10- الله أعلى وأجل : قال أبو سفيان بعد معركة أحد : اعلُ هبلْ أعلُ هبلْ فرحاً بانتصار قريش على المسلمين ، فيعلّم النبي الكريمُ المسلمين أن يقولوا : الله أعلى وأجل ، ويقول أبو سفيان : لنا عزّى ولا عزّى لكم ، فيأمر النبي الكريم عليه الصلاة والسلام المسلمين أن يقولوا : الله مولانا ولا مولى لكم . أما سحرة فرعون فقد قالوا حين ألقَوا حبالهم وعصيّهم :" بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون " وألقى موسى عصاه بتدبير الإله العظيم " فإذا هي تلقف ما يأفكون " ... وكانت النتيجة أن انقلب السحر على الساحر " فألقي السحرة ساجدين ، قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون " .
11- نهاية الظلم والظلام : وحين ينطلق ركب المؤمنين نحو بلاد الشام بعيداً عن فرعون وجبروته يحشد فرعون أعوانه وجنوده ليتابعوهم ويستأصلوهم :
" فأرسل فرعون في المدائن حاشرين إن هؤلاء لشرذمة قليلون وإنهم لنا لغائظون وإنا لجميع حاذرون " . ...
والعجيب أنه يكذب ويكذب ويكذب .. وهذه طبيعة الطغاة الذين يريدون استئصال الدين والإيمان ، ويخافون من المؤمنين الصادقين ويتآمرون عليهم .. فلم الحذر كله ولم حشد القوى كلها للقضاء على الصفوة المؤمنة وأنت تدّعي أنهم قليلون ؟؟!! إن صوت الحق قوي يؤرق ليل الظالمين وترتجف له فرائص المتغطرسين فلا بد لهؤلاء أن يبيدوهم حتى يصفو لهم الجو ولكن الله تعالى يجعل في ملاحقة الظالمين المؤمنين الفرج والنصر ، فلا بد بعد الصبر من الظفر ، ولا بد بعد المجاهدة من بلوغ الأرب .. أصحاب موسى يقولون خائفين حين تراءى لهم فرعون بجنوده يجدّون السير نحوهم : " إنا لمدركون " .
فيقول بلهجة المؤمن بربه المعتمد عليه : " كلا ، إن معي ربي سيهدين " ...
كذلك قال إبراهيم عليه السلام : " إني ذاهب إلى ربي سيهدين "
وكذلك قال سيد البشر محمد عليه الصلاة والسلام حين خوفه المنافقون من المشركين بعد أحد : " الذين قال لهم الناس : إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا : حسبنا الله ونعم الوكيل ، فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء "
ومن كان مع الله كان الله معه ، فنجى الله موسى ومن معه كما نجى إبراهيم ومحمداً عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه .." وأنجينا موسى ومن معه أجمعين ثم أغرقنا الآخرين " ...
 

زاد الـداعيـة
  • شحذ الهمم
  • زاد الخطيب
  • فن الحوار
  • فن الدعوة
  • أفكار إدارية
  • معوقات ومشكلات
  • رسائل ومقالات
  • من أثر الدعاة
  • الصفحة الرئيسية