صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







العقلية المتسائلة وأثرها في الأمة

طارق حسن السقا

 
في إحدى حفلات التخرج في كلية الهندسة قال الأستاذ وهو يسلم إحدى الخريجين شهادة التخرج:
o مبروك. هل أصبحت مهندسا ؟
o فرد عليه الطالب بكل ثقة واستبشار : نعم . نعم .
o أعاد الأستاذ السؤال, وأعاد الطالب الإجابة بنفس الحماسة.
o فتوجه الأستاذ مخاطبا القاعة المكتظة بمهندسي المستقبل وقال لهم :
o زميلكم يقول أنه أصبح مهندسا ! هل توافقوه ؟
o فجاءه رد جماعي فرح ,متهلل, متحمس بالموافقة. فخاطبهم قائلا :
o لا أنتم لم تصبحوا مهندسين بعد . نحن فقط أعطيناكم رخصة لممارسة مهنة الهندسة. أما العمل الفعلي. والعطاء الميداني, والنجاح والتميز فيحتاج منكم إلى مزيد جهد وعظيم سؤال. من اليوم عليكم أن أردتم أن تكونوا ناجحين .فعليكم بالتحلي الدائم بثقافة: " فاسألوا ". "فاسألوا أهل الذكر إن كنم لا تعلمون " (الأنبياء 7 )

* هذا الأمر القرآني المتحضر يحتوي على دعوة من المولى عز وجل للأمة بان تتحلي بثقافة السؤال . وهذه الآية- كما يقول العلامة بن سعدي – " وإن كان سببها خاصا..... فإنها عامة في كل مسألة من مسائل الدين, أصوله وفروعه, إذا لم يكن عند الإنسان علم منها, أن يسأل من يعلمها. ففيها الأمر بالتعلم والسؤال لأهل العلم". لذلك فالسؤال عبادة . عبادة يجب أن تفعل في واقع حياة الأمة . فالله عز وجل حينما أمر بسؤال أهل الذكر, وأهل العلم, وأهل الدراية, وأهل الاختصاص – كل في مجاله - إنما كان يدعو الأمة المسلمة إلى أن تجود, وتطور, وتحدث حياتها على وجه الأرض باستمرار من خلال تفعيل عبادة " فاسألوا "عند أبناء الأمة . وذلك عن طريق تحفيز العقليات المتسائلة في الأمة لتتساءل , وتتناقش , وتتحاور, وتبحث , وتستخلص أفضل الإجابات التي تساهم في تطوير وتحسين حياة الفرد, والمجتمع, والأمة جمعاء .
فمن المعروف إن الأمم تشيخ, ومن ثم تموت إذا جبل أبناؤها وربوا على تعطيل عبادة السؤال فيما بينهم .والتاريخ خير شاهد , ولطالما أخبرنا أن الأمم التي أراحت عقول أبنائها من التحلي بهذه العبادة إنما أصابها الجمود, وتعمق فيها التخلف , وعشش على جدرانها الانحطاط . والأخطر من هذا أنها أصبحت ميدانا خصبا لترعرع الأفكار والآراء والنظريات الهدامة التافهة . كما وأصبحت أكثر استعداد لتقبل الغزو الفكري والثقافي والإعلامي .....الخ دونما أية مقاومة من أي نوع .

أما حينما تحيي الأمة عبادة السؤال , ويتحلى أبناؤها بالعقلية المتسائلة , فإنها بذلك تنمي معارفها , وتثري علومها , وتنعش حفائظ علمائها ومثقفيها ودعاتها وأهل الخير فيها كل في مجاله . كما وتفتح الباب واسعا للإبداع والاجتهاد .فشيوع ثقافة السؤال تهدم الكثير من المسلمات المتخلفة في مجتمعاتنا . وتطرد البديهيات المنحرفة . وتفكك الكثير من الآراء السلبية لدى العامة .كما و تعمل على توليد المزيد من الأفكار المتحضرة التي تساهم في تطوير واقعنا الذي نحياه . لتستمر الحياة على الأرض بالطريقة التي يريدها الله عز وجل

يقول عبد الله بن نجاد العتيبي
الإنسان والأمم والحضارات كلها تمرّ بمراحل من القوة والضعف، والعلم والجهل، والنجاح والفشل، لكنني أحسب أن معارج القوة والعلم والنجاح لا ترتقيها الشعوب والحضارات إلا بأجنحة التساؤل التي تمتد لتشمل الآفاق والأنفس. (وأحسب )أن دركات الضعف والجهل والفشل لا تهوي في البشر والأمم إلا وهم مثقلون بأرتال الإجابات الباردة وجنائز الأسئلة الموءودة )

ويقول الفيلسوف الألماني نيتشه:
من أراد أن يرتاح فليعتقد، ومن أراد أن يكون من حواريي الحقيقة فليسأل .

ويقول انطوني روبنز:
لقد أدركت أن بان الفرق الأساسي بين الأشخاص الذين حققوا نجاحات- في أي ميدان من الميادين – وأولئك الذين لم يحققوا مثل هذا النجاح هو أن الأشخاص الناجحين وجهوا أسئلة أفضل وبالتالي توصلوا لإجابات أفضل توصلوا إلي إجابات منحتهم القوة لكي يعرفوا ماذا يفعلون في أية وضعيه يجدون أنفسهم فيها لكي يحققوا النتائج التي يطمحون في تحقيقها

لذلك يجب أن ندرك و نؤمن بأن الأسئلة الجيدة تخلق حياة جيدة .وأن حياتنا على الأرض ما هي إلا انعكاس لما يشغلنا من تساؤلات . ولنسترجع سويا نشأت ذلك الفتى الذي كان يدعى روزبه بن خشنودان. ذلك الفتى الذي كان يعبد النار في بلاد فارس . إلا انه كان يشعر بتفاهة هذا المعبود . وظل يؤرقه سؤالا :
= أين الحقيقة ؟
= وما هو المعبود الحق في هذا الوجود ؟
= وما هو الدين الصواب على وجه هذه البسيطة ؟
اخذ يسال.. ويسأل .. ويتنقل .. ويتتبع ..ويقتفي اثر الحقيقة المفقودة . وفي سبيل ذلك قطع آلاف الأميال من بلاد فارس إلى بلاد الشام. تنقل ما بين الموصل , ونصيبين , وعمورية. ثم استقر به المقام في وادي القرى ما بين الشام والمدينة . وبعد هذا البحث شاء الله له أن يذهب إلى يثرب. وهناك تعرف على رسول الله صلى الله عليه وسلم .الذي أضاء له الطريق ووضح له الحقيقة كل الحقيقة .

فلولا تلك العقلية المتسائلة عند روزبه بن خشنودان - والذي عرف في تاريخنا الإسلامي بعد ذلك بسلمان الفارسي –لما توصل إلى تلك الحقائق العظيمة التي توصل إليها . لولا تلك العقلية لما تغيرت حياته من خادم للنار في بلاد فارس إلى " سلمان منا أهل البيت ". ويا له من فضل. . لولا تلك العقلية المتسائلة لظل الفتى يحيى في واقع بئيس و لعاش الفتى ومات كما تعيش الخراف و تموت .

ولولا تلك العقلية المتسائلة ما سمعنا عن بل جيتس.أحد مؤسسيي شركة مايكروسوفت و رئيس مجلس إدارتها الحالي و كبير مصممي برمجياتها. الذي يعتبر أغنى شخص في العالم في العشر سنوات الأخيرة والذي بلغت ثروته في سبتمبر 2005 حوالي 51 مليار دولار. بل جيتس الذي أصبح بليونيرا عند بلوغه الواحد والثلاثين من عمره ! .
لولا تلك العقلية المتسائلة ما سمعنا هنري فورد الرأسمالي الأميركي الشهير ومؤسس مصانع فورد الشهيرة لصناعة السيارات والذي بلغ دخل شركته- التي تعد واحدة من أضخم شركات العالم في إنتاج السيارات- في نهاية 2005 مائة وثمان وسبعين مليار دولار وهو بكل تأكيد رقم ضخم وكبير .
لولا تلك العقلية المتسائلة ما سمعنا عن عالم الفيزياء المشهور ألبرت اينشتاين واضع النظرية النسبية العامة الشهيرة والحائز على جائزة نوبل 1921م . والذي كان يؤمن بأن أهم شيء في هذه الحياة هو: ألا تتوقف عن التساؤل.

إن هؤلاء جميعا - وغيرهم - بدءوا بدايات عرجاء . إلا أنهم كانوا أصحاب عزيمة صادقة وعقليات متسائلة . وان النجاحات الباهرة التي حققوها – وأنت أيضا يمكنك ذلك –إنما سبقتها أسئلة جيدة . وجهد وكد في البحث عن إجابات جيدة عن تلك الأسئلة . " فالأسئلة أداة سحرية لا يمكن إنكار قوتها .فهي تسمح للقوى الكامنة في أدمغتنا بالالتقاء مع رغباتنا . إنها النداء الذي يدعو إمكانياتنا العملاقة للاستيقاظ . إن الفرق بين الناس إنما يكمن في الفرق في الأسئلة التي يطرحونها باستمرار".لذلك -"إذا أردنا أن نغير نوعية حياتنا فعلينا أن نغير الأسئلة التي اعتدنا عليها " لان -" السؤال الجيد غالبا ما يتبعه إجابات جيدة". بمعنى آخر "الجواب الجميل هو لمن يطرح سؤالا أكثر جمالا". لذلك -"لكي تغير حياتك نحو الأفضل فعليك أن تبدل أسئلتك المعتادة" .( راجع باب : الأسئلة هي الأجوبة من كتاب : أيقظ قواك الخفية- لأنتوني روبنز)

إن الواقع المنهار الذي يعيشه كثير منا كأفراد أو كجماعات أو كأمم إنما يحتاج إلى حلول عميقة . وهذه الحلول العميقة لا يكمن أن تخرج إلا من رحم الأسئلة العميقة.
وتلك الأسئلة العميقة لا يمكن أن تصدر إلا عن عقليات متفتحة غرست فيها ثقافة السؤال .وتعي فقه الواقع في قول الله عز وجل " فاسألوا أهل الذكر إن كنم لا تعلمون ".(الأنبياء-7)

إن خلق تلك العقلية في الأمة يحتاج إلى جهود مخلصة تعمل جاهدة على توفير مناخ صحي يساعد على غرس ثقافة السؤال عند أبناء المسلمين في مدارسهم , في معاهدهم , في مناهجهم , في مساجدهم . في طرق التدريس والتعليم , والتقويم . في طرق التفكير , والنقد والإبداع .

على المربين والآباء أن يفتحوا الأبواب واسعة أمام العقليات المتسائلة . فكثير من التطورات التي طرأت على عدد من الأمم كانت وراءها عقول متسائلة . وكثير من المجتمعات ارتقت وسمت نتيجة لتفشي ثقافة السؤال بين أبنائها . وكثير من الإفراد الذين تميزوا كانوا أصحاب عقول متسائلة . لذلك يجب علينا أن نسعى جاهدين إلى نشر هذه الثقافة في كل مؤسساتنا, وألا تضيق صدورنا من جراء ذلك .فثقافة السؤال هي الوحيدة القادرة على إحداث حراك إيجابي ينتشل الأمة من حيرتها ويعيد إليها شبابها ومجدها .

وفي النهاية دعني أسألك :
= ما الهم الذي تحمله ؟
= وما هو السؤال الذي يشغلك ويؤرقك الآن ؟
= وهل لديك الاستعداد الكافي للكد والسعي وراء البحث عن إجابات عن هذا السؤال ؟.
إذا كان الأمر كذلك فابدأ رحلتك من ألان . وإذا كان الأمر غير ذلك" فتذكر إن عقلك مثل جني فانوس علاء الدين . وانه لن يعطيك إلا ما تطلبه منه . لذا عليك أن تكون حريصا فيما تطرحه من أسئلة. إذ انك لن تجد إلا ما تبحث عنه ".وتذكر أن من اعتاد طرق الأبواب حتما سيدخلها .


طارق حسن السقا
alsaqa22@hotmail.com
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
زاد الـداعيـة
  • شحذ الهمم
  • زاد الخطيب
  • فن الحوار
  • فن الدعوة
  • أفكار إدارية
  • معوقات ومشكلات
  • رسائل ومقالات
  • من أثر الدعاة
  • الصفحة الرئيسية