صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







أسرة الداعية كيف ينبغي أن تكون ؟

 
هناك أمور كثيرة وملحّة لطرح مثل هذا الموضوع قد تأتي الإشارة إليها ...
لكن من المهم الذي ينبغي أن نعرفه أن الداعية لا بد أن يكون متميزاً في أسرته متميزاً في التعامل معهم ، متميزاً في اختيار أسرته ، تميّزا لا يخرجه عن المألوف أو عن الحدود الشرعية وإنما تميزا في ظل الشريعة الغراء ، فإن أهل السنة قلّة في الناس ، والدعاة منهم الى الحق قلّة فيهم ، لذلك لزم تميّزهم عن غيرهم لا لذواتهم وإنما للحق الذي معهم الذي يدعون إليه ..
وهذه سلسلة حول موضوع : أسرة الداعية ، ومهمّات الداعية إلى الله تجاه أسرته :

الحلقة الأولى : أهمية الأسرة المسلمة - عموماً _ الأسرة مملكة مصغّرة ، هي نواة المجتمع وأساسه ، باستقرار الأسرة تستقر أحوال المجتمعات ، وبصلاحها صلاح الأمم ، وبفسادها فساد المجتمع . ولأجل ذلك عظّم الله شأن الأسرة ورفع مكانتها .
والداعية إلى الله بحاجة إلى أن يعيش حياة الاستقرار التي تعينه على القيام بأعباء دعوته ، والاستمرار في خدمة عقيدته ، وحتى يكون كذلك فقدكان الزواج سبيلاً وطريقاً هنيئاً مريئاً – لمن يسره الله له – لأن يعيش الداعية حياة العطاء المستمر والعمل الدؤوب ،حيث يجدمن يشاطره همّه ، ويبادله أمره وشأنه .
أهمية الأسرة تكمن في أمور :
1 –
أن الناكح يريد العفاف يسهل له أمره : ومن هنا ندرك الحكمة في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه – بأبي هو وأمي - :" ثلاثة حق على عونهم.. .... –وذكر منهم -: الناكح يريد العفاف .." ، والله جل في علاه قد قال في كتابه : " .. إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله .." عهد على الله ووعد منه لمن أراد النكاح للعفاف أن ييسره الله عليه ، وذلك مما يدل على أهمية العناية بالأسرة من جهة الشريعة .
2- أن الله جل وتعالى بيّن في كتابه الهدف الأسمى من النكاح وذلك في قوله : " وجعل بينكم مودة ورحمة .." فالنكاح لا لإشباع الغريزة السبعية في الإنسان وإنما لتحقيق " المودة والرحمة " بكل ما تعنيه هذه الصفات .
3 – أن الله جل وعزّ عظّم شأن الأسرة فأنزل سورة كاملة بيّن فيها الحقوق الأسرية من حين تكوينها إلى ما يكون بعد انتهاء أحد طرفيها ( بالموت ) ،وذلك في سورة عظيمة اسمها سورة النساء ، وقد افتتحها الله تعالى بقوله : "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً " ، وللأستاذ الشهيد سيد قطب رحمه الله كلام نفيس حول هذه الآية فلينظر إليه .
وإتماما لرعاية حق الأسرة فقد أنزل سورة أخرى تسمى ( بالنساء الصغرى ) بيّن فيها ما يتعلق بالأسرة إذا انتهت ( بالطلاق ) ، فأنزل هذه السورة العظيمة ، ولشدة رعاية أمر الأسرة فقد كرر الله فيها الأمر بالتقوى في أكثر من خمس مرات ، ويعيد ويذكّر بالتقوى في أكثر من أربعين موضعاً – تلميحاً – في السورة نفسها على قصر آياتها ،وكل ذلك تعظيماً لشأن هذه الأسرة والحفاظ عليها ،ولعل الإنسان حين يقرأ قول الله تعالى ك" وكأيّن من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حساباً شديداً وعذّبناها عذاباً نكرا ، فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسراً .." يستغرب وله أن يتساءل ، ما علاقة ضرب هذا المثل في معرض الكلام حول الطلاق وما يتعلق به ، والناظر المتأمل يجد في الآية قوة في الأمر بالحفاظ على الأسرة ، وبيان ذلك:
أن الله جل وعز يذكّر الرجل الذي جعل الله في يده القوامة والأمر ، بأن يحسن عشرته مع زوجه التي هي ( أسيرة بين يديه ) فإن أحسن شأنها وأمرها فإن الله يبارك له ، أما إن تسلّط وتجبّر مستغلا ما أعطاه الله من السلطة والأمر ، فإن الله أخذه أخذ عزيز مقتدر ، فكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فلم تلتزم أمر الله ورسله فإن الله يحاسبها حساباً شديدا ، وفي هذا أمر شديد ووعيد رهيب في تضييع الأسرة وتفككها دون أي مسبب شرعي ، وتلك حكمة من الله بالغة .

الحلقة الثانية من الموضوع : أهمية الاستقرار الأسري بالنسبة للداعية .
الداعية الى الله الصادق في دعوته بحاجة إلى من يعينه على أعباء الدعوة ومتطلباتها ، وحين يكون هذا المعين قريباً من الداعية كان ذلك أسكن لنفسه وأقر لعينه ، ولذلك لما بعث الله موسى عليه السلام إلى فرعون قال : " رب اشرح لي صدري . ويسر لي أمري . واحلل عقدة من لساني . يفقهوا قولي . واجعل لي وزيراً من أهلي . هارون أخي . أشدد به أزري . وأشركه في أمري . كي نسبحك كثيراً . ونذكرك كثيراً . "
ويعجب المتعجب حين يقرأ هذا الكلام الرباني ، ويقرأ فيه تعطف موسى عليه السلام ورجاءه ربه أن يجعل له وزيراً من أهله . لماذا ؟
لشدّ الأزر ، وتكون النتيجة : " كي نسبحك كثيراً ونذكرك كثيراً "
الداعية إلى الله في قلبه همّ عظيم ، هم الدعوة وإيصال الخير للناس ،وهذا الهمّ قد يتملك لب الداعية ووقته وجهده ، فحين يجد من يسنده ويؤيده يبارك الله له في عمله وجهده .
وتبرز أهمية الأسرة بالنسبة للداعية في أمور :
1 –
أن الأسرة توفّر للداعية الصادق نصف الجهد ، وتعينه على النصف الآخر .
2- يُبرز أهمية الأسرة للداعية قصة رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جاءه جبريل عليه السلام في الغار وضمه إليه ، فجاء إلى خديجة رضي الله عنها فأخبرها الخبر ، فهدأت من روعه ، وطمأنت نفسه ، وسعت في تفريج ما حلّ بزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وفي الحقيقة أن هذه القصة بحاجة إلى مزيد تأمل وخصوصاً من زوجات الدعاة إلى الله وذلك لاستخراج درر الدروس ونفائس العبر من هذه الحادثة التي كانت بداية الجهاد والدعوة ، والوقوف على أهمية الدور المنشود من الزوجة الداعية .
دواعي طرح الموضوع :
1 –
أن الأسرة هي مملكة الداعية الأولى ومنطلقه ، ( وانذر عشيرتك الأقربين ) ، فحين تصحّ هذه المملكة ، ويستقيم أمرها فإنها تصير مدرسة للدعاة .
2 - انشغال كثير من الدعاة إلى الله بدعوة الناس والسعي في مصالح العباد ،وإهمال الأسرة من زوجة وأولاد ، فزوجات الدعاة إلى الله من أشقى الناس بأزواجهم – إلا من رحم الله وقليل ما هم _ في بيت الداعية لا تعرف الزوجة أبجديات في أمور دينها ، في بيوت الدعاة شباب حيارى وبنات متسكعات – إلا من رحم الله - ... في بيوت الدعاة ..........
فكم تسمع عن أبناء الدعاة أنهم من أبعد الناس عن الله – وغالباً ما يكون ذلك بتفريط الدعاة أنفسهم في حقوق أبنائهم - . سيأتي مزيد بيان لهذه النقطة .
ولذلك صار من الأهمية بمكان طرح مثل هذا الموضوع تنبيها للغافل ، وتحذيراً من عواقب إهمال الأسرة وجعلها في مهب الريح .
3 – قلّة العناية بطرح مثل هذا الموضوع من قبل المختصين ، من الموجهين والمربين والدعاة .
4- كثرة المشاكل الأسرية في بيوت الدعاة ، وعدم استقرار الحياة الزوجية في بيوت الدعاة إلى الله ، مما ينعكس سلباً في أداء الداعية .
5- أن بعض المحسوبين على الدعوة والدعاة يدخلون إلى الحياة الزوجية على جهل بأعباء هذه الحياة ومتطلباتها ، وعدم تقدير لمسئولية الأسرة مما ينتج عنه مشاكل أسرية .
6 – التساهل في أداء الحقوق الزوجية ، أو تضييعها بحجة الانشغال بالدعوة وأعمال البر . – وخصوصاً بعد دخول هذه الشبكة العنكبوتية داخل البيوت ، فكم يقض الداعية خلف هذه الشاشة من الوقت وعلى حساب من ؟ _
فهل يصح أن نسوّغ ضياع الأبناء ، وجهل الزوجات بالانشغال بالدعوة ؟؟!
7 – ومن أهم دواعي طرح هذا الموضوع – في المقابل - أننا صرنا نرى ونسمع أن الزواج صار مقبرة للدعاة فكم من داعية نشيط ، دؤوب العمل ، لا يمل ولا يكل ، فلما تزوج قيل : ( مات في أحضان زوجته ) فما تراه عن العمل إلا معتذراً أو متهرباً ، يتحجج بمشاغل الأهل ومسئولية البيت ، والرسول صلى الله عليه وسلم كان له من الأزواج تسع ، ومع ذلك فقد كان وسطاً في الأمور كلها .فداه أبي وأمي .
وكذلك الأمر ينطبق على الداعيات من النساء ، ما إن تتزوج حتى تتخفف من مسئولية العمل لهذا الدين ، في الأمس كانت لها الصولة والجولة ، واليوم يُترحّم عليها في عداد المفقودات من ساحة العمل الدعوي .
فيا أيها الدعاة إلى الله ( رجالا ونساءً ) انتبهواااااا واستيقضوا !!
لهذه الأسباب ولغيرها كان طرح هذا الموضوع مهماً جداً بالنسبة للدعاة ،والعناية به من آكد ما ينبغي أن يعتنى به في هذه الأزمان ، لأننا صرنا وللأسف نشهد ظاهرة سيئة وهي أن بيوت الدعاة صارت تخرّج المخربين من طائشين ، وحملة مبادئ هدامة _ نسأل الله الحماية _ وهذا مما يؤسف له والله المستعان .
والكلام في هذا الباب يأخذ محورين أساسين .
المحور الأول : التعامل بين الزوجين .
المحور الثاني : تربية الأبناء .
وسيأتي تباعاً بيان ذلك .

الحلقة الثالثة : مقومات شخصية الزوج .
قبل الشروع في بيان محوري الأسرة الناجحة ، لا بد من هذه التقدمة المهمة التي نبيّن فيها مقومات أساسية لابد وأن تتوفر في شخصية الزوج حتى يكون أهلاً للقوامة التي كلفه الله بها ، وحين يتخلف أحد هذه المقومات تتأخر السعادة الزوجية والاستقرار الأسري على قدر تخلف هذه المقومات . وهي سبع مقومات :
المقوّم الأول : القدوة .
ومعناها وحقيقتها : أن يوافق الفعل القول ، وهو المعنى الذي أشار الله اليه بقوله : " يا أيها الذين ءامنوا لم تقولون ما لاتفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقووا ما لا تفعلون "
فاقتران الفعل للقول أبلغ في التأثير ، وأدعى للإستجابة والتوقير .
وقد كان صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة في ذلك ، فما كان يأمر بأمر إلا كان أسبق الناس إلى تطبيقه والعمل به .
وذلك كثير في السنة النبوية ، ولنأخذ مثلاً واحداً من السيرة يبيّن أثرالقدوة وتأثيرها على النفس :
المثال هو : ما حصل في يوم الحديبية حين أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه بأن يحلوا ، ويحلقوا رؤوسهم فتأبوا عليه ، فدخل منزعجاً إلى زوجه أم سلمة رضي الله عنها وذكر لها ما يجد من أصحابه ، فقالت له : أخرج فأمر الحلاق أن يحلق لك رأسك .. ففعل صلى الله عليه وسلم ذلك ، ففعل الصحابة بعده لفعله واقتداءً به صلى الله عليه وسلم .
هذا المثل يبيّن لنا أثر القدوة على نفس الآخرين ، وكيف أن القدوة من أسهل الطرق لكسب الآخرين واقناعهم بما تقول .
ولذلك ينبغي على الزوج أن يكون قدوة في بيته ، قدوة تقتدي به زوجه وأبنائه ، وحين يكون الزوج كذلك فإنه يكبر في عين من هم حوله ( زوجه وبناته وابنائه ) ، وحينها يسهل التأثير عليهم وتربيتهم تربية صالحة .
محترزات .
وهنا ينبغي على الزوج أن يحترز من محترزات تخل بالقدوة ، وهذه المحترزات تأخذ مظاهراً عدّة في حياتنا اليومية منها :
- الأمر بالمعروف من ( صلاة ، أو ذكر ، أو توجيه ...) وعدم فعله ، والأدهى من ذلك أن يأتي ما ينهى عنه فكيف تستقيم زوجة لزوجها حين يأمرها بالصبر – مثلاً – لكنه في الواقع يسخط ويزفر حتى من أتفه الأسباب والأحوال ، كم من زوج هجر زوجته لأجل أنها لم تحسن كي ( الغترة أو الشماغ ) ، أو أنها ما أصلحت الطعام ، أو لأنها أتلفت أثاثاً أو .. ، ومن أعجب ما سمعته في هذا : زوج محسوب على المربين والدعاة يأمر أهله بالصلاة والمحافظة عليها ، ثم لما توقظه زوجه للصلاة يسخط عليها وينفر حتى صارت تتحرج من إيقاظه للصلاة ... ، وغير ذلك من مظاهر الإخلال بالقدوة في الأمر والنهي ، والكلام في ذلك مع الأبناء أغص وأمرّ والواقع شاهد على ذلك .
- عدم تزكية النفس وترقيتها في سلم الكمال البشري ، والاكتفاء بالحال على ما هو الحال ، والشعار : ليس بالامكان أكثر مما كان .. وهنا مشكلة يجب أن يتنبه لها أهل الدعوة ، وخصوصاً في هذه النقطة ، وذلك حين يجد الرجل من زوجته أنها تقارنه بفلان من الناس ، وأن فلاناً أحسن منه علما وتديناً وحرقة على دينه ، وعملا لأجل دعوته ومبادئه ، فإذا وصلت الزوجة إلى هذه المرحلة فهي مرحلة خطرة على استقرار الحياة ، والواجب على الزوج هنا أن يكون محل قدوة لزوجته لا أن يكون غيره من أصحابه وخلانه مكان القدوة لها ، ومن هنا يلزم الزوج أن يجاهد نفسه في الترقي ، والتزكية لا لهذا الغرض فحسب بل تقوى لله ورغبة فيما عنده ودفعاً لما قد يكون سبباُ من أسباب التفكك الأسري ، فإن المرأة بطبعها - بل البشر عموماً – يعجبون بالانسان العامل الذي يترقى في سلم المال البشري ، ومن هنا كان من مظاهر الإخلال بالقدوة العجز والكسل عن تزكية النفس والترقي بها . فكيف يريد الداعية من زوجته أن تكون داعية فاضلة بين بنات جنسها ، وهو ليس كذلك ..- والله المستعان - .
المقوّم الثاني : المودة والرحمة والمحبة .
وهذا المقوم سر من أسرار الزواج الناجح ، وسر من أسرار الأسرة المستقرة الفاعلة ، ولذلك جعل الله هف الزواج تحقيق هذه المودة والرحمة بين الزوجين .
وهذا المقوّم مهم في باب إقناع الزوجة وكسب قلبها ، والداعية الصادق بحاجة إلى أن يكسب قلب زوجه ، وأن يجعلها أشد اقناعاً بما هو عليه .
كثيراً ما تتذمر زوجات الدعاة من كثرة انشغال أزواجهم بالاعمال الدعوية ، وانصرافهم عنهم ، وبصراحة أكثر : يتذمرون من قلّة جلوس أزواجهم معهم والخروج بهم في نزهة قصيرة ، ..
والداعية الصادق قد ينشغل جلّ وقته في أمور دعوته ، وأحياناً – أو غالباً- ما يؤجل وعوده لزوجته وابنائه بسبب عمل دعوي ، أو برنامج خيري يستلزم وجوده .
وهنا يبرز أهمية هذا المقوّم في إقناع الزوجة بهذا العمل ، وأنه إنما يقوم لله ، وأنها تؤجر على صبرها وجهادها معه ، فإن كان الرجل محباً لزوجته ، يغمرها بمودته ورحمته إياها ، وهو صادق في قوله وفعله فالكلمة الصادقة التي تخرج من القلب تقع في القلب مباشرة .
أما حين ينعدم الحب – أو يقل – بين الزوجين فما عسى أن يقنع هذه الزوجة .
ولكم أن تتخيلوا موقف المرأة في حال أن زوجها يشعرها بحبه ومودته ، وفي حال أن الزوج لا يشعر أهله بالحب والمودة والرحمة ، وذلك إن أراد زوجها الزواج بامرأة ثانية ؟!!!
اتصور أن الزوجة التي تشعر بحب زوجها ومودته لها ورحمته بها ، لن تجد ممانعة قوية في نفسها من إقدام زوجها على الزواج بأخرى ، لأنها تشعر في قرارة نفسها أن زوجها لن ينسى حقها وحبه لها ( وهو الأمر الذي يتخوف منه كثير من الزوجات ) .
أما الزوجة الثانية التي لا تشعر من زوجه بحب ولا رحمة ، فإنها في هذا الموقف سوف تمانع وتجادل حتى تطلب من زوجها الطلاق والفراق ، وما ذاك إلا لشعورها بأن زوجها الذي ما أشعرها يوما برحمة أنه سوف يتركها عظما بد لحم .
هذا مثل بسيط لأثر المودة والرحمة والحب بين الزوجين ، وكيف يعمل هذا الحب وهذه الرحمة على سهولة الإقناع .
وإننا ما نجد مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب مع زوجاته وابنائه ، ولنأخذ بعض النصوص والحوادث :
- كان صلى الله عليه وسلم مع عائشة رضي الله عنها هيناً ليناً ما هوت شيئاً إلا تابعها عليه .
- ينيخ لها ظهره صلى الله عليه وسلم لتصعد وتنظر إلى لعب الأحابيش .
- تكسر الصحفة بين يديه وعنده بعض أصحابه ، فما يزيد عن أن يتبسم صلى الله عليه وسلم .
- يجلس مع عائشة تحدثه الحديث الطويل ( حديث أم زرع ) فلا يضجر أو يمل بل يتابع معها حديثها ولو طال وتعقّدت كلماته .
- يترافع يوما صلى الله عليه وسلم هو وإياها إلى أبيها أبي بكر رضي الله عنه ، فيقول لها : أتكلم أو تتكلمين ، فتقول وهي مغضبة : بل تكلم أنت ولا تقل إلا حقاً ، فيصفعها أبوها على وجهها ، فيقف صلى الله عليه وسلم بينه وبين زوجته يحميها ، ويقول : ما لهذا دعوناك ، ثم ما يلبث أن يتباسط وإياها فيضحكها وتضحكه ........
مع الأبناء :
- يرتحله حفيده : الحسن أو الحسين وهو ساجد في الصلاة فلا يرفع رأسه حتى ينزل الغلام .
- ينزل يوما من على المنبر ليأخذ حفيده بين ذراعيه ثم يصعد به على المنبر ويكمل خطبته .
- يداعب الأطفال ويعطيهم الهدايا والعطايا .
وكثير ذلك في كتب السنة والسيرة . وبحق هو ( إنك لعلى خلق عظيم )
من مظاهر المودة والرحمة بين الزوجين :
- التفاعل مع حال الزوجة في فرحها وحزنها ، في عافيتها ، ومرضها ، في حيل انشراحها وضيق صدرها ومراعاة تقلب أحوالها ، فمن الناس من يرعى لزوجته حقها ويرحمها حين تكون في حال رخاء ونعماء ، أ/ا حين ضراءها وبلواءها فهو من أبعد الناس عنها ، وهذا من الظلم والغبن .
- العناية بأهل الزوجة ، وتفقدهم ومراعاة أحوالهم ، وإدخال السرور عليهم ، فإن ذلك مما يزيد الحب والمودة بين الزوجين . ( صدقة على أهل بيتك صدقة وصلة ) .
- المبادلة ، بادلها الضحكة بالضحكة ، والأنس بالأنس ، والتجمّل بالتجمل ... فلماذا نطلب من زوجاتنا أن يكنّ ملكات جمال ، ولا نسعى في تجملنا لهن كما نريد منهن – هذا جانب في ذلك - والذي ينبغي أن يبادل الزوج زوجته ما يريد منها ، فكما تحب أن تكون لك كنّ لها - في حدود المشروع - .
- النظرة الواقعية للزوجة ، فلا ينظر إليها – وإن كانت برفسورة – أنها أكمل نساء الدنيا ، ولا ينظر إليها أنها هي هي ، فإن هذه النظرة غير الواقعية تقلب الحياة سعيراً ، إذ أن الزوج بحكم نظرته يريد أن يرى زوجته كما ينظر إليها هو ، والمقياس الشرعي : أن المرأة خلقت من ضلع أعوج ، قال صلى الله عليه وسلم : " المرأة كالضلع ، إن أقمتها كسرتها وإن استمتعت بها ، استمتعت بها وفيها عوج " قال ابن حجر رحمه الله : فيه سياسة النساء بأخذ العفو منهن والصبر على عوجهن ، وإن من رام تقويمهن ، فاته الانتفاع بهن .. مع أنه لا غنى للانسان عن امرأة يسكن اليها ويستعين بها على معاشه ، فكأنه قال : الاستمتاع بها لا يتم إلا بالصبر عليها .. أ . هـ ووصف المرأة بالضلع بجامع الاعوجاج فيهما ، ففي الضلع حقيقة ، وفي المرأة مجازاً ، ووصف للضلع في خٍلقته ، ووصف للمرأة في خُلقها .
قواعد :
وها هنا أذكر قاعدتين مهمتين في هذا الباب ( باب الحب والمودة ) – وآمل من الجميع ابداء الرأي في صحة تطبيقها :
القاعدة الأولى : " أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما " وهذه القاعدة أثراً عن علي رضي الله عنه ، ورفعه بعضهم .
فما هو مقدار الحب الذي يكون للزوجة ، وما معنى هذا الأثر ؟؟
وهل يصح تطبيقه على حال الزوجية ؟
القاعدة الثانية : ليس بالحب وحده تقوم الأسر ، ولا يمكن أن تستمر مع البغض والكره .
بمعنى أن هناك أسراً تقوم وليس هناك حب بين طرفيها ، كما أنه ليس هناك بغض بينهم ، والمعنى بشكل أوضح : أنه من الممكن أن تقوم أسر – لكن ليست هي الأسرة المثالية التي نطمح إليها – وتبقى بدون أن يكون هناك حب بين طرفيها .
مثال ذلك : أسر بعض الأعراب الذين يعيشون في البوادي فمن هذه الأسر من تقوم ولا يعرف الزوج و لا زوجته معنى الحب ، وإنما الحياة بينهم قائمة على مصالح الخدمة بينهما ، فالزوج يريد من زوجته المأكل والمشرب والملبس وما يريد الرجل من المرأة ، والزوجة تريد من زوجها أن يوفر لها سكناً ومأكلاً ومشرباً وما تريد المرأة من الرجل ، ولا يربط بينهما حب كما أنه لا يعتريهما البغض والكره ...
ونكمل ما تبقى في حلقات أخر
المقوّم الثالث : العدل .
وهو الأمر الذي قامت عليه السماوات والأرض ، قال الله جل في علاه :" وإذا قلتم فاعدلوا .."
وقال : " اعدلوا هو أقرب للتقوى .." ...
والظلم من أعظم الذنوب خطراً على الفرد والمجتمع ، فقد قيل : إن الله يقيم الدولة الكافرة بالعدل ، ويهلك الدولة المسلمة بالظلم .
وتلك سنة الله جارية في كونه وخلقه ، فإن الله لا يحب الظلم والظالمين ، ويحب القسط والمقسطين الذين يقومون بالعدل بين الناس .
والعدل في الحياة الزوجية من أهم أسباب بقاء الأسر وعدم تفككها .
ومعنى العدل في الحياة الزوجية يشمل كل شئون الحياة .
فكم هدّم الظلم من بيت ، وكم شرّد من أطفال ، وكم رمّل من نساء ... كل ذلك بسبب الجور والظلم .
لكن الله للظالم بالمرصاد :
تنام عينك والمظلوم في كمد يدعو عليك وعين الله لم تنم
وإذا ذكر العدل في الحياة الزوجية فبادئ ما ينصرف إليه الذهن العدل بين الزوجات ، وهو أمر عظيم ..
فالله .. الله بالعدل .. وإياكم أن يأتي أحدكم يوم القيامة وشقه مائل - نسأل الله الحماية -
يُذكر أن رجلاً تزوج من امرأتين وكان شديد الحرص على أن يعدل بين زوجتيه في كل شئونهما ، وقدر الله جل وعز أن يتوفى زوجتيه في ليلة واحدة ، فغسلهما وكفنهما ، فلما أراد أن يخرجهما من المنزل احتار كيف يقدم واحدة على الأخرى في الخروج ، والباب لا يتسع لمرور جنازتين في آن واحد ، فما كان منه إلا أن كسّر ماجاور الباب من الجدار حتى يتسع الباب لإخراجهما سويا وفعل حتى دفنهما ...
وفي المنام رأى إحدى زوجتيه تقول له : لماذا أخرجتني من جهة الجدار الذي تكسر ، وأخرجت ضرتي من الباب ...، ففزع من نومه وحزن لذلك حزنا شديدا كاد يفتك به .
وبغض النظر عن تفاصيل هذه الحادثة أو صحتها - إنما هي للتمثيل - فإن الزوج المؤمن -وخصوصاً الداعية إلى الله - مطالب بأن يعدل بين أزواجه ، ولا يجوز له بحال أن يفضل واحدة على أخرى في الأمور المشتركة بينهما ، وحين يتخلف العدل من بيوت الدعاة والأزواج الصالحين ، تسقط هيبتهم بين الناس ، ويزيد أمر التعدد تعقيداً وممانعة من النساء والآباء .
يحدثني أحدهم ويقول : أن له قريبة مطلقة ، تقدم لخطبتها أحد الدعاة إلى الله ففرحنا به فزوجناه إياها ، وقد كان أبي حريصاً على أن لا يزوجها رجلاً معدداً ، فما برحت أقنع والدي أن يزوجه لما يُعرف عنه من العلم والصلاح والسمعة بين الناس ، وبعد أشهر من الزواج وجدت أن هذا ( الشيخ ) لا يعطيها حقها بل وصل الأمر إلى تهديدها وتهديد أهلها بما لا يسوغ ذكره هنا ... فحصلت لأبي صدمة كبيرة جداً ، وخصوصاً أنه كان يرى في هذا الرجل : ( أنه الشيخ الجليل ، العابد ، الناصح ) لكنه في بيته لا يرعى حق المسكينة الضعيفة مما ولّد عند والدي كراهة المتدينين الذين يعددون في الزواج ... ولا أدري إلى متى تبقى هي تغالب أعاصير الحياة في بيتها ، ولا أدري إلى متى يبقى والدي يفريه الهمّ والغمّ من شدة ما يجد ....
هذه حادثة من حوادث كثر .... ولعل القارئ الكريم يعرف أحوالا وأحوال ، والمحاكم خير شاهد على ذلك .
ليس الغرابة في الحادثة أن لا يعدل الرجل بين زوجاته ، ولكن الغرابة أن يحدث هذا الظلم والحيف والجور من إنسان يعرف ما يفعل ، وفعله مؤثر بين الناس !!
من صور العدل في الحياة الأسرية :
- أن يعامل الرجل زوجته كما يحب أن يعاملوه . وكذلك الزوجة ( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ) .
- العدل في نشر الحنان والحب بين الأولاد .
- العدل في حل مشاكل الأسرة مع الآخرين ( الوالدين ، الجيران ... )
سؤال : كيف تتصرف ؟
- تعود إلى بيتك فتجد والدتك بانتظارك وهي تزفر من الغضب تشكوا إليك زوجتك ، ثم تدخل على زوجتك فتجدها هي الأخرى أشد زفراً وغضباً تشكوا إليك أمك ... فكيف تتصرف ؟!
- بعد صلاة العصر يأخذك جارك على انزواء يشكوا إليك ابنك بأنه قد شج رأس ابنه الذي يصغره بسنة .
- في الليل تدخل بيتك فإذا شجار قائم بين ولديك ؟
كيف تتصرف في هذه المواقف ؟؟
- العدل في تقييم الخطأ ، فلا تميل إلى والدتك مثلاً إن الحق مع زوجتك ، ولا تمل إلى عاطفة البنوّة إن كان ولدك قد أخطأ على ولد الجيران ... وهكذا ، يبقى الأمر في طريقة التصحيح ومعالجة الخطأ ، وذلك يخضع لاعتبارات تلابس الحادثة نفسها ، لكن ينبغي أن يراعى العدل في تقييم الخطأ فلا يُبالغ في تضخيم الخطأ الصغير ، ولا يُتهاون في تصغير الخطأ الكبير ...
- العدل في الوقت . فكم تأخذ من الوقت تُجمّ فيه نفسك وترفهها .. فلا تنس شريكة الحياة ، لا تنس نفسك وأنت خلف هذا الجهاز فتقضي الساعات الطوال ثم ( تنطرح على فراشك كأنك ..!!! )
- من العدل :لا تذكّر زوجتك بالأخطاء الماضية المنتهية ، وكأنك تطرح بين يديها كشف حساب ، فقد تعاملك هي أيضاً بذلك .
المقوّم الرابع : الحكمة في التصرف والتقويم .
قال الله تعالى : " ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً .."
والحكمة هي وضع الشيء في موضعه ، الحزم حين يكون الحزم ، واللين في موضع اللين .
إذا غضبت على ولدك فلا يكن غضبك حين يتلف الأثاث أو يكسر الزجاج أعظم من غضبك عليه حين يتأخر عن الصلاة أو يتركها ..
ولا يكن غضبك على زوجك حين تخطئ في غسيل أو طبخ أو كي أعظم من غضبك عليها حين تغتاب أو تذكر جارتها بسوء ...
لا تكثر العتاب في كل شاردة وواردة ، فالنظرة أحياناً تكفي ، والإشارة في أحوال تشفي ، والتجاهل في مرات يغني عن الخوض والعتاب .
قال الغزالي رحمه الله : " لا تكثر على الصبي العتاب ، فإنه يهوّن عليه سماع الملامة ! "
المقوّم الخامس : المخالطة .
مخالطة الأسرة ، وإشعارهم بالقرب ، والعطف عليهم ، وهذه المخالطة مما يزيد الأبناء حبا واقتداء بوالدهم ، كما أن المخالطة تزيد الحب بين الزوجين .
كم نسمع عن أزواج يرهقون أنفسهم خارج المنزل بالأعمال ، ثم إذا حضر إلى البيت ما يبحث عن شئ إلا الفراش ، وكم تسمع عن ذلك الذي ما إن يحط رحاله في أرض حتى يطير إلى أخرى ، دون اهتمام أو شعور بما عليه من مسئولية الأسرة .
المقوّم السادس : القيام بأعباء الأسرة ومسئولياتها .
فلا يكون عاطلاً ، عاجزاً ، كسلاً .. قعيد بيته ينتظر إحسان المحسنين ، أو راتب زوجته آخر الشهر .. ذليلاً خاضعاً تحركه زوجه كيفما شاءت .... انسلخت منه القوامة فصارت بيد زوجته ...
كم نرى هذا المنظر المخجل - والمؤسف حقاً - رجل ممشوق القامة ،عريض المنكبين ثم هو يدفع أمامه عربية التسوق وزوجه من أمامه تشتري وتبايع البائعين وتماكسهم - فوااااااااااا عجباً !!_
والمقصود أن يكون الزوج على قدر المسئولية التي كلفه الله بها فلا يضيعها .
وقد كان صلى الله عليه وسلم يخصف نعله ، ويصلح دلوه ، ويكون في مهنة أهله .
المقوّم السابع : الدعاء .
وهو سلاح المؤمنين الصادقين .
سهام الليل لا تخطي ولكن لها أمد وللأمد انقضاء
ومن دعاء عباد الرحمن قولهم : " ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرّة أعين واجعلنا للمتقين إماماً "
وأحسب أن أمر الدعاء أمراً قد صار يغفل عنه الصالحون ، فكم من زوج يريد السعادة والاستقرار ويطلبها من غير مظانها ؟؟
وكم من والد يطلب تربية أبنائه في دورات ودورات ثم النتيجة ... نخب هواء ..
وتغافلنا عن اللجأ إلى الله ، والله جل وعز يحب من عبده أن يلجأ إليه ، وينطرح بين يديه .
حادثة : أخ يقول : لي أخ لا يعرف الله في ليله ولا نهاره ، مجون وفسق وفجور ، وقد كنت أنصحه وأوجهه لكن كأنني أحرث في بحر ، وفي ليلة من الليالي قمت في ثلث الليل الآخر أدعو الله واتضرع إليه بأن يهدي أخي ، ويرده إليه ردّا جميلاً .. ثم نمت ، وبعدها سمعت طرقاً على باب غرفتي فاستيقظت فإذا هو أخي يوقظني لصلاة الفجر .. يا سبحان الله هذا الفاسق الفاجر ، أصبح اليوم هو العابد الذاكر ... اللهم لك الحمد لا نحصي ثناء عليك !!

الحلقة الخامسة :
المحور الأول :
السلبية والإيجابية في التعامل بين الزوجين
وفي هذا المحور نشير إلى أهم ست عوامل لحياة زوجية أفضل .
وهذه العوامل قد يسرف المرء في الأخذ بها فتنقلب عليه سلباً ، وقد يتطرف في العمل بها فتكون حياته جحيماً والوسط خير الأمرين .
الأول : القول الحسن .
أنزل على عباده قوله جل وتعلى : " وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم .."
وقال في أسلوب التعامل مع الوالدين : " .. وقل لهما قولا كريما .."
ونجد في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم القدوة المثلى في هذا التعامل مع أفراد البيت ، لنأخ مثلا واحداً ، وهو: قصة الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه - خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم - يقول : خدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين لم يقل لي لشئ فعلته لم فعلته ! ولا لشئ لم أفعله لم لم تفعله ..!
ولنا أن نتصور كم كان عمر هذا الصحابي الجليل حين كان خادما لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
اتوقع أنه لم يتجاوز 14 عاما أو نحوها ، .. فإذا كان في نحو هذا السن ألا يكون مظنة للخطأ والتقصير - باعتبار صغر سنه - الجواب : نعم .
ومع ذلك لم يسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم قولاً يقبّح فعلاً فعله ، أو يلومه على فعل لم يفعله ...
فأي خلق هذا الخلق - بأبي هو وأمي - صلى الله عليه وسلم ...
وقالت عائشة رضي الله عنها : " لم يكن رسول الله فاحشاً ولا متفحشاً .." ..
فواجب الزوج إذن أن يعامل زوجته بالقول الحسن اللين الذي لا فحش فيه ولا صخب ... وهو عامل مهم في سعادة الأسرة واستقرارها .
والقول الحسن ينبغي أن يشمل كل أحوال حياة الزوجين ، في الغضب والرضا ، في الفرح والحزن ، ولذلك كان من دعائه صلى الله عليه وسلم : " اللهم إني أسألك كلمة الاخلاص في الرضا والغضب .."
فالانسان قد يفرط في الثناء حين الرضا فيطغى ويخرج عن المألوف ، وقد تعلو قلبه غشاوة حين الغضب فيجحف في حق الآخرين ... لذلك كانت الوسطية هي جانب الإيجاب في هذا التعامل .
ولنركز الكلام حول نقطتين مهمتين في هذا الجانب :
الأولى : معالجة فضول المرأة .
المرأة في طبعها تحب الفضول - الا من رحم ربك وقليل ما هم - تحب أن تعرف عن كل شئ يفعله زوجها ..
أين تذهب ؟
لماذا؟
ومع من؟
ومتى تعود ؟
وماذا لو كان كذا ؟ ......
ووابل من الأسئلة والتحقيقات ، وهذا أمر طبعي من الزوجة - خصوصاً تلك التي تشعر بانطوائية زوجها - .
المقصود :ما هو جانب الإيجاب وجانب السلب في التعامل مع معالجة هذا الفضول ؟
أما جانب الإيجاب : فهو معالجة هذا الفضول بالقول الحسن ، والمداراة ، حتى ولو اضطر الأمر للكذب - وذلك في أضيق نطاق - وهذا من الكذب الذي أباحه الشرع للإنسان ،وذلك من أجل مصلحة استمرار الحياة الزوجية وعدم تفككها ..
أما جانب السلب فيها : هو مجابهة الزوجة بالتحجيم ، والكبت وإغلاق منافذ الحوار مما يولد الشك ، والريبة فتتكاثر المشاكل ،والخصومات بين الزوجين .
فليس من القول الحسن .. السكوت عن تقصير الزوجة في فرائضها وواجباتها ..
كما أنه ليس من القول الحسن مدح الزوجة والثناء عليه بوجه يستحيل عليها نقص أو خطأ ..
وليس من القول الحسن مقابلة النكران بالنكران ..
وليس من الحسن أن يدلل الولد فلا يعاتب أو يلام على جريرته وذنبه ..
وإن من القول الحسن :
- إعلام الزوجة بالحب .
- الصبر على شكايتها ، ونكرانها وكفرانها .
- الدعاء لها وإشعارها بذلك .
- توجيه الأبناء بالأسلوب السليم من غير تنفير .
وإني هنا أطلب من الإخوة ، حصر بعض المواقف النبوية في تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع زوجاته في هذا الجانب .
الثانية : السرية .
الزوج الداعية إلى الله بحاجة إلى أن يكون عنده شئ من السرية في بعض ما يتعلق بخططه وبرامجه ، بل حتى في أموره الخاصة ، ففي الأثر ( استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان ) ..
وجانب التعامل الإيجابي هنا : يكون بالحرص على قدر من السرية وعدم كشف الأوراق - فإن من طبيعة بعضالنساء إن لميكن جلّهم نقل الكلام هنا وهناك ..- ويكون هذا الحرص بحيث لا يولّد ريبة أو شكاً عند الزوجةأو يولّد عند المرأة فضولاً ..
وقد كان من هديه صلى الله عليه وسلم إذا أراد غزوة ورّى بغيرها .
ونجده يوم الهجرة حريصاً على ذلك يوم طلب من أبي بكر رضي الله عنه أن يُخرج من عنده ...
وذلك مشهور معروف .
أما جانب السلب فإنك تجد من الناس من لا يكاد يترك شاردة ولا واردة الا وقد تخفف منها وبددها ، فهو كما يقال في المثل العامي ( ما يتبلى على فم حبة فول ) .. وهكذا .
وهذا من الخطورة بمكان . واللبيب بالإشارة يفهم ..
حادثة : يذكر أن رجلاً اتفق مع زوجته على شفرة معينة ، بحيث أنه إن شفر لها بها تقوم بعمل معين .
المهم أن الرجل قبض عليه .. فطلب منهم أن يتصل بأهله ليطمئنهم بوصوله ، فاتصل عليهم وأشار لهم بما اتفقوا عليه ،وفعلاً فعلت زوجته ما أراد .. وحضر الجنود بيته فلم يجدوا شيئاً إذ أن الزوجة قد قامت بالدور على وجه حسن ، لكن ما الذي حصل ؟؟
الذي حصل أن الرجل أوقف في السجن ومعه أحد الناس ، فانفرط يفتخر أمام السجين الذي معه بأنه قد اتفق وزوجته على كيت وكيت .. فوصل أمره ووقع في الشراك .. - والله يعينه -
فهذا مثل يوضح أهمية السرية والكتمان إذا أراد الإنسان أن يقضي أمراً في أي شأن من شئون حياته ..
والحقل الدعوي والتربوي مليئ بالتجارب والأحداث .
المقصود أن أعظم عوامل بقاء العشرة ودوامها القول الحسن بين الزوجين ، وهذا التعامل له جوانب مشرقة إيجابية ، وفيه جوانب سلب قد يقع فيها بعض الأزواج .
وهنا ينبغي أن نعلم أن القول الحسن في الحياة الزوجية يتعدى إلى الأبناء ..

العامل الثاني : العشرة .
قال الله جل وعز : " وعاشروهن بالمعروف " بالمعروف : أي بما عُرف حسنه في الشرع .
وهنا باختصار نشير إلى جوانب حسن العشرة بين الزوجين :
- تربية الأبناء على احترام الوالدين ، باحترام كل طرف للآخر ، فليس من حسن العشرة أن يعوّد الأب ابنائه على هوان أمهم ، فإن قال الأب : لا ينبغي على الأم مراعاة هذا التوجيه لأبنائه فلا تقول لهم : نعم ، وإن قالت الزوجة : نعم فعلى الزوج أن يراعي هذا الجانب فلا يقل : لا ... ليكسب جولة أما أبنائه ضد أمهم .
- ذكر الزوجة بالخير أمام الغير ، وخصوصاً أمام أهلها ، فما أحسن أن يقول الزوج مخاطباً والد زوجته : ما أحسن تربيتكما ، فقد وجتها عطوفاً حنوناً هينة لينة ً طائعة ... ، أمّا ذكر الزوجة أمام الأصحاب فإن كثيراً من الأزواج يتحرج أن يذكر زوجته بخير أمام أصحابه .
وأقول : إن الأمر يخضع بحسب الحال ، فإن حصل حال يستلزم ذكر الزوجة بخير فلا حرج ..
سئل الرسول صلى الله عليه وسلم يوماً : من أحب الناس إليك ؟
قال : عائشة .
فذكر الزوجة أمام الغير بالخير من حسن العشرة والمعاشرة ، ولا يعني ذلك أن ينفرط الأمر فيذكر الزوج ما يحصل بينه وبين زوجه في بيته فيقع في النهي والمحذور .
- أخذ مشورة الزوجة
فالمشاورة مما يطيب الخاطر ، ويؤلف بين القلوب ، وقدكان صلى الله عليه وسلم يأخذ بمشورة زوجاته ، وما حادثة يوم الحديبية إلا شاهد على ذلك .
والسلب في جانب المشورة .. أن لا يقضي الرجل أمراً إلا بأخذ رأي زوجته فيه ، حتى فيما تجهل حاله وووصفه ، تبعية للزوجة وعدم خروج عن آرائها ، وقد جاء في الحديث : " الولد مجبنة مبخلة "
- تلبية طلبات الأهل من حسن العشرة ، وليس من حسن العشرة تلبية جميع طلبات الأهل .

العامل الثالث : الإهداء .
تهادوا تحابوا ... ومنأعظم سهام صيدالقلوب وأسرها الهدية حال الرخاء والشدة ، عند الفرح وبعد الخصومة .

الحلقة السادسة : العامل الرابع : التعليم .
وفي حديث ما معناه : " من عال جاريتين أو أكثر فأدبهما وأحسن تأديبهما كانتا له حجاباً من النار "
ونخن كثيرا ما نهمل هذا الجانب في بيوتنا ، آباءنا وامهاتنا بعضهم لا يجيد قراءة الفاتحة ، وبعضهن لا يعرفن أحكام الطهارة المتعلقة بالنساء ، وبعض زوجاتنا لا يعرفن أبجديات في أمور الدعوة والتعليم ...
وهكذا يبقى المنزل غارقاً بالجهل ...
فوا اااا اسفى على نساء الدعاة هم أشقى الناس بأزواجهم - الا من رحم الله -
والله جل في علاه أول ما أمر نبيه بالدعوة قال : " وانذر عشيرتك الأقربين " وفي حديث " إبدأ بمن تعول " وفي حديث آخر " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته " .....
ونصوص كثيرة تبيّن جانب أهمية العناية بالاسرة تعليما وتربية وتوجيها .
وفي المقابل من الدعاة من يفرط في هذا الجانب ، فيفترض الانفصام بين الدعوة العامة للناس وبين تعليم الأهل ودعوتهم ، فيقصر كل جهده مع أهله وبنيه .. لا يشارك أو يقترح أو يفكر في دعوة الآخرين بحجة تعليم الأهل ودعوتهم وإصلاحهم ، وكثير من البطالين الخاملين يتذرعون بمثل هذه الذرائع ، وفي الحقيقة لا تجده هنا ولا هناك فيصير كما يقول القائل ( عذر أقبح من ذنب ! ) .
والواجب أن لايغفل الداعية عن تعليم أهله وتوجيههم بترتيب الدروس لهم ، أو إشراكهم في الدورات النسائية ، أو دور التحفيظ ، أو مراكز الدعوة النسائية والعمل على تيسير الأمور لهن بالتنازل عن بعض الحقوق حتى يتسنى لهن تحصيل العلوم والمشاركة في البرامج الدعوية المنوعة .
أما حبس المرأة وقعودها في قعر بيتها جاهلة .. لاهمّ لها إلا الطبخ والغسيل فهذا من تضييع الأمانة - والله المستعان - !

العامل الخامس : إظهار العبادات في المنزل .
وهذا من أهم عوامل تربية الأسرة ، ومن فنون التعامل مع الزوجة والأبناء ، وقد كان صلى الله عليه وسلم يقوم الليل ، ويذكر الله ، ويستغفر ويصلي من النوافل ما شاء في بيته تعليما لأهله ، وهو القائل في حديث صحيح : " صلوا في بيوتكم .." أي النوافل ، وفي حديث آخر " لا تجعلوا بيوتكم مقابر .. إن الشيطان لينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة .."
فماذا يكون موقف الزوجة حين ترى زوجها قائم في الليل لله خاشعا يبكي ويتدبر كلام الله !!
وماذا يكون موقف الابن حين يرى اباه كذلك !!!
وهناك كثير من العبادات التي يمكن إظهارها في المنزل :
- النوافل من الصلاة .
- قيام الليل .
- الصيام .
- قراءة القرآن .
- الذكر .
- القيام بمهنة الأهل .
- الوضوء .
وغيرها كثير ...
العامل السادس : رباطة الجأش .
والمقصود تربية الزوجة والأبناء على هذه الصفة الحميدة ، رباطة الجأش وعدم انفلات الأعصاب والتهور .
وسير الصحابيات عليهن رضوان الله ورحمته ، تضرب لنا أروع الأمثلة في رباطة الجأش والتصبر والحكمة من مثل سيرة :
- نسيبة المازنية .
- خديجة رضي الله عنها .
- الخنساء .
رضي الله عنهن أجمعين .
لكن الذي ينظر إلى واقع غالب نساء اليوم يجد أنهن عن ذلك أبعد ، تقيم الدنيا ولا تقعدها من أجل ( صرصور ) أو قط أو فأر ...
واليكم هاتين الحادثتين المتقابلتين :
الأولى : امرأة تتصل بزوجها وهو في مقر عمله تطلب منه بعض حاجيات المنزل ، ثم فجأة تصرخ ويختفي صوتها ، فيقلق الزوج فيخرج من عمله مسرعاً بسيارته يسابق الزمن ، معرضاً نفسه للخطر والموت ثم لما وصل الى بيته فزعاً تقابله زوجه ليعرف أن سبب صراخها أنها رأت فأراً كبيراً .. فما كان من الزوج الا أن رمى عليها الطلاق غضباً وانتقاماً .. - لا حول ولا قوة الا بالله - .
الثانية : هذا رجل هو وزوجته معهم سيارة ( جمس ) وهم في طريقهم إلى مدينة القصيم ، تشعر المرأة بالارهاق والتعب فتطلب من زوجها أن يقف لتنتقل إلى مؤخرة السيارة فتنام ، وكذلك فعل .
وبعد مسافة من الطريق يقف الرجل في محطة وقود ( بنزين ) ... وخرج الرجل من السيارة ليدخل دورة المياه ، وقامت المرأة هي كذلك ونزلت من السيارة لتدخل دورة المياه ، المهم أن زوجها عاد إلى السيارة ولم يتنبه أن زوجته غير موجودة في السيارة ، فتحرك وانطلق ظناً منه أن زوجته نائمة في مؤخرة السيارة .
خرجت المرأة من دورة المياه فلاحظت أن سيارة زوجها غير موجودة ، لم تر أمامها إلا العاملين في المحطة فأسقط في يدها ...
ماذا تفعل ؟؟
هل تصرخ وتستنجد بالعاملين ؟؟ لعلهم يؤذونها !!
فما كان منها إلا أن رجعت إلى دورة المياه واقفلت على نفسها باب الدورة ، وبقيت تنتظر ختى سمعت أصوات نساء في الخارج ففتحت الباب ، وكلمتهن في أمرها .
فما كان منهن إلا أن كلمن ولي أمرهن في أمرها فأخذوها معهم ليلحقوا بزوجها على الطريق فأدركوه .
المقصود أن هاتين الحادثتين تبين لنا أهمية هذا العامل في استقرار الحياة الزوجية ( رباطة الجأش ) ترى لو هذه المرأة قامت لتستنجد بأولئك العمال هل سيكون أمرها كما آل اليه ؟!! لا أعتقد .
والداعية إلى الله بحاجة إلى أن يربي أهله على ذلك ، فهو بحاجة إلى أن يعلمهن الحكمة في التعامل مع الأمور الطارئة المختلفة ، فرب طيش زوجة يودي بزوجها إلى الهلاك ، ورب تهور في التعامل مع الحدث يأتي بأمور لا تحمد عقباها مستقبلاً .

الحلقة الأخيرة :
المحور الثاني من الموضوع:
تربية الأبناء .
الأبناء هم العمر الثاني للأب ، قال صلى الله عليه وسلم : " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : .... ولد صالح يدعو له .."
فواجب تربية الأبناء من أعظم واجبات الوالد المسلم والأب الغيور على دينه وأمته .
الأبناء هم مستقبل الدعوة وأملها .
هم عدّة الأمة ورجاؤها بعد الله .
وها هنا أمرين متقابلين في واجب التربية لا تعارض بينهما – على أن الكثيرين يفترضون التعارض –
الأول : قول الله تعالى : " إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء "
الثاني : قوله صلى الله عليه وسلم : " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته .."
يظن كثير من الآباء افتراض التعارض بين الأمرين ، فيفرط في تربية ابناءه وأولاده ويقول : " إنك لا تهدي من أحببت .." وطائفة أخرى من الآباء يغالون في الاهتمام بالابن مغالاة تصل به إلى حدّ مهين ويقول : كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته "
والواجب على الأب المسلم أن يبذل ما يستطيع من وسع وجهد في تربية أبنائه مسترشداً بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، حريصاً عليهم ، ثم إذا لم يكن له ما أراد فلا ييأس وليعلم أن الهداية بيد الله ، لكن ذلك لا يمنع أن يحاول الكرّة بعد الكرة – من دون تضييع للحقوق الأخرى - لعل الله أن يكتب له الهداية ز
وهنا نعرض إلى طريقة القرآن في تربية الأبناء ، وذلك على ضوء وصايا لقمان لابنه في قول الله تعالى /: "
وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظام عظيم . ووصينا الانسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصالله في عامين أمن اشكر لي ولوالديك إلي المصير . ون جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون . يا بني إنا ان تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو ف ي السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير . يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور . ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور . واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير "
لقد حوت هذه الآيات الكريمات وصايا عظيمة ، بيّن فيها القرآن المنهج السوي في تربية الأبناء ، ولنقف في نقاط حول هذا المنهج القرآني لنستخلص منه الطريقة المثلى في تربية الأبناء :
أولاً : ينبغي مراعاة مراحل الابن ( العقلية والجسدية والتكليفية ) في التوجيه والتربية .
نأخذ ذلك من قوله جل وتعالى : " وهو يعظه ..) فإن الوعظ مرحلة سابقة على التعنيف والتأديب ، هو أول ما ينبغي أن يسلكه الوالد في تربية ابنه وخصوصاً في مراحل عمره ( الادراكية الأولى ) فالطفل في هذه المرحلة لا يعنّف التعنيف الشديد ، ولا يضرب أو يقسى عليه في التوجيه بل يؤخذ بالوعظ واللين والملاينة والصبر عليه نظراً لما هو عليه من خفة العقل وعدم التكليف .
ثانياً : أول مهام تربية الابن .
أي ما أول ما ينبغي أن يعتني به الأب في تربية ابنه ، وبماذا يبدأ في تربية ابنه ؟
على ضوء المنهج القرآني يتبين لنا أن أول مهام التربية للأبن تكون في :
- المهمة الأولى : تربيته على الأدب مع الله ، وذلك يظهر في الآيات بشكل واضح في قوله ( يا بني لا تشرك بالله ..) ) أقم الصلاة ..) ( إنها إن تك مثقال حبة من خردل ..) وتربية الابن على الأدب مع الله يشمل عدّة جوانب في التربية :
1 – تعميق صلة الطفل بربه ، وأنه جل وتعالى هو أهل الثناء والشكر ، وهذا التعميق يمكن أن يكون بعدّة طرق منها :
- ايقاظ الفطرة في نفس الطفل . والطفل في مبدإ الأمر يكون وعيه ضئيلا وإدراكه في أضيق حدود ، ولكن غير صحيح أنه لا يعي علةى الإطلاق ! فهو يعي النظرة الحانية ، ويرتاح لها وتطمئن لها نفسه ، كما أنه ينزعج ويبكي من غضب أبيه وأمه ..
وقد قال صلى الله عليه وسلم : " ما من مولود إلا ويولد على الفطرة .." والفطرة هي الاسلام كما فسرها الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه .
وايقاظ الفطرة يكون باستغلال الحدث ، وتعليم الطفل وترعيفه على ربه :
من خلقك ؟ من أعطاك اليد ، اسمع ، البصر ...
- تعريف الطفل بنعم الله عليه ، وخصوصاً تلك النعم التي يحسها ويشعر أنها طارئة عليه ، فلا يشعر بادئ الأمر أنها من الله ، فهنا يأتي دور الأب في نسبة النعم إلى الله ( الأكل ، الملبس ، المسكن ، الجوارح ، اللعبة التي يلعب بها ) حين يرغب الطفل في لبس جديد أو أكل معين أو لعبة يلعب بها لا يشعر حين تلبي له طلبه أنها نعمة من الله وهنا لا بد أن تستغل هذا الحدث فتذكره بنعمة الله عليه .
- اغرس في الطفل مراقبة الله . لا تجعله يخافك من دون الله ، قد يمتنع ابنك عن الكذب لكن ليس لأنه يعرف أن الكذب شنيع ، وإنما لأنه يخاف منك أن تضربه أو تؤذيه ، حاول أن تبعث في نفس الولد مراقبة الله : لا تكذب لأن الله لا يحب الكاذبين ، من قال الصدق فإن الله يدخله الجنة ... هكذا ..
- حبب إليه العبادة . بترغيبه فيها ، وأداءها بخضور منه ، وهذا ثمرة من ثمرات اظهار العبادات في المنزل ، علمه كيف يتوضأ فتضأ أمامه ، خذه معك إلى المسجد وحلقات العلم .... وهذا ينتج عنه
- أنه يحافظ على العبادات ( فاجعله يحافظ على العبادة بعد أن تحببه فيها ) ايقظه لصلاة الفجر – ولا تشدد عليه – علّمه أن يتوضأ قبل أن ينام ، علّمه الصيام وشجعه على ذلك .....
- لا تجعل المردود المادي هو الذي يفكر فيه الطفل .
يخطئ كثير من الآباء حين يطلب من ابنه أن يصلي ليعطيه مبلغاً من المال ، أو قل الصدق ولك كذا من المال ، أو افعل كذا – من العبادات – ولك كذا ، فإن هذا الأسلوب من الخطورة بمكان في تربية الابن لكن هذا لا يمنع أن تكافئه على عبادة أدّاها من غير أن تعده بها ، بل علّق أمره بالله .. والدار الآخرة .
- المهمة الثانية : التربية على معاني أركان الإيمان ( الإيمان بالكتب ، والرسل ، واليوم الآخر ..)
- ويستخدم الآسلوب القصصي – مثلا - في التربية على ذلك . بعرض سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم لتعريفه بنبيه ، أو عرض قصص أخرى مهمة في تربية الأطفال .
-
- المهمة الثالثة : التربية مع النفس .
وتأخذ عدة جوانب منها :
- علّم ابنك كيف يتحمل المسئولية ، علّمه كيف يأكل بنفسه ، كيف يلبس ثيابه وكيف يخلعها ، كيف يقضي حاجته وكيف يتنزه منها ...
- علمه على أن يحل مشاكله بنفسه – مع تعميق صلته بالله – وأن الله هو القادر على أن يرفع عنه ما هو فيه من البلاء أو المشاكل ، وأن الله هو الذي قدر عليه ذلك .
كثير من الآباء حين يجد ابنه – مثلاً – وقع في مشكلة مع أخيه فسرعان ما يتدخل هو في حل المشكلة .
لماذا لا يعلمه كيف يحل هذه المشكلة مع أخيه بالأسلوب النبوي الواضح البين .!!
- عوّد ابنك على تحمل تبعة خطأه .
إن كسر زجاجاً اجعله هو الذي يرفعه عن الأرض ، إن بلل مكاناً أو وقعت عليه قذارة اجعله هو الذي يزيل ما فعل من خطأ ، كثير من الأمهات إن كسر ولدها زجاجا أو وسّخ مكاناً سرعان مما تسارع لإزالة ما اتلفه الابن .. هنا الابن يتعود على عدم تحمل تبعة الخطأ فيزيد من تهوره وطيشه ، لكن حين يعلم ويتعود الطفل على أن الخطأ عليه تبعات قد تكون محرجة نوعاً ما له فهنا لن يقدم على الخطأ إلا بعد أن يحسب له حساب – هذا إن لم يمتنع عنه أصلاً _
- انزع منه حب التملك واغرس فيه عدم الاعتداء على حقوق الآخرين .
من المواقف المحرجة للوالدين حين يرون ابنهما الصغير يمتنع عن أن يشرك ولد الجيران معه في لعبة ، وأخرج من ذلك حين يعتدي ابنهما على لعبة ولد الجيران فيأخذها منه
بعض الآباء هنا يتصرف بتهور وثورة فيقوم بضرب الابن بكل قسوة لأنه أحرجه أمام الآخرين ، فهو هنا حقيقة لم يرد تربية ابنه ، وانما أراد الانتقام لنفسه .
والواجب أن يعوّد الأب ابنه على عدم حب التملك ، وذلك بالقدوة ، والهدية والجائزة ، كما ينبغي أن يربيه على عدم الاعتداء على حقوق الآخرين ، وأن يتشدد معه في هذا الجانب أكثر من تشدده على حبه لتملك حقه ..
- عوّد ابنك على الحياء .
لا تغضب حين يدخل ابنك على مجموعة انت فيها ثم هو يخجل أن يتكلم بينهم ، فذلك من الحياء هذّب فيه هذا الجانب .
علّم ابنك على أن يستر عورته وأن يستحيي أشد الحياء حين تكشف له عورة .
علّم ابنك على أن لا يتمادى في المزح مع الكبير .
- أزل منه صفة الكذب ، وشجع منه موقف الصدق .
إن فعل ابنك خطأ وجرما ثم هو يعترف لك بذلك فلا تعنفه بل شجع منه هذا الموقف الصادق ، فإنك حين تشجعه على الصدق فإنه لن يكذب ، خوّفه بنار جهنم وععاقبة الكذب إن حاول أن يكذب ..
- أشبع حاجة الإبن حتى لا يضطر أن يقع في المحذور .
وفّر له ما تستطيع من رغبات نفسه توفيراً لا يضطر بخلقه وسلوكه ، لان الطفل حين يجد ما يسد رغبته فإنه لن ينظر إلى ما عند غيره – وإن كان ذلك أمر طويل الذيل قليل النيل – لكن حاول جهدك
- المهمة الرابعة : الأدب مع الآخرين :
- مع الوالدين وكيف يحترمهما ويبر بهما .
- مع اخوانه كيف يخترم الصغير الكبير ويرحم الكبير الصغير .
- مع الجيران كحيف يتأدب في التعامل معهم .
- مع المسلمين عموماً وما لهم من حق الحب والولاء .
- مع الكافرين وما يكون معهم من البغض والمعاداة والبعد عن التشبه بم .
- مع الشيطان وأنه عدو الإنسان . ووسائل دفعه وكبته .
- مع الحيوان وكيف يرفق به فلا يؤذيه .
- مع أصناف الناس : الفقير ، والمسكين وكيف يعطف عليه ويرحمهم ... الى غير ذلك

هذا ما استطعت أن اطرحه ، ولا أحسب أني قد وفيت الموضوع حقه ، لكني أحسب أني فتحت باباً لكل مخلص وغيور ليتموا ما نقص – وهو كثير - أسأ ل الله بمنه وكرمه أن يغفر لي زللي وخطأي .
والحمد لله رب العالمين أولا وآخرا ..

 مهذب
منتدى أنا المسلم

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
زاد الـداعيـة
  • شحذ الهمم
  • زاد الخطيب
  • فن الحوار
  • فن الدعوة
  • أفكار إدارية
  • معوقات ومشكلات
  • رسائل ومقالات
  • من أثر الدعاة
  • الصفحة الرئيسية