اطبع هذه الصفحة


نوح ذلك الصابر المحتسب

يوسف نور الدين

 
أي همة عالية يحملها ذلك الرجل ..
أي عزيمة ماضية تحركه  ..
و أي روح وثابة يمتلك ..
كل من عرفه ...تأثر به وبأخلاقه
- إن جالسته تشعر بهيبة العالم ووقار الحكيم وحنو الوالد وتواضع ابن البلد
لم يغير لهجته (لجهة ابن البلد)والتزم الزى الأزهرى
كانت بسمته وضاءة مشرقة

- له تواضع يلزمك الصمت أثناء حديثه فهو حازم وشديد ، ومع ذلك رقيق وطيب ، إنسان صادق ، سريع الدمعة ، كلما مر على لفظ الجلالة ، أو ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أخذ يبكي ، ويبكي من حوله ، من رآه أحبه في الله ،
- عنده هدف، ورسالة يعيش من أجلها ألا وهي الدعوة إلى الله ، وإصلاح الناس
- يحب العلم حبا شديدا ، فقد عاش مع العلم أكثر من أربعين سنه من عمره ،تأخر قليلا عن المحاضرة ذات يوم، ربما لدقائق ، فأخذ يعتذر وأخبرنا بأنه قدم من المستشفى ،فقلنا له يا دكتور لا ترهق نفسك ، فقال:
بالعكس أنا سعادتي مع العلم ، أنا كالسمكة التي لا تعيش بدون الماء ، فكذلك لا أستطيع العيش بدون العلم
- حريص على وقته ، دقيق في مواعيده ، له طريقه في التعليم بديعة ومبتكره، تخرج الطالب متمكنا من المادة العلمية، غني بالمعلومات
- سعادته في خدمة الناس وتقديم العون ومساعدتهم ، فمسجده الذي يصلي به ممتلئ بالفقراء ، وأصحاب الحاجات
- له قبول في قلوب الناس ، كثير العبادة ، يقرأ في اليوم الواحد ما يقارب خمس إلى عشرة أجزاء ،
- أصيب قبل سنتين تقريبا بسرطان فى الكبد ، وكان متعب كثيرا حتى أنه سقط في الغيبوبة أكثر من مره ، وفي يوم أجراء العملية
يقول : مت فأحياني الله ، وهذا بفضل الله أولا وأخرا،
ولصلاح الرجل (نحسبه والله حسيبنا وحسيبه ) ثم بدعاء محبيه والناس له
يصفه الدكتور عصام العريان فيقول :
" كان مثالاً للعالم الرباني المتواضع في غير ذلّة، العفيف في غير غنى، الفقير إلى الله وحده، القويّ في الحق، الناصع الحجة عند الجدل، القدوة في التربية والسلوك الفصيح عند الخطابة، المنتصر عند المحجة،
كان صابرًا محتسبًا راضيًا قانعًا بقضاء الله تعالى، لا يفتر لسانه عن ذكر الله تعالى، عينه تفيض بالحب والود لكل مَن يلقاه، خاصةً هؤلاء الأحباب الذين فرَّقت بينه وبينهم الديار
فمن هو هذا الذى جعل الدعوة إلى الله رسالته التى يحيا لها ؟؟
من هو هذا الصابر المحتسب ؟؟
من هو هذا العالم الربانى الذى يصدق فيه قول الحسن البصري رضي الله عنه:
"موت العالم ثلمة في الإسلام لا يسدُّها شيء ما طرد الليل والنهار"
هيا بنا لنتعرف عليه أكثر ونقتدي به وندعو له بالرحمة والمغفرة والرضوان

فى قرية أبو غانم التابعة للكراكات مركز بيلا محافظة كفر الشيخ كان مسقط رأسه
ثم انتقل إلى المحلة الكبرى و درس بالأزهر الشريف-
و تخرج في كلية أصول الدين جامعة الأزهر 1971م ، وحصل على الماجستير عام 1973م في موضوع: "زواج النبي بزينب بنت جحش ورد المطاعن التي أثيرت حوله في ضوء المنهج النقدي عند المحدثين" من جامعة الأزهر،
وعلى الدكتوراه في موضوع: "الحافظ أبو الحجاج يوسف المزي وجهوده في كتابة تهذيب الكمال".

وشغل فقيد الدعوة عدة وظائف منها:
أستاذ حديث وعلومه بجامعة الأزهر.
أستاذ زائر بجامعة قطر كلية الشريعة من 1981-1982م.
أستاذ مساعد بجامعة الإمارات المتحدة كلية الآداب في مادة التفسير وعلومه والحديث وعلومه من 82-91م.
أستاذ الثقافة الإسلامية وأصول الدين كلية دبي الطبية للبنات 91-93م.
أستاذ مشارك بكلية الدراسات العربية والإسلامية دبي.
أستاذ مساعد بكلية الشريعة جامعة الكويت من 93-99م.
أستاذ الحديث وعلومه بكلية الشريعة الآن.
عضو مجلس كلية الشريعة.
أشرف على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه، وشارك في مناقشة العديد منها.
رئيس قسم التفسير والحديث بكلية الشريعة جامعة الكويت.
عضو مجلس جامعة الكويت.

* نشاطه:
عضو مجلة الشريعة بكلية الشريعة جامعة الكويت لمدة سنتين.
رئيس برنامج الحديث وعلومه والدراسات العليا بجامعة الكويت الآن.
خطيب متطوع بوزارة الأوقاف لمدة ثماني سنوات.
له نحو 16 بحثًا منشورًا ومحكمًا.
عضو في لجنة الترقيات بالكلية.
عضو المجلس العلمي الاستشاري لمدة سنة.
قام بالتحكيم في أكثر من 15 بحثًا علميًّا في مجلات علمية معتمدة في الكويت وبقية دول الخليج وبلدان أخرى من العالم الإسلامي.
له سلسلة إذاعية بعنوان جهود علماء المسلمين في خدمة الحديث النبوي.
كاتب بمجلة المجتمع وبمجلة الوعي الإسلامي.
شارك في العديد من الندوات والمؤتمرات والمحاضرات.
له دروس ثابتة بالكويت في الجمعيات النسائية، مثل: "جمعية لجنة: ساعد أخاك
المسلم"، والجمعية النسائية بالشامية، وجمعية الرعاية الإسلامية.

* مؤلفاته:
له مؤلفات مطبوعة ما بين مطول ومختصر تصل إلى 20 كتابًا من أهمها:
توجيهات نبوية، آفات على الطريق، شفا الصدور في تاريخ السنة ومناهج المحدثين،
الصحابة وجهودهم في خدمة الحديث، التابعون وجهودهم في خدمة الحديث، منهج الرسول في غرس روح الجهاد في نفوس أصحابه، شخصية المسلم بين الفردية والجماعية، الدعوة الفردية في ضوء المنهج الإسلامي.

* عِبَرٌ من المحنة :
وقد امتحنه الله بالمرض فقد أصيب -رحمه الله – مؤخراً بتضخم الكبد مع ورم سرطاني فيه يزيد على خمس سنتيمترات، مما استدعى أن يقوم بعملية زرع كبد
فلنترك له المجال ليحكى لنا عن بعض خواطره عن تلك المحنة
* دعاء السحر
في ليلة من ليالي المرض دعوت ربي أن يفرج عني وأن يرزقني قليلا من النوم، وبينما أنا أدعو أخذتني سنة من النوم، فأتاني أقوام أسمع أصواتهم ولا أراهم بستة متكآت من الإستبرق، وقالوا لي: نَمْ.. وفعلا نمت نحو نصف ساعة، استيقظت بعدها مستريحا كأنما نمتُ أياما، فقلت: هذا عطاء من ربي ببركة الدعاء في جوف الليل.

* أفعال لا تخالف الأقوال :
كنت أنبه الناس وأوصيهم برعاية هذه الأخلاق وتلك الآداب، وأنا غارق في أداء واجب الدعوة، مهملا بدني أيما إهمال، بدعوى أن العمر محدود وأن الأمة بحاجة إلى أقل الجهد حتى تتحرر من سيطرة الأعداء ثقافيا وفكريا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وكنت بذلك كمن يضيء الطريق لغيره ويمشي هو في الظلام ناسيا مبدأ مهما في ديننا الحنيف وهو أن العبرة بالأفعال التي لا تتعارض مع الأقوال، قال تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}.
وإن من ينهج هذا النهج مآله الانقطاع وعدم الاستمرار، وكم نصحني المقربون مني: "تذكر ما تقوله لنا واعلم أن الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يعرفه إلا المرضى، وأنك مسئول عن صحتك مسؤولية كبرى أمام الله عز وجل يوم القيامة"، وأنا لا أعير كل ذلك أذنا، ولا أعطيه اهتماما.

*ماذا أقول لربي غدا؟
طال بقائي في العناية المركزة لنحو أسبوع، والذي كان يشغل بالي، ماذا أقول لربي غدا، وقد أهملت بدني وصحتي حتى صرت إلى هذا الوضع السيئ المخيف، بل كان الذي يشغلني أكثر الخوف من عقاب ربي لي على ذلك بأن يحرمني النطق بالشهادتين عند الموت، فأخسر الدنيا والآخرة.
وكم تضرعت لربي أن يسامحني وأن يعفو عني وأن يختم لي بالإيمان، وعاهدته سبحانه إن عافاني هذه المرة أن تكون عنايتي ببدني وصحتي في أوائل اهتمامي مع مراعاة الجوانب الأخرى في حياتي، فأحقق بذلك التوازن والتكامل الذي دعا إليه الشرع الحنيف.

وعدت بذاكرتي إلى ما كنت أدعو الناس إليه من ضرورة استفراغ الطاقة والجهد في الوصول إلى السنن الكونية، والنفسية، وهي مبذولة من الله لمن يطلبها بجد واجتهاد.
لقد طلبها غير المسلمين، ونفر قليل من المسلمين فأكرمهم الله بها، وقعد كثير من المسلمين عن طلبها فحرمهم الله منها، وأصبحوا عالة على غيرهم فيها، والله يهدي من يشاء ويضل من يشاء وإليه يرجع الأمر كله.

* حسرة تعتصر الفؤاد
ونزلنا في أرقى دار للعلاج في مصر (دار الفؤاد) بسبب تعاقدها مع أطباء يابانيين وأوروبيين.
دار للعلاج تبني سمعتها ومنزلتها بين دور العلاج على التعاقد مع أطباء أجانب!
يا لها من حسرة تعتصر الفؤاد أن تصل أمة القيادة البشرية إلى هذا المستوى، والطب عند هؤلاء مصدره المسلمون في الأندلس..
أعقمت مصر؟
أعقمت بلاد العرب؟
أعقمت بلاد الأمة كلها عن إنجاب أطباء عمالقة في جراحة الكبد؟
هل ذلك راجع إلى غباء أبناء هذه الأمة؟
هل ذلك راجع إلى قلة الإمكانات المادية اللازمة لقيام مثل هذه الجراحة؟
تصور أنه لا هذا ولا ذاك،
إنه راجع إلى حالة التشرذم والفرقة التي تعيشها الأمة على المستوى الدولي والإقليمي والمحلِّي، الحكومي والشعبي.
فضلا عن ضعف الإيمان وسيطرة النزعة المادية على كثير من أبناء هذه الأمة، بحيث صار كلٌّ يقول: نفسي نفسي، وإنه راجع كذلك إلى ضعف القيادة، واشتغالها بدنياها عن رعاية مصالح الأمة وتقدير العلماء النابهين وتشجيعهم.

كلام من القلب
"لقد جرت سنة الله في خلقه أن ينتقم ممن حاربه شر انتقام، فأين عاد وفرعون وإخوان لوط؟ وأين من كذبوا الرسل وتفننوا في الإساءة إليهم، وفي الدعوة إلى صرف الناس عما يدعون إليه من فضيلة وأخلاق."

" يجب على الأمة العودة للتحاكم بكتاب الله وسنة الرسول، صلى الله عليه وسلم،
و ما هذه المحن التى توالت على المسلمين، وتلك الضربات التى تتابعت عليهم إلا لأنهم تركوا منهج ربهم، وارتضوا مناهج بديلة ظنوا أن فيها نفعا أو فائدة ترتجى.
و إن في الكتاب والسنة خلاص الأمة، وتحقيق الأمن والأمان لها في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد."

"إن تقويم الاعوجاج في الشخصية الإنسانية إنما هو إصلاح وتهذيب وتقويم ما في الشخصية من قصور أو ضعف أو عوج
و إن الجماعة المسلمة هي المعنية بذلك فهي عليها أن تساعد الفرد على اكتشاف عيوبه ثم تعلمه كيفية التخلص منها وتقدم له النموذج الصحيح ليقتدي به ويتأسى وهكذا، فالجماعة هي التي تمارس مختلف الأساليب والوسائل وتسلك سائر الطرق لتعود بشخصية المسلم إلى ما ينبغي أن يكون عليه، ولعل هذا الدور للجماعة هو ما عناه النبي _صلى الله عليه وسلم_ بقوله: المؤمن مرآة أخيه أخرجه أبو داود.."

"الصراع بين الحق والباطل قديم قدم الإنسانية، بدأ في أمة الإسلام مع مبعث نبينا صلى الله عليه وسلم، وقد جرب أهل الباطل كل الأساليب مع هذا الدين وأتباعه فلم يفلحوا، وآخر ما جربوه هو القوة العسكرية بكل ألوانها، ما يخطر منها على البال وما لا يخطر، ورغم كل ذلك فقد انتصر المسلمون وهُزم الكافرون"

"إن الإنسان "سيد في هذه الأرض، عبد لربها"،
ومن هنا فإنه لا يجوز لذلك الإنسان أن يستعبده ما خلقه الله لخدمته، فيصير عبدا للمال أو السلطان أو الجاه،
فلا يصح إلا أن نكون عبيدا لله تعالى، وهذا هو جوهر الحرية؛ لأن ذلك يضمن للمسلم العزة والقوة والكرامة الإنسانية،
فكمال العبودية لله هو عينه كمال الحرية."

" إن توضيح معالم الطريق أمام العاملين الفارين بدينهم إلى ربهم- كي يعدوا لكل أمر عدته ويأخذوا لكل شئ أهبته فلا ينقطعوا ولا يتوانوا ولا يتأخروا عن ركب النجاة -ضرورة لا مفر منها ولا محيص عنها توجبها الدعوة إلى الله والجهاد من أجل التمكين لدينه في الأرض
ولعل من أهم هذه المعالم :أن هناك آفات يمكن أن يصاب بها بعض العاملين بل قد تصيبهم بالفعل فتقعد بهم عن أداء دورهم والقيام بواجبهم ."

** إن هذا التضييق الذى يتعرض له أبناء الحركة الإسلامية رحمة من الله، وتربية وإعداد لتحمل المسئولية كاملةً يوم أن تُلقى على كاهل هذا التيار، وهذه الصحوة الإسلامية المباركة، ودائما ما أردد:
لو يعلم هؤلاء المضيقون، والمضايقون لأبناء التيار الإسلامي، والصحوة الإسلامية مقدار المعروف والخير الذي يسدونه إلى هؤلاء ما أذوهم ولا ضيقوا عليهم، ولا ضايقوهم ولكن صدق الله ﴿أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾."

وقبل أن نودعه ما أجمل أن نصغى له وهو يوصينا نحن أبناء هذه الحركة المباركة هذه الوصية وكأنها وصية مودع :
عليكم يا أبناء التيار الإسلامي أن تتحلوا بمزيدٍ من الأخلاق الإسلامية، والسلوك الحميد، وأن تضاعفوا من جهودكم، وجهادكم، ونشاطكم، وأن تصبروا وأن تحتسبوا، حتى يبلغ الكتاب أجله، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
و ﴿اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ (الأعراف: من الآية 128) ﴿عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾ (الأعراف: من الآية 129).

*ومع الوداع دمعة ودعاء ورجاء أن يجمعنا الله به مع الصحب الكرام فى جنات عدن :
رحمك الله يا أستاذنا الحبيب.. رحمةً واسعةً، وأفسح لك في قبرِك، وجعله روضةً من رياض الجنة، وأسأله أن يريَك مقعدَك من الجنة، وأن يروِّحَ عنك...
اللهم ارحم شيخنا .......... و احفظ لنا علمه ...........
و انشر كلماته ......... وكتاباته ...........
واجعلها صدقة جارية بعد موته .......... وعلما ينتفع به يكتب له في ميزانه
اللهم لا تحرمنا أجره ......... ولا تفتنا بعده ..........
وارزقنا علماء يسيرون على نهجه .... ويحملون رسالته ....
واجعل في موته خيرا لأمتنا ..... كما جعلت في حياته خيرا لها

جالس ذلك الصابر المحتسب
ودعا له
يوسف نور الدين
 

زاد الـداعيـة
  • شحذ الهمم
  • زاد الخطيب
  • فن الحوار
  • فن الدعوة
  • أفكار إدارية
  • معوقات ومشكلات
  • رسائل ومقالات
  • من أثر الدعاة
  • الصفحة الرئيسية