اطبع هذه الصفحة


فقيه السنة

يوسف نور الدين

 
- صدرت مجلة (الإخوان المسلمون) في تاريخ: 27 من مارس سنة 1948م، وعلى غلافها صورةٍ لشابٍ أزهري، يزين وجهه لحية سمراء، ويعلو أنفه نظارة طبية، وقد ارتدى الزى العسكري، وقد بدا في الصورة رابضًا- كالأسد- على بطنه، ويده على الزناد، يتدرب على سلاحٍ من أسلحة القتال وقد علَّقت المجلة بهذه العبارات تحت صورة الشيخ:-
راهب وفارس..
"فضيلة الأستاذ الشيخ 00000000 فقيه الإخوان، ومن خيرة علماء الأزهر، ومحرر الصفحة الفقهية (أي بالمجلة) ومؤلف فقه السنة، أبَى عليه فهمه الصحيح لدعوة الإخوان إلا أن يكون في طليعة المجاهدين بفلسطين".
فمن هو هذا الفقيه المجاهد الذي كان له من اسمه حظ ونصيب؟؟!!
من هو هذا الشيخ الجليل الذي أراد الله به خيرا ونال الحظ الوافر ؟؟
"من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين، وإنما العلم بالتعلم، وإن الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم- لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر".
من هو هذا الحبر الذي استطاع رحمه الله أن يحفر اسمه في سجل الفقهاء بكتابه الذي لا تخلو منه مكتبة أي بيت ؟؟
إنه
الشيخ سيد سابق عليه سحائب الرحمة والرضوان
فهيا بنا تقترب فى خشوع
ونجلس فى تواضع بين يدى هذا الفقيه

- ولد رحمه الله تعالى في يناير عام 1915م بقرية "إسطنها"، من مركز ( الباجور ) بمحافظة المنوفية، وأتم حفظ القرآن ولم يتجاوز تسع سنوات.
التحق على إثره بالأزهر في القاهرة، وظل يتلقى العلم ويترقى حتى حصل على العالمية في الشريعة عام 1947م ، ثم حصل بعدها على الإجازة من الأزهر وهي درجة علمية أعلى.
- عمل بالتدريس بعد تخرجه في المعاهد الأزهرية، ثم بالوعظ في الأزهر، ثم انتقل إلى وزارة الأوقاف في نهاية الخمسينيات متقلداً إدارة المساجد، ثم الثقافة..، فالدعوة، فالتدريب إلى أن ضُيِّق عليه
- فانتقل إلى مكة المكرمة
للعمل أستاذاً بجامعة الملك عبد العزيز، ثم جامعة أم القرى، وأسند إليه فيها رئاسة قسم القضاء بكلية الشريعة، ثم رئاسة قسم الدراسات العليا، ثم عمل أستاذاً غير متفرغ.
وقد حاضر خلال هذه الفترة ودرَّس الفقه وأصوله، وأشرف على أكثر من
مئة رسالة علمية، وتخرج على يديه كوكبة من الأساتذة والعلماء،
وفي سنة 1413 هـ حصل الشيخ على جائزة الملك فيصل في الفقه الإسلامي،
- وفي الأعوام الثلاثة الأخيرة لوفاته عاد إلى القاهرة واستقر بها حتى وافاه الأجل.
و انتقل إلى جوار ربه مساء يوم الأحد 23 من ذي القعدة 1420هـ الموافق 27/2/2000م عن عمر يناهز 85 سنة.

* حماس الشباب :
- تربى الشيخ في مقتبل حياته في الجمعية الشرعية على يد مؤسسها الشيخ السبكي رحمه الله ، وتزامل مع خليفته الشيخ عبد اللطيف مشتهري رحمه الله، فتشرَّب محبة السنة. وكان لهمَّته العالية وذكائه وصفاء سريرته أثر في نضجه المبكر وتفوقه على أقرانه ، حتى برع في دراسة الفقه واستيعاب مسائله وما أن لمس فيه شيخه تفوقاً حتى كلفه بإعداد دروس مبسطة في الفقه وتدريسها لأقرانه، ولم يكن قد تجاوز بعدُ 19 عاماً من عمره.
- وكان لشيخه أثر عظيم على شخصيته وطريقة تفكيره ، ومن ذلك ما يحكيه في بداية حرب فلسطين فيقول : وقد كنا في ريعان شبابنا أخذني الحماس أمام الشيخ السبكي في أحد دروسه فقلت له: ما زلتَ تحدثنا عن الأخلاق والآداب!
أين الجهاد، والحث عليه؟!
قال: فأمرني الشيخ بالجلوس !
فرددت : حتى متى نجلس؟
قال: يا بني إذا كنت لا تصبر على التأدب أمام العالِم
فكيف تصبر على الجهاد في سبيل الله؟
قال : فهزتني الكلمة جداً وظل أثرها في حياتي حتى يومنا هذا .
ثم تعرف الشيخ سيد سابق على الشيخ حسن البنا رحمه الله وبايعه على العمل للإسلام ونشر دعوته، وجمع الأمة على كلمته، وتفقيهها في شريعته ، وعاونه بعد ذلك في تعليم الإخوان وتربيتهم داخل الشُّعَب ، واستمر على طريقته في إعداد دروس الفقه وتدريسها ، وصادف أن سمعها منه الشيخ البنا ذات مرة فاستحسن أسلوبه وطلب منه أن يعدها للنشر.
يقول الشيخ : فشرعت في جمع المادة من قصاصاتي ، وبدأت نشر كتاب « فقه السنة ».

* من أقواله الخالدة :
(( كلمات تكتب بماء الذهب))
- كان الشيخ "سيد سابق" ـ رحمه الله ـ لا يمل من تذكير المسلمين بموقعهم بين الأمم، وأنهم يجب عليهم الأخذ بزمام الحياة ليسعدوا ويسعدوا غيرهم،
يقول رحمه الله :
"إن هذه الأمة تقوم مقام النبوة، وأنتم معشر المسلمين والمؤمنين تمثلون الأنبياء في تبليغ الرسالة. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين من بعدي"، ولكي نصل إلى هذا المستوى لا بد من مجاهدة النقائص داخل المجتمع في جميع الأوساط، وعلى كل المستويات حتى تصبح الدولة مثلاً أعلى، والمدرسة مثلاً أعلى، والبيت مثلاً أعلى، حتى الشارع يجب أن يكون مثلاً أعلى، ويجب ألا يصدر عنها جميعاً إلا الكمال وإلا الفضائل. ولن يتحقق الأدب الرفيع والخلق المنيع.. الخلق العالي، إلا بجهاد النقائص بجانب جهاد النفس الذي يبدأ من الفرد، حيث إنه محور وأساس التوجيه. ثم يأتي دور الأمة كأمة مسلمة يجب أن تبقى حرة مستقلة؛ لأن لها عقائدها ولها مُثُلها، ولها القيادة والريادة والسيادة، فهي أمة محمد عليه الصلاة والسلام، وعليها أن تعد نفسها للجهاد؛ لأن الباطل لن يكف عن مناوأة الحق، والصراع بين الحق والباطل قائم منذ قابيل وهابيل، بل منذ أن دخل إبليس على أبينا آدم وأخرجه من الجنة".

- وكان الشيخ سابق ـ رحمه الله ـ يدعو إلى اجتماع الأمة ووحدة الصف، محذراً من التفرق الذي يصيبها بالضعف، ومن ثم الزوال،
فيقول:
"الأب الشرعي للضعف والضياع والذهاب هو تفرق الأمة {مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}، {وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}، والرسول صلى الله عليه وسلم يكشف لهذه الأمة عن هذه السنة الاجتماعية، ويبين أن الهلاك الطبيعي نتيجة حتمية للتفرق. والإسلام يحاول ما استطاع أن يعالج الصلات حينما تتعرض للوهن، ومن بداية الأمر، فلا ينبغي أن يترك أمر الأمة حتى يستفحل الخلاف، بل لا بد من علاج أسباب الخلاف، وقد دعانا القرآن الكريم إلى ذلك، قال الله في محكم كتابه: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}. وقد حذرنا القرآن الكريم من الأساليب التي يلجأ إليها الأعداء، ولعل أمضى سلاح في يدهم هو إيجاد الخلاف بين الأمة الإسلامية".

- كما كان يؤكد ـ رحمه الله ـ على ضرورة تهيئة شباب الأمة رجالاً ونساء لاتخاذ الأسباب اللازمة لاتقاء أعداء الإسلام بالعمل والوعي والتبصر بشؤون الحياة والأخذ بزمامها وفهم القرآن والسنة؛ لئلا يقعوا فريسة للأعداء، وكان يدعو لوجود دعاة يتفهمون متطلبات العصر، ويعرفون كيف يديرون الصراع مع الأعداء الذين لا يدخرون جهداً في التدبير لنا لتشكيكنا في عقيدتنا. فها هو يسوق قصة على ذلك فيقول:
"إن إسرائيل عدو المسلمين اللدود، الذي يناصبنا ونناصبه العداء المستمر، تعد الآن الدعاة لبث سمومها بين الشباب المسلم، فقد قابلت مرة أحد الإخوة الفلسطينيين الذين يعملون في حقل التعليم فقال لي: لقد لقيت مرة يهودياً منكباً على حفظ كتاب الله وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم فسألته: لم تقوم بهذا العمل؟فقال لي: لكي نحاججكم به، فأنتم عاطفيون تتحكم فيكم عواطفكم، فعندما نجادلكم سنلجأ إلى الاستشهاد بما جاء في القرآن وبما قال نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم، ونذكر لكم بعض الأمثال العربية التي تؤيد قضيتنا فتستسلمون عندئذ لدعوانا وتؤمنون بصحتها".

* مواقف من حياته :
يحكى عنه شيخنا القرضاوي حفظه الله فيقول :
كان الشيخ سيد سابق رجلاً مشرق الوجه، مبتسم الثغر، فكه المجلس، حاضر النكتة، ومما يحكى عنه أنهم حين قبضوا عليه في قضية مقتل النقراشي، وسألوه عن (محمد مالك) الذي ضخمت الصحافة دوره، واعتبروه أكبر إرهابي، وقد اختفى ولم يعثروا عليه فلما سألوا الشيخ: هل تعرف شيئًا عن مالك؟
قال: كيف لا أعرفه وهو إمام من أئمة المسلمين، وهو إمام دار الهجرة رضي الله عنه؟!
قالوا: يا خبيث، نحن لا نسألك عن الإمام مالك، بل عن مالك الإرهابي
قال: أنا رجل فقه أعرف الفقهاء ولا أعرف الإرهابيين.

- أُوفد رسمياً إلى الاتحاد السوفييتي في الستينيات في أحد المؤتمرات للحديث عن الإسلام ، وما أن خرج من المطار في صحبة المسئول الرسمي الذي جاء لاستقباله حتى فوجئ بحشد ضخم قد جاء لاستقباله في موسكو ! بين مقبِّل ليديه أو رأسه وبين هاتف باسمه ، فتعجب الشيخ متسائلاً: كيف عرفتموني؟
فكان الردُّ: من كتابك.
وإذا بالجماهير تلوِّح بالكتاب المترجم، وتهتف باسمه !
يقول : فلم أتمالك نفسي من البكاء ؛ إذ لم أكن أتصور أن فضل الله
عليَّ سيبلغ بي إلى هذا الحد !
ولعله حين ألفه استحضر مقولة الإمام مالك رحمه الله : "ستعلمون أيها أريد بها وجه الله غداً".

وكان ذا جرأة في الحق رغم ما كان يمكن أن يتحمله من نتائج لا طاقة لجسمه الضعيف بها ، ومن ذلك أنه حين عُيِّن خلفاً للشيخ الغزالي في مسجد عمرو بن العاص في عهد عبد الناصر ظن الناس أن الشيخ سيُداهن بعد أن غُضب على سلفه، فأفرد في أولى خُطَبه خطبة فريدة في نوعها ومضمونها تناول فيها شروط الحاكم المسلم ذكر فيها 13 شرطاً بأدلتها الشرعية وشواهدها التاريخية فكانت جامعة مانعة ، حتى قال عنها أحد العلماء الحاضرين : الشيخ قال كل شيء ، ولم يؤخذ عليه شيء .

*جهاده وسجنه :
كان مع علمه وعبادته وكثرة صومه ذا شوق للجهاد ، وما أن لاحت أمامه الفرصة حتى كان في أول كتيبة في حرب 1948م مفتياً ومعلماً للأحكام ، ومربياً على القيام والدعاء والذكر ، وموجهاً إلى حسن التوكل والأخذ بالأسباب ، ومحرضاً على الفداء ، ومدرباً على استخدام السلاح وتفكيكه ، وبعد مقتل النقراشي اتُّهم الشيخ بقتله وأطلق عليه : "مفتي الدماء" ممن أرادوا وأد الجهاد يومها.
وحوكم الشيخ بعد أن قضى عامين من الاضطهاد والتعذيب فما لانت له قناة ولا وهنت له عزيمة بل كان كما عهد عنه مربياً فاضلاً حاثاً على الصبر ، مبيناً لسنن الابتلاء والتمحيص ، وبعد أن بُرِّئت ساحته خرج ليواصل جهاد الكلمة ، وحين تكررت الفرصة بعد النكسة عاد أدراجه لساحة القتال في حرب رمضان يوجه الجنود ويرفع معنويات الجيش.

* مكانته وفضله :
يعرف للرجل مكانته وفضله كل من عاشره أو تتلمذ على يديه ؛ فقد تخرج
على يديه ألوف العلماء وطلبة العلم من عشرات الأجيال ، ومن هؤلاء : الدكتور يوسف القرضاوي ، والدكتور أحمد العسال ، والدكتور محمد الراوي ، والدكتور عبد الستار فتح الله ، وكثير من علماء مكة وأساتذتها من أمثال الدكتور صالح بن حميد ، والدكتور العلياني .
بل إنه في شبابه كان محل ثقة واستعانة علماء كبار في حينها من أمثال : الشيخ محمود شلتوت ، و أبي زهرة ، و الغزالي .

* أخلاق العلماء :
كان رحمه الله فقيهاً مجرَّباً محنَّكاً مثالاً للعلم الوافر والخلق الرفيع والمودة والرحمة في تعامله ، ويمتاز بذاكرة قوية وذكاء مفرط ونفس لينة ولسان عف وحضور بديهة .
ومن سعة صدره : أنه خطب يوماً فأطال ، فلما فرغ الشيخ من خطبته وقف أحد الحاضرين وكان ذا مرض قائلاً :
أنت لا تفهم !
فجاء رد الشيخ هادئاً : وهل قلت لك إنني أفهم ؟
فأُسْقِطَ في يد الرجل واعتذر للشيخ .
وقد رزق -رحمه الله -حسن منطق في جزالة وإيجاز ، وروحاً مرحة وُضعت له معها
المحبة والقبول .
وكان يبلغ مأربه دون عناء ؛ ومن ذلك أنه حين سئل عن أحدهم قال : إنه "كُذُبْذُب" (يعني أدمن الكذب).
وحين ساء الحال في السبعينيات سئل عن رؤيته للأوضاع ، فقال : "إن علة مصر سؤالان وجيهان .. "

* بين المحدث والفقيه :-
يحكى لنا أحد طلبة العلم ويدعى محمد أحمد حسن شرشر فيقول :
تقتضي الأمانة العلمية أن أكتب إليكم أمراً قد ينتفع به الباحثون وطلاب العلم:
فقد التقيت الشيخ "سيد سابق" - رحمه الله - في مكة المكرمة، وقد أفدت من علمه الغزير، وشهد لي شهادة أعتز بها، وأحتفظ بها لنفسي، غير أنني سألته عن كتاب "تمام المنة" الذي أصدره الشيخ الألباني - رحمه الله - في التعليق على كتاب فقه السُّنة، فكان جوابه أن:
أ - نصحني بشراء كتاب "تمام المنَّة" لتمام الفائدة التي أحصل عليها من كتاب فقه السنة.
ب - وأخبرني أنه طلب من الشيخ الألباني أن يحمل تحقيق كتاب فقه السنة كاملاً، ولكن الشيخ الألباني اعتذر له بأنّ تحقيق كتاب الصلاة فقط أجهده أشد الإجهاد، وهذا دليل على أن العلاقة بينهما كانت علاقة ود وصفاء، وقائمة على محبة العلم، على عكس ما يتصوره بعض القارئين لكتاب الألباني.
ج وأضاف الشيخ: "إن تمام المنة وإنْ ضعَّف بعض الأحاديث فإنه لم يغيِّر أحكاماً".
وقد أملاني الشيخ - رحمه الله - أسماء مؤلفاته كلها، وكان آخرها تحت الطبع عن الدعاء، وقد نُشِر في أواخر 1998م.
وهذه شهادة لعلها تفيد القارئ والباحث في الفكر الإسلامي، وحتى يدرك الشباب أن أخلاق العلماء الأصل فيها المحبة والمودة، ولو اختلفت أوجه النظر في ميدان العلم.

* منهجه العلمي :
دعنا نصغي للعلامة يوسف القرضاوي وهو يوصف لنا منهج الشيخ فيقول :
اعتمد الشيخ سيد -رحمه الله- منهجًا يقوم على طرح التعصب للمذاهب مع عدم تجريحها، والاستناد إلى أدلة الكتاب والسنة والإجماع، وتبسيط العبارة للقارئ بعيدًا عن تعقيد المصطلحات، وعمق التعليلات، والميل إلى التسهيل والتيسير على الناس، والترخيص لهم فيما يقبل الترخيص، فإن الله يحب أن تؤتى رخصه، كما يحب أن تؤتى عزائمه، وكما يكره أن تؤتى معصيته، وحتى يحب الناس الدين ويقبلوا عليه، كما يحرص على بيان الحكمة من التكليف، اقتداء بالقرآن في تعليل الأحكام. وكان من التسهيل الذي اتبعه الشيخ في منهجه الذي ارتضاه في كتابة الفقه البعد عن ذكر الخلاف إلا ما لا بد منه، فيذكر الأقوال في المسألة، ويختار الراجح أو الأرجح في الغالب، وأحيانًا يترك الأمر دون أن يرجح رأيًا، حيث لم يتضح له الراجح، أو تكافأت عنده الأقوال والأدلة، فيرى من الأمانة أن يدع الأمر للقارئ يتحمل مسئولية اختياره، أو يسأل عالمًا آخر

* من مؤلفاته :
- فقه السنة وسنعرض له بشيء بالتفصيل
- العقائد الإسلامية
- إسلامنا
- مصادر القوة في الإسلام .
- الربا والبديل ؛ وهو رد على ما أفتى به بعض المعاصرين من جواز فوائد البنوك وشهادات الاستثمار .
- رسالة في الحج وأخرى في الصيام وهما مستلَّتان من فقه السنّة بتصرف.
- تقاليد وعادات يجب أن تزول في الأفراح والمناسبات .
- تقاليد وعادات يجب أن تزول في المآتم .
وهذه الأربعة الأخيرة ألفها ضمن نشاطه العلمي في إدارة الثقافة بوزارة الأوقاف

* كتاب ذائع الصيت :
يعتبر كتاب "فقه السنة" أشهر كتاب فقه في العصر الحديث، وهو أحد منجزات دعوة الإخوان المسلمين على المستوى العلمي والفقهي والدعوي، وقد وضعه الشيخ رحمه الله بتوجيه من الإمام الشهيد حسن البنا، والكتاب في الأصل كان عبارة عن سلسلة دراسات فقهية نُشرت في جرائد ومجلات الإخوان المسلمين، وكان علامةً فارقةً بين عهدين في التأليف الفقهي، فقبله كان من الصعب على المتخصصين- فضلاً عن غيرهم- الوصول إلى الحكم الشرعي الإسلامي في أي مسألة يريد الإنسان معرفتها، سواء في العبادات أو في المعاملات، إلى أن جاء هذا الكتاب فأصبح من السهولة لأي إنسان أن يعثر على الحكم الشرعي في أي مسألة يبحث عنها..
فتلقاه جمهور الأمة الإسلامية بالقبول الحسن،
فما هو السر في هذا الإقبال وهذا الانتشار لهذا الكتاب ؟!
أعتقد أن السرَّ يكمُن في سببين:
هكذا يشرح لنا الكاتب الأسباب فيقول :
* السبب الأول :
في نزوع الكتاب إلى البُعد عن مواطن الخلاف والاختلاف، والاقتراب من مواطن الاتفاق، والتركيز على رأي جمهور الفقهاء؛ ولذلك تكثر في الكتاب عبارات مثل: ذهب جمهور الفقهاء إلى، ومثل أجمعوا على، واتفقوا، وذهب جمهور العلماء إلى، وذهب أكثر فقهاء الأمصار إلى، وهو معلوم بالضرورة.. إلى غير ذلك من عبارات تشير إلى مواطن الاتفاق، كما أن فضيلة الشيخ سيد سابق- لا يلجأ في كتابه إلى ذكر الاختلافات الفقهية إلا قليلاً.
* السبب الثاني :
أنه لم يأتِ بحكم شرعي أو فقهيٍّ إلا بدليل من القرآن الكريم أو من السنة النبوية المطهَّرة أو مع غيرهما من الأدلة، كالإجماع إن وجد، أو القياس أو غير ذلك من الأدلة الشرعية التي على أساسها يتم استنباط الأحكام الشرعية.
ويقع كتاب فقه السنة في ثلاثةِ مجلدات ضخمة مجموعها نحو 1600 صفحة، وهو يضم جميع أبواب الفقه تقريبًا مُجابًا عنها بسهولة ويُسر، وبأدلتها من القرآن والسنة، أو من بقية الأدلة الشرعية التي على أساسها يتم استنباط الأحكام الشرعية والفقهية،
وتلك لمحة سريعة عن مجلدات الكتاب:
أ- المجلد الأول
يتحدث عن الأحكام الشرعية والفقهية الخاصة بالعبادات، بدءًا من الوضوء والغسل والصلاة، ومرورًا بالزكاة ثم الصيام، وانتهاءً بالحج والعمرة.
ب- المجلد الثاني
ويتحدث فيه عن نظام الأسرة، وهو ما يُعرف بالأحوال الشخصية، ثم يتحدث عن الحدود والجنايات، وهو ما يُعرف بالتشريع الجنائي الإسلامي، ففي الجزء الخاص بنظام الأسرة يتحدث عن الأحكام الشرعية الخاصة بالزواج والطلاق وتفصيلاتها؛ حيث يتحدث عن الأحكام الفقهية الخاصة بالخِطبة، وعقد الزواج، وشروط صحة الزواج، والشهود، والولاية على الزواج، والكفالة، والوكالة، والكفاءة في الزواج، وحقوق الزوجين وإعلان الزواج.. إلى آخره، ثم يتحدث عن الأحكام الفقهية الخاصة بالطلاق، وعدد الطلقات، والطلاق الرجعي، والظهار، والفسخ، واللعان، والعدة، والحضانة.. إلى آخره، وفي هذا الجزء نتعرف على العدل الاجتماعي كما جاء به الإسلام.
وفي الجزء الخاص بالحدود يتحدث عن الأحكام الشرعية والفقهية الخاصة بحد شارب الخمر، وحد الزنا، وحد القذف، والردة، والحرابة، والسرقة، ثم يتحدث عن الجنايات والقصاص والديات والتعزير، وفيه نتعرف على العدل القانوني كما جاء به الإسلام.
جـ- المجلد الثالث
ويتحدث عن الأحكام الشرعية الخاصة بالسِّلم والحرب، وهو المعروف بالعلاقات الدولية، ثم يتحدث عن المعاملات المالية والاقتصادية، وكأنه خصَّص المجلد الثالث للحديث عن بعض الأحكام الشرعية الخاصة بالسياسة الدولية والاقتصاد والتجارة.
أ- ففي الجزء الخاص بالسلم والحرب يتحدث عن السلام والحرب، والجهاد، وأسرى الحرب، والغنائم، والجزية.. إلى آخره، وهنا نتعرف على العدل السياسي في العلاقات الدولية كما جاء به الإسلام.
ب- وفي الجزء الخاص بالمعاملات الاقتصادية والمالية والتجارية- وهو ما يعرف بالقانون المدني الإسلامي- نتعرف على العدل الاقتصادي كما جاء به الإسلام؛ حيث يعرض المؤلف للأحكام الشرعية والفقهية الخاصة بالبيع، والتسعير، والاحتكار، والخيار، والإقالة والسلم، والربا، والقرض، والرهن، والإجارة، والمضاربة، والحوالة، والشفعة، والوكالة، والعارية، والوديعة، والغضب، واللقيط، والأطعمة، والذبائح والصيد، والأضحية، والعقيقة، والكفالة، والمساقاة، والجعالة، والشركة وأنواعها، والصلح، والقضاء، والدعاوى والبينات، والإقرار، والشهادة، واليمين، والسجن، والإكراه، والوقف، والهبة، والرقبة، والنفقة، والحجر، والوصية، والمواريث، والفرائض، والتركات.. إلى آخره.
وفي هذا الطريق الذي خطه الشيخ سيد سابق سارت معظم كتب الفقه التي تم تأليفها بعد كتاب فقه السنة، والتي تأثرت به بشكل أو بآخر.
ومن يقرأ في هذا الكتاب يتيقن أن :
الإسلام دين شامل جاء لتغيير الواقع البشري في كل زمان ومكان، وأن هدف الإسلام هو تغيير الظلم السياسي والاقتصادي والاجتماعي والقانوني وتحقيق العدل السياسي والاقتصادي والاجتماعي والقانوني كما جاء به الإسلام؛ مما يؤدي إلى تحقيق السلام الاجتماعي وذلك لجميع البشر مسلمين وغير مسلمين.
ولعل هذا هو أحد أسباب انتشار هذا الكتاب، فالناس جميعًا تتوق إلى العدل الشامل بعد اختفائه من واقعهم، واستشراء الظلم والفساد كاستشراء النار في الهشيم، ولن يتحقق العدل الشامل لجميع البشر إلا بالاتجاه إلى الإسلام.

ونسوق إلى القارئ هذا التقرير المهم عن هذا السفر العظيم
(( تَقْرِير عَن كِتَاب \" فِقْهُ السنة \" لصاحبه الشيخ سيد سابق ))
بسم الله الرحمـن الرحــيم
قـال الشيخ العلامة عبد الرزاق عفيفي المصري رحمه الله :
سماحة الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية و الإفتَـاء و الدعوة و الإرشـاد الموقر
السـلام عليكم و رحمة الله و بركـاته و بعد :
فَـبناءً على رغبة سماحتك في إبداء رأيي في كتاب فقه السنة لفضيلة الشيخ سيد سابق كتبت ما يلي :
أولاً : الكتاب المذكُـور سهل العبارة ، يتحرى مؤلفه فيه الحق ، و يقيم الدلـيل عليه من الكتاب و السنة أو من أحدهما ، و اختياره في المـسائل الخلافية يكـون في الغـالب حسناً وجيهاً .
ثانياً : الكتاب مؤلف في الفروع الفقهية ، و خال من البدع و الخرافات ـ فيما أعلم ـ و قد استقـى مؤلفه مادته فيه من زاد المعاد للإمام ابن القيم ، و شرح الشوكـاني لمنتقى الأخبار ، و كتاب الدين الخالص للشيخ محمود خطـاب مؤسس الجمعية الشرعية للعمل بالكتاب و السنة المحمدية رحمهم الله تعالى.
ثـالثاً : مؤلف الكتاب من عُـلمَاء الأزهَـر ، و هو محب للسنة ، و طريقته في التوحـيد طريقة الشيخ محمود خطاب مؤسس الجمعية الشرعية ، و هم يلتزمون مذهب الأشعرية في توحيد الأسمـاء و الصفات فيؤلونها أو يفوضون فيها ، و لكن كتاب \"فقه السنة \" في الفروع الفقهية.
رابعًا : على هذا الكتاب إقبـال من الشبان ليسره و سهولة فهمه و بُعدَه عن الحشو و التعقيد و اشتماله على الأدلة باختصار.
و الله الموفق، و صلى الله على نبينا محمد و آله و صحبه و سلم.
نائب رئيس اللجنة الدائمة للبحوث و الإفتاء
عبد الرزاق عـفيـفي

ولندع شيخنا القرضاوي يحدثنا عن الكتاب ويفند آراء منتقديه :
أصدر الشيخ سيد الجزء الأول من كتابه الذي سماه (فقه السنة) في أواسط الأربعينات من القرن العشرين الميلادي، أو في سنة 1365هـ وهو رسالة صغيرة الحجم، من القطع الصغير، وكان في (فقه الطهارة)،
وقد صدره بمقدمة من المرشد العام للإخوان المسلمين الشيخ الإمام حسن البنا، تنوه بمنهج الشيخ في الكتابة، وحسن طريقته في عرض الفقه، وتحبيبه إلى الناس، ومما جاء في هذه المقدمة قوله -عليه رحمة الله:
أما بعد..
" فإن من أعظم القربات إلى الله -تبارك وتعالى- نشر الدعوة الإسلامية، وبث الأحكام الدينية، وبخاصة ما يتصل منها بهذه النواحي الفقهية، حتى يكون الناس على بينة من أمرهم في عبادتهم وأعمالهم، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: "من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين، وإنما العلم بالتعلم، وإن الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم- لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر".
وإن من ألطف الأساليب وأنفعها وأقربها إلى القلوب والعقول في دراسة الفقه الإسلامي – وبخاصة في أحكام العبادات، وفي الدراسات العامة التي تقدم لجمهور الأمة – البعد به عن المصطلحات الفنية، والتفريعات الكثيرة الفرضية، ووصله ما أمكن ذلك بمآخذ الأدلة من الكتاب والسنة في سهولة ويسر، والتنبيه على الحكم والفوائد ما أتيحت لذلك الفرصة، حتى يشعر القارئون المتفقهون بأنهم موصولون بالله ورسوله، مستفيدون في الآخرة والأولى، وفي ذلك أكبر حافز لهم على الاستزادة من المعرفة، والإقبال على العلم.
وقد وفق الله الأخ الفاضل الأستاذ الشيخ: السيد سابق، إلى سلوك هذه السبيل، فوضع هذه الرسالة السهلة المأخذ، الجمة الفائدة، وأوضح فيها الأحكام الفقهية بهذا الأسلوب الجميل؛ فاستحق بذلك مثوبة الله إن شاء الله، وإعجاب الغيورين على هذا الدين، فجزاه الله عن دينه وأمته ودعوته خير الجزاء، ونفع به، وأجرى على يديه الخير لنفسه وللناس، آمين أ.هـ."

وقال الشيخ سابق في مقدمته القصيرة المختصرة التي قدم بها كتابه:
هذا الكتاب يتناول مسائل من الفقه الإسلامي مقرونة بأدلتها من صريح الكتاب وصحيح السنة، ومما أجمعت عليه الأمة.
وقد عرضت في يسر وسهولة، وبسط واستيعاب لكثير مما يحتاج إليه المسلم، مع تجنب ذكر الخلاف إلا إذا وجد ما يسوغ ذكره فنشير إليه.
والكتاب يعطي صورة صحيحة للفقه الإسلامي الذي بعث الله به محمدًا صلى الله عليه وسلم، ويفتح للناس باب الفهم عن الله ورسوله، ويجمعهم على الكتاب والسنة، ويقضي على الخلاف وبدعة التعصب للمذاهب، كما يقضي على الخرافة القائلة: بأن باب الاجتهاد قد سُدّ .
ظل الشيخ سيد يوالي الكتابة في الفقه بعد ذلك، ويخرج في كل فترة جزءاً من هذا القطع الصغير حتى اكتمل أربعة عشر جزءاً، ثم صدر بعد ذلك في ثلاثة أجزاء كبيرة. واستمر تأليفه نحو عشرين سنة على ما أظن.
سَدَّ كتاب الشيخ سيد سابق فراغًا في المكتبة الإسلامية في مجال فقه السنة، الذي لا يرتبط بمذهب من المذاهب، ولهذا أقبل عليه عامة المثقفين الذين لم ينشأوا على الالتزام بمذهب معين أو التعصب له، وكان مصدرًا سهلاً لهم يرجعون إليه كلما احتاجوا إلى مراجعة مسألة من المسائل.
وقد انتشر الكتاب انتشارًا، وطبعه بعض الناس بدون إذن مؤلفه مرات ومرات، كما يفعلون مع غيره من الكتب التي يطلبها الناس.

ربما انتقد (فقه السنة) بعض المذهبيين المتشددين في اتباع المذاهب، والذين اعتبروا الكتاب داعية إلى ما سموه (اللامذهبية)، وهي – كما قالوا – قنطرة إلى (اللادينية)!
وأنا اعتقد أن مؤلف الكتاب - وإن لم يلتزم مذهبًا بعينه - لا يُعَدُّ من دعاة (اللامذهبية) لأنه لم يذم المذاهب، ولم ينكر عليها.
كما أعتقد أن مثل هذا النوع من التأليف ضرورة للمسلم الجديد، الذي يدخل في الإسلام الواسع دون التزام بمدرسة أو مذهب، وكذلك المسلم العصري الذي لا يريد أن يربط نفسه بمذهب معين في كل المسائل، بل يأخذ بما صح دليله، ووضح سبيله.
كما انتقد الكتاب بعض العلماء الذين يرون أن الشيخ – وقد تحرر من المذاهب- لم يعطِ فقه المقارنة والموازنة حقها، في مناقشة الأدلة النقلية والعقلية، والموازنة العلمية بينها، واختيار الأرجح بعد ذلك على بينة وبصيرة.
والجواب عن ذلك: أن الشيخ لم يكتب كتابه للعلماء، بل لجمهور المتعلمين، الذين يحتاجون إلى التسهيل والتيسير، سواء في الشكل أم المضمون، وتوخي طريقة التسهيل والتبسيط، وكل ميسر لما خلق له.

* قبل أن يودع الحياة :
وبعد أن استقر به الحال في القاهرة قبل ثلاث سنوات ، تجول بين عدد من
المساجد لإلقاء دروسه في ستة أيام كل أسبوع ؛ أربعة أيام للرجال ويومين للنساء .
ولكم أتعبه المرض دون أن يُقعده ، وقد حاول ولده الدكتور مصطفى أن يمنعه من التدريس بعد أن نصحه الأطباء بالراحة ، فأبى ما دام فيه نَفَس ، فكان يذهب لدرسه رغم مرضه ليبلِّغ الحق للناس .
ويكفي الشيخ وقد لقي ربه بأكثر من سبعين سنة حافلة بالدعوة والجهاد ما أعقبه الله من ثناء وذكر حسن بين الناس ودعاء .
رحمه الله رحمة واسعة ، وأخلف على الأمة في مصابها فيه وفي إخوانه
خيراً .

جلس بين يدي فقيه السنة
يوسف نور الدين
 

زاد الـداعيـة
  • شحذ الهمم
  • زاد الخطيب
  • فن الحوار
  • فن الدعوة
  • أفكار إدارية
  • معوقات ومشكلات
  • رسائل ومقالات
  • من أثر الدعاة
  • الصفحة الرئيسية