اطبع هذه الصفحة


الإسلاميون و التسويق للمخالف

حامد بن خلف العُمري
hamid.alumary@gmail.com


يشتكي كثيرٌ من الإسلاميين من تزايد أعداد من يصفونهم بالمتجرئين على الدين والثوابت , من الكُتاب والروائيين والممثلين والصحفيين و غيرهم , غير أن المتابع لبعض ما يجري يجد أن بعض الإسلاميين يعملون على الترويج لبعض مخالفيهم أو لبعض آراءهم دون أن يشعروا بذلك! وذلك أن طريقة تعاطي بعضهم مع كثير من طروحات مخالفيهم والتي كثيرا ما تستفزهم يشوبها الخطأ .

و من الأمثلة على ذلك المبالغة في التحذير من بعض ما يطرحه المخالفون من آراء أو كتابات أو أعمال, ومع أن الدافع على ذلك هو الغيرةً على الدين وخشية تأثير ذلك الكاتب أو المسلسل أو تلك الرواية في الناس , إلا أن هذا الأسلوب قد يؤدي إلى الترويج لبعض المخالفين أو لبعض الآراء و الأعمال والتي قد لا تملك مقومات البقاء أو الانتشار في الأصل!
وقد رأينا كيف أن بعض الأعمال الدرامية أو الروائية المخالفة اكتسبت شهرة واسعة بسبب ما قوبلت به من نقد أو فتاوى بالتحريم !
يقول الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله: ( ومن طريف أخبار ذوي الغفلة من الوعاظ أن احد مشايخنا جاء من يقول له إن منيرة المهدية تغني و ترقص في " العباسية" فأعلن غضبه في درسه في الأموي وقال: كيف ترقص هذه المرأة أمام الرجال وهي كاشفة جسدها مبدية مفاتنها ؟ أين الدين وأين النخوة ؟ قالوا نعوذ بالله ! و كيف يكون هذا , و أين يا سيدنا , ومتى ؟ قال: في العباسية , بعد صلاة العشاء . وكان نصف المقاعد خاليا فامتلأت تلك الليلة المقاعد كلها! ) (1)

ومن الأخطاء ما يحدث من نقاشات أو ردود على بعض المخالفين ممن لا يحسن الرد عليهم , أو ممن يحسن تفنيد أفكارهم دون ذكر أسمائهم , ذلك أن بعض هؤلاء المخالفين يشبه ذلك الأعرابي الذي بال في بئر زمزم في زمن حجة ابن الجوزي, فأخذه الناس و ضربوه و رفعوا أمره إلى الوالي , وعندما سأله الوالي عن سبب فعلته , قال : إنما فعلت ذلك ليذكرني الناس و لو باللعنات!

وعليه فيحسن التأمل في حجم المخالف وخطورة ما يطرح من أفكار قبل الرد عليه, يقول الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله: ( أنا لا أحمل حقداً على احد , لأني أرد الصاع صاعين أو ثلاثة إن كان الذي يكتب عني كبير القدر في الأدب و الفكر , أو كان الموضوع مما لا يجوز السكوت عنه, وإن كان الذي يكتب عني ماله قيمه , أو كان الموضوع لا خطر له نهجت منهج جرير حين قال بشار عنه : "هجوت جريراً فأعرض عني واستصغرني ولو أجابني لكنت أشعر الناس" . كان يريد الصعود على كتف جرير ليراه الناس, فتخلى عنه فرماه , لذلك أدع الرد على أكثر الذين يسبونني , بل في أكثر الأحيان لا أقرأ ما يكتبون)(2)

ومن الأخطاء التي قد تلاحظ على بعض الإسلاميين عند الرد على المخالف أو نقده الميل إلى استخدام اللغة الحادة, وهذا الأسلوب مع كونه مفيداً للمخالف من حيث ظهوره بمظهر المُتجنَّى والمتهجَّم عليه , فإنه أيضاً قد يعطي دلالة ما على عجز الناقد, مما يُفقده تعاطف الجمهور المستهدف من القراء أو المشاهدين, ذلك أن الناس اليوم باتوا يميلون إلى الخطاب العقلاني الهادئ , وهو ما يعبر عنه البعض ب( قوة الحجة لا قوة الحنجرة ).

ومن الأخطاء كذلك الميل إلى استعمال أسلوب الإلزام , وأعني إلزام المشاهد أو القارئ بفكرة أو نتيجة بدلاً من محاولة إقناعه أو إشراكه في الوصول إليها , و هذا الأسلوب لا يحبه كثيرٌ من الناس لأنهم لا يريدون إعارة عقولهم , وعليه فقد يكون من الأفضل بدلاً من ذلك استخدام أسلوب العرض الواضح للأفكار ودعمها بما يمكن من الأدلة أو التقارير و الدراسات أو الإحصائيات المثبتة , وكذلك بيان سلبيات ما يقابلها من أفكار مخالفة , ثم يترك الحكم للقارئ أو المشاهد .


--------------------------------
(1) ذكريات الطنطاوي :1/ 35
(2) نفس المصدر : 2/45
 

زاد الـداعيـة
  • شحذ الهمم
  • زاد الخطيب
  • فن الحوار
  • فن الدعوة
  • أفكار إدارية
  • معوقات ومشكلات
  • رسائل ومقالات
  • من أثر الدعاة
  • الصفحة الرئيسية