صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







الدعوة الإسلامية بين التاريخ والمنهج

عاطف عبد المعز الفيومي
 


الدعوة الإسلامية بين التاريخ والمنهج (1)
الشيخ/عاطف عبد المعز الفيومي


الحمد لله تعالى والصلاة والسلام على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وآله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد:
فيرتكز حديثنا هنا بأمر الله تعالى في نقاط سريعة:

1- فالدعوة إلى الله تعالى من أجل شرائع الإسلام الحنيف الذي بعث به لبنة التمام ومسك الختام نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وهذه الدعوة ضاربة بجذورها في عمق التاريخ البشري فليست كما يظن البعض ويعتقد أنها نشأت من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ،فهذا خلاف ما جاء في القرآن والسنة من قصص الأنبياء والمرسلين الذين اصطفاهم الله تعالى لتبليغ دينه وشرائعه إلى العالمين ، ولإقامة منهج الله تعالى المنزل عليهم وسيادته على كل منهج بشري أو طاغوتي مخالف لمنهج الله تعالى ورسالته ، وهذه من كبرى حقائق الدعوة التي لا ينبغي أن تغيب عن أذهان وعقول الدعاة إلى سبيل الله ورسله.
فتاريخ الدعوة كما بينه الله تعالى في كتاب المنزل - القرآن - كانت أولى خطواته في مسيرة الحياة البشرية الطويلة في زمان نبي الله ورسوله نوح عليه السلام،...لأن البشرية ظلت على فطرتها التي خلقها الله تعالى عليها بالتوحيد لله تعالى منذ أول البشرية آدم عليه السلام، واستمسكت بها زمانا طويلاً كما ذكرت كتب القصص والتاريخ ما يقرب من ألف عام، حتى بزغ الشيطان بشركه وتلاعبه في العقول بأن يصرفها عن عبادة خالقها وموجدها سبحانه وتعالى، والمتأمل لآيات القرآن وقصص الأنبياء تظهر له هذه الحقيقة جلية واضحة لا لبس فيها ولا غموض، كما قال تعالى "إنا أرسلنا نوحاً إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذابَ أليم".
ثم توالت الرسالات والنبوات من بعده تترى لإعادة البشرية السالكة في طريق الشيطان والخسران إلى طريق النجاة والإيمان، والعبودية لله وحده المستحق لها بلا منازع أو شريك.

2- فالدعوة إذاً ...هي طريق الأنبياء والمرسلين ، وهي كذلك طريق الدعاة والمصلحين ومن ثم بعث بها النبي صلى الله عليه وسلم وأورثها الله تعالى لنا من بعده"كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر"...الآيات" وهذه كذلك حقيقة أخرى لابد من الوقوف عليها وإدراكها ،حتى لا يتفلت أحد منها ومن أعبائها الثقيلة الموكلة إلينا"قل هذه سبيلي أعوا إلى الله على بصيرة".
ومن ثم ورثت الأمة الإسلامية اليوم هذه التبعة الثقلية، والرسالة الجليلة، وقامت جهود الدعاة هنا وهنالك تنادي بواجب الدعوة إلى الله تعالى ووجوب العودة إلى منهج الحق والإسلام الذي به صلاحنا في الدنيا والآخرة وبه هدايتنا وسعادتنا كذلك .

3- فقام رجال ممن حملوا على عاتقهم حمل الرسالة وتبليغ الأمانة،بجهود كثيرة ومحاولات كبيرة ،لإعادة الأمة إلى الكتاب والسنة وتحكيم شريعة الله تعالى وجعلها منهج حياة،يحكم الواقع البشري كما أراده الله تعالى لها، وكان قيام ذلك بشدة بعد توالى الحملات التترية والصليبية وكذلك الصهيونية على العالم الإسلامي بعدة غارات ومكائد وحروب،كان من نتائجها سقوط الخلافة الإسلامية بقيادة الدولة العثمانية ،وقيام العميل اليهودي مصطفى كمال أتاتورك بالوصول إلى مقاعد السيادة والحكم بعد قرار إلغاء الخلافة الإسلامية ومن ثم تم تمزيق العالم الإسلامي والعربي إلى دويلات ممزقة يفصل بينها حدود جغرافية مصطنعة،وما ذلك إلا لاحتواء العالم الإسلامي وإحكام السيطرة عليه وضربه في أي وقت بيد من حديد وتطويعه لمطامعهم ومكائدهم وأحقادهم..
فقام المسلمون في فزع من غفلتهم ورقادهم على إثر ذلك وبدأت هنا وهنالك جهود فردية وغيرها ربما شابها تلك الأخطاء والهنات التي جعلت طرائق الدعوة مختلفة لأنها من نتاج أفهام وعقول مختلفة في دقة فهمها واستنباطها للأحكام والمناهج التي يريدون أن تكون لهم كالقاعدة في البناء والدعوة إلى الله تعالى وتحكيم شريعة الإسلام،فنشأت مناهج دعوية مختلفة في الوسائل والأفكار ،فنشأت جماعات دعوية كالإخوان في مصر والتبيليغ التي كان مبدأ أمرها من بلاد الهند والجماعة الإسلامية والجهادية وغيرها،وكذلك في الجزائر والمغرب،ولكل وجهة هو موليها،فهذه الجماعة ترى في مناهجها وأفكارها أنه المنهج الأفضل الذي يمتلك مقومات العودة إلى سيادة الحكم وعودة خلافة الإسلام، وكذلك ترى الأخرى وهكذا تفرقت الجماعات باختلاف المناهج والتصورات لمنهجية العمل الدعوي المناسب للعودة إلى حياة إسلامية نظيفة واستئنافها في ظل مناهج الإسلام الحاكمة.
وحسب أصحابها أن نظن فيهم الخير وحب الإسلام ،الذي ربما بدا لنا من جهودهم وحركتهم للدعوة الإسلامية ، لكن الإخلاص وحده لا يعفي صاحبه من تبعة الحق الثقيلة من الاتباع الصحيح القائم على علم وفقه صحيح قائم على الكتاب والسنة،موافق لمراد الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.

4- فهذه المناهج الدعوية جلها يزعم الوقوف على الكتاب والسنة، والعمل الدعوي والمنهجي الصحيح ولكن أنى لهم ذلك،فنصوص الكتاب والسنة لا بد من شهودها لصاحب العمل بصحته وصحة فهمه وعمله،فالثلاثة الذين ذهبوا إلى بيوت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادته خير شاهد على ما أشرت إليه هنا ،فإخلاصهم في العمل وحرصهم على التعبد لله تعالى بما لم يتعبد به رسول الله صلى الله عليه وسلم،لم يعفهم من كونهم خالفوا منهاج النبوة الوسطي الذي جمع بين عبادة القلب والجوارح واستقامتها، وبين شؤون الحياة الدنيا ومصالحها، ولهذا قام النبي صلى الله عليه وسلم بالتعقيب والتوجيه ومن ثم التحذير من المخالفة لما جاء به من الهدى والشريعة، وكون المخالف لن يصل إلى شيء مما أراده بغير الطريق التي يسلكها رسوله ونبيه صلى الله عليه وسلم،وإن حسنت نيته ونقت سريرته،لكن لا بد من أن تستقيم أيضاً طريقته. فهذه المناهج الدعوية المختلفة في كثير من مناهجها وتصوراتها وقعت فيما وقعت فيه هؤلاء الثلاثة وهم يظنون أنهم على شيء ، وأنهم أردوا الهدى والهداية للخلق ولن يدركوا ذلك بغير الطريق الذي أشرنا إليه آنفاً.
وهذا هو ما دل عليه صريح القرآن وصحيح السنة فمن ذلك قول الله تعالى:"فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم" وقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"افترقت اليهود....إلى قوله...قال ما أنا عليه اليوم وأصحابي."

5- فهذه الجماعة التي تقوم اليوم بواجب الدعوة إلى الله تعالى لا بد لها من لزوم منهاج النبي صلى الله عليه وسلم وثمت أصل آخر ألا وهو طريق أصحابه رضي الله عنهم جميعاً، وهذا الطريق أكد عليه القرآن بشدة في كثير من آياته الكريمة كقوله تعالى:"ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً" فما هو سبيل المؤمنين غير سبيل الصحابة ومن تبعهم رضي الله عنهم جميعاً، وكذلك نصوص السنة النبوية"عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين....الحديث". لماذا...؟؟
لأن التفرق ما وقع في الأمة إلا بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم ووجد ذلك كثير من الصحابة رضي الله عنهم، ثم تشعبت الفرق والمذاهب والأهواء بداية من القدرية والخوارج والمرجئة والمعتزلة والشيعة والصوفية إلى أن تعددت الفرق والنحل المختلفة وتشتت بين الأمة الإسلامية ومن ثم كان ولا بد ممن يظهر بالحق ويصدع به ويعتصم بمنهج النجاة من ضلالات هذه الفرق والأهواء،فكان من لزموا الصراط المستقيم من أهل السنة والجماعة وقاموا بالذود عن شريعة الإسلام الصافية ،ووقفوا حراساً عليها أمناء،يحققون ويدققون وينقبون،حتى لا يختلط الحابل بالنابل كما يقال، وكانوا يقولون سموا لنا رجالكم حتى نعرف حالهم ،فوقفوا حيث جاءت نصوص الوحيين الصافيين من الكتاب والسنة ولزوم ما كان عليه الصحابة الكرام وعملهم وإجماعهم، ووقفوا عند مراد الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولزموا السكوت والتأويل فيما سكت فيه الصحابة، وانتهوا عن التعمق والتكلف فيما لا علم لهم به.

6- واليوم جاء دورهم في وسط هذا الخضم الكبير من هذه الفرق والمذاهب ،فأهل السنة ملازمون لطريق الدعوة لا يتخلفون عنه ولا يحيدون، وبه وبأمر الله قائمون،لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم وإن قل عددهم و تفرقوا في البلاد،منصورون قائمون ،وإن باعدت بينهم الأقطار والأمصار وكذلك الأعصار،جاء دورهم لريادة دعوية مستقيمة سديدة، لا يشوبها شيء من المخالفات، ولا البدع والأهواء،نعم فالجماعات الإسلامية اليوم نتمنى لهم تصفية مناهجهم وتصويب أخطائهم فلا بد للعبد من الزلل، ولا حرج من إعادة النظر فيما خالفوا فيه وزلوا، ولا حرج من تقويم مسيرة الدعوة الإسلامية في مناهجهم وتصوراتهم ،لتستقيم على مناهج النبوة وطريق الصحابة رضي الله عنهم، وإن كان منهم من يعد من أهل السنة ومحسوب عليهم فلينظر هل ما لديه متوافق حقاً مع منهج أهل السنة والجماعة،وهل الذي عليه اليوم هو"هو" ما قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم"ما أنا عليه اليوم وأصحابي". نعم الدعوة إلى الله ليست مناهج تكتيل وتكديس الأعداد حولها وفقط إنما هي منهج حياة كبير، وجذر ضارب في التاريخ البشري بطوله،فعلى جنود الدعوة وهذا نداء لا بد منه أن يفرقوا بين ما تصوروه ووضعوه في منهاج دعوتهم وبين ما جاءت به نصوص الكتاب والسنة من لزوم الكتاب والسنة وطريق الصحابة أولاً ثم من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ولا ريب أن الدعوة إلى الله تعالى من أشرف الأعمال عند الله تعالى،والاستقامة على أصولها من الثوابث الأصيلة منهج واجب الاتباع ولا تجوز مخالفته، وإن أولى الناس الناس بهذا الاتباع هم أهل السنة والجماعة الذين تميزوا عن سائر فرق أهل البدع والأهواء،فأهل السنة اليوم هم في خندق حقيقي كبير ، وحرب ومكائد مختلفة المشارب ،فأهل الكفر أعداء لهم، وأصحاب الفرق والضلالات والبدع كذلك أعداء لهم، بل وهناك من جلدتهم من هم أعداء لهم، وباسم الكتاب والسنة يتكلمون،والعلمانيون والمنافقون أعداء لهم وهكذا ،وقف الكل لهم بالمرصاد يناصب لهم العداء ويكيد لهم الحقد والمكر. فيا أيها السالكون طريق الدعوة إلى الله المنهاج واضح ، والطريق لائح،والحادي صائح،فهل أنتم متوحدون،وهل أنتم حقاً للإسلام راغبون،فإن كان الجواب.. نعم ...فلم الاختلاف والتناحر...،ولم الصياح والتشاجر...،فهل أنتم معتصمون...؟.

بعد هذا أقول:
طريق الدعوة طريق الدعاة والمصلحين، وأهل السنة أولى به من غيرهم، وأصول طريقهم ترجع إلى ثلاثة أصول كبرى اليوم :الكتاب والسنة وما كان عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان إلى يوم الدين، وما سوى ذلك اليوم من مناهج وأفكار وتصورات على طريق الدعوة لن يكون لها الحظ الأوفر في هذا الطريق،فقد جربت الأمة المناهج والتصورات بعيداً عن هذه الأصول... فلا زالت تتفرق وتتشرذم وتتباعد وتتناحر،.. والعدو لا ريب هو الفائز في هذه المعركة الكبرى معركة التوحيد والكفر، فائز حقاً من تفرقنا بغير منهاج ولا بصيرة، وإنما نصرنا عليه، وغلبتنا له تكون بالاعتصام بأصول الطريق وإن تفرقت المشارب والأهواء، والحق في كل حاله منصور لأنه الحق ،ومحفوظ من الحق،...فهل ممن مجيب....الله المستعان.

المصدر – شبكة القلم الفكرية
كاتب إسلامي – ومشرف موقع طريق المصلحين
بريد – sheikhatef@maktoob.com
 



الدعوة الإسلامية بين التاريخ والمنهج (2)
(الصحابة ميزان أهل السنة والجماعة )
الشيخ/عاطف عبد المعز الفيومي


الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم،وبعد:
تقدم معنا أن تاريخ الدعوة الإسلامية تاريخ طويل ، وأن طريق الدعوة طريق الدعاة والمصلحين، وأهل السنة أولى به من غيرهم، وأصول طريقهم ترجع إلى ثلاثة أصول كبرى اليوم :الكتاب والسنة وما كان عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان إلى يوم الدين.
ولكن نحتاج هنا بعد هذا التأصيل الكبير في تاريخ ومنهج الدعوة أن نبين أصلاً كبيراً في هذا المنهج الدعوي ، وأن نقف معه قليلاً بالبيان والتأصيل ألا وهو كون الصحابة رضي الله عنهم ميزان أهل السنة والجماعة اليوم، وأن اتباعهم من أصول الشريعة الكبرى ، التي تنبني عليها الأدلة والحجج والبراهين في بيان طريق أهل الحق من طريق غيرهم من أهل البدع والأهواء والزيغ والضلال فنقول:
- الصحابة أولاً: هم تلك الكوكبة المنيرة،والأقمار المضيئة، والنفوس الزاكية ، والقلوب الطاهرة، والهمم العالية،والإرادة الصادقة، من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين شهدوا الوحي والتنزيل، وصاحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأرواحهم وأنفسهم،وآمنوا به وصدقوا رسالته، وصبروا معه على الأذى والكيد في سبيل إعلاء كلمة الله تعالى ، وجاهدوا معه بكل مقومات الجهاد ، من جهاد بالكلمة والبيان، وجهاد بالسيف والسنان، وجهاد بالأموال والأنفس،إنهم الذين عاينت أعينهم خير المرسلين، وصحبت أنفاسهم أنفاسه، وكلماتهم كلماته ،وآثارهم آثاره، وخطواتهم خطواته رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
إنهم المبلغون عن الله ورسوله ما جاء من شريعة الإسلام، ومن ثم فإن فهمهم لنصوص الوحيين الكتاب والسنة مقدم على فهم غيرهم،وعلمهم بالكتاب والسنة وتأويلهم مقدم على علم غيرهم وتأويلهم، لأنهم أول من تلقوا الوحي، وشهدوا التنزيل،ولأنهم كانوا ولا ريب أحرص الناس على التلقي من ذلك المورد العذب، فقد آتاهم الله تعالى حفظاً وفهماً، ودعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا لا يأخذون العلم إلا تصديقاً وعملاً بعد أن يثبت لهم ويأتيهم الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل وكانوا يشددون على اتباع السنن ، واقتفاء الأثر، ولزوم السكوت عما سكت عنه الله ورسوله.
- والمخالفون لمنهجهم وطريقهم ولا ريب واقعون في الفتنة ،مستشرفون لها كما قال تعالى:" وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا" (النساء:115)، فدلت الآية على وجوب متابعة سبيل المؤمنين والحذر من الوقوع في الوعيد لمخالفة هذا السبيل الذي سلكوه ، وكما ذكرت كتب اللغة والتفسير أن السبيل هو الطريق ، وأن أول المؤمنين الذين سلكوا طريق الإيمان والمتابعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم هم الصحابة رضي الله عنهم، فهم أول من عرف الإيمان والتسليم وكذلك السمع والطاعة وكذلك أيضاً الاتباع للأثر،ولهذا جعلهم النبي صلى الله عليه وسلم الميزان الحق حين وقوع الفتن والافتراق في أمته كما جاء في الحديث المحفوظ المشهور حديث الافتراق الذي وقعت فيه الأمم، والذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: "افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة" قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: "من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي" وفي بعض الروايات: "هي الجماعة" رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم. وقال عنه ابن تيمية: (هو حديث صحيح مشهور) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة. وعلى هذا فالحديث صحيح." فهذا من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم من كونه أخبر بما سبق ووقع في الأمم التي تفرقت في دينها، وبما سيقع أيضاً في أمته، فالحديث خبر في سنن الله تعالى القدرية والكونية التي تصيب الأمم بسبب المخالفات التي تقع منهم لمنهج الله ورسله عليهم السلام كما قال تعالى:" ولا تكونوا كالذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون"، وليس كما يقع في بعض الأفهام القاصرة عن إدراك المعنى المراد منه ، فتظن أن المراد الرضى بهذا التفرق وأنه لا مناص منه وأنه لا داعي لرفعه وإزالته لأنه داخل في باب السنن الربانية، ولا شك أن الفهم بهذا نوع من الانحراف في فهم دلالة هذا النص وغيره من نصوص الكتاب والسنة.
- فالصحابة اليوم بعد هذا التاريخ الطويل في مسيرة دعوة الإسلام ، وبعد هذا التفرق الذي وقع اليوم بسبب الانحراف عن الفهم الصحيح للأدلة القرآنية والنبوية، أقول صار الصحابة هم الفيصل الحق ، والميزان الصحيح لتقويم مسيرة دعوة الإسلام الطويلة والجليلة طيلة هذه القرون، لماذا...؟؟
أولاً: لأن كل الفرق المنسوبة للإسلام اليوم تحتج علينا بالكتاب والسنة، فإذا أردت تأصيل منهج أو رد بدعة أو مخالفة ليس لها من الأدلة والنصوص ما يشهد لها أو يثبت شرعيتها، وجدنا هنا أصحابها يوردون لنا من الأدلة وعمومياتها ما يثبت صحة طريقتهم ومنهجهم في الدعوة إلى الله تعالى ، أو يثبت صحة مذهبهم ومعتقداتهم التي يريدون لها أتباعاً وأنصاراً، فالشيعة مثلاً يحتجون لصحة لمذهبهم وطريقتهم بأدلة من الوحيين ولم يقفوا عند هذا بل قام أناس منهم بالتدليس والوضع لكثير من النصوص النبوية التي تثبت مكانة أهل البيت خصوصاً مكانة على وفاطمة والحسين رضي الله عنهم، بل ووضعوا نصوصاً أخرى كاذبة من أقوال الأئمة والعلماء وكذلك التلفيق فيها في هذا الباب وأنهم على حق في إمامة علي رضي الله عنه حتى غلوا فيه وقالوا فيه الكثير مما لا أصل له في شريعة الإسلام ،ولسنا هنا في معرض بيانها، ومع هذا يستدلون بالكتاب والسنة، وكذلك الخوارج والمعتزلة ،وقس على ذلك أصحاب المدارس والمذاهب الفكرية والعقلية الذين يأتون بنصوص الوحيين في إثبات العقل ورفع مكانته وعلو قدره حتى يصادموا بهذا العقل نصوص الكتاب والسنة ومن ثم يهدمون هذين الأصلين بما سموه أدلة في إعلاء العقل، حتى يصير العقل هو الحكم الفصل على الأدلة الشرعية فتبطل الشريعة والأحكام بهذا.
أما على الجانب الآخر في الجماعات الدعوية اليوم ، فذات المنهج يكون لديهم في إيراد الأدلة والأقوال والتكثير منها ولو كانت ضعيفة الإسناد ، وكل ذلك لإثبات أنهم أصحاب دعوة صحيحة لم يخالفوا فيها كتاباً ولا سنة ولا أثراً عن الأئمة وأهل السنة، وهذا ولا ريب نوع من الاستدلال الذي لا تقوم به الحجة، لماذا لأن الكل صار يحتج بالكتاب والسنة ، ويقف عند هذا الحد ففي أي الموازين إذا يكون الفصل، وفي أي المسالك والفرق والجماعات هذه يكون الصواب والحق، وفي أي الاتجاهات يكون السير والعمل.

إذاً لا بد من حكم فصل يحسم مسار الدعوة ومنهجها، ويقوم مسيرتها، إنه ولا ريب مسلك الصحابة رضي الله عنهم ومن تبعهم في القرون المفضلة الأولى، وهذا كما ذكرنا من قبل له من الشواهد والأدلة والبراهين من نصوص القرآن والسنة الكثير والكثير، وحسبنا أن نورد هنا عدة منها:


أما الأدلة من القرآن والسنة:

- قد أوجب القرآن اتباع الصحابة رضوان الله عليهم ولزوم طريقتهم، وتوعد من يخالف سبيلهم بالعذاب الأليم، قال الله تعالى: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) ]النساء: 117]، وهل كان المؤمنون عند نزول هذه الآية الكريمة إلا هم؟
- وقال تعالى: (فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [البقرة: 137]. هذا دليل صريح في أن الذي كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم هو الهدى والحق، ومن اهتدى به فإنه على هدى وعلى صراط مستقيم .
فالصحابة هم المعنيون بما في الآية أولًا، ثم من سار على دربهم واقتدى بهم من بعدهم ثانيًا.
- وقوله تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [يوسف: 108]. والصحابة رضي الله عنهم هم أول أتباع النبي صلى الله عليه وسلم، فهم على سبيل النبي صلى الله عليه وسلم يدعون إلى الله على بصيرة.
- ثناء الله عز وجل عليهم ورضاه عنهم، قال الله عز وجل: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) [الفتح: 29] وقوله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة: 100] وقوله تعالى: (فأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) [الفتح: 26].
- وتزكية الرسول صلى الله عليه وسلم لهم، فقال صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ"[ متفق عليه].
فهذه الآيات والأحاديث دليل على أنهم على هدى وخير وأنهم أهل للاقتداء والاتباع.
- ومن الأدلة: أن الصحابة هم الجيل الوحيد الكامل الذي لم يكن منهم مبتدع، وإنما ظهرت البدع فيمن بعدهم في آخر عصرهم. وفي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، في وصف الخوارج: "يَخْرُجُ فِي هَذِهِ الأمَّةِ" (1)، ولم يقل: (منها)، لأنه لا يخرج من الصحابة هؤلاء القوم، ولكن يخرج في عصرهم رضوان الله عليهم.
ولذلك لما أراد العلماء أن يُعرِّفوا البدعة نصوا على أن البدعة هي: ما أحدث مما يخالف كتابا أو سنة أو أثرا أو إجماعا، فهذه هي البدعة الموصوفة بأنها الضلالة.
- وقد كثر الاختلاف والتفرق بين المسلمين بعد عهد السلف الصالح رضوان الله عليهم، وكل فرقة تفسر النصوص على فهمها، فتجدهم مختلفين في ذلك، وكل فرقة تدعي أن فهمها للنصوص هو الحق، فمن نتبع؟ الجواب في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّهَا ضَلَالَةٌ فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ" حديث حسن (2). وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "وَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَفَرَّقَتْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً"، قالوا: ومن هي يا رسول الله؟ قال: "مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي" حديث حسن (3).
فهذه أدلة صريحة على أن الحق هو اتباع منهج وفهم الصحابة رضوان الله عليهم للنصوص الشرعية.

أما الأدلة العقلية:
- اتفاق أقوال الصحابة رضي الله عنهم في الأصول، فلم يحصل بينهم اختلاف في أصول الاعتقاد وأصول العبادات وأصول النظر والاستدلال. ومن ذلك: إجماع الصحابة على إثبات الصفات، وإجماعهم على وجوب قبول السنة واتباع ما صح منها وعدم رد شيء منها، وإجماعهم على عدم تكفير مرتكب الكبيرة، وغير ذلك.
- أنهم عرفوا حقيقة الجاهلية التي جاء الإسلام للقضاء عليها، لأن بعضهم عاشها بنفسه، والآخرون كانوا حديثي عهد بها، نقلها إليهم أهلوهم وأقاربهم، فلما جاء الإسلام ميزوا بينه وبين الجاهلية.
- أن السلف الصالح تلقوا الإسلام وتعاليمه صافية نقية، لم يخلطوها بثقافات وافدة من أديان وثنية أو كتابية محرفة، أو فلسفات وضعية، أو علوم كلامية أو غير ذلك.
- أنهم تلقوا القرآن غضًا طريًا، وهو ينزل على قلب محمد صلى الله عليه وسلم، وعاينوا الأحداث التي مرت بهم وكانت سببًا لنزول كثير من آياته وسوره، فأدركوا مناسبات الآيات، وسياقها ووجهتها، وتفاعلوا معها، وفهموها حق فهمها، وهذا أيضًا جانب آخر مما امتازوا به على من جاء بعدهم.
- أنهم سمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة دون واسطة، فغالب ما نقلوه عنه أخذوه من فيه، وسمعوه، وأدركوا مقصده ووجهته، وعرفوا مناسبة وروده.
- التابعون وتابعوهم هم أقرب القرون إلى النبي صلى الله عليه وسلم والتابعون عاصروا الصحابة رضوان الله عليهم وأخذوا العلم عنهم. كما أن البدعة في عصرهم كانت أقل من البدعة في العصور التي بعدهم.

وأما الآثار:
بعض الآثار عن الصحابة والسلف الصالح والأئمة بلزوم ما كان عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه عامة السلف الصالح:
- عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «اتبعوا ولا تبتدعوا، فقد كفيتم، كل بدعة ضلالة» (4).
- قال الأوزاعي: «اصبر نفسك على السنة، وقف حيث وقف القوم، وقل بما قالوا، وكف عما كفوا عنه، واسلك سبيل سلفك الصالح، فإنه يسعك ما وسعهم» (5). وقال: «عليك بآثار السلف وإن رفضك الناس، وإياك ورأي الرجال وإن زخرفوه لك بالقول، فإن الأمر ينجلي وأنت منه على طريقٍ مستقيم» (6).
- كان الحسن البصري في مجلس فذكر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فقال: «إنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفا، قومًا اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، فتشبهوا بأخلاقهم وطرائقهم، فإنهم ورب الكعبة على الهدى المستقيم» (7).
- قال الإمام أحمد بن حنبل: (إن الله جَلَّ ثناؤه، وتقدَّست أسماؤه بعث محمدًا نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - ?بالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ? [التوبة : 33] وأنزل عليه كتابه الهدى والنور لمن اتبعه، وجعل رسوله - صلى الله عليه وسلم - الدال على معنى ما أراد من ظاهره وباطنه، وخاصِّه وعامِّه، وناسخه ومنسوخه، وما قصد له الكتاب. فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو المعبر عن كتاب الله، الدال على معانيه، شَاهَدَهُ في ذلك أصحابه، من ارتَضَاهُ الله لنبيه واصطفاهُ لَهُ، ونَقَلوا ذلك عنه، فكانوا هُم أعلَم الناسِ برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبما أخبر عن معنى ما أراد الله من ذلك بمُشاهَدَتِهِم ما قَصَد لَه الكتاب، فكانوا هم المُعَبِّرين عن ذلك بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم (8).
- قال الإمام ابن أبي زيد القيرواني في رسالته: (واللجأ إلى كتاب الله عزوجل وسنة نبيه، واتباع سبيل المؤمنين، وخير القرون من خير أمة أخرجت للناس نجاة، ففي المفزع إلى ذلك العصمة، وفي اتباع السلف الصالح النجاة).
- قال الإمام أبو القاسم اللالكائي في مقدمة شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: (أما بعد: (فإن أوجب ما على المرء معرفة اعتقاد الدين، وما كلف الله به عباده من فهم توحيده وصفاته وتصديق رسله بالدلائل واليقين، والتوصل إلى طرقها والاستدلال عليها بالحجج والبراهين، وكان من أعظم مقول، وأوضح حجة ومعقول، كتاب الله الحق المبين، ثم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الأخيار المتقين، ثم ما أجمع عليه السلف الصالحون، ثم التمسك بمجموعها والمقام عليها إلى يوم الدين، ثم الاجتناب عن البدع والاستماع إليها مما أحدثها المضلون).
- قال ابن حجر العسقلاني : (فالسعيد من تمسك بما كان عليه السلف واجتنب ما أحدثه الخلف). (9)
- قال الشيخ أحمد بن عبد الرحيم الدهلوي المعروف بشاه ولي الله: (والملة إنما تثبت بالنقل والتوارث، ولا توارث إلا بأن يعظم الذين شاهدوا مواقع الوحي وعرفوا تأويله وشاهدوا سيرة النبي صلى اللّه عليه وسلم ولم يخلطوا معها تعمقًا ولا تهاونًا ولا ملة أخرى). (10).
فكل هذه الأدلة وغيرها تجعل الصحابة الكرام رضي الله عنهم هم الميزان الصحيح وقت الفتن ووقوع الافتراق في الأمة الإسلامية، بل وتوجب متابعتهم لما كانوا عليه قبل وقوع هذه الفتن والافتراقات والمذاهب، لأنهم كانوا على الهدى المستقيم .
ثانياً: لأن الطريق إلى وحدة الأمة الإسلامية ، والوقوف أمام المد الجارف من كيد أعدائها وتربصهم بها، وكذلك عصمتها من البدع والأهواء الناشئة من الفرق والجماعات، إنما يكون - هذا الطريق إلى الوحدة - حول الأصول والثوابت العاصمة من التفرق والتشرذم في شريعة الإسلام، وهذا أمر مقرر شرعاً وعقلاً، فالأصول في شريعتنا متفق عليها بين أهل السنة والجماعة ولا خلاف فيها وإلا صار تفرقاً مذموماً، أما المسائل التي اصطلح بعض أهل العلم بتسميتها بالفروع فالاجتهادات فيها أكثر من أن تنضبط كما قرر وصرح بذلك ابن تيمية رحمه الله وكذلك أشار إليه أبو إسحاق الشاطبي الأصولي الفقيه في الموافقات وكثير من أهل العلم رحمهم الله جميعاً.
فأمة النبي صلى الله عليه وسلم متفقة على أن اتباع الصحابة من الأصول الثابتة بنصوص الوحيين المعصومين الكتاب والسنة كما أسلفنا آنفاً، كما أن عمدة نقل الشريعة موقوف عليهم فهم الذين نقلوا لنا القرآن بالقراءات المتواترة الثابتة الصحيحة، وهم الذين علموها ونشروها بين الخلق ، وكذلك هم الذين كانوا أول من تكلم بعد النبي صلى الله عليه وسلم في بيان وتفسير كلام الله تعالى من أمثال سيدنا عبد الله ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهما، ووقفوا على بيان أسراره وآدابه وشريعته.
كما أنهم الذين نقلوا لنا بعلمهم وعدالتهم ودقة حفظهم السنة النبوية، وكتبوا فيها الصحف والدواووين، ورووا النصوص الكثيرة منها على أنهم تفرقوا في البلاد والأمصار، وحملوا هذا النور الذي بين أيديهم إلى العالمين، ففتحوا به القلوب والبلاد والعباد.
فالصحابة أصل الشريعة وعمادها، وأساس في نقلها وحفظها ، فهم بذلك صاروا من الأصول التي تجتمع عليها الأمة إلا من شذ وخالف من أهل البدع والأهواء والضلال، فاجتماع الأمة اليوم يجب أن يكون فيه طريق الصحابة ومنهاجهم الذي كانوا عليه قبل أن تتفرق الأمة فرقاً وأحزاباً وجماعات، لأن الكل يعظم الصحابة ويجلهم ويعلى لهم مكانتهم التي رفعهم الله تعالى إليها، ويكن لهم الإجلال والإكبار والتوقير فنحن مأمورن بذلك وحسبنا قول النبي صلى الله عليه وسلم:"حب الأنصار من الإيمان".
ولكن قد يختلف العاملون في مسيرة الدعوة الإسلامية حول بعض مسائل متناثرة في طريقة التعامل مع أقوال الصحابة واجتهاداتهم في بعض المسائل والأحكام ،وهذا وارد بضوابطه التي قررها كثير من علماء الأصول في كتبهم وقواعدهم، مع الوقوف عند إجماع الصحابة فيما اجتمعوا عليه ولا ريب أن اجماعهم حجة بذاته تقوم به الأدلة ،وهذا متفق عليه بينهم.
ثالثاً: لأن الصحابة والتابعون لهم بإحسان ليسوا معدودين من أصحاب الفرق والمذاهب ولا حتى الجماعات، لأنهم في الأصل هم الأمة،هم كلهم حزب واحد سماه الله تعالى في كتابه:"أولئك حزب الله" وجعلهم سبحانه وتعالى ضداً ونداً لحزب وعسكر الشيطان ، وعسكر الجاهلية الشركية إلى يوم القيامة، فالمؤمنون كلهم حزب واحد إنه حزب الله تعالى، ويد واحدة وجماعة واحدة كما ورد أن المسلمين أمة من دون الناس فهم الجماعة المقصودة في الأحاديث النبوية، وهم يد على من سواهم من الناس، فلا يعد الصحابة فرقة من الفرق ولا جماعة من الجماعات إلا أنهم جماعة المسلمين وقائدهم ومعلمهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
وهنا يتبين لنا هاتين القاعدتين طالما نبهت عليهما كثيراً، وهما في الأصل يهدمان كل الفرق والمذاهب التي خالفت سبيل المؤمنين ومنهجهم إلى يوم القيامة:
القاعدة الأولى: أن كل فرقة من الفرق وجماعة من الجماعات اليوم لها بداية منشأ وتأسيس ولها تاريخ ومؤسس، صاغ لها المنهج والتصورات ، ووضع لها الأصول والقواعد، وجمع لها الأدلة والشواهد لإثبات صحة مذهبه وطريقته. فالخوارج لهم مبدأ وتاريخ، وكذلك المعتزلة والرافضة والجهمية والقدرية والأشاعرة والصوفية ، كل هذه الفرق لها مؤسس وتاريخ نشأت فيه في مسيرة دعوة الإسلام الكبيرة، ويدخل في تلك القاعدة أيضاً الجماعات الدعوية كالإخوان والتبيليغ والجماعة الإسلامية وغيرها.
أما الصحابة فليسوا كذلك ولا هم من أهل هذا الطريق لأنهم وقفوا عند قوله تعالى" : وما آتاكم الرسول فخدوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله".
القاعدة الثانية: أن أصحاب الفرق والمذاهب لا يجعلون الدليل والنص مذهبهم يسيرون معه حيث سار ويقفون معه حيث يقف، كلا بل هم على خلاف ذلك . فهم يجتهدون ويؤولون ويجمعون من الأقوال والآراء ما يرون أنه الحق والصواب ثم يجمعون له من الأدلة والشواهد والنصوص ما يؤيد قولهم ومذهبهم ولو خالفوا فيه الكتاب والسنة، وهذا جلي واضح، ولهذا لا يتغيرون عن أقوالهم ولا أقوال أئمتهم وأدلتهم ولو طال بهم الزمان إلا أن يروا في ذلك قوة ومصلحة لهم.
وهذا ولا ريب مخالف لما كان عليه الصحابة والسلف رضي الله عنهم ، فلقد نقل عن الأئمة الأربعة قولهم : إذا خالف قولي أو مذهبي الحديث الصحيح فاضربوا بقولي عرض الحائط ،فجعلوا الحديث والدليل هو عمدتهم ومذهبهم إذا صحة النسبة فيه والسند،فساروا مع الدليل، ولهذا كان للإمام الشافعي رحمه الله مذهبين القديم في العراق والجديد في مصر وجمع فيه كتابه الأم المشهور المعروف.
والإمام أحمد كان له في المسألة قولان وربما ثلاثة، وكثير على هذا الطريق من الأئمة والعلماء.
فتعظيم نصوص الوحيين هو المنهج المتبع عند الصحابة وتابعيهم والأئمة الأعلام رضي الله عنهم،وآثارهم كثيرة أكثر من أن تحصى، ويدخل في تعظيمهم للنصوص قواعد ثلاثة:
- الإيمان بجميع النصوص الشرعية.
- رد التنازع إلى الكتاب والسنة.
- الإيمان بالمتشابه والعمل بالمحكم.
وهذه القواعد أو الأصول تحتاج إلى بيان ووقفات حتى تتضح لنا معالم هذا الطريق. فالمقصود إذاً بعد كل هذا: أن السبيل العاصم اليوم من الفتن والتفرق في الدين ، وأن الميزان الحق إنما يكون في متابعة الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وفي الوقوف مع منهجهم وآثارهم وإجماعهم ، وأن السعادة ولا ريب في هذا المسلك السديد ، والطريق الرشيد، وإلا فالدعوة الإسلامية اليوم ستظل معلقة بيد أبنائها لا ظفر ولا إخفاق، وهذا ما لا نريده ولا نرجوه إنما نريد خلافة على منهاج النبوة وهذا هو السبيل إليها بأمر الله وحده.. وللحديث بقية...إن شاء الله.. والله الموفق

------------------------

(1) صحيح البخاري ومسلم.
(2) رواه عدد من الأئمة منهم الترمذي وأبو داود في سننهما؛ وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
(3) رواه الترمذي وغيره وحسنه؛ وقال العراقي في "تخريج الإحياء" : أسانيدها جياد.
(4) كتاب الزهد لوكيع بن الجراح، باب: من قال البلاء موكل بالقول.
(5) الشريعة للآجري ؛ وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي (ج1 ص154). من تخريخ أحد الإخوة الدعاة.
(6) رواه الخطيب البغدادي في شرف أصحاب الحديث؛ والبيهقي في المدخل إلى السنن؛ وروى جزء منه الآجري في كتابه الشريعة.
(7) الشريعة للآجري، باب ذكر فضل جميع الصحابة رضي الله عنهم.
(8) طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى، تحقيق محمد الفقي (ج3 ص122).
(9) فتح الباري لابن حجر (ج13 ص267).
(10) حجة الله البالغة لأحمد بن عبد الرحيم الدهلوي (ج2 ص333)

المصدر – شبكة القلم الفكرية
كاتب إسلامي – ومشرف موقع طريق المصلحين
بريد – sheikhatef@maktoob.com
 



الدعوة الإسلامية بين التاريخ والمنهج (3)
(النصوص الشرعية بين منهج الصحابة وموقف المخالفين)
الشيخ/عاطف عبد المعز الفيومي


الحمد لله تعالى، والصلاة والسلام على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وآله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فالمستقرئ لتاريخ الدعوة الإسلامية منذ العصر الأول، والجيل القرآني الفريد - جيل الصحابة رضي الله عنهم - ثم التابعين لهم ، ثم ظهور الفرق والمذاهب والآراء المخالفة لمنهجهم ، ولما كانوا عليه قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم، يرى هذه القاعدة الجليلة ألا وهي: تعظيم النصوص الشرعية ، واضحة جلية في حياة الصحابة والتابعين وفي طريقة تعاملهم مع الكتاب والسنة.

فتعظيم نصوص الوحيين هو المنهج المتبع عند الصحابة وتابعيهم من الأئمة الأعلام رضي الله عنهم، وآثارهم كثيرة أكثر من أن تحصى، ويدخل في تعظيمهم للنصوص الشرعية هذه القواعد الثلاثة:
- الإيمان بجميع النصوص الشرعية.
- رد التنازع إلى الكتاب والسنة.
- الإيمان بالمتشابه والعمل بالمحكم.

وهذه القواعد أو الأصول تحتاج إلى بيان ووقفات حتى تتضح لنا معالم هذا الطريق ، وحتى نتبين الفارق الكبير بينهم وبين المخالفين لهم من أصحاب الفرق والمذاهب، الذين وقعوا كثيراً في دوائر مختلفة ومتناقضة في طريقة تعاملهم مع نصوص الوحيين الصافيين الكتاب والسنة، ومنهجهم وانحرافهم بسبب سوء الفهم والتأويل الباطل لها.
القاعدة الأولى: الإيمان بجميع النصوص الشرعية

فالإسلام هو الشريعة الخالدة الباقية إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها، وهذا الدين تنبني أدلته وشرائعه على نصوص الوحيين :الكتاب المنزل - القرآن - والرسول المرسل - السنة - ، ولقد وقف الصحابة رضي الله عنهم موقف التعظيم لهذين الوحيين، وموقف الإجلال والتسليم كما أخبر سبحانه وتعالى في كتابه عن أهل الإيمان الحق بقوله تعالى: "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً"(النساء:65)، وقوله تعالى: "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم....الآية"(الأحزاب:36)، وآيات أخرى كثيرة في هذا الباب.
فحقيقة الإيمان لا تقف كما يتوهم البعض عند الاتباع الظاهر للنصوص الشرعية فحسب كلا، بل تتمثل هذه الحقيقة في كمال التسليم والإذعان لحكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وكمال الرضى النفسي والقلبي بهذا الحكم الذي حكم به ، وهذا كمال الإيمان "ويسلموا تسليماً"، قال ابن كثير عليه رحمة الله في تفسيره: (يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطناً وظاهراً ولهذا قال " ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً").
ولقد سلم الصحابة رضي الله عنهم لله ورسوله في كل حياتهم فجعلوا أنفاسهم ترافق أنفاسه، وتصاحب أرواحهم روحه، فتتبعوا الأثر، ولزموا الغرز، وما كان تسليم عمر بن الخطاب رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم بالمحبة أكثر من نفسه ، إلا دليلاً على كمال الإيمان والمحبة والمتابعة، وكذلك تسليمه يوم الحديبية وموقفه وكلام النبي صلى الله عليه وسلم له ، وكلام أبي بكر الصديق رضي الله عنه كذلك، بل وقول الصديق لما أخبر عن مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو قال ذلك ؟ قالوا : نعم. قال: فأشهد لئن كان قد قال ذلك، لقد صدق، وهذا الإمام الشافعي رضي الله عنه يقول:إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا بها ودعوا ما قلته. ومثله بالمعنى... جاء عن الإمام أبي حنيفة ومالك وأحمد وكثير من أهل العلم والتابعين رضي الله عنهم .
فقبول الوحي كله ظاهراً وباطناً مع التسليم والإذعان كان دأب الصحابة جميعهم رضي الله عنهم والتابعين لهم بإحسان ، لكن المخالفين لهم ، وقعوا في بلايا ومحن، لأنهم ما سلموا لله والرسول حق الإيمان والإذعان والتسليم، وما أحسنوا كمال الإيمان بجميع النصوص الشرعية من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فوقعوا في رزايا أصابتهم بأدواء وطوام، في عقائدهم ومناهجهم، وفي تعبدهم وسلوكهم، ولا ريب أن الوقوف على هذه الأدواء يحتاج إلى بسط وبيان، ولكن حسبنا أن نشير إلى بعض منها: فمن ذلك : أنهم لا يأخذون بكل الأدلة الواردة في الكتاب والسنة عندما يوردون مسائلهم وتقريراتهم، وإنما يتناولون بعضها ويجزؤوها حتى يأخذون ما وافق قولهم وبدعتهم وضلالهم، ولا يلتفتون إلى باقي الأدلة التي قد تخصص العام أو تقيد المطلق أو تبين المجمل، وقد ذكر ذلك الإمام الشاطبي رحمه الله بقوله:" كثيراً ما ترى الجهال يحتجون لأنفسهم بأدلة فاسدة وبأدلة غير صحيحة بالنظر إلى دليل ما"(الاعتصام ج 222:1). فالخوارج وقعوا في هذا الخلل الكبير وقطعوا بعض النصوص فكفروا بها العصاة والمذنبين وحكموا عليهم بالخلود في النار كالمشركين، وما تكفيرهم لعلي بن أبي طالب وبعض الصحابة رضي الله عنهم من ذلك ببعيد ، وكذلك المرجئة وقفوا عند حد القول دون العمل تعميماً لقوله تعالى:"فأثابهم الله بما قالوا جنات....الآية"، وهذا لأنهم لم يروا أن الأدلة تنفعهم أو أنها سبب نجاتهم في الدنيا والآخرة، فزلت أقدامهم ، وأخطأت أفهاهم نصوص الوحيين، كما قال الإمام الشاطبي رحمه الله:"سمي أهل البدع أهل الأهواء لأنهم اتبعوا أهوائهم فلم يأخذوا الأدلة الشرعية مأخذ الافتقار إليها ، والتعويل عليها" (الاعتصام ج 176:2).
ومن ذلك : اتباعهم أهوائهم حتى ردوا بها نصوص الكتاب والسنة الثابتة الصحيحة، وخالفوا تأويل أهل العلم في مسائل تصوروها معارضة للعلم والنصوص وهذا ولا ريب نوع وضرب من اتباع الشيطان والأهواء، وعرض النصوص عليها، فما وافق أهوائهم قبلوه، وما خالفها ردوه ولو كان من أصح الصحيح، فردوا أحاديث الذبابة وسقوطها في الإناء، وردوا أحاديث المهدي الثابتة في كثير من دواوين أهل السنة وأولوها ، ومنهم من تأول المسيح الدجال كذلك حتى بلغني أن كاتباً كتب كتاباً يثبت فيه أن الدجال هو السامري الذي كان في زمان نبي الله موسى عليه السلام، وهؤلاء هم أصحاب المدرسة العقلية المزعومة الذين جعلوا عقولهم هي الحكم الفصل ، وأهوائهم هي الدليل والبرهان الذي لا يخطئ فكانت البلية كما قال ابن القيم رحمه الله: " فجعلوا المتشابه من كلامهم هو المحكم ، والمحكم من كلام الله ورسوله هو المتشابه، ثم ردوا متشابه الوحي إلى محكم كلامهم وقواعدهم.." (الصواعق المرسلة ج990:3)، ولا أدري كيف استطاعوا أن يجهروا بهذا الباطل من القول، ويخالفوا قول رسول الله وقول أئمة الهدى من بعده، ونسأل الله العصمة من الفتن.
ومن ذلك أيضاً : هذه الفرقة التي سمت نفسها بالقرآنيين، الذين نفوا السنة النبوية وألقوها وراء ظهورهم نفياً وإعراضاً وسخرية، وقالوا ما نفعل بالسنة وعندنا كتاب الله فيه الحق والنور، وفيه البيان الشافي والكافي، ووقفوا عند ذلك ليوهموا الجهلة والرعاع أنهم متبعون للكتاب، ملازمون للحق والصواب ، ولكن هيهات هيهات..... كيف يتبعون القرآن فحسب وهم يقرأن مئات الآيات التي تخبرهم وتأمرهم بوجوب متابعة النبي صلى الله عليه وسلم وسنته وحكمه وشريعته، وحسبهم أن يقرأوا قول الله تعالى:"من يطع الرسول فقد أطاع الله...الآية" ...وقوله:" وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ...الآية"..وهؤلاء الذين أطلوا علينا في هذا الزمان أخبر عنهم رسول الله في قوله:" لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته ، يأتيه الأمر مما أمرت به ، أو نهيت عنه ، فيقول:لا أدري، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه" أخرجه الترمذي بسند صحيح. وهذا ما وقع فيه القوم ، ولا ندري من أين سيأتي أمثال هؤلاء بأركان الوضوء كلها وسننه وآدابه، ومن أين سيأتون بعدد ركعات الصلوات وسجودها وسننها وآدابها، أو الزكاة والحج والصيام، من أين سيعلمون أن الجمع في الزواج بين المرأة وعمتها أو خالتها محرم شرعاً، أو تحريم كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطيور، أو ..أو...إلى آخره.
وما كل هذه البلايا والطوام ، وهذه الرزايا العظام إلا من جراء نقض أو نقص هذه القاعدة الجليلة من كمال التعظيم والتسليم لنصوص الشرع الحنيف من كتاب الله وسنة رسوله في قلوبهم ، وكما أخبر سبحانه في كتابه عن أمثال هؤلاء:" فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم"، وهنا يظهر لنا الفارق الكبير بين هذه الفرق والأهواء وبين الصحابة رضي الله عنهم في كمال تعظيمهم وتسليمهم للنصوص الشرعية، وكمال الإيمان بجميع نصوص الكتاب والسنة دون ترك شيئاً منها ، ولا حتى ترك العمل بها.

القاعدة الثانية: رد التنازع إلى الكتاب والسنة

فالتنازع في المسائل والاجتهادات أمر وارد عقلاً وشرعاً، وليس المقصود الاختلاف في أصول الدين والشريعة وثوابتها ، إنما فيما جاز فيه الاختلاف من المسائل والأحكام، بسبب اختلاف الأفهام والعقول، وكذلك بسبب طرق قبول الأدلة وصحتها من عدمها ، ويدخل في ذلك تأويلها على وجوه متفقة أو مختلفة، وقد أشار كثير من أهل العلم إلى هذه الأسباب التي تجعل الاختلاف والتنازع أمر وارد بحسبه.
ولذا وجب رد الاختلاف والتنازع إلى مرجع صحيح ثابت تؤخذ منه مناطات الأحكام والشريعة وأدلتها، ويكون فيها الحكم الفصل فيما اختلف الناس فيه، وهذا لا يكون إلا في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كما أخبر تعالى بقوله:"يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً"(النساء:59)، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تركت فيكم أمرين لن تضلوا بعدي ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنة نبيه" وهو حديث صحيح ثابت.
وحقيقة رد المتنازع فيه إلى الله ورسوله إنما يكون ذلك لرفع محل الخلاف، لأن الاختلاف لا يكون في المسائل ذاتها، وإنما يأتي على العقول والأفهام، ورفع الخلاف فيها تبيين للصواب من الخطأ وللحق من الباطل في المسائل المختلف حولها، وكم تنازع الصحابة في مسائل ثم تبين لهم وجه الحق فيها، مثال ذلك: ما كان من أصحاب رسول الله حينما تأمر عليهم بعض الصحابة رضي الله عنهم فأمرهم أميرهم أن يلقوا أنفسهم في نار أوقدها لهم من باب طاعة الأمير واجبة، فأبى الصحابة إلا أن يرجعوا إلى رسول الله فقال لهم : لو دخلوها ما خرجوا منها. وطاعون عمواس بالشام واختلاف الصحابة فيه مثال كذلك حتى أتاهم الخبر بأنه إذا نزل الطاعون بأرض أنتم فيها فلا تخرجوا منها ، وإن نزل بأرض وأنتم خارجها فلا تدخلوا فيها، وترك الصحابة النزاع لما أتاهم النص الثابت من كلام رسول الله ، وهذا من كمال إيمانهم وتحريهم أيضاً للدليل ورفع الخلاف، وكذلك القصة المشهورة قصة بني قريظة وصلاة العصر فيها ، واختلاف أفهام بعض الصحابة بين القول ومفهومه ومنطوقه، فمنهم من صلى في طريقه ومنهم من لم يصلي، ولكنهم في نهاية أمرهم ردوا الأمر إلى رسول الله، فبين لهم صحة ما ذهبوا إليه وما اختلفوا فيه بل وأقر كلا الفريقين في فهمه وتعامله مع النص النبوي:لا يصلين العصر إلا في بني قريظة. وكذلك مسائل من الصيام والعبادات وغيرها كثيرة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد موته ، فالمقصود إذا: أن تسليم الصحابة وردهم محل الخلاف والتنازع إلى الله ورسوله ، وليس هذا فحسب بل وتسليمهم الكامل للأمر والحكم هو حقيقة تعظيم النصوص الشرعية وحقيقة الإيمان والتسليم بها.
أما الذين خالفوا طريق الصحابة رضي الله عنهم ومنهجهم في رد التنازع إلى الكتاب والسنة، فقد وقعوا في شراك الشيطان، وطرق أهل الأهواء والبدع، في تعاملهم مع المسائل والأحكام المختلف فيها، فلم يجعلوا كتاب الله وسنة رسوله هي الحكم عندهم ، بل كان مرجعهم إلى ما لم يأذن به الله ورسوله، فوقعوا في التقليد والمتابعة للأقوال والأئمة والعلماء، دونما بصيرة أو هداية شرعية، وذهبوا يأخذون أحكام الشريعة من المنامات والرؤى والأحلام، والكشف والإلهام، وتبعوا عقولهم وأهوائهم بل وصادموا بها أحكام الشريعة الثابتة كذلك تحت مسمى إذا تعارض العقل والنقل قدم العقل على النقل، وهذا خلل كبير في حقيقة الإيمان والتسليم لنصوص الشريعة الثابتة، وقصور عن فهم أصول وقواعد الفهم والاستنباط الصحيح للأدلة والأحكام، فضل هؤلاء وأضلوا ، وصار لهم مناهج وتصورات وأفكار ومدارس لها أصحاب وأقلام. ولا أدل على هذا الكلام من هذه المذاهب والفرق الثلاثة : الشيعة والصوفية وأصحاب المدرسة العقلية المزعومة، وكيف أنهم جعلوا أحكام الشريعة ومسائلها مردها إلى غير كتاب وسنة، وهنا نقف سريعاً معها:
فالشيعة والرافضة : صاروا لا يعتمدون على القرآن ولا على السنة ولا حتى على إجماع الأمة، وصاروا يعتقدون بجهل كبير، وسوء فهم موروث أن أئمتهم من المعصومين وهذا معروف ومقعد عند الشيعة الإمامية، ولا أدري كيف تجرأوا على قول ذلك..؟؟. كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:" فصاروا لذلك لا ينظرون في دليل ولا تعليل، بل خرجوا عن الفقه في الدين كخروج الشعرة من العجين"(منهاج السنة:381:6).
والصوفية: وقعت في تعظيم شيوخ طرقهم وأقطابهم، وقالوا هم الأولياء فحسب وهم الأقطاب والأبدال، حتى صرفوا لهم في قبورهم العبادات الشرعية التي لا تكون إلا لله تعالى وحده لا شريك له، وكذلك وصفهم بتدبير الكون مع الله تعالى، وتصريف أمور الخلق ونظرهم في المقادير،فيأخذون عن شيوخهم كل ما صدر عنهم حقاً كان أو باطلاً ولا يردون ذلك إلى الشريعة والنصوص من الكتاب والسنة كما فعل الشيعة تماماً مع أئمتهم ، بل ويأمر هؤلاء باتباع الطرق الصوفية والاقتداء بشيوخها وتقليدهم، فصاروا مقلدين لهم بلا هداية من الله ورسوله،واعتمدوا كثيراً على ما سموه الكشف والإلهام من الرؤى والأحلام، وأن هذا الكشف مما اطلع عليه الأولياء بعلمهم للغيب وأنها حق كأنها رؤيا الأنبياء والرسل، وجعلوها مصادمة للقرآن والسنة ، مضاهية لها كالحجة والبرهان، ولا نريد بسط الكلام وإلا صار الكلام عليهم، وما أجل قول الشافعي رحمه الله تعالى:" كل شيء خالف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سقط ، ولا يقوم معه رأي ولا قياس، فإن الله قاطع العذر بقول رسول الله، فليس لأحد معه أمر ولا نهي غير ما أمر به ونهى عنه"(الأم:193).
أما أصحاب المدرسة العقلية: فقد خالفوا كثيراً وعارضوا وجادلوا في نصوص الوحيين من الكتاب والسنة النبوية، وصيروا عقولهم حكماً وإماماً عليها ، وجعلوا مرجع كل خلاف إليها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:" فكان من الأصول المتفق عليها بين الصحابة والتابعين أنه لا يقبل من أحد أن يعارض القرآن رأيه ولا ذوقه ولا معقوله ولا قياسه ولا وجده"( مجموع الفتاوى 28:13). فهذا حال الصحابة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، أما هؤلاء فلهم تأصيل فاسد بعقولهم، ولهم تقعيد باطل بأفهامهم القاصرة عن إدارك الحق وتصوره، لأنهم في كل جهودهم الطويلة يرمون إلى محاولة المواءمة والتوفيق بين النصوص الشرعية المحكمة وبين ما أسموه معطيات الحضارة الغربية،... ولست أدري ..هل نستمد شريعتنا وأصولنا من معطيات بشرية قاصرة ،...أم أنها قد نزلت في منهج رباني فطري من الله تعالى وحياً جلياً فيه... الروح للأرواح والأبدان،... وفيه سعادة للأفراد والجماعات والأمم،... وفيه المنهاج الأقوم ، فما لهؤلاء يتخبطون بعقولهم عن إدارك الحق، والوقوف على أدلته الواضحة البينة لكل ذي علم وبصيرة.
لقد حاول هؤلاء التهوين من مكانة الإجماع وحجيته، وحالوا رفضه أو تأويله، وحالوا بتلاعبهم في نصوص الشريعة أن يلقوها في دائرة الفهم المقاصدي للإسلام دون الوقوف مع حقيقة النصوص وظاهرها، ونحن لا ننكر هذا ولا نقلل من شأنه، ولكنهم جعلوه عمدة منهجهم البحثي والعقلي ليبطلوا به أحكاماً شرعية ثابتة، كما سمعت أحدهم يقول بأن حد الردة ليس من الإسلام لأنه لا يدخل في مفهوم الفهم المقاصدي للإسلام وأنه دين الرحمة والعفو والتسامح ، وتشريع حد الردة لا يتوافق مع أصل الرحمة في الإسلام ثم لا يتوافق مع حرية الاعتقاد التي كفلها دين الإسلام ، وكلامه هذا فيه تلبيس وتدليس كثير، وخلل وقصور عن فهم حقيقة المفهوم المقاصدي للإسلام وتشريعه الأحكام لبناء مجتمع إسلامي نظيف.
وحاول هؤلاء كذلك تجميع الناس على أسس اجتماعية فحسب دونما أن يكون بينهم رابط من التقوى والإيمان، وإنما روابط الوطنية والقومية وما سموه بالإنسانية أحياناً، ووقفوا أمام الجزية في الإسلام وحكمها وحاولوا إبطالها ، واختلاق أدلة مزعومة في ذلك وتأويلات عقلية منكوسة تضاد أحكام الإسلام وشريعته الغراء.
ومن ذلك أيضاَ الاعتماد الكبير على مبدأ التأويل للنصوص كما أولوا المهدي وأحاديثه الصحيحة الثابتة وأنه ما هو إلا كناية عن نشر الحق والعدل والسلام في الأرض ، وأولوا المسيح الدجال بأنه الفتن والشر الذي يكثر في آخر الزمان، بل وأنكر أناس منهم الأصول الإسلامية العقيدية فأنكروا عذاب القبر والنار والبعث يوم الحساب، ومنهم من أنكر الجن ووجودهم ومنهم من تأول وجودهم بكلام لا يرقى إلى الحق والصواب، ومنهم من أنكر معجزات النبي صلى الله عليه وسلم الحسية وانشقاق القمر ونبع الماء.
ووقفوا مكابرين معاندين للأحاديث المتواترة الصحيحة الثابتة ولو كانت أحاديث آحاد ورفضوها وحكموا أهوائهم وعقولهم في كل ذلك، وطعنوا في السنة ورواتها ، من خيار الصحابة والتابعين رضي الله عنهم، ومنهم من أنكر معراج النبي صلى الله عليه وسلم وحديث الذباب وشق الصدر وملك الموت مع موسى عليه السلام، وخرج منهم المنادون بالتقارب بين الأمة الإسلامية وأصحاب الملل والنحل الباطلة من اليهود والنصارى والفرق المخالفة لأهل السنة والجماعة، وغير ذلك من الطوام والبلايا والافتراءات والتأويلات الباطلة والتحريفات الكاذبة، فأين عقول هؤلاء التي حكموها...؟؟، وأين مناهجهم التي وضعوها...؟؟، مما كان عليه الكواكب النيرة، والأفئدة الطاهرة، والألسن الذاكرة ، والقلوب الخالصة من خيار واتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة الكرام.، وأين ردهم ما اختلفوا فيه وفي فهمه وإدراكه من قوله تعالى:" فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر..الآية"، ... وقوله:" وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله...الآية.

القاعدة الثالثة: الإيمان بالمتشابه والعمل بالمحكم

ومن تعظيم النصوص الشرعية كذلك: الإيمان بالمتشابه والعمل بالمحكم، مما في كتاب الله تعالى ووحيه المنزل، كما قال تعالى عن حال أهل الإيمان:" والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا ...الآية"، أما حال أهل الزيغ والضلال مما أسلفنا ذكرهم وقولهم، فهم على خلاف أهل الإيمان فحالهم كما قال تعالى:" فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله...الآية"، وجاء في الحديث:" إن القرآن لم ينزل يكذب بعضه بعضاً، بل يصدق بعضه بعضاً، فما عرفتم منه فاعملوا به، وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه". وهو حديث عند الإمام أحمد وصححه العلامة أحمد شاكر.وقال الضحاك: نعمل بالمحكم ونؤمن بالمتشابه ولا نعمل به وكل من عند ربنا.
وهذا ما كان عليه الصحابة ومن تبعهم وأئمة الهدى الأربعة وأئمة الحديث من أهل السنة جميعاً، وما خالف في ذلك أحد إلا من شذ من أهل البدع والأهواء والزيغ والضلال، الذين قالوا بتعارض الأدلة في القرآن والسنة وتوهموا ذلك في نصوص كثيرة، ولو ردوا المتشابه منها إلى المحكم لما صار هناك تعارض ولا تأويل مخالف، لكنه اتباع الأهواء ومخالفة الطريق والهدى والسنة، وهذه طرق أهل البدع والضلال في كل زمان ومكان، وما كتاب شيخ الإسلام في درء ورد ما زعموا من تعارض العقل مع النقل، إلا فقه بين لحقيقة هذه الفرق والمذاهب وخطرها على عقيدة الإسلام وسائر شرائعه .
إن منهج الصحابة رضي الله عنهم والتابعين قام حقيقة الأمر على تعظيم نصوص الوحيين القرآن والسنة ، وكمال التسليم لهما، أما المخالفون لمنهجهم وطريقهم من أهل البدع والأهواء،.. فقد زلت أقدامهم، وضلت عقولهم في ذلك ، فحرفوا، وغيروا، وبدلوا، وأولوا ، ووقعوا في الفتنة والزيغ والضلال، فضلوا وأضلوا عن سواء السبيل. وإن الحق والهدى والنجاة في متابعة ما كان عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم.

المصدر – شبكة القلم الفكرية
كاتب إسلامي – ومشرف موقع طريق المصلحين
بريد – sheikhatef@maktoob.com

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
زاد الـداعيـة
  • شحذ الهمم
  • زاد الخطيب
  • فن الحوار
  • فن الدعوة
  • أفكار إدارية
  • معوقات ومشكلات
  • رسائل ومقالات
  • من أثر الدعاة
  • الصفحة الرئيسية