اطبع هذه الصفحة


رفقا بالدعاة يا طلاب العلم

عبدالرحيم الجمعان
@asg1401


 بسم الله الرحمن الرحيم


هناك قضايا ساخنة في الساحة المحلية والإقليمية والدولية هي أولى بأن تسال فيها الأحبار وتسود بها الكواغد لكني سأبعد النجعة عنها قليلا لأحدثكم بحديث طالما اعتلج في صدري وكمن فيه كمون النار في الحجر، ألا وهو ما يلاقيه إخواننا الدعاة من طلبة العلم .. من الإزراء بهم .. والانتقاد الذي يصل إلى الانتقاص .. والإنكار الذي يبلغ حد التجريح والتنفير .

فمن قائل لم يبق إلا خريجوا السجون ليتصدروا الدعوة .. ومن قائل : أعقمت الدعوة حتى يترأسها مروجوا المخدرات .. ومن قائل : لا خير في دعوة تناولها أرباب السوابق .... إلخ، من عبارات فظة أخالها تنقض الوضوء وتجلب العطاس، وذلك في تعيير أُلبس مسوح النصح، وتظاهر بالشفقة والحرص ركب فيه صاحبه مركب القدح والقرص .

ألا فليتق الله أولئك وليكفوا غثاء ألسنتهم عن الدعاة .. وإني لأكاد أقسم أن كثيرا من طلبة العلم – إن لم أقل كلهم - ما لهم في جل مسالك الدعوة حظ من علم ولا جرأة على فعل، فماذا يعرف طلبة العلم عن (الدرباوية) أهي فرقة من الاثنتين والسبعين فرقة أم هي نحلة من نحل اليهود ؟ أم سيبحثون عن (الأيمو) في الفرق بين الفرق للبغدادي أو الملل والنحل للشهرستاني ؟ وهل (الكول) من مصطلحات المناطقة كالهيولى والجوهر ؟ وهل (الدندون) له ترجمة في سير أعلام النبلاء أو وفيات الأعيان ؟ فمن أين يعرف طلبة العلم لغة الشارع ومصطلحات الفساق وألفاظ السوقة وأحاديث الرعاع وسفلة الناس ولا يعرفها إلا دعاة الشباب ؟

هل يستطيع طلبة العلم غزو الشباب في المقاهي أو المنتجعات أو (الشاليهات) أو (العُزب) أو شواطئ البحر أو المنتزهات أو على الأرصفة أو السجون ....إلخ ؟ هل يتحمل طلبة العلم حين يرون دنان الخمور وقوارير المسكر وعقاقير المخدرات وإبر التعاطي ....إلخ ، وهل يطيقون إبصار آلات الحرام من معازف ووسائل التدخين والتبغ والإسكار وما يُتناول ويُلبس لفعل الفواحش، وهل تتسع صدورهم لسماع قصص الجرائم الأخلاقية من زنا ولواط وسحاق ونكاح الشواذ وزنا المحارم واغتصاب القاصرات؟ وهل يتحملون النظر إلى ما يقف عليه الدعاة من انتحار وأمراض وعاهات وسكر وعربدة وقاذورات ابتلي بها شباب الأمة بل كفر وشرك عبادة للشيطان وتعليق للصلبان ووقوع في السحر وتعظيم النجوم وسجود للمردان واعتقاد بالتمائم وتعليقها وصلاة على جنابة وامتهان للمصحف ..... ؟
إني لأكاد أجزم أن لغة الدعوة في أوساط الشباب المراهق والأحداث لغة لا يعرفها إلا أولئك الدعاة ولا يحسنها طلبة العلم ، ماذا سيقول طالب العلم في وسط شباب مراهق لا يعرف إلا لغة الشارع هل سيعرِّف التوبة لغة واصطلاحا ؟ أم هل سيوّجه قول ابن عباس في توبة القاتل ؟ أم سيخرِّج أحاديث التوبة ؟ أم سيحكي الخلاف في توبة المرتد ؟ أم سيرجّح أقوال العلماء في حكم تارك الصلاة ؟ وهل سيرد على الأحناف في مسألة تغريب الزاني ؟

لله أنتم أيها الدعاة كم تائب تاب على أيديكم فغدا طالب علم أو إمام مسجد أو مؤذن جامع أو داعية خير، أو عالم أمة، أو رب أسرة مصلح، وإني لأحسب من الخسة والنذالة أن يتوب أحدهم على يد داعية فيطلب العلم ليرجع بالنقد والثلب على الدعاة فيقول بقول كافرة العشير ( ما رأيت خيرا منك قط ) .

هؤلاء الدعاة حملوا همَّ الدعوة فتركوا الأهل والإخوان وملاذ النفوس وبذلوا الأموال والأوقات والجهود وعافوا لذيذ النوم وطعم الرقاد فابحث عنهم في الساعات المتأخرة في الشواطئ والتجمعات والسجون، كم رأينا منهم من يسجد شكرا لله على توبة أحدهم، وآخر يبكي حسرة على موت شاب على معصية، وثالث يعتنق أحد التائبين فيبكي معه بكاء مريرا، ورابع ما يرى تجمعا للشباب إلا ونزل إليهم ونصحهم، وخامس ما يتناهى لمسمعه صوت غناء إلا بادر صاحبه بشريط ذكر ووعظ، وسادس ما ترك سجنا ولا دار رعاية أو إصلاح أو مدرسة أو محفل حتى المعاقين إلا أتى إليه، وسابع يمشي طول الليل ومعه أشرطة دعوية يعطيها الرائح والغادي، وثامن يستر عرض مسلمة كاد أن ينتهك، وتاسع ..... إلخ .

كلٌّ يتهم هؤلاء الدعاة بالتقصير فأهلوهم وقرابتهم يتهمونهم بالتقصير في حقوقهم الزوجية والأسرية، ومديرو وظائفهم يتهمونهم بالتقصير في أعمالهم، حتى من تاب على أيديهم يتهمونهم بالتقصير في التواصل معهم، ثم طلاب العلم يتهمون بالتقصير في جوانب شتى يزعمون أنها شرعية، ليضاف إلى هذه القائمة أعداء الدين من المنافقين وغيرهم، ووالله إن كثيرا منهم ليدعو إلى الله ويجاهد في الدعوة وهو يعاني من قلة ذات يد وكثرة عيال وتكالب أشغال وآلام مرض وعتاب زوجة وضياع مصالح .

بعض طلبة العلم ينقمون على دعاة الشباب أنهم يأتون بخوارم المروءة وخوادش الحياء نواقض الوقار، وهل مجالس لشرح البخاري ومسلم ؟ أم هي مجالس بحضرة الزهري وإسماعيل بن علية ؟ وهل هي مجالس سماع وأسانيد وعلل ؟ إن جل ما ينقمه طلاب العلم على الدعاة مسائل يسيرة غالبها - والله أعلم - تدور حول الأوليات ومراعاة المصالح وهي من فروع المسائل ويسير الأبواب وأكثرها يعذر بها الدعاة .

أقول هذا بعد أن خرجت مع بعض دعاة الشباب في سفر دعوي ورافقتهم إلى السجون والمدارس والتجمعات والأندية والشواطئ والأرصفة والمجالس واطلعت على كلماتهم وأساليبهم وطرائقهم والله لقد رأيت أعداد التائبين وقوافل العائدين والنفع الكبير والخير الكثير وما يشف صدور قوم مؤمنين ويوقد نار قلوب المنافقين، فما يقومون به جهاد عظيم وسد ثغرة عظيمة لا يقوى عليها إلا هؤلاء الأبطال، ولا أدعي لهم عصمة فثمة أخطاء يسيرة لا تكاد ترى بالعينين فتغتفر لبلوغهم القلتين، ولا يعني هذا غض البصر عن أخطاء الدعاة وإنما القصد في التوجيه، والرفق في الإرشاد، واللطف في النصح، والهدوء في العتاب، من باب (عفا الله عنك لم أذنت لهم) وعلى غرار (فعرف بعضه وأعرض عن بعض) وعلى منهاج (رحماء بينهم)، متعني الله وإياكم متاع الصالحين والحمد لله ولي الصالحين .

[عذرا كتبتها وأنا على سفر]


 

زاد الـداعيـة
  • شحذ الهمم
  • زاد الخطيب
  • فن الحوار
  • فن الدعوة
  • أفكار إدارية
  • معوقات ومشكلات
  • رسائل ومقالات
  • من أثر الدعاة
  • الصفحة الرئيسية