خطوات على طريق الدعوة

د. عبدالله بن معيوف الجعيد
مكة المكرمة
‏@abdullahaljuaid

 بسم الله الرحمن الرحيم

مفهوم الدعوة إلى الله وحكمها
الدعوة إلى الله هي الدعوة إلى الإيمان به وتصديق الرسالة التي جاء بها سيد الخلق والمرسلين والعمل بما جاءت به هذه الرسالة من عبادات وطاعات واجتناب ما نهت عنه من معاصي ومنكرات، فلا تنفك الدعوة إلى الله عن الحث على إتيان الأعمال الصالحة واجتناب الأعمال المنكرة، وهي تتعلق بمختلف مجالات حياة المؤمن وعلاقاته مع البيئة من حوله، والدعوة إلى الله هي رسالة الإسلام وشريعته التي لا تتأثر بزمان أو مكان، وهي شرف للقائمين عليها من العلماء والدعاة، وقد قال تعالى في كتابه الكريم: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) فالدعوة إلى الله هي الدعوة إلى الإسلام واتباع ما جاء به من تشريعات.
والدعوة إلى الله فرض كفاية على المسلمين، وهي واجبة على كل من يمتلك العلم والمقدرة على تبليغ الرسالة وخاصة إذا لم يكن في المنطقة من يقوم على أمر الدعوة، ولا تقتصر الدعوة على الدعاة الرسميين بل يمكن لكل من يستطيع المشاركة فيها أن يفعل، قال تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)، ويعتبر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أحد أشكال الدعوة إلى الله، قال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ)، فقد شرع الله الدعوة لكافة أهل العلم في كل مكان وإذا قام بعض أهل العلم بها سقط التكليف عن المجتمع وأصبحت الدعوة إلى الله سنة مؤكدة، والدعوة من أشكال التعاون على البر والتقوى الذي أمر الله بها ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)، وقد حثنا النبي صلى الله عليه وسلم على الدعوة إلى الله فقال: (بلّغوا عني ولو آية) وقد قال أيضاً: (من علم علماً فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجامٍ من نار)، وقد بين خطورة التقاعس عن الدعوة فقال: (إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمّهم الله بعقاب منه).

أهداف الدعوة إلى الله
تعد الدعوة إلى الله من أشرف الأعمال وأنبلها والتي يصطفي الله إليها من عباده الرسل والصالحين، وقد جاءت الدعوة إلى الله من أجل هداية الناس وإرشادهم إلى طريق الإيمان والنجاة الصحيح في الدنيا والآخرة، ويتعدى دور الدعوة ذلك إلى هداية المسلمين من الناس ودعوتهم للقيام بأعمال الخير واجتناب ارتكاب الأعمال المحرمة التي نهت عنها الشريعة الإسلامية.
وكانت أبز أهداف الدعوة إلى الله إقامة الحجة على الناس بتبليغهم الرسالة وتبشيرهم بالأجر المترتب على الإيمان واتباع طريق الحق وإنذارهم بالعقاب الذي ينتظر من يضل ويحيد عن طريق الحق ويتبع هواه، فجاءت الدعوة إلى الله من أجل أن يتم إعمار الأرض وفق تشريع رباني يضمن للناس الحياة في مجتمع قائم على مبادئ الخير والسلام، كما تهدف الدعوة إلى الله إلى إصلاح عقيدة الناس وذلك لأن العقيدة الصحيحة هي الأصل الذي ينبني عليه صلاح حياة الناس في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وغياب العقيدة الصحيحة يؤدي إلى فساد حياة الناس ويعتبر إصلاح عقيدة الناس من أهم الأهداف التي جاءت بها الدعوة إلى الله.

ومن أهم أهداف الدعوة إلى الله نشر الإسلام بين شعوب الأرض وذلك من أجل تحقيق عالمية الدعوة الإسلامية مصداقاً لقول الله عز وجل: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)، وتهدف الدعوة إلى الله إلى إصلاح المجتمع المسلم من خلال الحفاظ على القيم والأخلاقيات المثلى للمجتمع الإسلامي فتهدف الدعوة إلى تعزيز التواصي بالخير والدعوة إلى مكارم الأخلاق وتأدية الشعائر الدينية والعبادات التي أمرت بها الشريعة الإسلامية على أكمل وجه.

أصول الدعوة إلى الله
لقد ائتمن الله الرسل والأنبياء على تبليغ الدعوة إلى دينه، ويتضح من دعوتهم عليهم السلام أصول الدعوة إلى الله، وقد بين رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أصول الدعوة في وصيته لمعاذ رضي الله عنه عندما أرسله النبي لدعوة أهل اليمن، فقد قال له صلى الله عليه وسلم: (فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ‏فإن هم أجابوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن ‏هم أجابوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد ‏على فقرائهم). وقد أوضح هذا الحديث الأصول والثوابت الدائمة للدعوة إلى الله والتي لا تتأثر بتغير الزمان أو المكان، وتعتمد أصول الدعوة إلى الله على تقديم الأهم على المهم، فجوهرها وأول أصولها أنها تدعوا إلى توحيد الله عز وجل وخاصة إذا ما كانت الدعوة موجهة لغير المؤمنين، أما إذا كانت الدعوة لأهل الإيمان فأول أصولها إصلاح ما فسد من عقيدتهم، وتلي الدعوة إلى توحيد الله الدعوة إلى إقامة أركان الإسلام والإيمان، يلي ذلك الدعوة إلى إقامة الواجبات والبعد عن المنكرات وتجنبها.

من هو الداعية؟ وما هو دوره في الدعوة على الله؟
يتحدد معنى الداعية وفقاً لما يدعو إليه، ويتضح هذا المفهوم من الحديث الذي رواه أبو هريرة عن الرسول صلى الله عليه وسلم: (مَن دعا إلى هدًى كان له من الأجر مِثْلُ أجور مَن تبعه، لا ينقص ذاك من أجورهم شيئًا، ومَن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثلُ آثام مَن تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا) ويتضح أن الداعية قد يدعوا إلى خير أو إلى شر، ويقصد بالداعية إلى الله كل مكلف شرعاً بتبليغ الدعوة إلى الله، وهو من يحمل أمانة التبليغ للناس وإرشادهم إلى الدين الصحيح والعقيدة السليمة، وللداعية دور كبير في الدعوة إلى الله وتبليغ رسالته للناس فهو يقوم على:
1. نشر الدعوة الإسلامية بين الناس.
2. اتباع الوسائل المناسبة لنشر العقيدة الصحيحة السليمة.
3. التأثير في الناس بما يمتلكه من مهارات.
4. تعليم الناس كيف يقيمون أركان الإسلام والإيمان.
5. نشر الخير بين الناس وتبغيض الشر في نفوسهم.

شروط الدعوة إلى الله
حتى تقوم الدعوة إلى الله على أساس قوي فإنه ينبغي أن تتوافر في الداعية مجموعة من الشروط الأساسية والتي تتمثل في:
1. العلم الكافي: فيجب على الداعية أن يمتلك العلم الكافي والبصيرة السليمة حول ما يدعو إليه، وذلك حتى يبني دعوته على أساس صحيح ويتجنب الوقوع في الخطأ، ولا يشترط أن يكون الداعية عالماً بل يكفيه أن يكون عارفاً بما يدعوا إليه معرفة صحيحة.
2. الحكمة: فقد أمر الله تبارك وتعالى أن تقوم الدعوة إليه على الحكمة والموعظة الحسنة فقال تعالى: (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ).
3. الصبر والتحمل: فالدعاة يتعرضون إلى الكثير من الأذى في دعوتهم إلى الله، ويتوجب عليهم أن يمتلكوا طاقة كبيرة على الصبر والتحمل في سبيل تبليغ دعوتهم ونشرها بين الناس.
4. السلوك القويم: حيث يجب أن تتمثل الأخلاق والقيم التي يدعوا إليها الدعاة في تصرفاتهم وأفعالهم وألا يتناقض ما يدعوا إليه الدعاة مع أفعالهم وأخلاقهم وقد قال تعالى: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون ‏أنفسكم).