اطبع هذه الصفحة


بصمات دعوية ... بصمات تربوية ... !

 
هذه بصمات .. تحيّرت في اختيار عنوانها وإطارها .. فوجدت أن ( بصمات ) أليق بها ...
( بصمات ) هي مواقف دعوية ، وتربوية كانت لها إشارات لطيفة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، يميز هذه البصمات روحانية شفافة ، ومعنى عميق في مضمونها ، يحتاجها الدعاة والمربون في طريق سيرهم إلى الله ، وهي أشبه ما تكون بلطائف دعوية ونكات تربوية .. قد يمر عليها القارئ في موطنها فلو تأمل فيها لوجد فيها عمقاً في المعنى ولاستخلص منها زاداً يعينه على الطريق


البصمة الثالثة : واهجرهم هجرا جميلاً ..!

الهجر الجميل .. !
قال الله تعالى (وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً) (المزمل:10)
هذا الأمر الرباني نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة ..!
في بدايات الدعوة والبلاغ. . !
الذي يدعو للتعجب في هذا الأمر أنه لم يكن أمراً بعد ما تحققت الدعوة في الناس ، وصار لها أعواناً وحملة يبلغونها ..!
إنما كان أمراً في وقت الدعوة أشد ما تحتاج أن تنتشر وتضرب أوتارها في الواقع الجاهلي
فهل يعني هذا الأمر من الله جل وتعالى لإمام الدعوة وقائدها النبي الكريم محمد بن عبد الله عليه صلاة ربي وسلامه أن يوقف دعوته وينفرد بخاصة نفسه ومن معه ، ويهجر الكافرين فلا يدعوهم في هذا الظرف وهذا الحال ؟!!
لعل القارئ بادئ ذي بدئ يحسب الأمر كذلك . !
ومن هنا لا نستغرب من أن بعض المفسرين قد جعل الآية منسوخة بآية القتال .!
وحين يقف القارئ المتأمل عند هذه الآية ( واهجرهم هجرا جميلا ) يجد أن هذا الأمر قد جسّد للداعية وبيّن له الموقف الرباني من قضيتين :
الأولى : موقف الداعية من المجتمع الذي يعيش فيه .
الثانية : موقف الداعي من المدعوين بشتى أصنافهم .
وحين أقف مع هذه الآية الوقفات التاليات فإني أقف معها منطلقا من هاتين القضيتين .

الوقفة الأولى : حتى يكون الهجر جميلا .
سئل شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله تعالى عن الهجر الجميل ؟!
فقال : ... الهجر الجميل : هجر بلا أذى .!
والإمام ابن سعدي رحمه الله له وقفة لطيفة عند هذه الاية حيث قال : الهجر الجميل : هو الهجر حيث اقتضت المصلحة . الهجر الذي لا أذية فيه ، بل يعاملهم بالهجر والإعراض عن أقوالهم التي تؤذيه ، وأمره بجدالهم بالتي هي أحسن ..
وهنا أفادنا كلام الإمامين ثلاثة معاني مهمة في الهجر الجميل :
المعنى الأول : أن الهجر يكون حيث اقتضت المصلحة .
المعنى الثاني : أن الهجر الجميل هجر لا أذى فيه .
المعنى الثالث : أن من الهجر الجميل هجر الإعراض عن أقوال وأفعال المكذبين مع الاستمرار في دعوتهم .
ثلاثة معاني مهمة ينبغي على الداعية إلى الله أن يراعي هذه الوصاف حتى يكون الهجر جميلاً .
هذه المعاني جعلت من هذا التوجيه سموّاً في المواجهة مع المجتمع أو مع المدعوين .
فهو هجر جميل لا لجرح العواطف والمشاعر والتلاعب بها .
هجر جميل لا تخفف فيه من أعباء الدعوة وتبعاتها ومشاقها ..
هجر جميل لا يقطع بالداعية المجاهد عن العمل في أمل ..!
إنه هجر للصناعة لا للإضاعة ..!
إنك تجد من البعض من يهجر أخاه أو يهجر مجتمعه هجراً بشتم وخصومة .
هجراً الأحقاد والأضغان ..
هجراً على درهم أو خميلة أو خميصة .، أو منصب أو شهرة !
والله تعالى يريد من الدعاة وحملة المبادئ أن تسمو مواقفهم لتتعدى ذواتهم إلى مواقف حاسمة في سبيل الدعوة ومن أجلها . ويلبسون هذا الهجر لباس التقوى - زعموا - !
حتى إذا قيل له :ما بالك تهجر فلانا وفلاناً ...؟!
قال : ذاك رجل يأتي المنكرات ، أو فيه كيت وكيت ...!
وهو ما دعاه للهجر إلا خصومة أو حكومة أو تعرض للذات .!
يا سبحان الله ..
ترى كم لاقى نبي الهدى ورحمة الله المهداة محمد بن عبد الله من الأذى والنكران حتى تنزلت عليه هذه الآية !!
وحين تنزّلت تُراه ترك دعوتهم ونصحهم ..؟!

الهجر الجميل . . هجر في ذات الله ولله .
تأمل في موقفه صلى الله عليه وسلم من كعب ابن مالك وصحبه يوم تخلفوا عن غزوة تبوك ، موقفه مع نفر من صحابته الذين بايعوه الدم الدم والهدم الهدم ..
الذين فدوه بأموالهم وذراريهم وانفسهم ..
أصحابه الذين هم خير خلق الله بعد الأنبياء . .
نجد كيف تجسّد فيه موقف المربي الحريص الحاني على صحبه ومدعويه حتى وإن بدر منهم ما يُذم ويعاب .
لقد كان هجر رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام للذين خلفوا هجراً جميلا لا أذية فيه ولا تشفي ، إنما هجر العتاب الذي يزيد المحبة ويحرص على بقاءها ..
ترى لوكان في هذا الهجر تشفياً أو انتقاماً ما تُرى كان يفعل كعب حين وصله كتاب ملك الغساسنة ؟ !
إن لحظة التوبة والعفو لتجسّد سمو هذا الهجر الجميل ، وشفافية هذا الأدب النبوي في لعلاج .
تأمل فرحة الصحابة الكرام واستبشار رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك بنزول التوبة عليهم . حتى إن أحد الصحابة لم يتمالك من شدة الفرح إلا أن قام من مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يستقبل كعباً ويعتنقه !
يا عجبي . . !!
هل تُراه هجراً أم تُراه وصلاً !!
وفي مقابل هذا الهجر الجميل لهؤلاء الثلاثة نجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن هذا تصرّفه مع المنافقين الذين اعتذروا له عن تخلفهم ..!
مما يدلنا على أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن ليهجر الناس جزافاً ، بل كان عن حكمة ومصلحة . فليت شعري ماذا كسب المعتذرون من بقاء الوصل ..
وكم حاز السبق من ألظّه ألم الهجر ..؟!

الهجر الجميل . . .
هجر يورّث العمل والحرص عليه .
هجر يحمي نفس الداعية من الانخراط في براثن المنكر والفحشاء ..
فهو يرى المنكر ولا يعايشه ولا هو بمعرض عنه إعراضاً بلا توجيه ... بل هجرا جميلا يحمي النفس من الضعف ويُعلي الهمّة للإنكار ، والعمل .
من الدعاة من يترك العمل الدعوى ،والأنشطة والبرامج الدعوية لمشاغل أشغلته ومكاسب ألهته ، ومتاعب أرقت ليله ونهاره ؛ فيتخفف من أعباء دعوته بحجة ( الهجر الجميل ) وأن المجتمع أصبح مجتمع فتنة !!
وأن هذا هو زمن الهجر والعزلة .!!
وهم بذلك إنما يبررون تخاذلهم عن أن يقوموا بدعوة الله حق القيام .
ولقد اخبرن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم أن ( المسلم إذا كان مخالطا الناس ويصبر على أذاهم خير من المسلم الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم )
فبيّن صلى الله عليه وسلم أن واجب الدعاة إلى الله أن يخالطوا الناس .. ليست هي مخالطة التعايش والموافقة وإنما مخالطة علامتها الصبر !
وما هو داعي الصبر ؟!
إنه العمل والدعوة والنصيحة .
إذن هي مخالطة لا تعايش فيها مع المنكر والباطل إنما هي معايشة للبذل والنصح والتضحية والتغيير ، وهنا تكمن الخيرية ( يخالط الناس - كل الناس بشتى أصنافهم - ويصبر على أذاهم ) ، أمّا ذلك المسلم الذي رضي أن يكون صلاحه على خاصة نفسه فهجر الناس وتركهم لم ينل من هذه الخيرية ما ناله الأول .
لا لأنه هجر الناس والمجتمع فحسب ، وإنما لأنه هجر الناس والمجتمع لخلل في خاصة نفسه وهو أنه لا يصبر على الأذى !
على أن هذا الهجر لا يُذم مطلقاً كما أنه لا يُحمد مطلقاً ..!
إنما يُحمد منه ما كان هجراً جميلاً !
وكيف يكون هجراً جميلاً ؟!
إن من واجب الدعاة اليوم أن يكونوا أكثر خُلطة بالناس لدعوتهم وبذل النصح لهم ، على فساد المجتمع وادلهام الفتن ؛ وواجبهم هنا على وجه المقابلة أن يعيشوا الهجر الجميل لمجتمع ضج بالفتن والمغريات .
ولنترك لابن مسعود رضي الله عنه يصف لنا هذا الهجر الجميل .. حيث يقول : ( خالطوا الناس وزايلوهم وصافحوهم ودينكم لا تُكلموه )- لا تكلموه بمعنى لا تجرحوه -
يا سبحان الله . . هذه تجربة الخبير ...
خالطوهم وصافحوهم
ومع هذا زايلوهم ( المزايلة هي البراءة القلبية . ) حتى لا تجرحوا دينكم !!
وإن قال لي : ماذا ترى ؟ يستشيرني *** يجدني ابن عمي مخلط الأمر مزيلا

وهنا لابد من التنبيه على أنه ليس من حق اي أحد أن يحكم بفساد الزمان وأهله ، فقد حذّر صلى الله عليه وسلم من ذلك بقوله ( من قال هلك الناس فهو أهلكهم ) !
إن فساد الزمان وأهله منوط بأوصاف وصفها صلى الله عليه وسلم في أحاديث يمكن تلخيصها في النقاط التالية :
علامات فساد الزمان :
- الشح المطاع .
- الهوى المتبع .
- الدنيا المؤثرة .
- الاختلاف والتنازع .
- ضياع الأمانة .
- الإعجاب بالرأي .
- الهرج والمرج .
- تصدّر الأصاغر للحكم في النوازل ومستجدات الأحداث
هذه أوصاف مهمّة لابد ان يستحضرها الداعي إلى الله قبل أن يبني تصرفا أو موقفا له بحجة فساد الزمان !
على أن تحقق هذه الأوصاف يختلف في زمن دون زمن وفي قطر دون قطر !
وحين يفسد الزمان ، ويكثر الخبث ، فإن الدعاة - البقية الباقية منهم في ذلك الزمن - من واجبهم أن يسعوا إلى الإصلاح
وهم مع ذلك يهجرون زمنهم وما فيه هجراً جميلاً سعياً في الإصلاح والتغيير لا رضاً بالواقع وأهله !
ولنحاول أن نتلمس بعض صور الهجر الجميل عند فساد الزمان وأهله :
- هجر الكلام حين الفتن عن أبى سعيد قال : قيل يا رسول الله ( أي الناس أفضل ؟
قال : مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله ، قالوا ثم من ؟
قال : مؤمن في شعب من الشعاب يتقي الله ويدع الناس من شره ) ، واليوم حين تشتد الفتن نجد من المتعالمين من ينصّب نفسه لحل معضلات لوعرضت على عمر ابن الخطاب رضي الله عنه لجمع لها أهل بدر !
بل ونجد من يجرّح ويلمز في اهل العلم لموقف - اقل ما فيه - أنه يقبل الاجتهاد ويتسع فيه الرأي ، فنجده يطالبهم بأمر ما يدري
لو كان هو مكانهم هل يقف موقفهم - الضعيف في نظره - أو تُرى يكون له شأن آخر ؟!
إن الهجر الجميل في زمن المحن والفتن أن يهجر المسلم الخوض فيما يفسد ولا يصلح ، ويفرّق ولا يجمع ، وأن يسعى جهده أن يصلح من أمره وأمر من حوله ما استطاع إلى ذلك سبيلا .. بالبيان والحجة والبرهان والحكمة والموعظة الحسنة !
- من الهجر الجميل زمن الفتن والمحن والابتلاء أن يعرض الداعية إلى الله عن أقوال المتخرصين البطّالين إعراضاً لا يتركهم في غيّهم وفسادهم بل هو إعراض يورّث القلب ثباتاً من أن يلتفت إلى ما يشغله عن هدفه وغايته .
وانظر لموقف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد حين حلّت بالمسلمين الهزيمة ، واختلط عليهم الأمر وكثر الهرج والمرج ، في هذه الحالة يتنحّى رسول الله صلى الله عليه وسلم جانباً هو وبعض الصحابة ... وفي هذه الأثناء يصيح أبا سفيان بأعلى صوته شامتاً :
أفيكم محمد ؟
أفيكم أبو بكر ؟
أفيكم عمر ؟!
ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجيب ولا يأمر أحداً من صحابته أن يجيب !
ثم لمّا قال :أُعلُ هبل ..!
هنا كان لابد للموقف أن يتغير لأنه لم يعد موقفاً شخصياً ، بل أصبح موقف مبدأ وعقيدة
فصار لابد من الصدع حتى ولو كان الزمن زمن فتنة ومحنة !
فقال : صلى الله عليه وسلم : ألا تجيبوه ؟!
قالوا : وبم نجيبه يا رسول الله ؟
قال : قولوا الله أعلى وأجل !
فقال أبو سفيان : يوم بيوم بدر !
فقال : قولوا : لا سواء قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار !
إنه حين يُتعرض للمبادئ الراسخات فهنا لا يسوغ السكوت ولا تسوغ المداراة ولا المداهنة بل لا بد من الصدع والبيان ؛ أمّأ حين يكون التعرّض للأشخاص والذوات فهنا يتسع الأمر في الإعراض والتغاضي والترك تحقيقاً لمصلحة أعظم من مصلحة الذات والشخصية !
إننا في هذا الزمن بأمسّ حاجة إلى هذا الداعية الواعي الذي يعرف كيف يقيس الأمور بنظر الشرع لا بنظر لا يتجاوز أرنبة الأنف !
والمصالح الشخصية .. يؤثر راحته وأُنسه في الحياة بلذائذها إلى التعب والموت في سبيل كلمة الحق .
وفي زمن الفتن لا يسوغ به أن يهجر الناس ويتركهم يموجون . . بل يهجر فعالهم من أن تمسّه أو تصيبه بدخنها ، ويعمل على إشاعة الحق جنباً إلى الهجر الجميل !
- الحرص على الجماعة .
جاء عند أحمد والطبراني بسند فيه انقطاع عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ان الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم يأخذ الشاة القاصية والناحية ، فإياكم والشعاب وعليكم بالجماعة والعامة في المسجد )
لك أن تتعجب أخي القارئ وتتساءل وكيف يكون لزوم الجماعة من صور الهجر الجميل زمن الفتنة ؟!
من سنة الله في خلقه أن خلقهم مختلفين لوناً وجنساً ومشرباً ومواهباً وتفكيراً ...
قال الله تعالى { وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ } (هود: من الآية 118- 119 )
وإن الواجب على الدعاة في زمن الفتنة أن تجتمع كلمتهم ولو اختلفت آرائهم فيما يسوغ فيه تعدد الرأي ، وأن يصبروا على هذا الاجتماع .. لأن انتصار الإنسان لفكرته التي يعتقد صحتها وأنها هي الحق مما جُبل عليه الناس . وحين يكون زمن الفتنة فإنه لابد أن يُؤخّر هذا الانتصار لمصلحة الاجتماع وتوحيد الكلمة .
وهنا يكون الهجر الجميل مع من هم على المنهج الواحد . . هجراً بلا منِّ ولا أذى !
فإنه يهجر ما يعتقد بطلانه من آراء الآخرين هجراً شعورياً في سبيل توحيد الصف ويصبر على هذا الهجر . .
ومن هنا نعرف حكمة ا من حكم التعقيب بالصبر في قول الله تعالى (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (لأنفال:46)
اصبروا على ما تجدوه من ألم لزوم الجماعه والتخلي عن بعض حظوظ النفس لمصلحة جمع الكلمة وتوحيد الصف ولزوم الجماعه .
وحتى لا نكون لقمة سائغة لذئب البشرية ( ابليس ) فيتخطفنا كما تتخطف السائمة القاصية

الوقفة الثانية : الهجر الجميل وانتصار الأبد !
قد يشعر الداعية إلى الله جل وتعالى أن موقف الهجر موقفا انهزامياً .
هذا الشعور قد يجعله في احيان يتهور تهوراً يجني فيه على الدعوة وأهلها ..!
ولكن حين نتأمل تعقيب الآيات بعد الأمر بالهجر الجميل نجد أن ما يعقبها من الآيات فيها :
(وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً) (المزمل:11)
وهذا سر الانتصار .. بل هو الانتصار الحقيقي .
الانتصار الحقيقي أن ينتصر لك الله جل في علاه .. ومن الذي ينتصر له الله فلا ينتصر ؟!
ومن هذا الحقير الذي يريد أن يحجب نصر الله أو لا يؤمن به ؟!
إنك أيها الداعي إلى الله حين تحتّم عليك المصلحة أن تهجر من حولك هجرا جميلاً فإن هذا لا يعني ضعفك أو انهزامك .. - وإن كانت النفس جُبلت على حب الانتصار وخصوصا وهي تعتقد صحة ما هي عليه - بل موقفك هذا الذي فرضته مصلحة الدعوة إنما يصنع انتصار الدعوة وانتصارك تبعاً لها .
فلا تيأس أو تتهور وتظن أن النصر من عندك . .
إننا أحياناً نخطئ حين نظن أن انتصار المبادئ - دائماً - يكون بعلو صوت من يحملونها .!
- ونحن نكون كذلك حين نكون ( ظاهرة صوتية ) كما سمّاها بعض الدعاة ..! -
إنما انتصار المبادئ يكون بمدى تحقيقها ونشرها في الواقع عملا وسلوكاً ، مراعياً في ذلك المصلحة الشرعية في سبيل تحقيقها وتمكينها .


عد أيها الأحبة ... هذه ثلاث بصمات دعوية أشار غليها القران إشارات لطيفة بديعة
كان يربي فيها القرآن هذا النبي الكريم في زمن يشتد عليه فيه البلاء .. فتتنزل عليه هذه التوجيهات الربانية التي تخالط شفافية النفس فتسمو بها من أن تعيش حياة أرضية لتسمو إلى روعة السماء وطهر السحاب . وحين نتأمل هذه التوجيهات: ( الصبر الجميل ) ( الصفح الجميل ) ( الهجر الجميل )
نجد أنها منظومة عقد لا ينفرط جوهره ..
الصبر الجميل .. صبرا لا جزع فيه ولا تسخط .
صبر يشع بروح الإيمان بوعد الله والثقة به .
صبر يبعث الأمل مع العمل . .
صبر الثبات ..
ثم بعد الصبر صفحاً جميلاً لا أذية فيه أو تشمّت أو شعور بالكبر وازدراء الآخرين
صفح يجمع القلوب . .
صفح جميل يرشّد الخطأ ويعزز الصواب .
وبعد الصفح هجراً ..
هجر جميل . . لا يعرف الحقد والضغن .!
هجر جميل . . يزيد الحب حبا .. والوصل وصلا !
هجر جميل . . يؤنس القلب ويزيد العمل .

بصمات في صفحة داعية .. ما كان فيها من صواب فمن الله وحده ، ما شابها من خلل وخطأ فمن نفس أمّارة مقصرة والحمد لله رب العالمين .

أخوكم مهذب
منتديات ناصح للسعادة الأسريـــة


بصمات دعوية ... بصمات تربوية ... ! .. الصبر الجميل .. !
بصمات دعوية ... بصمات تربوية ... ! .. الصفح الجميــل .!
بصمات دعوية .. بصمات تربوية ..!.. واهجرهم هجرا جميلاً ..!

 

زاد الـداعيـة
  • شحذ الهمم
  • زاد الخطيب
  • فن الحوار
  • فن الدعوة
  • أفكار إدارية
  • معوقات ومشكلات
  • رسائل ومقالات
  • من أثر الدعاة
  • الصفحة الرئيسية