اطبع هذه الصفحة


رسالة عاجلة للدعاة

 
معالم في طريق الأمة الواحدة

وأختم هذه الأطروحة بأمنية تخالج قلب كل مؤمن، وتداعب خيال كل ناصح لهذا الدين؛ هذه الأمنية هي عودتنا للأمة الواحدة التي ستعيد أمجاد آبائنا وأجدادنا.
وإليك هذه المعالم :
{وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحِكُمْ}، يقول الشيخ ناصر العمر: (وحدة الكلمة واجتماع الصفوف على كتاب الله وسنة رسول الله ‘ {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَّلاَ تَفَرَّقُوا}(1)، ونبذ التفرق والاختلاف والتنازع {وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحِكُمْ}(2)، فالخلاف شر كما قال ابن مسعود رضي الله عنه، مع سعة الأفق وعدم حضر المواجهة وتحمل أعباء المعركة بفئة من المسلمين دون غيرهم، فكل مسلم لـه حق المساهمة والمدافعة عن حقوق المسلمين، بعيدًا عن أي تعصب أو حزبية، والقاعدة هنا قوله ‘: ((ارجع فلن أستعين بمشرك))(3)، فمن كان داخل دائرة الإسلام فله حق الولاء والنصرة ومن عداه فلا)(4).
((تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدًا؛ كتاب الله وسنتي))(5).
((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ))(6).
أن تجتمع الأمة على التوحيد الذي خلص من الشوائب والذي جاء به محمد ‘، قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ}(7)، وضح الشيخ عايض القرني أول أسباب الانتصار الكبير للرسول ‘ بقوله: ((التوحيد الخالص وصفاء العقيدة، إذًا أيها الدعاة، يا طلبة العلم، يا شباب محمد عليه الصلاة والسلام التوحيد أولاً.. العقيدة أولاً.. وإنما تميزت دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله واكتسبت قوتها وعمقها وأصالتها حتى نفذت إلى القلوب وإلى أقطار التوحيد أنها صافية، وأنها على منهج السلف، وأنها ضاربة في أعماق الكتاب والسنة.. فلذلك بقيت إلى اليوم، {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ}(8)، ويقول أيضًا: (يا دعاة، يا طلبة، هذه قضيتنا الكبرى.. تصحيح معتقد الناس.. أما التلفيق، أما المسامحة في هذا الجانب؛ فلا يصلح أبدًا، ولا تنجح الدعوة فيه أبدًا؛ لأن الدعوة أقيمت على التوحيد الخالص)(9).
الاقتداء بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وعدم التهاون بها، {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللهُ}(10). يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (فسنة النبي عليه الصلاة والسلام هي سبيل النجاة لمن أراد نجاته من الخلاف والبدع)(11). ويقول الشيخ أحمد الصويان: (البداية القوية العملية الجادة لنهضة الأمة من كبوتها هي الاعتصام بحبل الله جميعًا والتعاون على البر والتقوى، وفق الأسس والضوابط الشرعية المقررة في كتاب الله عز وجل وسنة النبي صلى الله عليه وسلم ومنهج السلف الصالح رضي الله عنهم أجمعين، ثم نبذ كل الشعارات التي تفرِّق الصفوف وتفسد القلوب، ولقد أثبتت العقود الأخيرة إفلاس الشعارات والأطروحات الجاهلية بمختلف اتجاهاتها الفكرية ونحلها السلوكية، ولم يبق إلا أن تفيء الأمة إلى روح الإسلام وريحانه، تستقيه من مصادره الأصيلة ومنابعه الكريمة، ولن نصل إلى هذه المنزلة الجليلة السامية إلا بفضل الله عز وجل وكرمه)(12). ومما هو معلوم أن الخلافة الراشدة التي ذكرت في الأحاديث تكون على منهاج النبوة، وحتى المهدي الذي يخرج آخر الزمان يحيي السنة ويميت البدعة.
فلا مجال للتهاون بالسنة لأنها أبرز علامات الأمة الواحدة التي يبارك الله في أعمالها وجهادها آخر الزمان.
يجب على الأمة إذا أرادت الخيرية أن تؤدي شرط الله تعالى فيها، قال قتادة: (بلغنا أن عمر بن الخطاب في حجة حجها رأى من الناس رعة (أي هيئة غير حسنة) فقرأ {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}، ثم قال: من سرَّه أن يكون من تلك الأم فليؤدِّ شرط الله تعالى فيها)(13).
وشرط الله الذي أشار إليه عمر رضي الله عنه هو قوله تعالى:
{تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ باللهِ}(14).
الأمة الواحدة لا تجتمع على الخصوصيات وإنما تجتمع على عواصم الدين ومحكمات الشريعة وقواعد الملة؛ يقول الشيخ سلمان العودة: (فاجتماع هذه الأحزاب ليس على عواصم الدين ومحكمات الشريعة وقواعد الملة، وإنما هو على خصوصية معينة اختزل الدين فيها، واختارها وغفل عما سواها، فهم اجتمعوا على الخصوصيات لا على الأعمال، وهؤلاء فهموا شيئًا وتحالفوا عليه ونابذوا من خالفهم فيه وأولئك تحالفوا على شيء آخر وهكذا وجد الخلاف في الأمة {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ})(15).
وإن أعظم عمل تجتمع عليه الأمة هو ما يحقق لها الخيرية بعد الإيمان وتعميقه في القلوب وترجمته في الواقع هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: (إذن لا يجمع الأمة إلا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلو أن الأمة أمرت بالمعروف ونهت عن المنكر وتحاكمت إلى الكتاب والسنة ما تفرقت أبدًا، ويحصل لهم الأمن، ولكان لهم أمن أشد من كل أمن كما قال تعالى:
{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}(16))(17).
يجب أن يكون الرد والتحاكم إلى الكتاب والسنة ولا قدسية لأقوال البشر {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}(18)، {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَّلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَّكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}(19)، يقول الطحاوي: (ولا تثبت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام)(20).
فليتقِ الله قومٌ قدموا أقوال المفكرين وبعض الدعاة على قول الصادق المصدوق.
ضيقوا على دعاة الانفتاح المهلك الذين يهرولون إلى ما يسمونه بالمعاصرة حتى لو كان ذلك على حساب المبادئ والثوابت. لماذا؟ لكي يمتدحنا الغرب والعالم المنفتح، والواجب أن نحاكي العصر ونستفيد من الحضارة مع بقاء تميزنا ورسوخ ثوابتنا.

وكل خير في اتباع من سلف *** وكل شر في ابتداع من خلف

ليكن هدف المسلم الأول من الدعوة إنقاذ الناس من النار وابتغاء الأجر من الله (وفر من الحزبية فرارك من الأسد).
ينبغي لطلبة العلم والدعاة أن يكونوا شيوخ عامة ينشرون العلم ويعلمون الناس ويوجهونهم إلى الخير والدعوة ويقتدوا بأسلافهم كالإمام أحمد وشيخ الإسلام والشافعي ومالك وأبي حنيفة وابن باز وابن عثيمين وغيرهم رحمة الله عليهم، فإذا جد الجد كانوا هم الرجال.
لا تكن عبدًا لأحد.. كن عبدًا لله؛ فإنك ستسأل يوم القيامة وحدك {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ}(21).
أيها الأخيار؛ إنه لا نصر للأمة في ظل هذا التفرق المذموم، وإذا كنا نريد قادة كأبي بكر وعمر فلنكن مثل سعد وأبي عبيدة.

ورحم الله الشيخ الألباني حين قال في كلام طويل عن المهدي وخروجه: (فماذا عسى أن يفعل المهدي لو خرج اليوم فوجد المسلمين شيعًا وأحزابًا وعلماؤهم إلا القليل منهم اتخذهم الناس رؤوسًا لما استطاع أن يقيم دولة الإسلام إلا بعد أن يوحد كلمتهم ويجمعهم في صف واحد وتحت راية واحدة، وهذا بلا شك يحتاج إلى زمن مديد الله أعلم به، فالشرع والعقل معًا يقتضيان أن يقوم بهذا الواجب المخلصون من المسلمين حتى إذا خرج المهدي لم يكن بحاجة إلا أن يقودهم إلى النصر وإن لم يخرج فقد قاموا بواجبهم، والله يقول: {وَقُلِ اِعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ})(22).

فهل نعي هذا الكلام وندرك خطورة المرحلة التي نمر بها؟ إنه يجب على كل مخلص يريد ما عند الله سبحانه أن يسعى جاهدًا لإنقاذ الأمة الإسلامية من شر التمزق والتحزب المذموم.
بيَّن الشيخ سلمان العودة ذلك بأنه (يكفي التوقف عن الخصام والشقاق والتشاحن بيننا وتحل محل ذلك أخوة الإسلام، وأن تبدأ أنماط معقولة من التعاون على البر والتقوى، وفي المشاريع المشتركة علمية كانت أو اقتصادية أو دعوية أو إعلامية أو غير ذلك، وأن نعمق وحدة العقيدة في الأمة ونجتهد في تصحيح مفاهيم الناس حول القضايا الضرورية ومجملات الدين التي لا بد من تعليمها لهم عن عقيدتهم، عن ربهم، عن قرآنهم، عن تاريخهم، ولو لم يتحقق وحدة الكيان الإسلامي بشكل عام في هذه المرحلة، يكفي أن نربي الشباب في محاضنهم على أصل الانتماء لهذه الأمة، وألا تكون انتماءاتهم الثانوية بديلاً عن هذا الانتساب)(23).

------------------
([1])  آل عمران: 103.         ([2])  الأنفال: 46.                    ([3])  رواه مسلم.
([4])  ناصر العمر، رؤية استراتيجية في القضية الفلسطينية، 62.
([5])  رواه ابن ماجه.            ([6])  رواه أبو داود.                 ([7])  محمد.
([8])  الرعد.                       ([9])  قل هذه سبيلي، 40.          ([10])  آل عمران.
([11])  محمد بن صالح العثيمين، شرح رياض الصالحين، 338.
([12])  أحمد الصويان، نحو منهج شرعي في تلقي الأخبار وروايتها، 146.
([13])  رواه ابن جرير في تفسيره.
([14])  سلمان العودة، الأمة الواحدة.              ([15])  الأمة الواحدة.         ([16])  الأنعام.
([17])  محمد بن صالح العثيمين، شرح رياض الصالحين، 498.
([18])  النساء.              ([19])  الأحزاب.              ([20])  شرح العقيدة الطحاوية، 201.
([21])  المعارج.
([22])  محمد ناصر الدين الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة، 4/42-43.
([23])  سلمان العودة، الأمة الواحدة.

تابع الرسالة
 

خالد السبيعي
  • مقالات دعوية
  • رسالة للدعاة
  • في كل بيت راق
  • الصفحة الرئيسية