اطبع هذه الصفحة


رسالة عاجلة للدعاة

 
أيها الدعاة .. اتركوا الفنادق وانزلوا إلى الخنادق

إنها الوجاهة المزيفة والبروج العاجية المختلقة التي ما أنزل الله بها من سلطان، إنها الغثائية في أبشع صورها حينما يستمتع البعض بالألقاب ويكتفي بالأسماء وينسى المنهج المحمدي الذي جاء من السماء.
أين نحن أيها الدعاة من الميدان.. في الميدان وبين الناس ومع الفقراء والمساكين والمحتاجين والمظلومين تتبخر الأسماء الرنَّانة وتذوب الألقاب المصطنعة، ويظهر الإنسان على حقيقته، داعية مجرد من كل النعوت، حيث تتوارى الأقوال لتحل محلها الأفعال.
{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَّيَتِيمًا وَّأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَّلاَ شُكُورًا}(1)، ((أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلُّوا والناس نيام؛ تدخلوا الجنة بسلام))(2)، (.. كلا والله ما يخزيك الله أبدًا؛ إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نواب الحق)(3).
يقول الشيخ عايض القرني: (تتوافد قبائل العرب لتنظر إلى هذا العظيم وهو في مكة لباسه عادي لا يساوي ثلاثة دنانير، خبزه الشعير، ينام في بيت متواضع، يقف مع العجوز الساعات الطوال، يحمل الأطفال، يحلب الشاة، لا يجد كسرة الخبز، ومع ذلك تتساقط تحته عروش الظالمين كسرى وقيصر، لماذا؟ لأنه كسَّر بسيف العدل ظهور الأكاسرة، وقصَّر برماح التضحية آمال القياصرة)(4).
فرسولكم ‘ كان يمشي بين الناس في الأسواق، ويقف مع الصغير يداعبه، ويسير مع الأمة تمسك بيده تسير به حيث شاءت، ويزور أم هانئ في بيتها، ومع ذلك كله وغيره الكثير؛ يدير شؤون الدولة الإسلامية.
وأبو بكر الخليفة يحلب شاة لامرأة عجوز ويتعهدها كل حين.
وعمر الفاروق الخليفة الثاني يحمل الكيس على ظهره ويتفقد الرعية في الليل البهيم.
إنني أتساءل أيها الأخيار؛ ما هو سبب عزوف الدعاة وطلبة العلم عن الميدان ومخالطة الناس كبيرهم وصغيرهم؟! هل سلبت العقول وجَمُد الفكر على دعوات لا تحقق إلا مصالح محدودة أو خاصة.
يقول سيد قطب: (وانتصر محمد بن عبد الله يوم صنع أصحابه رضوان الله عليهم صورًا حية من إيمانه، تأكل الطعام وتمشي في الأسواق، يوم صاغ من كل فرد منهم قرآنًا حيًّا يدب على الأرض، يوم جعل كل فرد نموذجًا للإسلام، يراه الناس فيرون الإسلام)(5).
ويقول سيد قطب أيضًا: (ولقد انتصر محمد بن عبد الله يوم صاغ من فكرة الإسلام شخوصًا وحوَّل إيمانهم الإسلام عملاً وطبع من المصحف عشرات من النسخ ثم مئات وألوفًا، ولكنه لم يطبعها بالمداد على صحائف الورق، إنما طبعها بالنور على صحائف من القلوب وأطلقها تعامل الناس وتأخذ منهم وتعطي وتقول بالفعل والعمل ما هو الإسلام الذي جاء به محمد بن عبد الله من عند الله)(6).

رحم الله سيدًا؛ ليته يرى واقع الدعاة اليوم!!

------------------
([1]) الإنسان.
([2]) رواه الترمذي.
([3]) أخرجه البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها.
([4])  قل هذه سبيلي، 21.
([5])  سيد قطب، دراسات إسلامية، 26.
([6])  سيد قطب، دراسات إسلامية، 27.

تابع الرسالة
 

خالد السبيعي
  • مقالات دعوية
  • رسالة للدعاة
  • في كل بيت راق
  • الصفحة الرئيسية