اطبع هذه الصفحة


بعض الملاحظات في خطب الجمع

أبو عمرو، حامد سعيد عابد


في إحدى ليالي رمضان المبارك هذا العام، تحدثت ومجموعة من الفضلاء عن أهمية خطبة صلاة الجمعة للمسلم، والسبب في مشروعيتها، وعرجنا على المثالب التي يقع فيها بعض الخطباء جزاهم الله خيراً دون قصد، والتي تحد من استفادة المصلين من تلك الخطب، فكان من أبرزها إطالة الخطبة وفي حديث عمار بن ياسر رضي الله عنه الذي سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه) وفي هذا الحديث دلالة على الأمر بتقصير الخطبة.

يتململ بعض المصلين أثناء الخطبة ويفقد الكثير منهم التركيز وبالتالي تنصرف قلوبهم عن الخطبة ويفوّتون جلّها وربما لو سألت بعضهم بعد انقضاء الصلاة بساعات عن موضوعها وأهم نقاطها لما أفادك بشيء، ويكمن السبب في مقدمة الخطبة الطويلة جداً والمتكررة في كل خطبة جمعة، فتجد المصلي يسرح بخيالة بعيداً عن أجواء الخطبة ولا يعود إليها إلا وقد فات عليه جزء مهم منها وبعضهم قد لا يعود ، ولتفادي ذلك يفضل اختصار المقدمة والاكتفاء بالحمد والثناء على الله والصلاة والسلام على رسوله والشروع في موضوع الخطبة مباشرة ، كذلك فإن قراءة الخطبة من ورقة أو من جهاز وعدم ارتجالها يجعلها تشبه السرد بدون تفاعل بين المُلقي والمتلقي، وأفضل من ذلك، ارتجال الخطبة بعد التحضير لها تحضيراً جيداً ولا يمنع ذلك من تسجيل نقاط في ورقة أو جهاز قد يعود لها الخطيب من حين لآخر، كذلك فإن عدم تفاعل الخطيب مع ما يحدث أحياناً في المسجد يفقده خاصية مهمة جداً كفلها له الشرع وهي إدارة شئون الجامع وتنظيمه ، فمن حقة توجيه شخص أو مجموعة لعمل معين أو الامتناع عن فعل معين كالحديث أو الانشغال بالجوال أو شرب الماء أثناء الخطبة، اقتداء بالنبي عليه الصلاة والسلام عندما وجه الصحابي لأداء سنة المسجد أو الجلوس وعدم تخطي الرقاب.

ومن الثغرات ايضاً ميل بعض الخطباء لاستخدام الترهيب دون الترغيب وفي هذا جفاء للمصلين وعدم اقتداء بالنص القرآني الكريم الذي دائماً ما يردف الترهيب بالترغيب وآيات الوعيد بالعذاب بآيات البشرى بالمغفرة والرحمة.

كذلك وقوع بعض الخطباء في مشكلة تشخيص مكمن الداء، ولكن بدون وصفٍ للدواء، فيخرج المصلي خالي الوفاض الا من الحسرة والندم على تلك المشكلة التي يراها في نفسه ولا يعرف لها حلاً ناجعاً.

وحتى لا أقع في نفس المعضلة التي أتحدث عنها هنا، سأختم بقصة قرآنية فيها دروس وعبر وعظات وردت في سورة الكهف، وهي قصة نبي الله موسى مع الخضر، فقد أكتفى الله تبارك وتعالى بثلاثة أمثلة فقط في كامل القصة مع العلم بأن موسى قد واجه صعوبات ومشقة حتى وصل إلى العبد الصالح، فالثلاث أمثلة أعطت الدلالة الكاملة لمضمون الابتلاء الذي وقع فيه موسى عليه السلام والتعليم الذي تلقاه، ولو أراد الرب تبارك وتعالى ضرب مزيداً من الأمثلة لما أعياه ذلك، ولكنه مثال حي للاختصار ودرس لذوي الألباب، فما قل وكفى خير مما كثر وألهى، ولا أرى ذلك العبد الصالح إلا القدر تجسّد على شكل بشر وجرت الأقدار على يديه ليكون ذلك أدعى للفهم من موسى عليه السلام ولمن خلفه، ثم إن الحق تبارك وتعالى شرح لموسى عليه السلام على يد العبد الصالح الأسباب التي دعت لوقوع تلك الأحداث التي رأى موسى عليه السلام في ظاهرها الظلم ولكن في حقيقة باطنها الرحمة والمصلحة لمن وقعت لهم تلك الأحداث.

أبو عمرو، حامد سعيد عابد ، 18 رمضان 1443 هـ

 

منبر الجمعة
  • إعداد الخطبة
  • فقه الخطيب والخطبة
  • فن الإلقاء
  • نصائح وتوجيهات
  • مكتبة الخطب
  • الخطباء 1
  • الخطباء 2
  • المواسم المناسبات
  • أحكام يوم الجمعة
  • الصفحة الرئيسية