اطبع هذه الصفحة


بناء ثقافتنا والحفاظ عليها

دكتور عثمان قدري مكانسي


الثـقافة : - لغة : من ثقف : بكسر العين وضمها- صار فطناً حاذقاً . وثقـّف الشيء : أقام المعوجّ منه وسوّاه .
- واصطلاحاً :العلوم والمعارف والفنون التي يُطلب الحذق فيها .( المعجم الوسيط )
- وقال أهل الخبرة : الأخذ من كل فن بطرف ، ومن فنٍّ بكل أطرافه .
- وهي الحضارة المبنية على الفهم والعمل ، فلا بد منهما مجتمعَين .
- وهي المكوّنات الرئيسة لحياتنا في مجتمعنا العربي والإسلامي من دين وعادات أصيلة ، وشمائل .. وما شابه ذلك .

هل كان للعرب ثقافة : إن المتابع لحياة العرب قديماً يجد أنهم أهل ثقافة واضحة المعالم ، بارزة السمات . ومن الأدلة على ذلك :
- قول النبي صلى الله عليه وسلم : " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " ولن تكون الأخلاق إلا في قوم عرفوا بالفهم ، والذوق ، والحضارة التي أهّلتهم قبل غيرهم أن يكونوا حضَنَة الإسلام وناشريه . ومن البدهي أنه حين تُكلف أمة من الأمم بحمل أعظم دين إلى البشرية جمعاء أن يكونوا خير من يؤدي الأمانة ، وأقدر على ذلك بما يتسمون به من سمات تؤهلهم لذلك الشرف العظيم .
- التقسيمات الحيوية التي كانوا يعيشونها ، فهم قبائل ذات أصول تتفرع إلى عشائر وأفخاذ ثم إلى أسر مترابطة يجمعها الولاء إلى مفاهيم - كالشهامة والمروءة ونصرة الضعيف والشرف والصدق و.. و...- تُحكم هذا الرباط وتقوّيه ، وهذه الصفات أقرها الإسلام وعمل على ترسيخها وتمين عراها .
- أسواق العرب الدورية التي كانوا يَؤُمّونها ، ويتبايعون فيها وينشرون قصائدهم فيها ، ويتبارى فيها خطباؤهم وشعراؤهم ورجالاتهم على تأصيل الحكمة والتفاخر بشمائلهم . من هذه الأسواق " سوق عكاظ " شرقيّ مكة ، و" سوق ذي المِجَنّة " قرب مكة كذلك ، و" سوق ذي المجاز " قرب ينبع ..
- الإعلام القوي الذي ملأ الآفاق – وأقصد الشعر – فهو كما قال الفاروق رضي الله عنه : " الشعر ديوان العرب " حفِظ الأنسابَ وأصّلَ الشمائل ، ودعا إلى المكارم ودوّنَ أيام العرب وحياتها الاجتماعية والسياسية والعسكرية والفكريّة .
- وفخرت القبائل بشعرائها وخطبائها ، وعلّقت النفيس من شعرهم على باب الكعبة لنفاستها ، والمعلوم أنّ العِلق: النفيسُ . فالمعلّقات : النفيس من الشعر .

الدين يحفظ ثقافتنا : قال الفاروق عمر رضي الله عنه : " نحن قوم أعزّنا الله بالإسلام ، ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلّنا الله "
- فالقرآن كان سبب اهتمام المسلمين بالعلوم التي تخدمه كالنحو ، وفقه اللغة ،والفلك ، والجغرافيا ، والتاريخ ، والتفسير ، والفقه و.. و.. و.. له الفضل في انتشار اللغة العربية ورسوخها في عالم الحضارة والثقافة .
- ولولا القرآن الذي حفظ اللغة العربية لاندثرت كما اندثرت كثير من اللغات ، أو تغيرت كما تغيرت أمهات اللغات ، فاللغة الإنجليزية مثلاُ يتغير معظم مفرداتها وكثير من تراكيبها النحوية كل مئتي سنة – كما يؤكد دارسوها - . أو صارت لهجاتها لغات أصيلة كما حصل للغة اللاتينية حيث ظهرت الفرنسية والإيطالية والإسبانية و..
- وقد حاول المستشرقون أن يكتب كل قطر عربي ثقافته بلهجته فظهر أول كتاب باللهجة المصرية القاهرية عام ألف وتسع مئة ، وحاول بعض نصارى لبنان أن يقلدوا أتاتورك في كتابة شعرهم اللبناني باللهجة اللبنانية والحروف اللاتينية ، مثالهم الشاعر اللبناني سعيد عقل ، فماتت المحاولات في مهدها ..
- ولم يفلح – ولن يفلح هؤلاء- ما دام القرآن يُتلى آناء الليل وأطراف النهار ، ويقرؤه الكبير والصغير ، ويفهم معانيه العربي والمسلم غير العربي . وترى المسلم غير العربي يتلهف لقراءة القرآن والتنغم به ، وقد لمست هذا باطّراد حين زرت الباكستان وتركيا وأمريكا ..
- وقد تنبّه العرب والمسلمون إلى أن من لا ماضي له لا حاضر له فتمسّكوا بأساس ذاك الماضي ومحرّك هذا الحاضر .

كيف نحافظ على ثقافتنا : لا شك أنه من البدهي أن يحافظ المسلم ابتداء على لغة القرآن وثقافة الأمة الخالدة بالحفاظ على مكوّناتها الفطرية ودوافعها الحيوية ، وأن يحافظ العربي بأطيافه كلها على لغته لأنها حضارته ومنبع ثقافته ومرتكز وجوده . وذلك بالتزامه بأمور عدة أذكر منها :
- الحديث بالعربية المبسطة ما أمكن في الأسرة ومع الأصدقاء والمجتمع ، فالأمة الحية الناهضة تهتم بباعث نهضتها وباني ثقافتها
- القراءة المستمرة للكتب التي يهتم مؤلفوها باللغة الفصيحة والتعبيرات السليمة " كالمسرحيات الهادفة والقصص المفيدة ، وكتب التفسير المناسبة للمستوى والأحاديث الشريفة ....
- الالتزام الديني الواعي ، وهذا بدوره يدفع إلى الاهتمام بالثقافة العربية ، فنحن نجد الملتزمين بالإسلام من غير العرب حريصين على اللغة العربية لأنها اللغة المقدسة، لغة القرآن الكريم والحديث الشريف ، ونحن أصحاب اللغة وناشرو الدين أولى من غيرنا بهذا الاهتمام والعناية .

- الاعتزاز بالماضي ، فهو ركيزة الحاضر والمستقبل . ويتجلى الاعتزاز بالماضي بمايلي :
1- بدراسته بتفهم وإمعان ، واستنباط العظة والعبرة ومكامن القوة فيه لتوظيفها في بناء الحياة الصحيحة ،ومعرفة أسباب الضعف ودواعيه لتلافيها
2- الانتماء للماضي والانتساب إليه ، فمن سار على خطا أجداده وتأسى بهم ملك الدنيا ودانت له .
3- تعريف الأمة به ، وتقريبه إليهم ليستلهموه في بناء ثقافتهم وحضارتهم .
- استشعار روح العزة وقوة الذات أمام الهجوم الثقافي الغربي .. وهذا يكون ببناء الشباب على أنهم بناة المستقبل وأبناء السلف الصالح الذين سادوا العالم ، فمن أراد أن يكون مثلهم سار على طريقتهم .
والأمر يسير جداً حين نجتهد في بناء نهضتنا ، والحفاظ على حضارتنا وثقافتنا .
والأمل كبير في شباب الأمة وبناة المستقبل أن يكونوا على قدر المسؤولية في بناء الثقافة الإسلامية وإيصال ثقافتنا إلى الآخرين .

 

مقالات الفوائد