اطبع هذه الصفحة


رُبَّ ضارة نافعة

صالح بن فوزان الفوزان
عضو هيئة كبار العلماء


كثر كلام الكفار عما يسمونه بالديمقراطية وفرضها على الناس، وظن بعض المغفلين أنهم يريدون إشاعة العدل ومنع الظلم، فربما أيدوا هذه الفكرة لكنها لم تلبث أن تكشفت حقيقتها بأنها الظلم نفسه!! بل هي أشد الظلم حينما غزوا الناس في بلادهم لنهب ثرواتهم، والتلاعب بمقدراتهم، ودك بيوتهم على رؤوسهم وتدمير مملتكاتهم وإزالة حكوماتهم ونشر الفوضى بينهم والإخلال بأمنهم واستقرارهم.
وحينئذ تبين للمخدوعين ما تنم عنه هذه الديمقراطية وتمنوا التخلص منها، ولكن هيهات، ولعلها تكون موعظة للمستقبل بأن لا نتقبل الأفكار الوافدة على علاتها ونعلم أن عدونا لا يريد لنا الخير أبداً، كما قال تعالى: {مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ} فهم يريدون منع فضل الله عنا لو استطاعوا.. ولهذا قال سبحانه {وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} فلا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} وهذا حق لا مرية فيه ولكن علينا أن لا ننخدع بوعود الكفار ولا نخاف من وعيدهم، بل نعلق أملنا ورجاءنا بالله ونعمل بطاعته وتجنب معصيته، ونتمسك بدينه ونتوكل عليه فهو حسبنا ونعم الوكيل {إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ} وفي هذه الأيام أفرزت هذه الديمقراطية ظاهرة عجيبة غريبة مضحكة مبكية، تخالف الدين والفطرة التي فطر الله الناس عليها، وهي إحلال المرأة المسلمة محلاً لا يليق بها، وأنت إذا أحللت الشخص محلاً لا يليق به فقد سخرت منه وتنقَّصته وأهنته حيث ظننتَ أنك تكرِّمه، وهذه الظاهرة هي تكليف امرأة أن تؤم الرجال في خطبة الجمعة وفي الصلاة، ومنحها هذا الموقف الذي يتأخر عنه كثير من الرجال لما يتطلبه من استعداد علمي وخلقي وقوة شخصية وأعصاب قوية لا تتوافر في المرأة، هذا من حيث النظر العقلي، وأما من حيث الحكم الشرعي فما عهد في تاريخ الإسلام أن المرأة تولت هذا المنصب، ففي عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- الذي هو عهد التشريع لم يرد في حديث صحيح ولا ضعيف ولا موضوع أن المرأة تولت إلقاء خطبة الجمعة، ولم يحدث هذا من بعد عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى يومنا هذا في بلاد المسلمين مع ما وجد في عصور الإسلام من نساء عالمات فقيهات محدثات بل إن سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم- تقضي بأن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد مع الرجال، وإذا صلت مع الرجال فإنها تكون خلفهم ولو كانت وحدها. فكيف تتقدمهم في الصلاة وتصعد فوقهم على المنبر في الخطبة؟! هذا هو الذي يستحق أن يُقال فيه: {... إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ * مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ} وليس دين الإسلام.
ونحن لا نستغرب صدور مثل هذه الفكرة من الكفار فهي من أسهل مكرهم بنا وتخطيطهم لتدميرنا، ولكننا نستغرب أن ينفذ هذه الفكرة من ينتمون إلى الإسلام دون رجوع إلى مصادر الإسلام وعلمائه، رجعوا إلى قول شاذ يقول بصحة إمامتها للرجال وعمل الأمة على خلافه، فإن الحديث إذا كان عمل الأمة على خلافه لا يعمل به.. فكيف بقول شاذ لبعض أهل العلم مخالف لعمل الأمة يقول بصحة ذلك، وليس فيه أنها تخطب خطبة الجمعة ولعل هذه الحادثة تكون منبهة للمسلمين لما يحاك ضدهم عن طريق نسائهم؛ فقد مرَّدوا المرأة على الحجاب والحشمة، ومرَّدوها على الاختلاط بالرجال ومزاولة أعمالهم، ومرَّدوها على أشياء كثيرة حتى وصلت إلى الصلاة والتلاعب بالعبادات. ولكن رب ضارة نافعة فتكون هذه الحادثة موقظة للمسلمين لما يحاك ضدهم.. وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.


الجزيرة عدد / 11872 الخميس 21 صفر 1426
 

مقالات الفوائد