اطبع هذه الصفحة


نعم حتى منهج الوطنية

حمد بن إبراهيم بن صالح الحريقي


بسم الله الرحمن الرحيم
( نعم حتى منهج الوطنية )


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم .. أما بعد :
رداً على مقال الأستاذة أمل زاهد ـ بعنوان ( منهج الوطنية يحذر من الخلوة بالسائق ) والذي نشر بجريدة الوطن بعددها رقم 3131وتاريخ 1/5/1430هـ .
أولاً أقول إن منهج الوطنية الذي يغرس في أطفالنا تلك القيم والمثل وينمي فيهم الغيرة على الدين والأعراض ويربيهم على منهج الرسالة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم الذي تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ، وهي من مكارم الأخلاق والتي يجب أن نعلمها أبنائنا لهو منهج طيب ونافع .
وعلموا النشء علم يستبين به سبل الحيـاة وقبـل العلـم أخلاقـا
ولقد بدأت الأستاذة بقولها لا أدري ـ وتلك مصيبة ـ أين تذهب المرأة وكيف تقضي مصالحها في ثقافة تكاد تحجر عليها وتجردها من أبسط حقوقها في التنقل والحركة ؟ وأن الخلوة بالسائق تنطبق فقط على هذه المخلوقة الشيطانية ؟ وأن الصغير ومن خلال ما تعلمه بالمدرسة ذهب إلى أمه وهي ذاهبة إلى عملها مطالباً إياها بعدم الخروج مع السائق ؟ على حد قولها باختصار .
فأقول أي ثقافة ـ ضاقت بك ـ تعني أيتها الأخت الفاضلة أهي عادتنا العربية الأصيلة ؟ أم تعاليم ديننا السمحة ؟ والتي جاءت لتكريم المرأة ولتحافظ عليها من أي شيء يمسها ولو شعرة منها أو يخدش حياءها ـ جوهر إيمانها وسر جمالها ـ أو يعرضها للخطر ورخصت في سبيل ذلك الأرواح والمهج ؟! صونا لهذه ( المخلوقة المباركة ) أم الأجيال ومربيتها ومعلمتها الأولى والتي أوصى بها سيد الخلق أجمعين نبينا محمد صلى الله وعليه وسلم ـ قبل وفاته حين قال ( استوصوا بالنساء خيراً ) وهي وصية يجب أن يجعلها كل مسلم نصب عينيه وأن يعطيها حقها لأن فيها صلاح ديننا ودنيانا وأخرانا .
ووصية أخرى يا أمل هي تاج مجد وشرف لا يدانيه شرف وهي رفعة وعزّ تفخر به كل بنات حواء والتي تضمنها حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ بقوله (( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله من أحق الناس بحسن صحابتي قال أمك ،قال ثم من ، قال أمك ، قال ثم من ، قال أمك ، قال ثم من ، قال أبوك )) وهذا الحديث فيه معاني عظيمة وفيه بعد أخلاقي وتربوي يجسد أهمية المرأة وعظم مكانتها السامية في المجتمع والتي خصها بها الله عزّ وجلّ ، وقد أجمع العلماء على أن بر الأم أعظم من بر الأب ، فرحم الله امرئ عرف قدر نفسه .
والأم مربط الفرس وركيزة التربية الأولى للمجتمع فهي عالم عظيم مثل عالم الفلك شمس مشعة تدور من حولها الكواكب والنجوم فهي تنشر ضوءها لتضيء الكون كله فتنعم الأرض والقمر بضوئها المتناثر وصفائها الجذاب فتشرق في لهفة لتدب الحياة وتنير لمن حولها الطريق وتغيب في شفق تودعهم في حزن أصيل و منظر مهيب .
فهكذا الأم عطف وحنان وهيبة ومهابة يجلها كل جبار وكل قلب قاسي فيدور من حولها الزوج والأبناء والبنات ليسكنوا في جوانحها ويستأنسوا ويسترشدوا بها وينعموا بعطفها ودفئ مشاعرها الصادقة والتي قلما نجدها إلا في الأم ، وصدق الشاعر حينما قال :
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق
فهو بيت شعر من ذهب يبني البيوت بمعانيه الجميلة والعظيمة ويشيدها على أساس متين فأمة بغير تربية ولا أخلاق ماذا ينتظر منها ؟ ولعل في كلمة ( أم وأمة ) ما يوحي بأن الأولى تمثل لبنة وقاعدة أساسية في بناء الثانية لغة ومعناً .
فإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن ذهبوا أخلاقهم ذهبت
فلن تكتسب الأمم الأخلاق والقيم إلا بالأم حجر الزاوية والحلقة الأساسية في بناء وتربية الفرد والأسرة والمجتمع وبغيابها لن يستقيم الأمر وسيفقد المجتمع كل مكتسباته ومدخراته ويقع في دائرة الانحلال والتفكك الأسري .
لذا جاءت الآيات البينات من فوق سبع سموات بأوامر إلهية دقيقة ومحددة تحافظ على المرأة وكيانها فحرمت حتى مجرد النظر إليها فضلاً عن التعرض لها صوناً لها من عبث العابثين ، فأي شيء يمسها يؤثر في بناء الأسرة والمجتمع ، فتم تفريغها من أي أعباء شاقة تشغلها أو تعكر صفوها لتؤدي رسالتها على الوجه الأكمل رسالة التربية والأخلاق الفاضلة .وفي قوله عزّ وجلّ { وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى } ، حكمة عظيمة فكثير منا يقرؤها ولا يتفكر فيها جيداً ، فالبيت هو المدرسة الأولى وهو مملكة المرأة التي يجب أن ترعاها حق راعيتها ، ومن هذا المنطلق أدعوة كل امرأة عاملة هي ليست بحاجة للعمل أن تتفرغ لبيتها وتربية أطفالها فهم المكسب الحقيقي لها ولزوجها في الدنيا والآخرة ، ولنعتبر من الأمثلة التي نراها أمامنا في تلك البيوت والتي خرجت فيها ربة المنزل للعمل فكيف حالها وحال أطفالها وتربيتهم ؟؟ نجد أن الخلل واضح وضوح الشمس وهو أمر لا يختلف عيه اثنان حيث عجزت بعضهن عن إرضاع طفلها ، ويحضرني في ذلك قول الدكتورة الأمريكية ( ايدلين ) وهو عين الحكمة حينما قالت : ( أن سبب الأزمات العائلية في أمريك ا وسر كثرة الجرائم في المجتمع الأمريكي ، هو أن الزوجة تركت بيتها لتضاعف دخل الأسرة ، فزاد الدخل وانخفض مستوى الأخلاق ) .
ودار حديث الأخت أمل ـ ولنا فيها أمل ـ عن قيادة المرأة للسيارة وذكرت أن فتاوى العلماء تسقط نفسها بنفسها لعدم المواكبة وأن المناهج قد تسببت في بلبلة وصراع في عقول أبنائنا وبناتنا ؟ فأقول إن لحوم العلماء مسمومة والطعن فيهم أو في فتاواهم بهذه البساطة أمر لا يليق بمثقفة مثلك ، وأن سبب صراع العقول هو ما وقعنا فيه من المخالفات التي تتعارض مع المنهج الأصل .
لذا فإن الأمر يحتاج إلى تروي وتأمل للواقع ومن ثم تحكيم العقل بتجرد وبعيداً عن الهوى وملذات الدنيا الفانية ، ونحن كمسلمين تحكمنا شريعة سماوية هي مرجعنا الأول والأخير فيجب الخضوع لها والعمل بها وتطبيقها في واقع الحياة ، لذا فالأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد نص أو دليل على تحريمها ، وما يفضي إلى الحرام فهو حرام ، وأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح إذا كانت المفسدة مساوية للمصلحة أو تفوقها .
ولهذا فإن قيادة المرأة للسيارة يلحق بها أن تنزع المرأة حجابها لأن قيادة السيارة تتطلب الانتباه وعمل جميع الحواس وهذا لا يتوفر مع الحجاب فهل ستقدم المرأة المؤمنة بالله وبكتابه وبسنة نبيه صلى الله عليه وسلم هذا التنازل ؟ ولأجل ماذا ؟
ثانياً : إن قيادة المرأة للسيارة تحتم على المرأة التنازل عن حيائها ـ والحياء من الإيمان ـ لمواجهة المواقف الصعبة التي تقابلها في الطريق من مخالفات وحوادث واختلاط بالرجال بدء بمحطة البنزين وفي الطريق وعند الإشارات وعندما تتعطل السيارة , وإذا نزع الحياء فسدت المرأة وفسد المجتمع .
ثالثاً : إن السماح لقيادة المرأة السيارة تترتب عليه أعباء اقتصادية وأمنية واجتماعية فسيتضاعف عدد السيارات تلقائياً ( فما أكثر هواة القيادة والتسوق ) ويزداد الازدحام وتكثر الحوادث والمخالفات ويرتفع معدل التلوث في البيئة ، وفي هذا ضرر بمصالح البلاد والعباد والرسول صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا ضرر ولا ضرار ) .

ختاماً أقولها نصيحة غالية لكي أختي و لجميع الأخوات أرجو أن تتدبروا وتحذروا وتعوا جيداً حديث الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( إني رأيتكن أكثر أهل النار )) وهو حديث عظيم من سيد المرسلين الذي لا ينطق عن الهوى ، فاتقين الله في أنفسكن وألزمن حيائكن والزمن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ففيه نجاتكم وفلاحكم .
وللأخوة الرجال أهديهم قول الله تبارك تعالى : { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين } .
ولنا كل الأمل فيك يا أمل في الرجوع للحق وقبوله وتطبيقه فكوني أملاً ولا تكوني ألماً .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ،،،


حمد بن إبراهيم بن صالح الحريقي
الداعية بفرع وزارة الشؤون الإسلامية بمنطقة القصيم
Ker1429@gmail.com
 

مقالات الفوائد