اطبع هذه الصفحة


القضاء عِرْضُ الوطن

د. محمد بن خالد الفاضل
أستاذ اللغة العربية بجامعة الأمير سلطان


هذه الجملة الجميلة الجامعة المانعة التي اخترتها عنواناً، وردت ضمن حديث مركّز يفيض غيرة وحرصاً على هذا الوطن الغالي، أدلى به معالي الشيخ صالح الحصيِّن، الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، ضمن ورقة مؤصلة شارك بها معاليه في ملتقى القضاء الأول الذي عُقد في الرياض قبل أيام. وقد كان حديث الشيخ موجهاً إلى رجال الإعلام خاصة الصحافة، وعاتبهم على عدد من المقالات التي تناولت قضايا محلية وهي ما زالت منظورة عند القضاء، وشوّشوا عليها تشويشاً كبيراً، بل جعلوا هذه القضايا وهذه المقالات فواكه يتفكه بها الإعلام الغربي ويتندر بها، تارة على المملكة، وتارة على الإسلام نفسه،
بل إن من ساستهم من جعل بعضها مادة انتخابية يتكسب بها أصوات جماهيره.

وقد أشار إلى ذلك صراحة معالي الشيخ بقوله: "إن طيش الصحافة وعدم اهتمامها بالأمر أساء للمملكة إساءات كبرى، وقد جعلت هيلاري كلينتون قضية (فتاة القطيف) إحدى قضاياها في دعايتها الانتخابية عندما كانت تنافس في الرئاسة، وللأسف فإن الصحافة السعودية في استعراضها لقضية فتاة القطيف وقعت في أخطاء نقل المعلومات، وهذه المعلومات الخاطئة استغلت من صحف عالمية في الإساءة للمملكة".

وقد صدق معالي الشيخ ؛ لأن عدداً من الدوائر الغربية قد وضعتنا تحت المجهر منذ أحداث 11 سبتمبر وقبلها، وصارت ترصد ما يكتب في صحافتنا لتجعله مادة تدعم بها خططها ضدنا من باب (وشهد شاهد من أهلها)، وعلى طريقة: (من فمك أدينك). ولم يعد هذا الأمر ظناً أو رجماً بالغيب، بل إنه حقائق تدعمها مقالاتهم وكتبهم وتقاريرهم ضدنا التي تُلبس لباس (حقوق الإنسان).
وقد ورد في حديث معالي الشيخ قوله: "إن أحد الكتاب الأجانب ألّف كتاباً سيئاً عن المملكة، مستغلاً ما ورد في الصحف السعودية، وفيه فصل كامل لتشويه صورة المملكة، وهذا جرس إنذار وعلينا أن ننتبه لذلك".

وقد كان حديث الشيخ عاماً في كل الصور التي تناولها الصحافة عندنا دون نظر في مدى خدمتها للمملكة أو إساءتها لها، لكن الشيخ خصّ القضاء بشكل خاص؛ لأن المناسبة تدور في بيت القضاة ومنتداهم، فوجّه الحديث قائلاً: " القضاء مرفق الوطن، وهو عِرْض الوطن، وأي إساءة للقضاة إساءة لسمعة الوطن، وتشويه لكل مواطن، وعلى إخواننا الإعلاميين أن ينتبهوا لذلك، والقضاء في العالم كله ليس دائماً يصل للحل الصحيح، والقضاء في العالم فيه أخطاء كثيرة". وكأن معالي الشيخ يشير إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر) رواه البخاري ومسلم، أي أن القاضي المجتهد المخطئ مأجور بنص كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، فكيف يشنِّع الإعلام على القضاة ما داموا مأجورين في حال إصابتهم وفي حال خطئهم؟!
وأقول أخيراً: ليت أحبابنا الإعلاميين وكتّاب الصحف يدركون أنهم في قرية كونية صغيرة، ويدركون أن بلادهم مستهدفة، وأن وطنيتهم التي يفاخرون بها تستدعي منهم ألا يكونوا عوناً للأعداء بقصد أو من دون قصد. أسأل الله أن يحفظ بلادنا من كل سوء ومكروه، وأن يديم علينا الاحتكام إلى شرع أحكم الحاكمين، المنزّه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

د. محمد بن خالد الفاضل
أستاذ اللغة العربية بجامعة الأمير سلطان
24/ 2/ 1431 هـ - الرياض
dr.alfadhel@gmail.com

 

مقالات الفوائد