اطبع هذه الصفحة


حول أحداث مصر

د.عبدالقادر بن محمد الغامدي


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله الذي لا إله إلا هو , له الحمد وله الحكم وهو خير الفاصلين , والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين , الذي ما من خير إلا دلنا عليه , وما من شر إلا حذرنا منه , وعلى أصحابه أكمل الخلق بعد النبيين علماً وصلاحا وتقوى وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد ؛
فما حصل في مصر هذه الأيام , أمر يجب الوقوف عليه , واستلهام الدروس , وبيان حكم الله في كل ذلك , وما من نازلة إلى يوم الدين إلا وفي كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم حكمها علمه من علمه وجهله من جهله , فهل ما حصل لإخواننا هناك من مظاهرات وخروج سلمي – كما يقال - وما نتج عن ذلك من منافع سرَّت الجميع أو مفاسد سابقة أو لاحقة , هل الأسباب التي حصل بها ذلك مشروعة , وما حكم الله فيها, إن الناظر في كلام المتكلمين حولها , وكتابات الكتاب يجد كلاما كثيراً لكن لا يجد في أكثره الدليل من الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة , والسبب كون الكثير يرى أن هؤلاء الحكام ليسوا بمسلمين , أو أن هذا خروج سلمي كما يزعمون , أو أن السلف إنما نهو عن الخروج بالسيف والسلاح فقط , وكل هذا بعد عن الصواب , وغفلة عن العلة التي من أجلها منع السلف من الخروج على الحكام , وهي سفك الدماء واختلاط الحابل بالنابل , وزوال الأمن وتعطل المساجد والوظائف والأعمال , والمنافع وغيرها من المفاسد التي لا تحصى , لقد غر كثير من هؤلاء تسمية هذه المظاهرات بـ(السلمية) وما هو إلا من خطوات الشيطان , فلو لم يتنح الرئيس المصري – عامله الله بما يستحق- لوصلت الجموع إلى قصر الرئاسة ولقتلوه وحاشيته بالسكاكين , لكن الله لطف فأبعده , ولطف فلم يبق ويقاتلهم ويحصد مئات أو آلاف الأرواح بحجة الدفاع عن النفس , إنه لطف الله لا غير , لقد أوشكت مصر على الخوض في حرب أهلية حذر منها بعض الدعاة الفضلاء هناك باكياً , لقد خرج المساجين المجرمون منهم والمظلومون من السجون , لقد تسنت وسنحت الفرصة لمن يصطادون في الماء العكر للفساد والنهب والسلب والقتل وإحلال الفجائع , ورفع بعض العامة والغوغاء السكاكين والسلاح , لولا لطف الله فيما مضى ونسأ الله اللطف فيما يأتي لحصل مالا تحمد عقباه , مع أنه قد قتل ما لا يقل عن ثلاثمائة , وجرح الكثير وحصلت حرائق وسرقات وخاف الكثير على أهليهم وأموالهم , إن هذا الأسلوب في الإنكار على الحكام الظلمة أو الكفرة أسلوب غير شرعي , بل هو بدعة إن أريد به وجه الله وجاهلية جهلاء , يبعد أن يقول بها أحد من أئمة الإسلام , ثم إنه ذريعة إلى الخروج المسلح , وخاصة في بلدان مسلح شعبها , وذريعة قريبة إلى إسقاط هيبة السلطان المسلم في بلدان أخرى وهذه من العظائم ومن ثم جرأة أهل الفساد , وانتقال هذه المظاهرات إلى بلدان أخرى لا تشبه حالها حال مصر , وغير ذلك من البراهين ثم أين الدليل أو قول إمام على هذا الخروج !!؟ , لقد زلت أقدام بدعاة فاستعجلوا القول , أو ممن هم من أهل الرأي لا من أهل الحديث والأثر .

لقد بين الله تعالى لنا كيف نتعامل مع الكفرة في حال ضعفنا , وبين لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم , وبين السلف الصالح ذلك , فأما القرآن فالآيات تأمرنا في حالة ضعفنا بالصبر والتقوى , ورسولنا صلى الله عليه وسلم لم يفعل شيئا مما يفعلون عندما كان في مكة تحت حكم كفار قريش , بل صبر ودعا سراً ثم صدع بالحق وهاجر لما اشتد الأذى عليه صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه رضوان الله عليهم عندما أمره الله بذلك , يقول الله تعالى مبينا الحكم في مثل هذه النوازل وهو ما ينطبق على أحداث مصر من هذا الوجه والله أعلم :( وَقِيلِهِ يَارَبِّ إِنَّ هَؤُلاء قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ . فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) [الزخرف:88-89] ويقول تعالى : (وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[البقرة :109] فأمر عز اسمه بالعفو والصفح وهم كفرة والآية هذه والتي قبلها ونحوها غير منسوخة على التحقيق ولكن بحسب حال المسلمين من الضعف , وقال تعالى : ( إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ)[آل عمران:120] .

إن إذن النبي صلى الله عليه وسلم في الخروج على الحاكم إذا كفر كفراً بواحاً عندنا من الله فيه برهان , مشروط بالاستطاعة في الأدلة الأخرى , ومع عدمها فلا يجوز لألا تقع المفسدة التي تزيد على المصلحة بأضعاف كثيرة , ولذا فإن نهي السلف في نصوصهم الكثيرة والمتواترة عن الخروج على الحكام الفجرة يدخل فيه الكفرة إذا لم توجد الاستطاعة لأن العلة في النهي عن الخروج واحدة هنا وهناك , وبه يعلم أنه يستدل على النهي على الخروج على الحاكم الكافر مع غير الاستطاعة بكلام السلف في النهي عن الخروج على المسلم . والله تعالى أعلم وأسأل الله صلاح أحوال المسلمين في كل مكان , وأن يهدي ولاة أمورنا وولاة أمور المسلمين , وأن يصلحهم ويعافيهم , وقد قال الفضيل: (لو كان لي دعوة مستجابة ما جعلتها إلا في السلطان) , ويقول البربهاري في شرح السنة: (وإذا رأيت الرجل يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب هوى , وإذا سمعت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله) وإذا ربينا أبناءنا وطلابنا والمسلمين على ذلك , واقتنعنا أنه لن يصلح آخر الأمة إلا ما أصلح أولها , أفلحنا ونجحنا, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه .

 

مقالات الفوائد