اطبع هذه الصفحة


العبر من أحداث تونس ومصر

د/ عبدالرحمن بن صالح بن عثمان المزيني


بسم الله الرحمن الرحيم


قال تعالى: (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) (120هود) وقال سبحانه (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)(يوسف111) لقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم الوقوف عند الحوادث وأخذ العبرة منها ولفت الأنظار إلى ما يحيي القلوب وينفع في الدنيا والآخرة وكذلك شأن أهل الإيمان. ولهذا جاءت الآيات بالأمر بالاعتبار ومدح المعتبرين .فقد قال تعالى: (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ* إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ) والآيات في هذا المعنى كثيرة. ومما يدل على هذا المعنى من السنة ما جاء في صحيح الإمام مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَرَّ بِالسُّوقِ دَاخِلاً مِنْ بَعْضِ الْعَالِيَةِ وَالنَّاسُ كَنَفَتَهُ فَمَرَّ بجدي أَسَكَّ مَيِّتٍ فَتَنَاوَلَهُ فَأَخَذَ بِأُذُنِهِ ثُمَّ قَالَ « أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنَّ هَذَا لَهُ بِدِرْهَمٍ ». فَقَالُوا مَا نُحِبُّ أَنَّهُ لَنَا بشيء وَمَا نَصْنَعُ بِهِ قَالَ « أَتُحِبُّونَ أَنَّهُ لَكُمْ ». قَالُوا وَاللَّهِ لَوْ كَانَ حَيًّا كَانَ عَيْبًا فِيهِ لأَنَّهُ أَسَكُّ فَكَيْفَ وَهُوَ مَيِّتٌ فَقَالَ « فَوَاللَّهِ لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ هَذَا عَلَيْكُمْ ».

وبعد هذا فقد مرت بنا أحداث ذات عبر في تونس ومصر تمخضت عن هروب الرئيس التونسي وطلبه اللجوء وإسقاط الرئيس المصري. وربما - والله أعلم- يتبعها أحداث أخر. فتأملت تلك الأحداث فوجدت فيها دروسا وعبرا , أحببت تقييدها لعل الله أن ينفع بها.فأقول مستعينا بالله قاصدا بابه راجيا هدايته وتوفيقه . فمن تلك العبر والدروس:-


1- كما تكونوا يول عليكم فما بالنا نتحدث عن فساد حكامنا كثيرا ،ولا نتحدث عن فساد أنفسنا !! وما بالنا نلقي بكل اللائمة على الحكام، ولا نلوم الرعية على ما هي عليه من اعوجاج وفساد وضلال ؟ فالحاكم هو نتاج طبيعي للشعب الذي خرج منه . قال علي رضي الله عنه عندما سأله رجل: ما بال الناس قد اختلفوا عليك، ولم يختلفوا على أبي بكر وعمر؟ فأجابه: لأنهما كانا واليين على مثلي، وأنا وال على مثلك..!! وقال عبد الملك بن مروان ، وهو يخطب على منبر المدينة : أنصفونا يا معشر الرعية تريدون منا أن نسير فيكم سيرة أبي بكر وعمر ! ولا تسيرون في أنفسكم بسيرة رعية أبي بكر وعمر .أ.هـ !!
فما سلط الحاكم بأخذ الأموال وسجن الأبرياء إلا بسبب ذنوب الرعية من ترك للواجبات وانتهاك للمحرمات.وما تسلطت الرعية على الحاكم بالخروج والمظاهرات إلا بسبب ذنوب الحكام. من الحكم بغير ما أنزل الله وموالاة الكفار والغرق في الملاذ المحرمة وتضييع البلاد.
قال شيخنا ابن عثيمين في لقاء الباب المفتوح: ولاة الأمور من العلماء والأمراء عندهم خطأ كثير، لكن جاء في الأثر: ( كما تكونوا يولِّ عليكم ).انظروا إلى أحوال الناس، فمن حكمة الله أن الولي والمولى عليه يكونون متساويين كما قال تعالى: { وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } [الأنعام:129] كذلك يولي الله على الصالحين الصلحاء، وإذا نظرنا إلى أحوال الرعية وجدنا أنفسنا نحن الرعية عندنا تفريط في الواجبات وإخلال وتهاون، وتهافت على المحرمات، نجد الغش في المعاملات، والكذب والتزوير وشهادة الزور وأشياء كثيرة، فلو أن الإنسان تعمق وسلط الأضواء على حال المجتمع الإسلامي اليوم لعرف القصور والتقصير، فالمجتمع الإسلامي مجتمع صدق ووفاء وأمانة، وكل هذه مفقودة الآن إلا ممن شاء الله.فإذا أضعنا نحن الأمانة فيما نحن أمناء فيه -وليس عندنا ولاية كبيرة- فكيف من له ولاية أمرنا؟ قد يكون أشد منا إضاعة للأمانة، لكن استقيموا يول الله عليكم من يستقيم.أ.هـ

2- الضرورة الملحة للعلم الشرعي المؤصل وللعلماء الربانيين الذين يشاركون الناس آمالهم وآلامهم ويفتحون صدورهم للشباب.فخطر سكوت العلماء ظاهر, فإذا انعزل العلماء لجأ الناس إلى نكرات الشبكة العنكبوتية والمتطفلين على العلم.

3- تبين أيام الفتنة أهمية السلطان –ولو كان ظلوما- فقد ضاع الأمن وحصل النهب والفساد, واشتغل الناس في حماية اعراضهم وممتلكاتهم. قال الماوردي رحمه الله: الْإِمَامَةُ مَوْضُوعَةٌ لِخِلَافَةِ النُّبُوَّةِ فِي حِرَاسَةِ الدِّينِ وَسِيَاسَةِ الدُّنْيَا ، وَعَقْدُهَا لِمَنْ يَقُومُ بِهَا فِي الْأُمَّةِ وَاجِبٌ بِالْإِجْمَاعِ.أ.هـ فمابالك إذا كان يحكم بشريعة الله ويوالى أولياء الله ويعادي أعداءه ؟ فيعم الخير والرخاء
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم *** ولا سراة إذا جهالهم سادوا
قال في إحياء علوم الدين:واعلم أن السلطان به قوام الدين فلا ينبغي أن يستحقر وإن كان ظالما فاسقا قال عمرو بن العاص رحمه الله : إمام غشوم خير من فتنة تدوم وقال النبي صلى الله عليه وسلم سيكون عليكم أمراء تعرفون منهم وتنكرون ويفسدون وما يصلح الله بهم أكثر فإن أحسنوا فلهم الأجر وعليكم الشكر وإن أساءوا فعليهم الوزر وعليكم الصبر .أ.هـ قال في جامع العلوم والحكم:السمع والطاعة لولاة أمور المسلمين ففيها سعادة الدنيا وبها تنتظم مصالح العباد في معاشهم وبها يستعينون على إظهار دينهم وطاعة ربهم كما قال على بن أبي طالب رضي الله عنه :إن الناس لا يصلحهم إلا إمام بر أو فاجر إن كان فاجرا عبد المؤمن فيه ربه وحمل الفاجر فيها إلى أجله. وقال الحسن في الأمراء: هم يلون من أمورنا خمسا الجمعة والجماعة والعيد والثغور والحدود والله ما يستقيم الدين إلا بهم وإن جاروا أو ظلموا والله لما يصلح الله بهم أكثر مما يفسدون مع أن -والله إن- طاعتهم لغيظ وإن فرقتهم لكفر.أ.هـ قال ابن عبد البر في التمهيد: ويقيم الأعياد والجمعات وتؤمن به السبل وينتصف به المظلوم ويجاهد عن الأمة عدوها ويقسم بينها فيئها لأن الاختلاف والفرقة هلكة والجماعة نجاة قال ابن المبارك رحمه الله:

إن الجماعة حبل الله فاعتصموا ... منه بعروته الوثقى لمن دانا
كم يرفع الله بالسلطان مظلمة ... في ديننا رحمة منه ودنيانا
لولا الخلافة لم تؤمن لنا سبل ... وكان أضعفنا نهبا لأقوانا.أ.هـ
 

4- ظهر على أولئك الحكام الذين اسقطوا عظمة الأسى على فقد السلطة والرئاسة مع الحرص على التشبث بها.ففي البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : إِنَّكُمْ سَتَحْرِصُونَ عَلَى الإِمَارَةِ وَسَتَكُونُ نَدَامَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَنِعْمَ الْمُرْضِعَةُ وَبِئْسَتِ الْفَاطِمَةُ) قال في الفتح: قال الداودي: نعم المرضعة أي في الدنيا وبئست الفاطمة أي بعد الموت لأنه يصير إلى المحاسبة على ذلك فهو كالذي يفطم قبل أن يستغني فيكون في ذلك هلاكه وقال غيره نعم المرضعة لما فيها من حصول الجاه والمال ونفاذ الكلمة وتحصيل اللذات الحسية والوهمية حال حصولها وبئست الفاطمة عند الانفصال عنها بموت أو غيره وما يترتب عليها من التبعات في الآخرة.أ.هـ وقال ابن بطال: قال المهلب : حرص الناس على الإمارة ظاهر العيان ، وهو الذي جعل الناس يسفكون عليها دماءهم ، ويستبيحون حريمهم ، ويفسدون في الأرض حين يصلون بالإمارة إلى لذاتهم ، ثم لابد أن يكون فطامهم إلى السوء وبئس الحال ؛ لأنه لا يخلو أن يقتل عليها أو يعزل عنها وتلحقه الذلة أو يموت عليها فيطالب في الآخرة فيندم . .أ.هـ وقال العيني: قال الكرماني نعم المرضعة أي نعم أولها وبئست الفاطمة أي بئس آخرها وذلك لأن معها المال والجاه واللذات الحسية والوهمية أولا. لكن آخرها القتل والعزل ومطالبات التبعات في الآخرة.أ.هـ

5- لايمكن أن ترضى الشعوب,وتنقاد للحاكم إلا بتطبيق شريعة الله في جميع مناحي الحياة .فهي الظل الذي يأمن به الراعي والرعية حتى من غير المسلمين, والتأريخ شاهد .قال تعالى: ( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) (82الانعام) وفي سنن الإمام الترمذي وصححه الألباني عن رجل من أهل المدينة قال : كتب معاوية إلى عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن اكتبي إلي كتابا توصيني فيه ولا تكثري علي فكتبت عائشة رضي الله عنها إلى معاوية سلام عليك أما بعد فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول من التمس رضاء الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس ومن التمس رضاء الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس والسلام عليك . قال ابن تيمية في الفتاوى: أَنَّا مَأْمُورُونَ بِأَنْ نَتَحَرَّى رِضَا اللَّهِ وَرَسُولِهِ . كَمَا قَالَ تَعَالَى :{ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ } وَعَلَيْنَا أَنْ نَخَافَ اللَّهَ فَلَا نَخَافُ أَحَدًا إلَّا اللَّهَ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } وَقَالَ :{ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ } وَقَالَ : { فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ } { وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ } . فَعَلَيْنَا أَنْ نَخَافَ اللَّهَ وَنَتَّقِيَهُ فِي النَّاسِ ، فَلَا نَظْلِمَهُمْ بِقُلُوبِنَا وَلَا جَوَارِحِنَا وَنُؤَدِّيَ إلَيْهِمْ حُقُوقَهُمْ بِقُلُوبِنَا وَجَوَارِحِنَا ، وَلَا نَخَافَهُمْ فِي اللَّهِ فَنَتْرُكَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ خِيفَةً مِنْهُمْ . وَمَنْ لَزِمَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ كَانَتْ الْعَاقِبَةُ لَهُ كَمَا كَتَبَتْ عَائِشَةُ إلَى مُعَاوِيَةَ.أ.هـ

6- (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ )(البقرة120)فكم تنازل هولاء لليهود والنصارى فما أغنوا عنهم شيئا.قال الطبري في تفسيره: وليست اليهود ، يا محمد ، ولا النصارى براضية عنك أبدا ، فدع طلب ما يرضيهم ويوافقهم ، وأقبل على طلب رضا الله في دعائهم إلى ما بعثك الله به من الحق، فإن الذي تدعوهم إليه من ذلك لهو السبيل إلى الاجتماع فيه معك على الألفة والدين القيم. ولا سبيل لك إلى إرضائهم باتباع ملتهم، لأن اليهودية ضد النصرانية، والنصرانية ضد اليهودية، ولا تجتمع النصرانية واليهودية.أ.هـ قال في فتح القدير: ليس غرضهم ، ومبلغ الرضا منهم ما يقترحونه عليك من الآيات ، ويوردونه من التعنتات ، فإنك لو جئتهم بكل ما يقترحون ، وأجبتهم عن كل تعنت لم يرضوا عنك ، ثم أخبره بأنهم لن يرضوا عنه حتى يدخل في دينهم ويتبع ملتهم.أ.هـ

7- لقد شاهدنا ذل المعصية على أهلها فبعد العز والمنعة والسؤدد يخلع هذا كله كرها وغما. أبى الله إلا أن يذل من عصاه قال تعالى:( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين )(8المنافقين) وقال سبحانه:( إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين ) فأصحاب المعاصي لهم نصيب من الذلة والصغار ،بحسب ما اقترفوه منها , قال في الجواب الكافي: الْمَعْصِيَةَ تُورِثُ الذُّلَّ وَلَا بُدَّ ؛ فَإِنَّ الْعِزَّ كُلَّ الْعِزِّ فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، قَالَ تَعَالَى :(مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا) [ فَاطِرٍ 10 ] أَيْ فَلْيَطْلُبْهَا بِطَاعَةِ اللَّهِ ، فَإِنَّهُ لَا يَجِدُهَا إِلَّا فِي طَاعَةِ اللَّهِ.وَكَانَ مِنْ دُعَاءِ بَعْضِ السَّلَفِ : اللَّهُمَّ أَعِزَّنِي بِطَاعَتِكَ وَلَا تُذِلَّنِي بِمَعْصِيَتِكَ .قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ : إِنَّهُمْ وَإِنْ طَقْطَقَتْ بِهِمُ الْبِغَالُ ، وَهَمْلَجَتْ بِهِمُ الْبَرَاذِينُ ، إِنَّ ذُلَّ الْمَعْصِيَةِ لَا يُفَارِقُ قُلُوبَهُمْ ، أَبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُذِلَّ مَنْ عَصَاهُ .
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ :

رَأَيْتُ الذُّنُوبَ تُمِيتُ الْقُلُوبَ *** وَقَدْ يُورِثُ الذُّلَّ إِدْمَانُهَا
وَتَرْكُ الذُّنُوبِ حَيَاةُ الْقُلُوبِ *** وَخَيْرٌ لِنَفْسِكَ عِصْيَانُهَا أ.هـ

وقال أبو العتاهية :

ألا إنما التقوى هي العز والكرم * وحبك للدنيا هو الذل والسقم
وليس على عبد تقي نقيصة * إذا حقق التقوى وإن حاك أو حجم


8- (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (165ال عمران ) وقال سبحانه: (وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا) (فاطر43)فإن ما وقع من البلايا سواء على مستوى الشعوب أو على مستوى الأفراد مرده إلى الذنوب والمعاصي.قال في الجواب الكافي: وَمِنْ عُقُوبَاتِ الذُّنُوبِ : أَنَّهَا تُزِيلُ النِّعَمَ ، وَتُحِلُّ النِّقَمَ ، فَمَا زَالَتْ عَنِ الْعَبْدِ نِعْمَةٌ إِلَّا بِذَنْبٍ ، وَلَا حَلَّتْ بِهِ نِقْمَةٌ إِلَّا بِذَنْبٍ ، كَمَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : مَا نَزَلْ بَلَاءٌ إِلَّا بِذَنْبٍ ، وَلَا رُفِعَ إِلَّا بِتَوْبَةٍ .وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) [ الشُّورَى 10 ] . وَقَالَ تَعَالَى : (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [ الْأَنْفَالِ 53 ] .فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يُغَيِّرُ نِعَمَهُ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَى أَحَدٍ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يُغَيِّرُ مَا بِنَفْسِهِ، فيغير طاعة اللَّهِ بِمَعْصِيَتِهِ، وَشُكْرَهُ بِكُفْرِهِ، وَأَسْبَابَ رِضَاهُ بِأَسْبَابِ سُخْطِهِ، فَإِذَا غَيَّرَ غَيَّرَ عَلَيْهِ، جَزَاءً وِفَاقًا، وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ.فَإِنْ غَيَّرَ الْمَعْصِيَةَ بِالطَّاعَةِ، غَيَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ بِالْعَافِيَةِ، وَالذُّلَّ بِالْعِزِّ.وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ) [الرَّعْدِ11 ].وَفِي بَعْضِ الْآثَارِ الْإِلَهِيَّةِ ، عَنِ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ : وَعِزَّتِي وَجَلَالِي ، لَا يَكُونُ عَبْدٌ مِنْ عَبِيدِي عَلَى مَا أُحِبُّ ، ثُمَّ يَنْتَقِلُ عَنْهُ إِلَى مَا أَكْرَهُ ، إِلَّا انْتَقَلْتُ لَهُ مِمَّا يُحِبُّ إِلَى مَا يَكْرَهُ ، وَلَا يَكُونُ عَبْدٌ مِنْ عَبِيدِي عَلَى مَا أَكْرَهُ ، فَيَنْتَقِلُ عَنْهُ إِلَى مَا أُحِبُّ ، إِلَّا انْتَقَلْتُ لَهُ مِمَّا يَكْرَهُ إِلَى مَا يُحِبُّ. وَقَدْ أَحْسَنَ الْقَائِلُ :

إِذَا كُنْتَ فِي نِعْمَةٍ فَارْعَهَا *** فَإِنَّ الذُّنُوبَ تُزِيلُ النِّعَمْ
وَحُطْهَا بِطَاعَةِ رَبِّ الْعِبَادِ *** فَرَبُّ الْعِبَادِ سَرِيعُ النِّقَمْ.أ.هـ
 

9- الكبت يولد الانفجار وهذا ما لوحظ على تلك الشعوب المقهورة المسلوبة فإن الانفجارات الكبرى في التاريخ تحدث دائماً حين يشتد ضغط الطغاة ,فيكون هذا الضغط هو الذي يولد الانفجار،والشعوب إذا انفجرت صعب تهدئتها وربما دخل فيهم من يحب الفساد ولايحب الإصلاح فزاد إيقاد الفتيل فلا يكون في مقدور العقلاء إخماد الفتنة.ثم لاتجدي ولا تنفع التنازلات وهذا هو عين ما شاهدناه في الأحداث الأخيرة.

10- لا شك أن وسائل الإعلام - بمختلف أشكالها- سلاح ذو حدين، والواجب أن تستعمل في تبليغ دين الله - جل في علاه -، و نشر الوعي بين الناس، وتبصيرهم بالأخطار الداخلية والخارجية التي تهددهم.ومن المؤذن بالخطر أن وسائل الإعلام المؤثر بيد أعدائنا.فالواجب الحذر من سموم الإعلام واليقظة.مع استغلالها لمصالحنا.

11- (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ) (52المائدة) وهذا ما وقع حقا فكم سارعوا في إرضاء الكفار وهاهم يندمون إن كانوا موقنين.

12- تبين من تلك الأحداث أن الظلمة لا يخافون الله ولا يراقبونه ولا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة.فالشعوب تئن تحت وطأة الفقر وهم يعلمون بل هم سببه ولم يغيروا ولم يتمعروا .ولكن صدق الله (وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ) (الحج18)

13- شاهدنا -بفضل الله- عاقبة الظلم والظالمين.وصدق الله وعده حيث يقول:(كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) ( ال عمران86) وقال سبحانه: (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ) (الحجر42) وفي الصحيحين عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.وفي مسلم عن أبى ذر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال: « يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا..)وفيه عن جابر بن عبد الله أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال « اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم ».وفيه عن أبى سعيد قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« لكل غادر لواء يوم القيامة يرفع له بقدر غدره ألا ولا غادر أعظم غدرا من أمير عامة ».قال النووي: وفي هذه الأحاديث بيان غلظ تحريم الغدر لا سيما من صاحب الولاية العامة لأن غدره يتعدى ضرره إلى خلق كثيرين وقيل لأنه غير مضطر إلى الغدر لقدرته على الوفاء كما جاء في الحديث الصحيح في تعظيم كذب الملك .والمشهور أن هذا الحديث وارد في ذم الإمام الغادر وذكر القاضي عياض احتمالين أحدهما هذا وهو نهي الإمام أن يغدر في عهوده لرعيته وللكفار وغيرهم أو غدره للأمانة التي قلدها لرعيته والتزم القيام بها والمحافظة عليها ومتى خانهم أو ترك الشفقة عليهم أو الرفق بهم فقد غدر بعهده ,والاحتمال الثاني: أن يكون المراد نهي الرعية عن الغدر بالإمام فلا يشقوا عليه العصا ولا يتعرضوا لما يخاف حصول فتنة بسببه والصحيح الأول والله أعلم .أ.هـ

لا تظلمنّ إذا ما كنت مقتدرا **** فالظلم آخره يأتيك بالندم
تنام عينك والمظلوم منتبه **** يدعوا عليك وعين الله لم تنم

وقال آخر:

وَإِيَّاكَ وَالظُّلْمَ مَهْمَا اسْتَطَعْت *** فَظُلْمُ الْعِبَادِ شَدِيدُ الْوَخَمْ
وَسَافِرْ بِقَلْبِكَ بَيْنَ الْوَرَى *** لِتَبْصُرَ آثَارَ مَنْ قَدْ ظَلَمْ
فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ بَعْدَهُمْ *** شُهُودٌ عَلَيْهِمْ وَلَا تَتَّهِمْ
وَمَا كَانَ شَيْءٌ عَلَيْهِمْ أَضَرَّ *** مِنَ الظُّلْمِ وَهُوَ الَّذِي قَدْ قَصَمْ
فَكَمْ تَرَكُوا مِنْ جِنَانٍ وَمِنْ *** قُصُورٍ وَأُخْرَى عَلَيْهِمْ أُطُمْ
صَلَوْا بِالْجَحِيمِ وَفَاتَ النَّعِيمُ *** وَكَانَ الَّذِي نَالَهُمْ كَالْحُلُمْ

ولقد حفظت لنا كتب التأريخ نهاية المعتمد بن عباد وكان من أكبر ملوك الطوائف وأكثرهم بلاداً ورغدا وبلغ الترف بالمعتمد بن عباد أنه كان عنده جارية ورأت نساء يخضن في الطين والوحل فأحبت أن تصنع مثلهن فأمر بالكافور والمسك وماء الورد فخلط بعضه ببعض، حتى صار في أرض القصر طينًا، من المسك والكافور وماء الورد. ثم جاء بقِرَب وحزمها بالإِبْريسَم، وهو نوع من الحرير، ثم حملتها هذه الجارية ومن معها، وبدأن يطأن فيه وتم لهن ما أردن.وبعد هذا العز والمنعة يموت مأسورا بعد أن استولى ابن تاشفين على جميع ممالكه وذخائره، وسجنه بأغمات، ولم يجر على أولاده ما يكفيهم، فكان بنات المعتمد بن عباد يغزلن بأيديهن، وينفقن على أنفسهن.ولما كان مسجوناً دخل عليه من بنيه يوم عيد من يسلم عليه ويهنيه وفيهم بناته وعليهن أطمار كأنها كسوف وهن أقمار وأقدامهن حافية وآثار نعمتهن عافية. فقال المعتمد :

فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا ... فساءك العيد في أغمات، مأسورا
قد كان دهرك إن تأمره ممتثلاً، ... فردك الدهر منهياً، ومأمورا
من بات بعدك في ملك يسر به ... فإنما بات بالأحلام مسرورا

قال في صيد الخاطر : سبحان الملك العظيم الذي من عرفه خافه، ومن أمن مكره قط ما عرفه. لقد تأملت أمراً عظيماً أنه عز وجل يمهل حتى كأنه يهمل فترى أيدي العصاة مطلقة كأنه لا مانع.فإذا زاد الانبساط ولم ترع العقول أخذ أخذ جبار.وإنما كان ذلك الإمهال ليبلو صبر الصابر، وليملي في الإمهال للظالم، فيثبت هذا على صبره، ويجزي هذا بقبيح فعله.
مع أن هنالك من الحلم في طي ذلك ما لا نعلمه.فإذا أخذ أخذ عقوبة رأيت على كل غلطة تبعة.وربما جمعت فضربت العاصي بالحجر الدامغ.أ.هـ

14- في الفتن والأحداث والمحن فرص لنفع الناس كالدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.قال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)(125النحل) وقال سبحانه: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110ال عمران) وعن تميم الداري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال « الدين النصيحة » قلنا لمن قال « لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ».رواه مسلم.

15- إذا حل مقت الله بأحد من الخلق فلا راد له ولا مانع.قال تعالى عن ابن نوح :(قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ) (هود43) قال تعالى:( إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ) (الجاثية19)

16- (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِين))َ (الزخرف67) قال ابن سعدي: وإن الأخلاء يومئذ، أي: يوم القيامة، المتخالين على الكفر والتكذيب ومعصية اللّه، { بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } لأن خلتهم ومحبتهم في الدنيا لغير اللّه، فانقلبت يوم القيامة عداوة.{ إِلا الْمُتَّقِينَ } للشرك والمعاصي، فإن محبتهم تدوم وتتصل، بدوام من كانت المحبة لأجله.أ.هـ فمن كانت محبتهم لغير الله انقلبت عداوة ورمي بالتهم وتخل عن المسؤوليات , ورميها على الآخرين.

17- (وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا) (الاحزاب38) وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه، لم يطلع على ذلك ملك مقرب، ولا نبي مرسل فمن كان يدري بما صار إلا الله تعالى. قال ابن القيم في الشفاء : \" وقال الإمام أحمد : القدرُ قدرة الله . واستحسن ابن عقيل هذا الكلام جداً ، وقال : هذا يدل على دقة أحمد وتبحره في معرفة أصول الدين ، وهو كما قال أبو الوفا ، فإن إنكاره إنكار لقدرة الرب على خلق أفعال العباد وكتابتها وتقديرها \" وقال في النونية:

فحقيقة القدر الذي حار الورى *** في شأنه هو قدرة الرحمن
واستحسن ابن عقيل ذا من أحمد*** لما حكاه عن الرضا الربان
له قال الإمام شفى القلوب بلفظةٍ *** ذات اختصار وهي ذات بيان
 

18- الواجب دائما وأبدا إحسان الظن بالله الكريم والحذر من سوء الظن به.قال تعالى: (بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا )(الفتح12) وفي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي..) فلا عجب فيما وقع، لنفوذ مشيئته التامة في كل شيء، فلا يستغرب على قدرته شيء.قال تعالى: (قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) (هود73)

19- ( إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ) (11الرعد) قال ابن كثير رحمه الله عند هذه الآية: أوحى الله إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل: أن قل لقومك: إنه ليس من أهل قرية ولا أهل بيت يكونون على طاعة الله فيتحولون منها إلى معصية الله، إلا تحول لهم مما يحبون إلى ما يكرهون، ثم قال: إن مصداق ذلك في كتاب الله: { إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ }وقد ورد هذا في حديث مرفوع....وقال عن عمير بن عبد الله قال: خطبنا علي بن أبي طالب على منبر الكوفة، قال: كنت إذا سكتُّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتدأني، وإذا سألته عن الخبر أنبأني، وإنه حدثني عن ربه، عز وجل، قال: \"قال الرب: وعزتي وجلالي، وارتفاعي فوق عرشي، ما من أهل قرية ولا أهل بيت كانوا على ما كرهتُ من معصيتي، ثم تحولوا عنها إلى ما أحببت من طاعتي، إلا تحولت لهم عما يكرهون من عذابي إلى ما يحبون من رحمتي\" .وهذا غريب، وفي إسناده من لا أعرفه.أ.هـ

20- رخص الوقت عند كثير من الناس فكم أهدرت من أوقات من أجل متابعة أخبار الأحداث فيتقلب الواحد بين محطات الأخبار والخبر معلوم مكرور.وربما لم يسلم من مشاهدة المحرم أو سماعه. والواجب القصد والعدل في ضبط الأوقات.قال تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ) (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) (116المؤمنون) وفي صحيح مسلم عن معقل بن يسار رده إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (العبادة في الهرج كهجرة إلىَّ).قال النووي رحمه الله: الْمُرَاد بِالْهَرْجِ هُنَا الْفِتْنَة وَاخْتِلَاط أُمُور النَّاس . وَسَبَب كَثْرَة فَضْل الْعِبَادَة فِيهِ أَنَّ النَّاس يَغْفُلُونَ عَنْهَا ، وَيَشْتَغِلُونَ عَنْهَا ، وَلَا يَتَفَرَّغ لَهَا إِلَّا أَفْرَاد .أ.هـ

21- اعلم أن الفرج بعد الشدة والعسر بعده اليسر قال تعالى:(فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) (الشرح6) وقال تعالى:(لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) (7الطلاق)

ولرب نازلة يضيق بها الفتى *** ذرعاً وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها *** فرجت وكنت أظنها لا تفرج
 

22- لعل هذه الأحداث أن توقظ قلوب الظلمة الغافلين إن كان الله يريد بهم خيرا. قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ) (سبأ17) وقال سبحانه: (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ) (2الحشر)

23- صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن من تطلع للرئاسة والإمارة والمناصب يخذل فعن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : لاَ تَسْأَلِ الإِمَارَةَ فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا..)متفق عليه. قال ابن بطال: قال المهلب : فيه دليل على أنه من تعاطى أمرًا وسولت له نفسه أنه قائم بذلك الأمر أنه يخذل فيه في أغلب الأحوال ؛ لأنه من سأل الإمارة لم يسألها إلا وهو يرى نفسه أهلا لها ، فقد قال صلى الله عليه وسلم :وكل إليها. بمعنى لم يعن على ما أعطاه، والتعاطي أبدًا مقرون بالخذلان، وإن من دعي إلى عمل أو إمامة في الدين فقصر نفسه عن تلك المنزلة وهاب أمر الله؛ رزقه الله المعونة، وهذا إنما هو مبنى على أنه من تواضع لله رفعه.أ.هـ

24- باب التوبة مفتوح لكل من اخطأ فالبدار البدار.ففي الصحيحين عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ كَانُوا قَدْ قَتَلُوا وَأَكْثَرُوا وَزَنَوْا وَأَكْثَرُوا فَأَتَوْا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا إِنَّ الَّذِي تَقُولُ وَتَدْعُو إِلَيْهِ لَحَسَنٌ لَوْ تُخْبِرُنَا أَنَّ لِمَا عَمِلْنَا كَفَّارَةً فَنَزَلَ (وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ ، وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ، وَلاَ يَزْنُونَ)وَنَزَلَ (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ).

25- الحقوق المسلوبة - سواء من خزانة الدولة أومن حقوق الأفراد- لابد من إرجاعها. اليوم قبل يوم الحساب . ففي صحيح مسلم عن أبى هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال « لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء ».وقال تعالى:( لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ) (الرعد18)

26- حقارة الدنيا وأنها فيء زائل, سريعة الزوال والتقلب بأهلها قال تعالى:(فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (23) إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (24يونس) وقال تعالى عن قارون: (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (81) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) (القصص82) وقال تعالى: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) (20الحديد) والآيات في هذا المعنى كثيرة فتأمل !! .

27- طالب الدنيا لا يشبع -من الحلال أو الحرام- فقد هال الناس ما سمع من الأرصدة المختلسة من أموال المسلمين في البنوك العالمية,لبعض المسؤولين في تلك الحكومات. وفي الصحيحين عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَوْ أَنَّ لاِبْنِ آدَمَ وَادِيًا مِنْ ذَهَبٍ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَادِيَانِ وَلَنْ يَمْلأَ فَاهُ إِلاَّ التُّرَابُ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ).
28- ظهر _بحمد الله _أثر الدعاء . قال تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ )(60غافر) وعن أنس بن مالك رضي الله عنه : عن النبي صلى الله عليه و سلم : قال لا تعجزوا في الدعاء فإنه لا يهلك مع الدعاء أحد) رواه الحاكم وقال هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه.
قال الشّافعيّ- رحمه اللّه-:

أتهزأ بالدّعاء وتزدريه ... وما تدري بما صنع الدّعاء
سهام اللّيل لا تخطي ولكن ... لها أمد وللأمد انقضاء

وقال:

وربّ ظلوم قد كفيت بحربه ... فأوقعه المقدور أيّ وقوع
فما كان لي الإسلام إلّا تعبّدا ... وأدعية لا تتّقى بدروع
وحسبك أن ينجو الظّلوم وخلفه... سهام دعاء من قسيّ ركوع
مريّشة بالهدب من كلّ ساهر ... مُنْهلَّة أطرافها بدموع

وفي نهاية البرامكة عبرة للمعتبر حيث طغوا، وتجبروا، وظلموا، وتكبروا، حتى إنهم طلوا قصورهم بالذهب والفضة، ويوم شاء الله عز وجل أن ينتقم للمظلومين في هذه الحياة، سلط الله عليهم ، فيسجنوا ويقتل منهم من يقتل، ويسجن كبيرهم، ويدخل عليه أحد أبنائه في يوم عيد ويقول: أبتاه! بعد العز والغنى أصبحت في السجن وعلى التراب، قال: ألا تدري؟ قال: لا.قال: يا بني! دعوة مظلوم سرت في جوف الليل، نمنا عنها وليس الله عنها بنائم.
فهل يعي برامكة هذا الزمان ويخافوا سوء العاقبة.ويراجعوا حساباتهم قبل فوات الأوان وقبل أن يحل بهم الخزي والعار والشنار. نسأل الله لهم الهداية.

29- يحق للمؤمن أن يفرح بسقوط الطغاة قال في البداية والنهاية : قال ابن أبي الدنيا: حدثنا أحمد بن عبد الله التيمي قال: لما مات الحجاج لم يعلم أحد بموته حتى أشرفت جارية فبكت فقالت: ألا إن مطعم الطعام، وميتم الأيتام، ومرمل النساء، ومفلق الهام، وسيد أهل الشام قد مات، ثم أنشأت تقول:

اليوم يرحمنا من كان يبغضنا *** واليوم يأمننا من كان يخشانا

وروى عبد الرزاق: عن معمر، عن ابن طاووس عن أبيه: أنه أخبر بموت الحجاج مرارا فلما تحقق وفاته قال: (فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين) [ الأنعام: 45 ] وروى غير واحد أن الحسن لما بشر بموت الحجاج سجد شكرا لله تعالى، وكان مختفيا فظهر، وقال اللهم أمته فأذهب عنا سنته.وقال حماد بن أبي سليمان: لما أخبرت إبراهيم النخعي بموت الحجاج بكى من الفرح....وذكر رحمه الله: أن الحجاج لما مات لم يترك إلا ثلاثمائة درهم ومصحفا وسيفا وسرجا ورحلا ومائة درع موقوفة.أ.هـ .!!فهولاء يفرحون بموت من لم يسرق خيرات بلادهم.فكيف نلوم من يفرح اليوم ؟ !!. بل لقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم على بعض الملوك فقبل الله الدعاء وفرح بذلك المسلمون ففي البخاري عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ بِكِتَابِهِ رَجُلاً وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ الْبَحْرَيْنِ فَدَفَعَهُ عَظِيمُ الْبَحْرَيْنِ إِلَى كِسْرَى فَلَمَّا قَرَأَهُ مَزَّقَهُ فَحَسِبْتُ أَنَّ ابْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ فَدَعَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُمَزَّقُوا كُلَّ مُمَزَّقٍ)

30- داخل المجتمعات من يتربص بها الدوائر.من أصحاب الأهواء والملل والمذاهب الباطلة. وأهل الإفساد والأطماع. فيجب أن يحسب لذلك الحسابات.عند اندلاع الفتن وانفلات الزمام.وبعد سكون عاصفة الفتنة حتى لا تضيع الثمرة ويجنيها الغير. قَالَ الْمُتَنَبِّي :

بِذَا قَضَتْ الْأَيَّامُ مَا بَيْنَ أَهْلِهَا*** مَصَائِبُ قَوْمٍ عِنْدَ قَوْمٍ فَوَائِدُ


31- إذا وقعت الفتن غفل الناس عن الأحكام الشرعية والحدود المرعية فقد رأينا في تلك الأحداث الحوارات والمجالس التي ينصب الحديث فيها عن الحدث والتحليلات السياسية وقليل من تكلم عن الحكم الشرعي وخطورة المآلات وعواقب الفتن .

32- الحب والبغض من الله فقد رأينا كيف جعل الله البغض في قلوب الملايين في العالم لرجل واحد ولا عجب ففي صحيح مسلم وأصله في الصحيحين عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال إني أحب فلانا فأحبه, قال: فيحبه جبريل ثم ينادى في السماء فيقول إن الله يحب فلانا فأحبوه. فيحبه أهل السماء , قال :ثم يوضع له القبول في الأرض. وإذا أبغض عبدا دعا جبريل فيقول إني أبغض فلانا فأبغضه , قال: فيبغضه جبريل ثم ينادى في أهل السماء إن الله يبغض فلانا فأبغضوه , قال : فيبغضونه ثم توضع له البغضاء في الأرض ».وفي مسلم عن عوف بن مالك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: « خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ويصلون عليكم وتصلون عليهم وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم ».فلا تعجب إذا علمت كيف جمع الله قلوب خلائق كثيرة الأبيض منهم والأسود العربي منهم والأعجمي الصغير منهم والكبير الذكر منهم والأنثى على محبة محمد صلى الله عليه وسلم.

33- هم الغرب الكافر مصالحهم الخاصة.فلم يراعوا تلك الصداقات والولاء بل قلبوا لهم ظهر المجن ورفضوا مد يد العون بل رفضوا حتى منح اللجوء حفاظا على مصالحهم.وانقضاء حاجتهم من هولاء!! فصدق الله العظيم (كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) (16الحشر)

34- إذا أراد الله بالحاكم خيرا جعل له أعوانا على الخير وإذا أراد به شرا جعل له أعوانا ظلمة فشاركوه الظلم والفساد والاستبداد وهذا ما جلاه الله لنا في هذه الأحداث فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :(إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِالأَمِيرِ خَيْرًا جَعَلَ لَهُ وَزِيرَ صِدْقٍ إِنْ نَسِىَ ذَكَّرَهُ وَإِنْ ذَكَرَ أَعَانَهُ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهِ غَيْرَ ذَلِكَ جَعَلَ لَهُ وَزِيرَ سُوءٍ إِنْ نَسِىَ لَمْ يُذَكِّرْهُ وَإِنْ ذَكَرَ لَمْ يُعِنْهُ).رواه ابوداود وغيره وصححه الألباني.
وختاما فإني أوصي نفسي وأخواني بالحذر من الدخول فيما لم تتبن فيه العواقب وعدم العجلة .ووجوب النظر في المصالح والمفاسد .فإن الشريعة الإسلامية جاءت بتحصيل المصالح ودرء المفاسد. قال أبو نعيم في الحلية: أتت الحرورية مطرفا تدعوه إلى رأيهم فقال :لو كان لي نفسان لقدمت أحدهما قبل الأخرى فإن هجمت على خير أتبعتها الأخرى وإلا أمسكتها ولكن إنما لي نفس واحدة ما أدري على ما تهجم خير أو شر.وقال عن عَبْد الله بن عُمَر رضي الله تعالى عنه: إنما كان مثلنا في هذه الفتنة كمثل قوم كانوا يسيرون على جادة يعرفونها فبينما هم كذلك إذ غشيتهم سحابة وظلمة فأخذ بعضهم يمينا وشمالا فأخطأ الطريق وأقمنا حيث أدركنا ذلك حتى جلى الله ذلك عنا فأبصرنا طريقنا الأول فعرفناه وأخذنا فيه وإنما هؤلاء فتيان قريش يقتتلون على هذا السلطان وعلى هذه الدنيا ما أبالي أن يكون لي ما يقل بعضهم بعضا بنعلي هاتين الجرداوين. وفي سير أعلام النبلاء: عن الشعبي، قال: كان مسروق إذا قيل له: أبطأت عن علي وعن مشاهده، فيقول: أرأيتم لو أنه حين صف بعضكم لبعض فنزل بينكم ملك فقال: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) أكان ذلك حاجزا لكم ؟ قالوا: نعم، قال: فو الله لقد نزل بها ملك كريم على لسان نبيكم، وإنها لمحكمة ما نسخها شئ.
وفي تاريخ الإسلام للذهبي قال أيوب السختياني في العلماء الذين خرجوا مع ابن الأشعث: لا أعلم أحداً منهم قتل إلا رغب له عن مصرعه، أو نجا إلا ندم على ما كان منه. وفي الطبقات الكبرى لابن سعد: أَتَى مُطَرِّفَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ زَمَانَ ابْنِ الأَشْعَثِ نَاسٌ يَدَعُونَهُ إِلَى قِتَالِ الْحَجَّاجِ ، فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ قَالَ : أَرَأَيْتُمْ هَذَا الَّذِي تَدْعُونِي إِلَيْهِ ، هَلْ يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَكُونَ جِهَادًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؟ قَالُوا : لاَ قَالَ : فَإِنِّي لاَ أُخَاطِرُ بَيْنَ هَلَكَةٍ أَقَعُ فِيهَا ، وَبَيْنَ فَضْلٍ أُصِيبُهُ. ويذكر عن مجاهد بن جبر رحمه الله. أنه قال حين دعي للمشاركة في الفتنة: عده بابا من أبواب الخير تخلفت عنه.فاللهم أصلح أحوالنا كما أصلحت أحوالهم و أعذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن. اللهم احفظ بلاد المسلمين من كل مكروه .وأمر عليهم خيارهم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه
 

د.عبد الرحمن بن صالح بن عثمان المزيني
المشرف العام على موقع رياض الإسلام

www.riyadhalislam.net
محافظة الرس. ‏09 ‏ربيع الأول, ‏1432هـ
almuzaini.a@gmail.com


 

مقالات الفوائد