اطبع هذه الصفحة


إلى أهلنا في الشام

د. علي بن عمر بادحدح


بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد ..

فقد عاش الشعب السوري نحو نصف قرن تحت حكم حزب البعث، وظلت سوريا طوال هذه العقود تحكم بهذا الحزب دون أن تتمتع بأي من الحريات المعروفة، فلا وجود لأحزاب سياسية، ولا سماح لجمعيات خيرية، ولا حضور لمؤسسات المجتمع المدني، فضلاً عن غياب المنابر والبرامج المستقلة ذات الطابع الديني والفكري والثقافي، وأبشع من ذلك وأشنع اعتماد النظام على الحلول الأمنية والعسكرية لأي رأي مخالف أو توجه معارض وشواهد ذلك كثيرة يأتي في مقدمتها مجازر حماة وتدمر وجسر الشغور التي قتل فيها النظام عشرات الآلاف من المواطنين السوريين في قسوة لا نظير لها، وبصورة تمثل - بكل المقاييس - جرائم إبادة إنسانية، مما أدى إلى تسرب مئات الآلاف من السوريين من سوريا إلى مختلف الدول هاربين من جحيم وطن يصادر حريتهم، ويمتهن كرامتهم، ويعتدي على حقوقهم.

وقد خرج الشعب السوري - كما خرجت الشعوب العربية الأخرى من قبله - ليعبر عن رأيه، ويطالب بالحرية والكرامة التي غيبها نظام الحكم طوال هذه العقود المتعاقبة، وكان المأمول من النظام الحاكم – وقد رأى عاقبة التجاهل لمطالب الشعوب في دول الجوار – أن يكون أكثر حكمة وعقلاً سيما وأن رأس النظام شاب درس وتخرج من الجامعات الغربية، وكان من المتوقع أن يدرك أن الزمان قد استدار، وأن الشعوب اليوم لم تعد كما كانت بالأمس، وأن مجازر القتل لا يمكن تكرارها في زمن الفضاء المفتوح، وكاميرات الهواتف الجوالة، وحملات الانترنت، وشبكات التواصل الاجتماعي.

وللأسف فإن النظام السوري جدد جرائمه، حيث شاهد العالم كله وحشية النظام، وإيثاره القتل على العقل، والدمار على الحوار، مما يدل على أن زبانية الظلم والإجرام لم يستوعبوا الدرس بعد، ولم يدركوا أن الخوف نزع من قلوب أبناء الشام الأحرار، وأن الشعوب إذا أرادت الحياة فلن يقف في وجهها قوات ولا جيوش.

وانطلاقاً من القيم الدينية والحقوق الإنسانية والقوانين الدولية فإني أعلن استنكاري لممارسات النظام السوري ضد الشعب وأدينها بأشد أنواع الإدانة، وأعلن تضامني مع أهالي سوريا ومطالبهم المشروعة، واقرر جملة من المطالب والحقائق:


1)
التأكيد على تجريم التعامل الأمني مع احتجاجات المتظاهرين، ومخالفته للأحكام الشرعية والقوانين الدولية ومواثيق حقوق الإنسان، وأطالب بالوقف الفوري لجرائم القتل والترويع التي تقوم بها عناصر الأجهزة الأمنية، إضافة إلى ضرورة سحب جميع وحدات الجيش النظامي، ثم الإعلان عن إنهاء كافة أعمال المواجهات، والتعهد بمحاسبة المسؤولين عن جرائم القتل والاعتداء المرتكبة.

2)
إطلاق سراح كافة السجناء المعتقلين على خلفية الاحتجاجات والمظاهرات، إضافة إلى إطلاق سراح جميع المعتقلين من سجناء الرأي من السياسيين والحقوقيين.

3)
أن يقوم النظام بالتجاوب مع المطالب الشعبية المشروعة والإصغاء لها وتعديل ما يلزم لتحقيقها من المواد الدستورية والأنظمة الحكومية والأجهزة الأمنية، ولا بد أن يدرك النظام أنه لم يعد يجدي الالتفاف على مطالب الشعوب، ولا خداعها بمعسول القول؛ لأنها باتت تعي ما تريد، وتعرف حقوقها ولا تقبل التنازل عنها، ولذلك فإن تلك الشكليات التي يقوم بها النظام السوري والخطابات التي يلقيها الرئيس لا فائدة منها ما دامت تفتقد إلى الشمولية في المعالجة والجدية في التنفيذ.

4)
التأكيد على أن اتهام المحتجين والمتظاهرين الأحرار بالعمالة، أو التنفيذ لأجندات خارجية ، بات كلاماً ممجوجاً وحيلة مكشوفة، وهي اسطوانة قديمة لم يعد هناك من يصدقها، فهذا الحراك الشعبي السلمي لا تحركه أيد خارجية، وإنما حركته أشواق الحرية.

5)
الجيش في كل بلد يدافع عن الحدود ويردع المعتدين، وهو القوة التي تحافظ على سيادة الوطن وسلامة المواطنين، ومن هنا فإن الشرفاء المخلصين من قيادات الجيش مدعوون إلى ترسيخ هذه الصورة للجيش الوطني الذي ينحاز لأبناء شعبه ويحميهم، ولا يكون أداة لإزهاق أرواحهم وتدمير ممتلكاتهم، وأن يعصموا أيديهم من دماء أهلهم وإخوانهم، ولهم في جيش مصر وتونس خير أسوة.

6)
أدعو جميع الحكومات العربية والإسلامية، أن تعلن موقف البراءة من الممارسات القمعية والمواجهات الأمنية والعسكرية ضد أبناء سوريا العزل، وأن تقوم بواجبها الإنساني والديني بالعمل على منع القتل والدمار، وقبل المستوى الفردي للدول أطالب جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي أن تضطلع بمسؤوليتها التاريخية إزاء هذه الجرائم الفظيعة، وأن تقوم بأسرع وقت بكل ما من شأنه وقف هذه الجرائم الفظيعة.

7)
أدعو علماء الأمة ومثقفيها ومفكريها الشرفاء أن ينتصروا للحقوق الإنسانية المنتهكة، والحريات المصادرة، وأن يعلنوا مواقفهم الرافضة والمستنكرة للجرائم المخالفة للأحكام الشرعية والقوانين الدولية، وأن يجتهدوا في نصرة الشعب السوري من خلال منظماتهم الشرعية وجمعياتهم الحقوقية وكافة مؤسسات المجتمع المدني، واخص بالدعوة علماء سوريا ومفكريها في الداخل والخارج أن يكونوا مع نصرة الحق والتضامن مع الشعب وأن يربأوا بأنفسهم أن يكونوا أعواناً على الظلم، وأبواقاً للظالمين.

8)
أدعو شعب سوريا العظيم بأن يحافظوا على سلمية تحركاتهم ومطالبهم، وأن يعززوا لحمتهم ووحدتهم الوطنية، وألا يسمحوا لأي دعوات طائفية أن تفرق شملهم، أو تسبب النزاع والشقاق فيما بينهم، وألا يتيحوا الفرصة لأي دخيل أو جاهل أن يحول مسار ثورتهم السلمية إلى مواجهات قتالية بين أبناء الوطن، وعليهم أن يتحلوا بالصبر وأن يحتسبوا عند الله الأجر، وأن يكرسوا جهدهم وبذلهم لمصلحة بلدهم ومجتمعهم.

وفي الختام أقول إن الأدوار السورية في احتضان المقاومة الفلسطينية، وأي موقف إيجابي في هذا الصدد لا يعفي النظام السوري الحاكم من واجب تحقيق مطالب وطموحات شعب سوريا، ولا من تبعة الممارسات العدوانية غير المشروعة بحجة أنه مستهدف من أمريكا والكيان الصهيوني.

كما أؤكد أن حقائق الشرع ودلائل الواقع كلها تشير إلى أن عاقبة الظلم هلاك الظالمين ولو بعد حين فقد قال تعالى: { ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا } ، وقال أيضاً : { فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين }، ولا بد من الاعتبار والتوقف عن القتل والدمار وإلا فالعاقبة وخيمة في الدنيا قبل الآخرة { وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون }.

---------------
د. علي بن عمر بادحدح
* الأستاذ المساعد بجامعة الملك عبد العزيز والمشرف العام على موقع إسلاميات


 

مقالات الفوائد