اطبع هذه الصفحة


انعكاس أحداث المنطقة على الشارع السعودي

د / محمد بن صنيتـان


بسم الله الرحمن الرحيم

انعكاس أحداث المنطقة على الشارع السعودي
(ورقة القيت في منتدى التنمية الخليجي 9/ 6 / 2011)
بقلم رئيس مركز ساس الوطني للاستطلاع الرأي العام والبحوث
د / محمد بن صنيتـان


مقدمة تستهدف هذه الورقة انعكاس أحداث المنطقة العربية الراهنة على واقع الشارع السعودي ، وتعطي سردا تاريخيا مقتضب للمعارضة السعودية منذ تأسيس الدولة . والورقة تحليل لهذه اللحظة التاريخية ، في ضوء تراث علم الاجتماع السياسي ، وليس معالجة . وإن كانت تعطي بعض المقترحات العابرة التي تقتضيها المناسبة .
فالثورات العربية سقوط جدار برلين ولا بد أن تكون له نتائج بقدر أهمية نتائج سقوط جدار برلين .
ولا نستطيع أن نجري مبكرا حسابا للنتائج والتوقعات لانعكاس الثورات العربية على المنطقة . لأن فيها الكثير من التعقيدات والتعرجات . وحتى الآن لم تستقر سفينة الثورات العربية . ولا يوجد ( رختر سياسي ) لقياس توقعات انفجار الناس .ولكننا نؤكد أن الحراك الشعبي والسياسي العربي أنطلق من عقاله .

لقد استقر في الوعي الجمعي السعودي كما هو شأن الشعوب العربية قاطبة ، أن الشعوب تستطيع تغيير واقعها ، ولكنهم يخشون كثيرا نتائج محاولة تغيير الواقع . فهم أمام مفترق طرق : النموذج اليمني والليبي والسوري والنموذج التونسي والمصري .
فمنذ قيام المملكة العربية السعودية والقيادة السياسية تواجه معارضة تتراوح ما بين المعارضة المسلحة ، والانقلاب العسكري ، والاحتجاجات إلى المطالب والعرائض .
ففي عهد الملك عبد العزيز حصلت موقعة السبله المسلحة التي قام بها الأخوان وهم جيش الملك عبد العزيز من القبائل البدو الذين وحد بهم الملك عبد العزيز المملكة بأقل التكاليف أو بدون تكاليف . وكادت هذه الموقعة أن تجهض تجربة الوحدة بكافة مكاسبها . لولا إرادة الله . وكذلك حركة الضابط الشمراني الانقلابية التي لم تنجح في مؤسسة عسكرية جنينية . ثم حركة كلية قوى الأمن الداخلي . ثم حركة الضباط الطيارين ، ثم الأمراء الأحرار ، فالقوميين ، والبعثيين، والشيوعيين . ثم الاحتجاجات على وجود التلفزيون ومدارس البنات . ثم احتلال الحرم لمدة 15 يوما بقيادة جهيمان العتيبي سليل الأخوان . وكانت شبيهة بموقعة السبلة بمقدماتها ونتائجها . فكلا الموقعتين جلها من القبائل البدو ، الذين يرون أن وجود الدولة جاء بجهدهم العسكري والأمني وبكثافتهم السكانية. ورغم ذلك صاروا مهمشين سياسيا وتنمويا واقتصاديا . فالإدارة العليا في الدولة خلوا من (المتطلعين والمقتدرين وأصحاب المؤهلات العليا منهم) .
ثم تلاه الاحتجاجات على وجود القوات الأجنبية في الحروب الخليجية .
وفي عهد الملك سعود واجهة الدولة تدهورا اقتصاديا عجزت الخزينة عن دفع مرتبات الموظفين لمدة تسعة أشهر ونيف . مما أدى استياء بين أوسع فئات المجتمع ، أدت إلى ظهور معارضة تمثلت بالكوادر المثقفة من القوات المسلحة والكوادر المدنية وعمال شركة ارمكو من السعوديين غير الراضين عن استغلال الأمريكان في شركة أرآمكو وهضمهم لحقو ق العمال السعوديين والعرب . أما معارضة المثقفين فتبلورت في تشكيلهم تنظيما ديمقراطيا ثوريا سريا ، دعوه ( جبهة الإصلاح الوطني ) وأعلن عدة أهداف تحدثنا عنها بالتفصيل في كتابنا ( النخب السعودية ) .
وأسس في المنطقة الشرقية صحيفتي الفجر الجديد ، وصحيفة أخبار الظهران . وقد قامت الحكومة باعتقال الجبهة وقفلت الصحيفتين .
وأسست منظمة تلاميذ المدارس في القصيم . وقد تستغربون أن من مطالبهم الرئيسية حل هئية الأمر بالمعروف .هذا قبل ستون عاما .
وقد جرت اشتباكات بين التلاميذ وهيئة الأمر بالمعروف في بريدة . وكانت من مطالبهم كذلك إصلاح التعليم وتأسيس جامعات . وذلك في الأربعينات من القرن المنصرم .
وفي عام 1956قام الملك سعود بزيارة المنطقة الشرقية واستقبلته معارضة بشعارات مناهضة للإمبريالية ومطالبة برحيل القاعدة الأمريكية . حيث صدر مرسوم ملكي بتجريم المظاهرات والمعاقبة عليها بالسجن لمدة لا تزيد عن ثلاث سنوات . وفي خلال خمس سنوات مضت ظهر أكثر من بيان يطالب بالاصلاح .
وفي التجربة السياسية السعودية مع كل المعارضات أن القيادة السياسية السعودية تنجح في وأد كل المقاومات . مما يعطيها قدرة على تمكين نفسها قد يكون من ضمنها إعطاء قدر ضئيل من المطالب . لعل أهمها مطالب المتشددين من السلفيين فإن كانوا قضوا على حركة جهيمان فأنهم تبنوا مطالبهم بتمكين المتشددين مما سبب تأزم مع الداخل ومواجهة مع الخارج لعل أهما أحداث 11سبتمر .
وملف الإصلاح في السعودية السهل الممتنع . فعند الأزمة الداخلية أو الخارجية تخرج الحكومة ملف الوعود بالإصلاح حتى تهداْ العاصفة ثم تعود الأمور كما كانت ( حليمة إلى عادتها القديمة ) .
ففي عهد الملك عبد العزيز أنشئ ديوان المجاهدين لاستيعاب المحاربين القدامى كنتيجة لثورة السبلة ، وعلاجا لما ذكرنا سابقا . ومع خلاف الملك فيصل مع الملك سعود ، وعد فيصل بإصلاحات سياسية لم ترى النور بعد توليه الملك . وفي حرب الخليج الثانية أصدر الملك فهد أنظمة للحكم والمناطق . الذي لم يغير من الأمر شيئا .
وبعد أحداث 11سبتمر وظهور عرائض كثيرة تطالب بإصلاحات واسعة . قامت الحكومة بتأسيس مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني ، باعتباره سلوك سياسي فعال لتحقيق الإصلاح . إذ راح المركز يطوف مدن المملكة مدعيا الإصلاح ومدعيا أنه يترجم أفكار المواطنين إلى واقع ملموس . وفي ختام كل لقاء تنتهي النتيجة برفع برقية إلى الملك بالشكر والعرفان ثم تطوى صحائف اللقاء وتأخذ طريقها إلى أرشيف المحفوظات . وإذا حصل إصلاح فهو في زيادة الرواتب للعاملين في الدولة ، تلتهمه زيادة الأسعار التي تلي زيادة الدولة مباشرة . مما يزيد من شدة وطأة الحاجة على الذين لا يعملون في الحكومة . وإذا كان هناك مشاريع للتنمية ، وهي لا بأس بها ، فهي محصور تنفيذها في شركات عائلية محدودة . أو أسماء واجهات للمتنفذين في الدولة . مما جعل صغر الطبقة الوسطى خصوصية سعودية ، رغم إنفاق المليارات سنويا .
ونستطيع أن نذكر انتخابات مجالس البلديات وهي انتخابات نزيهة ولكن تأثيرها أقل من تأثير أصغر موظف في جهاز البلدية . التي من المفترض أن المجلس البلدي هو المشرع والمراقب على التنفيذ . ونذكر مشاركة النساء في مجالس الغرف التجارية اللائي لا يجتمعن مع الرجال في جلسة واحدة إلا عبر التلفون ورغم ذلك فصوتهن عوره .
ولو دبرت هذه الملايين المصروفة على الحوارات والدعاية السياسية والعلاقات العامة للخارج لتحقق على الأقل الإصلاح التنموي الذي قد يلطف المزاج الاجتماعي إلى حين .
ولكن ما حققه الحوار الوطني هو فرز الشعب السعودي إلى تيار سلفي تشظى إلى تيارات شتى . من الجهادية السلفية إلى التي ترى الطاعة للسلطان حتى لو جلد ظهرك وأخذ مالك .
وأفكار مثقفه مبعثرة يدعونها السلفيون تيارات ويقسمونها إلى حداثية وليبرالية وعلمانية . كل هذه التقسيمات المثقفه ترفع صوتها في المساء حتى يخيل للسامع أن الزحف المليوني سيسبق طلوع الشمس بقليل . أما في الصباح الباكر فالكل يهرول إلى الطاعة والتنفيذ . وأقصى حيلة الجسور منهم مقال يقضي وقتا أكثر من وقت كتابة المقال في المراجعة والتمحيص ، خوفا من رئيس التحرير . فهو يخاف رئيس التحرير أكثر مما يخاف أحد القيادة السياسية. فيستخدم ذكائه الخبيث لتمرير المقا ل للنشر وتلك غايته وأقصى أمانيه .
والتنظير في المؤلفات السياسية نادرة جدا . وقد تظهر المؤلفات في القصص التى يدعونها روايات , وهي كلها أو في مجملها تتحدث عن المسكوت عنه والذي يمارس أكثر من الممارس في المجتمعات المنفتحة بكثير . أو بقيادة المرأة للسيارة أو كشف وجهها بالأسواق أو السفر بالطائرة بدون ولي محرم . وتلك التيارين السلفي والمثقف نشاطهم السياسي في مناكفة بعضهم البعض وسلاح كل منهم على الآخر هو السلطة . فالسلطة تطلق يد المتشددين ، في تكفير المثقفين واتهامهم بالمعاصي وتفتح الصحف فسيحة للمثقفين لمهاجمة المتشددين واتهامهم بالتزمت والتشدد . والحكم و القاضي للجميع هي السلطة . فإذا ذهب السلفي إلى السلطة ليشتكي المثقف للشك في دينه وجد المثقف قد سبقه يشتكي السلفي لأنه أخر البلد وخلق مشكلة للدولة مع الغرب وكل خيوط اللعبة بيد اللاعب الأقوى الذي هو ولي الأمر ( ويا قلب لا تحزن وارقد إن عليك ليلا طويلا ) .
أما القسم الثالث الذي أفرزه الحوار فهو المثقفين من الشيعة و رغم نشاطهم الحركي وثقافتهم فحصروا كل مشاريعهم الإصلاحية في حرية العبادة المذهبية وممارسة الطقوس المذهبية . باستثناء بعض المطالب الوطنية ، تمثلت في ( رؤية لحاضر الوطن ومستقبله ) و ( شركاء في الوطن ) .

وكل هذه التيارات بشتى آيدولوجياتها بعيدة كل البعد عن مقتضيات المرحلة في المنطقة لبعدها عن المشروع الإصلاحي الوطني ، والاتفاق على المشتركات الوطنية والاقتصادية والسياسية والتنموية .
إن السجال بين الأطراف لا يكتشف الصواب ، بل التعصب ضد ثقافة الآخر . إننا في هذه الحالة نستدعي الصراع العثماني – الصفوي . والسؤال الكبير الذي علينا جميعا الإجابة عليه ، لماذا المذهب هو التعبير المطلبي بدلا من الحقوق المدنية والمشتركات الوطنية التي يجب أن نلتف عليها جميعا ؟
إن السعودية بحاجه إلى هندسة اجتماعية في الحكم والإدارة التعددية المجتمعية لعل أهمها تعزيز مبدأ المواطنة . من خلال العدل في توزيع الثروة والسلطة والمشاركة الفاعلة في الإدارة العليا والوسطى في الدولة . فكل مجتمع تنعدم فيه العدالة الاجتماعية يكون مولد للنزاع والشقاق . فالنجاح في إدارة التعددية المجتمعية يعزز الهوية الوطنية والشرعية السياسية للدولة .

القيادة السعودية

القيادة السعودية تقف ضد ، من كل الثورات العربية خوفا من حمى العدوى وتشرب السعوديين ثقافة المظاهرات والاحتجاجات .فإذا تحولت الدول العربية المتوسطية مع الرافدين وتجاوب لها باب المندب على أنظمة جديدة بمفاهيم ديمقراطية شبابية وبمطالب يستعصي على الأنظمة الوراثية التأقلم معها . ولاسيما أن من بينها ثورة مصر . ودول الخليج لازالت تحتفظ ذاكرتها ثورة 52 وتأثيرها في كافة المنطقة .
القيادة السعودية تدرك حجم النتائج لهذه الثورات وتقلق مضجعها ولكنها لا تستطيع أن تفعل شيئا فهي منقسمة على نفسها فريق ( إلى يمين متطرف ) يرى أن الإصلاحات تفتح شهية الشعب السعودي على التدرج بهم إلى الملكية الدستورية وهذه دونها خرط القتاد ( فهم يموتون ولا يرون أنفسهم ملكة السويد فهم يرون الشعب بعيون قبل ستين عاما ) .وفريق وسط معتدل على رأسهم الملك يرى أن الإصلاحات تستديم بقاء العائلة فهم يرون الشعب بعيون ما بعد الثورات العربية وهناك أمورا أخرى داخلية فيما بينهم ، لا أر ى الدخول في تفاصيلها . أدت إلى انسداد التفكير في إدارة المجتمع وفق المتغيرات المعاشة في العالم العربي .
نحن لم نضع أيدينا حتى الآن على مشروع دولة . بل هناك مشروع عائلة حاكمة تتأرجح حسب المد والجزر للشارع السعودي. و في القنوات المعلوماتية . وترصد بدقة ردود الفعل الخارجي أكثر من الداخل .

القيادة السعودية وقفت مع رئيس اليمن دون بقية الرؤساء الذين طالتهم الثورات وانحيازها لعلى عبد الله صالح لأسباب سياسية :

أولا : موقف الرئيس من الحوثيين المتداخلين حدوديا مع السعودية وللسعودية حيثيات سياسية :
ا/ منطقة صعدة يقطنها قبائل يمنية سعودية في آن ً واحد لا تستطيع أن تميز اليمني من السعودي ولا أن تسمهم وسم الجمال . فهم أخوان وابناء عمومه وعشيره . متداخلين بالسكن والجغرافيا . مما يسهل العبور والتسلل والتهريب ومما يصعب السيطرة عليها .
ب/ الحوثيون يرفعون الشعار الطائفي مما يعطي إيران قدم راسخة في اليمن خاصرة السعودية .
ج/ القضية الحدودية وقد ثبتت قبل مدة بسيطة , وتخشى السعودية من أي نظام جديد أن يلغي الاتفاقية . ولا سيما أن المطالب اليمنية المتطرفة تتوغل إلى الطائف في عمق الجغرافيا السعودية .
د/ في غياب نظام صالح ستقوى القاعدة في اليمن . والسعودية استطاعت أن تحيد القاعدة أمنيا عن المملكة .

لقد أسقطت الثورات العربية الفزاعات التي ترسلها السلطات الحاكمة بين آونة وأخرى ، حول القبيلة والطائفة والإسلام السياسي والقاعدة والإرهاب وغيرها من الفزاعات التي ترسلها للداخل والخارج .
لقد انصهرت كل هذه الفزاعات في الثورة والمواطنة ، وأصبحت الأمة في رجل واحد وقبيلة واحدة وطائفة واحدة ، وتحولت مطالب المواطنون بألا يكونوا رعايا وسكان بل إلى مواطنين وأصحاب قرار .
النخب السعودية
لا يوجد في المجتمع السعودي نخب فاعلة سواء في الجماهير أو من القيادة السعودية. إلا التيار الديني السلفي ومن يدعمه من القيادة السياسية لتقوية مركزه على الفريق الآخر من الأسرة الحاكمة هذا من جانب واحتواء التيار السلفي من جانب آخر .
فلا هناك مجتمع مدني ولا أحزاب ولا كتل مؤثرة ولا تيارات مثقفة أو تجارية . و لا دور يذكر لمشائخ القبائل رغم قبلية الدولة . ولكن هناك كتاب مقالات في الصحف ورغم أن أكثرهم أساتذة جامعات فلا يصل تأثيرهم حتى إلى الصفوف الجامعية .

الشباب

الثورات العربية أحدثت في الشباب السعودي وعيا سياسيا عن عملية الإصلاح وهناك طاقات شبابية كامنة تملك إبداعات وتنظير جيد . يلمس ذلك من خلال المواقع والشبكة العنكبوتية . هذه الطاقات تفتقر إلى رموز أو مجتمع مدني يطور ذلك الوعي ويعقلنه لإبراز المطالب للمجتمع والعائلة الحاكمة .
ليس هناك مساطر لقياس انعكاس الثورات العربية على المجتمع السعودي . فخريطة الرأي العام في السعودية تفتقر إلى صحافة حرة وإلى مجتمع مدني ، وإلى مراكز للرأي العام والبحوث ، وإلى ديوانيات على النموذج الكويتي . مصدر المعلومات قمة الهرم ، ولا يوجد ردود صاعدة إلى قمة الهرم . والردود المتوقعة هي ردود البيروقراطية الأمنية والاستخبارتية على شتى تخصصاتها ومعظمها يعطل الصالح ويمرر الطالح .
الجمهور يرقب من يبدأ ليكون هو العاشر وليس الأول . أفراد المجتمع كل يود أن يقوم ألآخر بالنيابة عنه . التضحية حتى بالصوت باهتة جدا . ويحسبها بحساب التاجر والتغيير لم يقدم لهم على طبق من ذهب . الحرية لها ثمنها والديمقراطية لها تكاليفها والربح على قدر المخاطرة .
هناك من الشباب وهم قلة من بداء يشعر بأهمية أن يكون الشباب جزء من العملية السياسية وليس على الهامش كسائر المجتمع الذين أكتفوا بالهامش . هل هذا تفكيك سياسي أم هو واقع مجتمع ؟
لقد تشرب المواطن السعودي كأخيه الخليجي ثقافة المصطلحات السياسية المتعلقة بالديمقراطية وحقوق الإنسان والمواطن الحر ،والدستور والقانون ، والانتقال الديمقراطي ، واستقلال السلطات ، والتوزيع العادل للثروة ، والتعددية السياسية ، ومحاربة الفساد و المناطقية والقبلية ، وتفكيك عصابات الثروة والمقاولات والمناصب العليا ومجالس الشركات وحرية الصحافة ومنابر الاعلام وحرية التفكير والتعبير وحرية الصوت العالي . وعدم فرض الرقابة على المواقع الكترونية ، وكرامة الانسان ، وتعزيز المواطنة ، وتوسيع الحكم المحلي ، وديمومة التنمية وتعزيز سلطة القضاء واستقلاليته ، وتعزيز دور مؤسسات الرقابة وحق الناس في التأمين الصحي والتعليم المجاني وحرية المذهب والمعتقد وألا يحمل الناس على مذهب واحد . كل هذه المقولات أصبحت ملازمة محكية في المجتمع الشبابي . في المجالس والمنتديات .
علينا أن نعلم أن الثورات العربية المعاصرة لم تكن بدافع المثقفين ولا المفكرين ولا المجتمع المدني و لا كل المؤسسات المدنية . ولا الجيش ولا الخارج ولا كل المؤثرات التقليدية .
الدافع الحقيقي هي الأنظمة ذاتها التي أوغلت في غيابت الفساد و الاستبداد و الاستهانة بالشعوب لدرجة لم يكن في مقدور الشعوب تحملها . فكانت ردود أفعالها كبت متراكم في الداخل فانفجرت كالبركان في وقتها وعلى سجيتها ولآت حين مناص .
وعلى كل فلا يوجد ما يطمئننا أننا في مأمن من أحداث المنطقة . و لا يمكن الركون إلى الهدوء الظاهر الذي يكمن خلف خريطة الانتشار الأمني الواسع .
الأنظمة في الخليج والسعودية من أكبرها لم يظهر حتى الآن ما يعطينا بصيص من الأمل أنها فهمت شعوبها . وإن كانت مدركة لكل ما يدور حولها إلا أنها لازالت في غيبوبة من هول الواقع من حوليها ولم تستفيق بعد . وليس هناك سفينة نجاة تنجيهم مما حصل في الدول العربية ولا أحد يتنبأ ما تخفيه مستقبل الأيام . إلا رضا شعوبها . والهرولة في الإصلاح الحقيقي إلى أبعد مدى . فمن منا يتوقع ما حصل لزين العابدين ولا لحسني مبارك . وما حصل بهذه السرعة وبهذه السهولة وقلة التكلفة .

ومن رؤيتي الخاصة أنه على النخب الفكرية والثقافية والدينية في السعودية التدرج بمطالب الإصلاح . لعلها تبدأ على النحو التالي : -

1/ انتخاب نصف مجلس الشورى .
2/ تمكين مجلس الشورى من مراقبة موارد الدولة ومصروفاتها ،وإعداد الميزانية .
3/ حصر حصة العائلة المالكة في وظائف الدولة بالوزارات ذات السيادة فقط . دون التدخل في الوظائف العامة بما فيها إدارة المناطق و دون التزاوج بين السلطة والمال وهذا ما فعله الملك عبد العزيز . مع تحديد ما يكفيهم من مخصصات من قبل مجلس الشورى .
4/ يؤسس مجلس للقضاء منتخب من القضاة وكبار العلماء من كافة المذاهب . يعين القضاة ويعزلهم ويصدر قانون للقضاء ولوائحه . ويشرف ويتابع وليس للملك أو الحكومة عليه أي سلطة . وتخصص ميزانيته من الدولة .
6 / فصل الإدعاء العام عن وزارة الداخلية وربطه في مجلس القضاء المقترح . وعدم توقيف أو سجن إلا بتسبيب قضائي صادرة من محكمة عدلية .
7 / تحديد ميثاق يقيم علاقة جديدة محورها كوننا مواطنين وليس سكان ، شركاء و ليس رعايا .
8/ التقارب المعيشي بين فئات المجتمع والمناطق . والتوازن في التنمية وتوزيع الموارد في كافة أنحاء المملكة . فقد قال أحد الكتاب الغربيين إذا رأيت المجتمع منقسم إلى أ و ب فانتظر الثورة .
9/ أن تكون الإدارة العليا والوسطى حق مشاع لكل القادرين من عموم المواطنين على مختلف فئاتهم ومذاهبهم ومناطقهم . والأفضلية للجدارة والأهلية والاستحقاق والقادرين على إدارة المجتمع التعددى .
10/ أن يكون المواطنون أحرار في خياراتهم العقائدية وعاداتهم وتقاليدهم الاجتماعية ، دون أن يطغى مذهب على مذهب آخر. أو عادات منطقة على عادات منطقة أخرى . وأن تكون حريات المذاهب في العبادات فقط .

إن واجب ندوتكم هذه رفع الصوت عاليا لتجنيب مجتمع الخليج النتائج الكارثية في سوريا وليبيا واليمن . فليس كل صاحب سلطة زين و حسني مبارك ولا كل جيش جيش مصر وتونس .
إن النصح وحتى المطالب أو المعارضة في صالح العائلات الحاكمة وهم ركن محوري في مجتمعنا ومن نسيجنا الاجتماعي ولا نريد إلا الخير لنا ولهم . لو كان هناك تفكير حكيم أو رأي سديد أو بصيرة نافذة أو خوفا على مواقعهم بالسلطة .
إن العائلات الحاكمة في الخليج إذا أرادت السلامة من بركان الثورات العربية وهداهم التفكير الرشيد ، فستكون أفكاركم ومثلكم هي نبراسهم وهي حزام الأمان وسفينة النجاة والملاذ الآمن لهم ولنا لأننا جزء منهم وهم جزأ منا .


 

مقالات الفوائد