اطبع هذه الصفحة


يريدون إسقاط الشعب في سوريا

حسان العمر


بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم


لقد كان النظام السوري دوما النظام المفضل لإسرائيل و أمريكا و الحليف الإستراتيجي لإيران لمحاولة الأخيرة السيطرة على المنطقة طائفيا و جعلها تابعة لها عقائديا فالنظام بالنسبة للغرب و إسرائيل الحامي الأمين لحدود هذا الكيان من الجهة السورية الذي استطاع أن يتحمل هذه الأمانة بشكل لم يسبقه أحد الى تحملها و ليس من المتوقع أن يأتي أحد غيره يمكنه تحملها بنفس القوة، كما أن هذا النظام استطاع أن يتحمل أمانة أخرى و هي وقوفه بوجه المد الإسلامي ليس في سوريا فقط بل بالمنطقة فقد استطاع أن يتصدى للإسلام او ما يسمى الأصولية الإسلامية بقوة في سوريا حتى أفرغ سوريا تقريبا من قيادات لهذا التيار و استطاع أن يجفف منابع نشر الإسلام بالسيطرة على المساجد و إرهاب كل من يحاول العمل بالدعوة لدين الله سواء بالسجون او التضييق الكبير عليه .

فالنظام استطاع ان يقوم بأهم أمرين بالنسبة للنظام العالمي من حماية إسرائيل و التصدي للمد الإسلامي في سوريا و هو ما مكنه من أن يحصل على الدعم الإسرائيلي خاصة و الغربي خصوصا امريكا بشكل عام .

لذلك منذ اندلاع الثورة في سوريا كنا نرى تخبطا واسعا لدى الغرب في طريقة تعاطيهم مع الملف السوري و تم اعطاء الفرصة للنظام ليأخذ الوقت الكافي الى أبعد مدى في محاولته للقضاء على ثورة الشعب السوري الغير مفضلة لأغلب الأنظمة بالعالم فكان أن اختارت بعض الدول التي تحكم بالإستبداد و الطغيان و لا تلقي بالا لشعوبها بل ترتكب المجازر بشعوبها كروسيا أو الصين أو الدول التي تدعم النظام طائفيا في محاولتها لبناء امبراطورية صفوية كإيران و العراق أن يدعموه علنا و بوقاحة و دون أدنى اعتبار لما يقوم به من جرائم لا يمكن لمن فيه ذرة من إنسانية أن يقبلها بل دخلوا معه شركاء في هذه المجازر .

و اختارت دولا اخرى تدعي الحرية كالدول الغربية أن تعلن عن عقوبات شكلية بعد أشهر طويلة من جرائم النظام في سوريا لا تسمن و لا تغني من جوع حتى تتجنب الإحراج الناجم عن عدم تدخلها لإيقاف الجرائم ضد الإنسانية التي يقوم بها النظام بينما هي تسعى لإبقاء النظام نتيجة لضغط اللوبي الإسرائيلي الحريص على بقاء النظام .

و هذا ما دفعهم الى إعطاء الفرصة تلو الفرصة عسى ان يتمكن النظام من القضاء على الثورة.

ثم جاء دور الجامعة العربية متأخرا جدا و إذا كنا نرى أن بعض الدول لها مواقف قوية في نصرة سوريا فإن الجامعة العربية كمؤسسة كانت داعمة للنظام السوري بشكل عام و أعطته فرصا طويلة بالسكوت ثم ببروتوكول المراقبين العرب الذي أخذ فترة طويلة في اخذ و رد مع النظام ثم وافقت الجامعة على كل شروط النظام السوري و أصبح البروتكول لا فائدة منه إلا في اعطاء فرصة للنظام ثم تحول عن طريق الدابي رئيس المراقبين الى بروتوكول داعم للنظام و تبنى رواية النظام ليسوق لتصريحات النظام الذي يجعل نفسه هو الضحية للإرهاب و المؤامرة و المندسين ... الخ.

و تحولت الجامعة العربية الى شريك رئيسي للنظام في مجازره و جرائمه الفظيعة ضد أهل السنة في سوريا .

و بعد فشل النظام باستغلال الفرصة التي أعطيت له من قبل الجامعة العربية و من خلفها النظام العالمي و نتيجة لتزايد قوة المجاهدين على أرض الشام من الجيش الحر و المتطوعين الذي آثروا أن يضحوا بأنفسهم من أجل أن يعيش شعبهم في عزة و سعادة و قرب سيطرتهم على الوضع و الأرض في سوريا كان لا بد من بروتكول آخر لإنقاذ هذا النظام و كان هذا البروتكول هو مبادرة الجامعة العربية .

هذه المبادرة ليست وليدة اللحظة بل هي نتيجة لتحرك ايراني روسي امريكي اسرائيلي لإبقاء النظام و تغيير رأس النظام فقط بينما يبقى النظام الأمني بالأجهزة الأمنية و الجيش الطائفي كما هو رغم أن المبادرة العربية التي يسعى مجلس الأمن لفرضها على سوريا لم تتكلم حتى عن تنحي بشار فروسيا و إيران يريدون إنقاذ ما يستطيعون إنقاذه من مصالحهم و مشاريعهم في سوريا لذلك كان الحل الأمثل بالنسبة لهم هي ما يسمى حكومة وحدة وطنية و بهذه الطريقة يحافظون على الأجهزة الأمنية و الجيش كما هو،

و هذا هو مطلب عالمي فهم لا يريدون تفكيك الأجهزة الأمنية التي حافظت على أمن اسرائيل و وقفت في وجه الإسلام في سوريا و كذلك الجيش الطائفي في سوريا لا يريدون تفكيكه بل الإبقاء عليه كما هو فهو الضامن لحماية امن الحدود السورية مع إسرائيل في المرحلة المقبلة كما أنه الكابح لأي قوة للإسلاميين يمكن أن تظهر على الساحة سواء بالشارع أو الإنتخابات .

فالمعلوم في سوريا أن اجهزة الأمن هي الحاكمة بالبلاد يعني لا قيمة لا لوزير و لا حتى لرئيس وزراء أمام رئيس احد الأفرع الأمنية.

فكيف يمكن ان تكون حكومة وحدة وطنية في سوريا و الأجهزة الأمنية كما هي و تملك القوة و هي الحاكم الفعلي بالبلاد.

فالمبادرة لم تتكلم شيئا عن هذه الأجهزة التي لا تعد سواءا عن حلها او أي شيئ عنها يوقف تغولها و سيطرتها على الشعب .

فكيف يمكن أجراء انتخابات في ظل سيطرة هذه الأجهزة و هذا الجيش و حزب البعث على كافة مفاصل الحياة بالدولة، و حتى الرقابة الدولية قد تستطيع مراقبة ما يجري حول الصناديق فقط و لكنها لن تستطيع أن تراقب ما حولها مع بقاء الأجهزة الأمنية التي ترعب الشعب و حزب البعث الذي سوف يبقى يفرض جزءا كبيرا من إرادته و قوته و خصوصا أن الأجهزة الأمنية لا زالت في قوتها ولا زالت تعمل كما أن الحزب لا زال يعمل و هو شريك بالحكومة الجديدة فليس من الطبيعي أبدا أن تجري انتخابات في مثل هذه الظروف.

أما الكلام عن إنصاف الضحايا هو كلام لا قيمة له من الناحية العملية و من شاهد ما حدث باليمن يعلم أنه لن يحاكم احد من كبار القتلة و لا ندري ما هو الإنصاف بالنسبة للأمم المتحدة أو الجامعة العربية قد يكون بدفع تعويضات أو شيئ اخر و لكنه لن يكون بالتأكيد محاكمة المجرمين كحق للضحايا.

فإذا كانت المبادرة تتكلم عن حكومة وطنية بين عصابات النظام والشعب فالأكيد أن أعضاء هذه الحكومة لن يحاكموا أنفسهم و لن يقبلوا بأن يحاكمهم احد و إلا لما كانت حكومة وحدة بين العصابات و الشعب و سوف يكون مصير العصابات الحاكمة بالسجون و لن تكون حكومة وحدة اصلا بل سوف تكون حكومة الشعب.

أما عن رفض الحكومة السورية و روسيا فالأرجح بالنسبة لي أنه ليس رفضا نهائيا إنما هو كما حدث بالمبادرة العربية يرفضونها فيكسبون أولا الوقت الذي يظنون أنه يكفيهم للسيطرة على الوضع فبين اخذ و رد يكون الوقت و ثانيا يطالبون بتغيير بعض الفقرات و الضمانات التي سوف تضمن لهم اكبر قدر ممكن من بقاء الحكومة الجديدة تحت سيطرتهم و تفريغ المبادرة من محتواها الذي يبقي النظام مسيطرا على الحكم أصلا و لكنهم مع ذلك يريدون أكبر قدر ممكن من حماية النظام لذلك هم سوف يوافقون على المبادرة لأنها مصلحة عالمية أصلا من إيران و روسيا و اسرائيل و النظام العالمي لذلك رفض سوريا أو روسيا الداعمة لها للمبادرة ما هو الا محاولة لزيادة أهمية المبادرة بجعل الصراع حول هذه المبادرة المناسبة اصلا للنظام في سوريا فهي لا تتكلم عن رحيل النظام مع الحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب و ليس هذا الرفض من سوريا او روسيا رفضا استراتيجيا .

فمن المستغرب فعلا أن يكون موقف المعارضة متمثلة بالمجلس الوطني من هذه المبادرة بهذا الضعف ثم يذهبون لمجلس الأمن لدعم المبادرة التي سوف تؤدي الى ضياع دماء الشهداء و لن تؤدي الى تغيير النظام .

فقط من أجل أن يضمن النظام العالمي أمن حدود اسرائيل و أن تبقى مصالح ايران و روسيا كما هي في سوريا بعد ان شاركوا النظام في مجازره ضد الشعب السوري.

إن هذه المبادرة يصلح أن نطلق عليها إنها لأسقاط الشعب و إبقاء النظام و للأسف هذا الموقف الهزيل للمجلس الوطني أو قد يكون المؤيد حتى لهذه المبادرة التي سوف تضيع حقوق الشعب و التضحيات التي قدمها من أجل كرامته و دينه و تحرره من هذا النظام الصفوي الذي يريد تدمير البلاد و دينها و نحن لن نسكت على تضييع حقوق شعبنا فليس بعد الآن بعد أن أوشك النظام على الإنهيار و يريد النظام العالمي ان يمد له طوق النجاة لإنقاذه .

فنحن نريد حقوقنا كاملة غير منقوصة و أن يحاكم جميع المجرمين الذي شاركوا في قتل الشعب من اصغر شبيح الى رئيس العصابة الحاكمة .

كما أننا لا نريد مكافئة المجرمين الذي دعموا النظام من روسيا او إيران و غيرها كما يفعل المجلس الوطني من إعطاء روسيا الصفقات و التطمينات في إبقاء مصالحها كما هي في سوريا فكيف نقبل بمصالح لمن كان شريكا مباشرا في قتلنا و ذبحنا فنحن لا نريد روسيا و لا نريد أن يكون لها و لا حتى سفارة في بلادنا بعد التحرير كما أنه لا يحق للمجلس الوطني إعطاء الصفقات لأحد فالإتفاقات السياسية و الإقتصادية لا يحق لأحد ان يعقدها باسم الشعب الآن إنما مجلس الشعب المنتخب هو من يقرر هذه الإتفاقات و ليس مجموعة من الأشخاص مهمتهم ان ينقلوا مطالب الشعب الى المحافل الدولية و السعي لتحقيقها لا عقد الصفقات مع احد .

و بالنهاية نقول ان علينا ان نسعى الى اسقاط هذه المبادرة كما سقط بروتكول المراقبين

و ليس علينا ان نلهث وراء اي حل فما يحدث في سوريا ثورة و ليس ازمة او مشكلة سياسية حتى يسعى الآخرون الى الجمع بين الفرقاء و حل المشكلة بينهم كما هو الظاهر من عبارة حكومة وحدة وطنية فنحن لن نفاوض المجرمين و لن نشاركهم في أي حكومة فعلى الجميع أن يعلم أن العالم يريد إسقاط الشعب في سوريا من أجل مصالحه و لا علاقة له بالإنسانية أو الجرائم التي تصيب الشعب من قريب أو بعيد لذلك لا يجب أن نعتمد إلا على أنفسنا فالشعب أعلن ثورته وحده و يجب أن ينهيها وحده لأن العالم لا يهمه أمرنا و علينا الإعتماد و التوكل على الله فهو رب العالم هو رب أمريكا و مجلس الأمن و ليس لنا من ناصر غيره فهو خيرا ناصرا و هو الرحيم بنا ما دمنا متوكلين عليه نلتزم الطريق الذي أراده لنا و لا شك أبدا أن النصر حليفنا فنحن المظلومين الذين وقوفنا في وجه الظالم المجرم الكافر الذي يعلن الحرب على الله و الله مع المظلومين دائما فلن يخذلنا أبدا فالصبر الصبر .

 

مقالات الفوائد