اطبع هذه الصفحة


عندما تثأر القيم لنفسها

زياد آل سليمان


بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم


بقيت الولايات المتحدة الأمريكية والغرب يرفعون شعارات الحرية والديمقراطية والحقوق، وباسم هذه الشعارات وتحت غطائها حشدوا الجيوش لاحتلال دول بأكملها، وإسقاط أنظمة وإقامة أخرى، وما أن حققت حركة التغيير والإصلاح في فلسطين 76 مقعدا من مقاعد المجلس التشريعي البالغة 132 مقعدا في انتخابات عام 2006م حتى أعلنت أمريكا وحلفائها الحصار على هذا الشعب الذي مارس الديمقراطية، ولم يكن الحصار وحده كأسلوب عقاب جماعي بل تبعه الحرب على غزة يوم 27 ديسمبر 2008 إلى 18 يناير 2009م.
فاقت المواقف الشعبية في أنحاء العالم أثناء الحرب التوقعات، كما فاقت المواقف الرسمية التوقعات! أصبح لدينا نوع من الانسداد في الأفق السياسي الرسمي، حصار على غزة، وحصار على الضفة الغربية، وحصار على القدس، في الأرض التي بارك الله فيها للعالمين.

لا أحد يعلم من أين سيأتي الفرج، وبأي وسيلة أو سبب، وخلافاً لكل التحليلات جاء الفرج من تونس، لتتلقفه مصر، وتمضي تلك الشعلة إلى حيث يريد الله عز وجل، كان من بين المتلقفين لتلك الشعلة الشعوب الغربية والشعب الأمريكي، حيث استطاعت حركة "احتلوا ويل ستريت" حشد مئات الآلاف من المتظاهرين الغاضبين حول العالم في أكثر من 1500 مدينة، بينها 100 مدينة أمريكية، بحسب موقع "احتلال وول ستريت دوت أورغ"، وتحت شعار "يا شعوب العالم انهضوا"، "انزل إلى الشارع، اصنع عالما جديدا"، تظاهر هؤلاء احتجاجا على الوضع الاقتصادي الهش الناشئ من الأزمة العالمية وسلطة رؤوس الأموال.

قبل أسبوع صوّت ناشطو حركة «احتلوا أوكلاند» التابعة لحركة "احتلوا ويل ستريت" في ولاية كاليفورنيا الأميركية بغالبية ساحقة على مشروع قرار يدعو إلى دعم حركة مقاطعة "إسرائيل" وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات عليها، بل وهاجمت الحركة، في بيان بثته على موقعها الإلكتروني، المساعدات الأميركية لـ"إسرائيل"، قائلة: إن "إسرائيل" هي التي دفعت الولايات المتحدة وشجعتها على شنّ حربها على العراق وأفغانستان.

سبق أن أعلنت حركة «احتلوا وول ستريت» داخل الولايات المتحدة وأوروبا وأميركا اللاتينية ومناطق أخرى في العالم، أن الثورات العربية ألهمتها من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، حيث ناضلت الشعوب العربية ضد الاحتلال "الإسرائيلي" لفلسطين ونظام "إسرائيل" العنصري الشبيه بنظام الفصل العنصري، حسب تعريف الأمم المتحدة، وإنكاره لحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى وطنهم.
إن قيم الحرية والعدالة وحقوق الإنسان بدأت تنتصر لنفسها على أولئك المراوغين المخادعين الكاذبين الذين طالما استغلوا هذه المصطلحات واستخدموها عند توافقها مع مصالحهم، وتجاهلوها بل حاربوها عند تعارضها مع مصالحهم.

يبدو أن آثار وبركة "الربيع الإسلامي" امتدت إلى أماكن أبعد من توقعات من شارك فيها، وأن صوت صيحاتهم وتكبيرهم كانت أعلى، وأخيراً طالعتنا صحيفة "هآرتس" العبرية أن بوادر التحول في "إسرائيل" أصبحت واضحة، وأن حلول ما أطلقت عليه "الربيع الإسرائيلي" أصبح أمراً قريب المنال، مستشهدة على ذلك بموقف المدرسين "الإسرائيليين" الذين وجهوا رسالة إلى وزير التعليم ليحيطونه علما بأنهم لن يخرجوا في جولات تراثية إلى مدينة الخليل مع طلابهم في رحلات تستغل الطلاب والمدرسين لكي يصبحوا رهائن لسياسة الحكومة "الإسرائيلية"، وأكدوا أنهم لن يمتثلوا لأي ضغوط أو تهديدات حيث إن "ضمائرهم تمنعهم من أن يكونوا عملاء لهذه السياسة"، وبررت الصحيفة موقف المدرسين وغيره من المواقف المشابهة في "إسرائيل" بزوال الخوف من الوزير أو الشخص المسئول، حيث أصبح الفرد يستخدم اسمه الحقيقي دون خوف في التعبير عن آرائه.

وأردفت الصحيفة أن أكثر من 300 محاضر وقعوا على بيان يطالبون فيه وزير التعليم بإسقاط خطته للاعتراف بكلية "يهودا والسامرة" في مستوطنة آرئيل وتحويل مركز الجامعة هناك إلى جامعة كاملة، ووجه المدرسون تحذيرا نصه "نعتبر أنه من واجبنا أن نوقف محاولة تسخير المؤسسات الأكاديمية لخدمة الاحتلال، هناك حالات مضت في التاريخ تم فيها حشد وتعبئة الأوساط والأجهزة الأكاديمية لخدمة الأهداف السياسية للحكومة وانتهت بتدمير التعليم العالي.

إن كل شيء يشير وبوضوح إلى قرب نهاية الكيان الصهيوني، وتخلي أقرب الحلفاء عنه شعبياً، هو ما يمهد بشكل تلقائي إلى نهاية التحالف معه سياسياً، أما الشعوب الإسلامية فقد عرفت طريقها نحو الحرية ولن تقف تلك الحشود إلا في باحات مسرى نبينا عليه الصلاة والسلام، وحينها تعود تلك القيم إلى حقيقتها وتنتصر لنفسها وعلى أعدائها الحقيقيين.


 

مقالات الفوائد