اطبع هذه الصفحة


مغالطات بيان الشباب السعودي

عبدالوهاب آل غظيف


بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم


مجموعة من ضحايا الثقافة المزيفة أصدروا بياناً أسموه ( بيان الشباب السعودي – بخصوص ضمان الحرية وأدب الاختلاف )
وهذا البيان عبارة عن قطعة حشيت شعارات جوفاء لا تحق حقاً ولا تبطل باطلاً، وهو مثال على ما يراد للشباب المسلم أن يعتمده تمهيداً لتغريبه عن ثقافته الإسلامية، فبدلاً أن تعتمد المعاني والدلائل الشرعية يتم اعتماد عبارات وشعارات مستهلكة، لا تسمن ولا تغني من جوع، ففي موضوع الاختلاف الفكري يتم استبدال ثقافة (المحق والمبطل والنصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) بثقافة (رفض الوصاية ورفض احتكار الحقيقة) ونحو ذلك، مما يتبين بالوقوف مع مغالطات البيان.

1-
أول مغالطات البيان في اسمه، ففي فاتحة البيان : (نحن مجموعة من الشباب الناشط، ... ولا نقبل أن يتحدث أي تيار أو اتجاه باسمنا) بينما هذه المجموعة من الشباب الناشط تحدثت باسم (الشباب السعودي) فأي مصداقية لما يعتبره البيان قيماً يدعوا إليها وهو بنفسه يهتكها بكل صراحة ودون مواربة ؟ وأي مصداقية لمن كتب عبارات البيان بينما هو يدوس عليها قبل غيره في كتابة عنوانه ؟

2-
يقول البيان (نسعى جاهدين نحو تحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية) هذه المرحلة من الفقه المقاصدي التي يريد استباقها من وقع البيان (شباب ليس فيهم واحد مهتم بعلم الفقه لنضع احتمالاً بأن يصير فقيه فضلاً عن مقاصدي) لا يؤدي إليها البيان ولا عباراته، فمن يروم مقاصد الشريعة فأقل ما يتوجب عليه أن يذكر حكماً من أحكامها أو دعوة من دعواتها أو على الأقل أن يستحضر آية أو حديثاً في تقريره لمعاني وقيم كلية تتعلق بالحريات والاختلاف، وعلى خلاف ذلك سنجد عبارات وشعارات ليبرالية مستندها الوحيد أنها مصدرة وسائدة في جو إعلامي لا علاقة له بالشريعة، بل هذه العبارات من الممكن تضمينها بأريحية تامة بكل ما ينافي الشريعة، ولنأخذ أمثلة على ذلك :
- (ولا نقبل أن يتحدث أي تيار أو اتجاه باسمنا بشكل يدعي فيه احتكاره لحق تعليمنا وإرشادنا ونصحنا والوصاية علينا بحجة حمايتنا وتحصيننا) هذه عبارة يمكن في ظلها رفض كل ما أمر به القرآن وجاءت به السنة من وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتواصي بالحق والتواصي بالصبر وأن الدين النصيحة لله ورسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم !
- (فنحن نستطيع أن نستمع للجميع ونحكم بأنفسنا دون وصاية لا تثق بعقولنا وتدعي التخوّف من أن يتم التغرير بنا) هذه العبارة تنافي وترفض ما علم بالضرورة من دين الإسلام من ضرورة أخذ المسلم بعقيدة الخوف من الضلالة والزيغ ومن ذلك ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم : (كان أكثر دعائه يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، قالت أم سلمة: فقلت يا رسول الله، ما أكثر دعاءك يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك؟ قال: يا أم سلمة إنه ليس آدمي إلا وقلبه بين أصبعين من أصابع الله فمن شاء أقام ومن شاء أزاغ ) ثم تلا معاذ – رواي الحديث – [رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا] {آل عمران:8}
- (نعبر فيها عن قناعتنا في رفض واستنكار أي محاولة لقمع الآخر وإيقاف مشاريعه) هذه العبارة يدخل فيها رفض محاولة – مجرد المحاولة!! – لقمع الملحدين والزنادقة ومشاريعهم التشكيكية بالدين والمتعدية عليه، بما ينافي قوله تعالى : [يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الكُفَّارَ وَالمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المَصِيرُ] {التوبة:73} وقوله صلى الله عليه وسلم : ( من رأى منكم منكراً فليغيره) وبما ينافي السيرة النبوية وهدي الخلافة الراشدة في عقوبة وقمع كل خارج عن دين الله ومفتئت عليه .
- (إن عودة ثقافة التحريض التي ما زال يمارسها البعض، ضد من يختلف معهم فكريا، والسعي لإلغائه) هذه العبارة تدين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تحت مسمى التحريض وتدين السعي لإلغاء الباطل وأهله الذي هو من أعظم مقاصد القرآن [لِيُحِقَّ الحَقَّ وَيُبْطِلَ البَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ المُجْرِمُونَ] {الأنفال:8}
- (حفظ حق الجميع في تأسيس مشاريعهم أياً كانت) هذه العبارة يمكن في ظلها إدانة الرسول صلى الله عليه وسلم الذي رفض مشروع المنافقين وهدم مسجد الضرار بأمر الله تعالى في القرآن بأنه اعتدى على مشروعٍ أياً كان !!
- (وحفظ حق المخالف في إبداء رأيه دون وصاية أو محاولة فرض الآراء) هذه العبارة يمكن أن ترفض في ظلها دين الله وهدي رسوله الذي قال: ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله ) وقال الله تعالى : ( [قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَا بِاليَوْمِ الآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الحَقِّ] {التوبة:29} ففي ظل العبارة السابقة من السهل رفض هذه الآية لأنها تأمر بفرض الدين على من لا يدين به من الذين لا يحرمون ما حرم الله ورسوله !
- (لا يمكن لأحد أن يدعي احتكار الحق والحقيقة باسم الشريعة) هذه العبارة ترفض وتنافي عقيدة المسلمين أن الحق في الإسلام وما سواه باطل، كما هو قوله تعالى : [إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلَامُ] {آل عمران:19} وكما هو قوله تعالى: [وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ] {آل عمران:85} بل إنها تريد أن تمنع المسلم أن يقول: (إن شريعة الله هي الحق وما سواها باطل) في معارضة لأمر الله في قوله تعالى: [وَقُلْ جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ] {الإسراء:81} وغرض هذه العبارة التسوية بين الشريعة وغيرها بحيث لا يجوز لأنصار الشريعة من المسلمين ادعاء الحق وتضليل أعدائها من الليبراليين والعلمانيين بما ينافي قوله تعالى : [وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالبَصِيرُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا المُسِيءُ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ] {غافر:58} [وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ] {فاطر:20} [أَفَنَجْعَلُ المُسْلِمِينَ كَالمُجْرِمِينَ*مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ] {القلم:35-36}

هذه بعض عبارات البيان التي يمكن تحميلها كل ما ينافي الشريعة ويرفضها، والتي هي في أصلها شعارات الثقافة المادية الغربية التي تنافي الأديان – ليس شريعة الإسلام فحسب – وفي المقابل لن تجد في البيان محترز واحد يوضح مقصود هذه العبارات ولا آية واحدة يدّعي موقعوا البيان أنهم يستندون عليها، فعن أي مقاصد للشريعة يتحدث هؤلاء ؟
أبعد الناس عن الشريعة ومقاصدها هم أولئك الذين لا يرفعون بها رأساً حتى في قطعة صغيرة يوقعون عليها، في حين هم مستعدون لتلقي وتقديس وإكبار تلك الشعارات الجوفاء التي يستلهمونها من الغرب الكافر من نحو ( احترام الآخر ) و (رفض الوصاية) و(حرية التفكير) و(رفض احتكار الحقيقة) .

3-
التمويه بالعبارات من عادة الضلال منذ بزوغ الضلال في تاريخ الإسلام، يسمون الأشياء بغير اسمها، أو يتحاشون اسمها الشرعي ليهربوا من منطقة القصف الذي يتعرضون له بالآيات والأحاديث، فمخالف الشريعة ومناكفها يسمونه ( الآخر ) و (المختلف فكرياً) وبغض النظر عن صدق هذه التوصيفات فإن غرضهم إبطال ما يترتب على وصفه بمخالفة الشريعة، من امتهان مخالفته ووجوب إنكارها، وهذا ينافي ما يريدونه من حفظ حقه واحترامه !
ويمكن أن يدرج في عداد هذه التمويهات محاولتهم تصنيف من يخالف الشريعة ويرفضها وكأن مخالفته إنما هي لحزب وفئة، مستغلين أن الشريعة إنما تقوم في الواقع عبر امتثال حزب وفئة لها .
ومخالف الشريعة وإن صدق عليه أن يخالف حزب وفئة فهو أيضاً يخالف الله ورسوله ويعاندهما ، ومثله حقه علينا: النصح والأخذ على يده وإبطال مخالفته وأطره على الحق ، لا احترامه وتسويغ عصيانه وتمرده .


هذه وقفة عجلى مع البيان، والله أعلم وأحكم.


 

مقالات الفوائد