اطبع هذه الصفحة


ماذا يراد للتعليم في بلادنا ؟

صالح بن ساير المطيري


بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم


الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على النبي المصطفى وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واقتفى . اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه أما بعد :

بادئ ذي بدء أقول إن نظام تعليم المرأة في بلادنا تجربة رائدة ونموذج يحتذى فقد نالت المرأة لدينا أرقى الشهادات وحصلت أعلى العلوم وهي بحجابها وعفتها وحشمتها وبعدها عن مخالطة الرجال . وأصبح هذا النموذج مطمح العقلاء حتى من الكفارـ فضلاً عن المسلمين ـ وأصبحت بعض الجمعيات الحقوقية في أمريكا وبريطانيا تطالب بعزل النساء عن الرجال في أماكن التعليم ونجحت في تحقيق شيء من ذلك وأثبتت الدراسات هناك قوة التحصيل العلمي عند الفصل وهذا أمر طبيعي موافق للفطر السليمة . ولكن هذا النموذج الرائع لم يُرض مرضى القلوب في بلادنا الذين لا يريدون بالمجتمع الخير وتتساقط منهم دموع التماسيح بكاء على واقع المرأة لدينا وعدم إفساح المجال لها في العمل ويدعون إلى فتح المجالات المتعددة لتوظيف المرأة .

ما حصل في جامعة الأميرة نورة من دخول رجل لتدريس الطالبات في قاعاتهن وما زامنه أيضاً في جامعة الدمام من دخول امرأة لتدريس الطلاب أمر أزعجنا كثيراً وأقض مضاجعنا وآلم قلوبنا وأدمى مدامعنا وسأقف مع الحدث عدة وقفات :


الأولى :
إن ما حدث لا يمكن أن يتصور أنه أمر عفوي أو تصرف إداري فردي قريب بل يظهر منه أنه أمر مرتب وراءه من وراءه ممن يريد كسر الحاجز وفرض الاختلاط بقوة القرار الإداري الذي يجعل الناس أمام الأمر الواقع وهذا صورة من صور فعل المتنفذين الظالمين إذا أرادوا إقرار أمر لا يناسب حال المجتمعات ولكنه قرار لم يحسب حسابه ولا تبعاته ولا مآلاته . وأرادوا منه أيضا جس نبض الشارع فإن رأوا سكوتاً مضوا وبخطى سريعة في تطبيع هذا الأمر وإن وجدوا ردة فعل عظيمة خنسوا ورجعوا .

الثانية :
الحدث كشف بوضوح تام زيف دعاوى العلمانيين الذين يتشدقون صباح مساء عن حقوق المرأة ووجوب إفساح المجال لها في العمل وتكثير المجالات التي تعمل من خلالها ، ونجد أن وزارة العمل تتابع وبحماس منقطع النظير في تأنيث محلات بيع المستلزمات النسائية وتعاقب من لا يطبق هذا القرار . فالحدث ضرب العلمانيين في مصداقية مزاعمهم فكيف يفسرون لنا هذا الإجراء الذي تم ؟ّ! فهذه جامعة أنشئت لتكون خاصة للنساء ومؤهلة لاستقطاب الأعداد الكبيرة من النساء من الأكاديميات في شتى التخصصات والإداريات والمستخدمات وحارسات الأمن والطالبات فكم ستستوعب هذه الجامعة من الكادر النساء وكم ستفتح من مجالات العمل . مع هذا كله وفي مجتمع نسائي خاص يدخل عليهن رجل ليزاحمهن في أعمالهن . فسروا لنا لماذا الرجل الذي أمامه الأبواب مشرعة في العمل يزاحم النساء في أعمالهن إن كنتم صادقين ؟

إذاً ليس الصراخ لأجل المرأة وحاجتها والحرص على مصلحتها وإنما الهدف إخراجها واختلاطها بالرجال مهما كانت المخرجات فهو مشروع إفسادي يجب أن يكون . ويجب أن يفرض على المجتمع .

الثالثة :
جامعة الأميرة نورة جامعة كبيرة في مبانيها العظام وإمكاناتها وطاقاتها وأجهزتها ، وصُرف عليها الأموال الطائلة لتكون جامعة خاصة بالنساء فما دخل الرجال فيها ؟! فإذا كان هذا الصرح المشيد للمرأة يمكن أن يدخله الرجال فما قيمته ؟ ولماذا ينشئ ويصرف عليه هذا الجهد ؟ فالجامعات الأخرى فيها الكفاية !!!

الرابعة :
توقيت الحدث يدعو للريبة ففي وقت نحن بحاجة ماسة إلى جمع الكلمة ووحدة الصف وإتحاد الهدف في زمن يمور بالفتن والأزمات من حولنا ـ ولسنا بعيدين عنه ـ في مثل هذا الوقت العصيب لسنا بحاجة إلى إجراءات استفزازية لمشاعر الناس في دينهم وأعراضهم ولسنا بحاجة إلى شحن النفوس ففيها ما يكفيها . في مثل هذه الظروف تأتي مثل هذه القرارات الخرقاء وقد تعلمنا من دروس التاريخ أمثال هذه التصرفات فالمنافقون إنما ينشطون في الأزمات فإذا رأوا الأمة في محنة أو أزمة أشعلوا فيها فتنة من داخلها .

الخامسة :
من حق المرأة في بلادها المسلمة ـ بلاد الحرمين ـ على ولاة أمرها أن تصان كرامتها وتحفظ خصوصيتها وأن يحقق لها طلب العلم والثقافة في جو حر يناسبها بعيداً عن اختلاطها بالرجال كما كان ـ ولا يزال هو السائد ولله الحمد ـ لكن هذه الخروقات تعكر هذا الصفاء فمن حق المرأة على ولاة أمرها أن يوقفوا أمثال هؤلاء المخالفين لدين الأمة وأنظمة البلاد المعمول بها في تعليم المرأة لدينا .

السادسة :
أعلم أن جامعة الأميرة نورة تضم بين جنباتها كثيراً من النساء الصالحات التقيات الغيورات على دينهن من الأكاديميات والموظفات الإداريات والطالبات فالمؤمل منهن أن يكون لهن وقفة جادة نصراً لدين الله وإيقافاً لإفساد هؤلاء المفسدين فإن هذه الخطوة الجريئة لها ما بعدها ، والمطلوب من هؤلاء الفضليات وقفة حاسمة تردع هؤلاء وتشعرهم أن النساء في بلادنا لا يمكن أن يرتضين هذا السلوك الشائن المهين وهن قادرات بإذن الله على مواقف شجاعة جادة يحسب لها هؤلاء ألف حساب .

السابعة :
على النساء عموما في بلادنا أن يوصلن أصواتهن إلى المسؤولين على أعلى المستويات عبر البيانات والبرقيات والخطابات بوضوح تام في إنكار هذه التصرفات الخرقاء ، ويجب أن تصل أصواتهن إلى المسؤولين بكل صراحة في رفض الاختلاط بشتى صوره وعدم القبول به إطلاقاً .

الثامنة :
لا يمر الحدث بسلام فعلى علمائنا الكرام بدءا بسماحة المفتي وأعضاء هيئة كبار العلماء والقضاة والدعاة أن يسجلوا موقفاً بطولياً تحتاجه المرحلة في إنكار هذا المنكر وتجريمه والمطالبة بمحاكمة المتسبب فيه أياً كان ومخاطبة ولاة الأمر في ذلك .

فهذه الخطوة أيها الفضلاء خطوة جريئة لها ما بعدها . وعلينا جميعا أن ننكر هذا العمل ونصل إلى أعلى المستويات لإنكاره ووجوب الاحتساب على المتسببين .

وأن نقوم بمخاطبة المسؤولين وزيارتهم والكتابة لهم وإيصال رغبة المجتمع السعودي المسلم بتعليم نظيف بعيد عن أسباب الاختلاط ودواعي الفتنة كما كان صفاؤه من قبل . وليعلم المفسدون أن أعراضنا خطوط حمراء لا يمكن أن تتجاوز .

أسأل الله بمنه وجوده وكرمه أن ينصر دينه وأن يعلي كلمته وأن يوفق ولاة الأمر في هذه البلاد إلى عمل يردع هؤلاء المفسدين ويوقفهم عند حدهم . وأن يخذل كل مفسد حاقد على هذا المجتمع وأن يديم أسباب الأمن والسلامة إنه ولي ذلك والقادر عليه .

صالح بن ساير المطيري
Abu- sayer@hotmail.com
الرس 21 / 10 / 1433

 

مقالات الفوائد