بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم
		
		قبل ما يقارب الـ 30 عاما جلس الرئيس السابق لمصر حسني مبارك على كرسي 
		الرئاسة باستفتاء شعبي ليحكم مصر في 14 أكتوبر من العام 1981م , ليعاد 
		الاستفتاء على انتخابه عام 87 , يليه انتخابه في العام 93 , ثم 99 , وختمها 
		بالفوز في العام 2005 مع أنه العام الذي شهد أول انتخابات تعددية بدلا من 
		الفوز عن طريق الاستفتاء , وكانت على تعدديتها لا تنتخب حقيقة إلا رئيسا 
		واحدا ولا يفوز فيها إلا "أبا علاء" بنسبة لا تقل عن 99,999% , أما الواحد 
		بالمئة المتبقي فهو بقشيش الانتخابات ليدفعوا به شر النفوس الحاسدة ضد هذه 
		النتيجة الباهرة التي لا تتغير عاما بعد عام.
		
		وقتها كان الدستور يتشكل حسب ما يريده الرئيس , ولم تكن تسمع أو ترى 
		إعتصامات لحزب فلان أو رأي الفنان فلان , فكلهم "سمعا وطاعة أيها الرئيس 
		أنت تدستر الدستور ونحن لن نكشف المستور " .
		
		ظل الوضع على ما هو عليه لثلاثة عقود ذاق فيها المصري الشريف كل أنواع 
		الابتلاءات , فمن مرارة الغربة للكفاءات المصرية والعقول الفذة التي هاجرت 
		من مصر لجميع دول العالم للبحث عن دخل جيد , إلى المآسي التي لا تنتهي ولا 
		حصر لها منها : الفقر , والأمية , وسوء الخدمات الصحية , والسكن , والبطالة 
		, والظلم , والكثير من المشاكل التي لا حصر لها , حتى تساوت حياة سكان 
		المقابر بالأحياء فيها كلهم أموات على قيد الانتظار .
		
		ذهب جيل وأتى بعده جيل شبابي مصري واعي , قاد ثورة الأحرار ودفع بعضهم 
		حياته ثمنا لحياة مصر جديدة وكتب ميدان التحرير تاريخا جديدا للفاتحين 
		الجدد يقول فيه : مصر لا يربطها بنظام الفساد السابق أي رابط , لها حكومة 
		جديدة منتخبة كل أربع سنوات , لها دستورا جديدا يكتبه الشعب ويصوت عليه , 
		تستحق حياة جديدة تبعثها من تحت ركام السنين بعد أن وئدت لسنوات .
		
		وكل هذه الأمور لا تأتي بين يوم وليلة , إن ما هدمه الفساد طوال 30 عاما لا 
		يمكن بناءة في أشهر أو حتى عام , فما تفعله مصر الآن هو التنظيف وترتيب 
		البيت المصري وتنظيم الأسس الجديدة للبناء حتى لا تبنى على بناء فاسد 
		فتنهار .
		
		ثلاثون عاما من الدروس اليومية تتلقاها مصر النيل والأهرامات , ومع ذلك 
		يريد البعض أن تتناسى هذه الأرض دروسها وتخوض في لعبة سياسية قذرة ليس 
		هدفها النهوض بمصر , بل تفتيتها وتشتيتها وإضعافها , فثقلها السياسي كبير 
		وإن سقطت في وحل الصراعات فستسقط كل العروبة .
		
		مصر : لا تباع بأثمان بخسة ! دراهم معدودة تعبر حدودها لتقسيم صفوفها وبث 
		الفوضى فيها , فإن كان من يدفع المال يفعل ذلك لينقذ "رؤوسا في الفساد 
		أوغلت" فإن الإنسان المصري أكثر وعيا وذكاءً من أن يحمي الفساد ويتستر عليه 
		ويصدقه .
		
		كلها أسماء يعرفها المصري جيدا ويعرف تاريخها الملطخ بعار الخيانة , أسماء 
		سرقت ثروته , خانت أسرار دولته , أضعفت اقتصاده وقوة بلده العسكرية وهي من 
		كانت في زمن من الأزمان قبلة الجائعين وأمان الخائفين .
		
		آن الآوان أن تتحد تلك الأيدي وتصنع جدارا عازلا ضد الصدمات , وضد 
		الاختراقات , وضد التدخلات الخارجية من دول المال ودول السلاح ودول الاجرام 
		, فمصر للمصريين وليس للعابثين .
		
		إن أردتم عودة فيروسات الاستبداد لحكومة مصر فما عليكم إلا تنصيب مستبد آخر 
		! لأن ملف الفساد إذا تم نبشه فتح الكثير من الملفات العفنة والأساليب 
		الملتوية , فلا تغتروا بوقفة فنان أو راقصة فالسياسي السابق قتل "السندريلا" 
		وأخفى حذاءها تحت ذريعة الفساد الفني السياسي . 
		
		ولا يدهشكم خطابات قادة الأحزاب فكل حزب أصابه سعار المناصب , فلو كان همهم 
		مصر لما جعلوها في آخر اهتماماتهم .
		
		نعم يحق لكم أن تمارسوا الديموقراطية , وتشموا رائحة الحرية الزكية , لكن 
		تذكروا أنكم مازلتم تنفضون عنكم غبار الثلاثين عاما , وأن الحرية تحتاج صبر 
		وحلم وتأني حتى تكتمل فصولها , ولا تنسوا أن الإرث الفاسد الذي ورثتموه من 
		كل هذه السنوات كبيرا جدا ويحتاج لعمل وجهد لإصلاح ما أفسدته عائلة مبارك 
		وفلولها .
		
		رحم الله حافظ إبراهيم كأنه يتابع المشهد اليوم فتنطلق من جوفه صرخة شاعر 
		فيقول :
		كم ذا يُكابِدُ عاشِقٌ وَيُلاقي -- في حُبِّ مِصرَ كَثيرَةِ 
		العُشّاقِ
		إِنّي لَأَحمِلُ في هَواكِ صَبابَةً -- يا مِصرُ قَد خَرَجَت عَنِ 
		الأَطواقِ
		لَهفي عَلَيكِ مَتى أَراكِ طَليقَةً -- يَحمي كَريمَ حِماكِ شَعبٌ راقي