اطبع هذه الصفحة


كنت اعتقد

د. ايمان الشوبكي


بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم


كنت اعتقد و أنا صغيرة أن الكتاب و المفكرين و كل صاحب قلم ليسوا بشرا عاديين مثلنا ..ليسوا أمثالنا لا يفكرون بطريقتنا و لا ينظرون للأمور بنظرتنا لأن لديهم هموم ثلاث : هم تحليل الأمور بنظرة زمنية أسرع و أوسع وأشمل من غيرهم
هم التعبير عن ذلك بضمير قلمه
هم شرف المهنة مهما واجهوا بأخلاق تتناسب مع مهمة شريفة و عظيمة تحملوها و من الله عليهم بها حتى يقودوا العقول بأقلامهم و أقوالهم
وإن شرف القلم و الحروف التي يكتبها الكاتب لأخطر عليه من المرض الجسدي الذي تخصص فيه الكثير من الأطباء و أوجدوا له العلاج
أما المرض الفكري فهو خطير لأن صاحب المرض لا يشعر بمرضه فلن يطلب العلاج وقد يكون الكاتب هو سبب عدوى هذا الفيروس الفكري الذي أنتجه من بنات أفكاره و لبنات أسنان قلمه حتى وإن أراد أن يعالج ما أشاع قد يكون قد استشرى و تبناه غيره هنا و هناك فيتحمل وزر ما فعل بل ما كتب
إن شرف القلم و اللسان لا يتوقف عند كتابة كل ما أريد ريثما أريد و أينما و كيفما أريد ولكن إن أراد القلم أن ينطلق بإبداعه لتنطلق جراثيم فكرية معها عليه أن يسأل : هل هذه الانطلاقة حق أم باطل ؟؟ لأن الله يحاسب على النوايا لا على الظواهر و النتائج وأن يعلم من فقه الأولويات ما يقي بما يكتب شر الفتن
كنت اعتقد أن الكاتب و صاحب القلم له إكليل أخلاقي يتميز عن غيره به لأنه يتعامل مع أدق جزء في الإنسان احتار فيه العلماء و المتخصصون فهم يعالجونه من غير أن يروه ألا و هو عقل الإنسان فهو يتعامل مع جزء به يرفع عن الإنسان القلم قلم الحساب لا الكُتَاب ... يتعامل مع ما مُيز به الإنسان عن باقي مخلوقات الله عز وجل والذي به حمل الأمانة التي أبت السموات و الأرض و الجبال حملها و أشفقن منها و لكن حملها الإنسان و حمل الكاتب و كل صاحب قلم أمانة يضيفها إلى رصيد هممه وهمومه...هم توجيه هذا العقل للاختيار
كنت اعتقد أن صاحب القلم و الفكرة يستطيع أن يتجاوز الأزمات الفكرية و الخلافات الإعتقادية بسعة فكر و رحابة علم و تميز خلق ليقدم للعقول و الأفهام كيف نختلف وكيف نعبر عن اختلافنا وكيف يضبط شرف القلم انفعالاتنا ليستحق أن يوجه عقولنا
كنت اعتقد ومما أراه حقيقة في هذا الزمن البعيد وكان واقعا أن الكتاب في مجملهم لا يسب الواحد منهم على أوراقه أحدا و لا يشتم و لا يهين و لا يخرج ألفاظ تجرح الآخرين ليست لقوتها في الحق و لكن لتدني معانيها و خروجها عن الآداب العامة و لا يزل بلسانه و لا بلسان قلمه في كلماته و تعبيراته المقروءة و المسموعة عن منظومة المجتمع المحافظ بشكل عام المنحاز إلى فطرة الخير في القلب و اللسان
كنت اعتقد بل و كنت أشاهد و أسمع وأقرأ في القصص و الروايات و الافلام و المسلسلات ما لم تصل به الألفاظ و العبارات الخادشة للحياء الآن مع تشابه المواقف و أصبحت أكثر جرأة فلا أتصور كيف قبل الكاتب أن يدنس قلمه بحجة أن هذا واقع الناس
كنت اعتقد أن هذا الكاتب و المفكر....و... لديه من رهافة الحس و رقة المشاعر ما يجعل قلمه رفيع الخلق في التعبير عما يريده لإيصال فكرته برقي و ترفع عما قد يخالطه غيره من زحمة السلوكيات و التصرفات اليومية المشوبة بأزمة ضبط النفس و الانفعال لكنه يخالط و يخاطب عقول ترسل إشارات ضبط النفس وتوجه بوصلة القناعات على الصواب منها
كنت اعتقد أن النزاهة هي صلب قلمه ، و الضمير .. مساحة يمحو بها حظ ابن آدم من الخطأ ، و الاعتذار.. يغطي حبره عن السير في فتن أغلقت
كنت اعتقد أن سبق القلم لا يعلو تحري الدقة و الأمانة و أن كثرة الصحف و القنوات و .... أكثر اتساعا من الأخبار و الأحداث فلا مانع من اختلاق أخبار ثم تكذيبها ثم تحليلها و تحليل تكذيبها و هكذا شغل بلا شاغل
كنت اعتقد أن التفاؤل هو مدادهم الذي يمدوا به قارئهم و ليبثوه في مستمعهم
كنت اعتقد أنهم لا يستخدمون مآسي الشعب كوسيلة للإعلان عن صحفهم وقنواتهم حتى أنهم يستخدمونها فواصل أو مقدمة لبعض برامجهم
كنت اعتقد أن انتقاء الأحداث والمحاورين هو لخدمة المشاهد و ليست لعبة ذكية تدار بتوجهات سياسية لإظهار جزء من الحق ليراد به باطلا أحيانا و لا وقت و لا عدل في باقي الحقيقة أن يظهر
كنت اعتقد أن نمو الانتماء بحجم نمو مصلحة الوطن و حبه و الإخلاص له دون لي ما بين السطور قولا و تأويل تفاصيل الأحداث فعلا
كنت اعتقد الكثير .. و الكثير ..و ........ و لا زلت اعتقده و سأظل اعتقده و اعتقد معه الكثير عنهم في العلم و المعرفة و الأدب و الدين و الحضارة و الثقافة و.... فكنت اعتقد أن كتابينا ومفكرينا (منارة المعرفة) يصونون ذلك بين سطورهم ولكن يظل سؤال يراودني أيا ترى هل يعتقدون في أنفسهم ما كنت اعتقده أنا فيهم ؟؟؟؟؟؟

 

مقالات الفوائد