اطبع هذه الصفحة


عفواً ممنوع دخول السلفية والسلفيين

أحمد فهمي


بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم


هذا عنوان لافتة افتراضية تم غرسها على أعتاب القرن الجديد أو الألفية الثالثة أو الشرق الأوسط الجديد، أو غير ذلك من المسميات التي تختلف في تفاصيلها، وتتفق على شيء واحد وهو: لا مكان للإسلام الأصولي السلفي في العالم الجديد أياً كان اسمه.

ومحاكاةً للنمط الأمريكي في طرح الأسئلة ذات الخيارات المتعددة، قام أحد مراكز البحوث بإعداد دراسة مستقبلية مفصـلة تجـيب عـن سـؤال:
كيـف سيـكون شكـل العالم بعد 15 عاماً من الآن؛ وتحديداً عام 2020م؟

وشارك في إعداد خيارات الإجابة عدد من الخبراء والباحثين المتخصصين، وتبنى الدراسة المجلس القومي الأمريكي للاستخبارات (الشرق الأوسط، 2/11/2005م) وكان هناك أربعة خيارات أطلقوا عليها اسم «سيناريوهات المستقبل»:

1. إمبراطورية إسلامية من المغرب إلى إندونيسيا.
2. عالم من الفوضى والإرهاب.
3. عالم تسوده العولمة بدون سيطرة أمريكية. (4) عالم تسوده القيم الأمريكية وتحكمه واشنطن.
وقد تلقف الرئيس الأمريكي على الفور هذا المضمون وحذر في إحدى خطبه الأسبوعية من الإمبراطورية الإسلامية القادمة.

هذا الخوف من الإسلام ـ بشقيه الحقيقي والمفتعل ـ يحتاج إلى سؤال آخر على النمط الأمريكي أيضاً، وهو: تتعدد المناهج والتيارات المطالبة بعودة الإسلام؛ فأيها تخشى أمريكا تحديداً؟:

1. التيار الإسلامي السياسي.
2. التيارات السلفية.
3. الطرق الصوفية.
4. المؤسسات الدينية الرسمية.
وقد قدمت مراكز الأبحاث الأمريكية إجابة واضحة عن هذا التساؤل، باختيارها للتيارات السلفية مصدراً عاماً للقلق والتوتر.

وهنا نأتي إلى السؤال الثالث وهو: ما هي أفضل الطرق للتعامل مع الخطر الذي تمثله السلفية؟:

1. استبدالها بمناهج وأفكار أخرى.
2. الإقصاء.
3. الاحتواء؟

ونحاول في هذه الورقات أن نقدم الخيار الأكثر ترجيحاً للإجابة عن السؤال الأخير.
1- استبدال السلفية:
يقوم مفـهوم الاستـبدال علـى قـيام جهـات الضـغط الغربية ـ بطرق غير مباشرة غالباً ـ بتحفيز وتشجيع تيارات ومناهج أخرى لكي تقوم كبديل للمنهج السلفي في الدول الإسلامية. وترتكز فكرة الاستبدال على وجود رغبة عامة وعارمة لدى الجماهير في التدين.
وانبعاث هذه الفكرة ـ التبديل بين أنماط التدين ـ في العقلية الغربية وتناميها لدرجة القناعة يدل على تطور خطير في نظرتهم وتفسيرهم للسلوك الديني للمسلمين، وقد كانت الفكرة القديمة تنحصر في تجفيف منابع التدين واستبدال الدين بأفكار علمانية براقة، ولكن مع فشل هذه الفكرة، بدأ الكثيرون ينتقلون إلى مرحلة تالية، وهي: فلندع المسلمين يتدينون كما يريدون، لكن فلنقدم لهم نحن (التوليفة) المناسبة للتدين.
وتكمن خطورة السلفيين بالنسبة لخصومهم في أنهم يقودون الناس في قطار سريع يصلهم مباشرة بين الواقع ومصادر التشريع، أما غيرهم من التيارات فيأخذون الناس في جولة سياحية تطول وتقصر بحسب المنهج، وأحياناً تتحول الرحلة بمجردها إلى هدف منشود.

والعناصر الرئيسة المتضمنة لـ (توليفة) التدين الأمريكية:

1. رموز ودعاة مستقلون يقدمون نمطاً متطرفاً في تسامحه واعتداله ليبرز النمط السلفي للتدين على أنه متطرف في فهمه وتمسكه بتعاليم الإسلام.
2. غطاء وحاجز سياسي توفره التيارات السياسية التي تنظر للتيارات السلفية على أنها معوق لتقدمها السياسي، كما أنها على استعداد لتقديم تنازلات دينية في سبيل تحقيق مكاسب سياسية.
3. الربط الوثيق بين السلفية العلمية والدعوية وبين السلفية الجهادية، بحيث يصبح الجميع منهجاً واحداً متعدد المراحل أو المستويات.
4. إفساح المجال في عدد من البلدان الإسلامية لدعاة التصـوف وخـاصة الذين طـوروا خطـابهم في مرحـلة ما بعد 11 سبتمبر، والذي يقفزون فيه على كل ما يثير الغرب في الإسلام، ويقدمون صياغة جديدة قابلة للتسويق في الثقافة الغربية.

ونقدم تفصيلاً أكثر لعنصري: دعاة الاعتدال، والمتصوفة الجدد.

العنصر الأول: دعاة الاعتدال:

وقد بدأ نجمهم في البزوغ في السنوات الأخيرة وخاصة بعد 11 سبتمبر، وأهم صفتين تمثلان جواز المرور لهذه الفئة من الدعاة أنهم يتجاوزون نقاط الاختلاف الساخنة مع الغرب، ويقفزون على قضايا الولاء والبراء والقضايا العقدية إجمالاً، كما أنهم لا يرتبطون غالباً بأي انتماءات لجماعات إسلامية عليها علامات استفهام غربية.
وفي الحقيقة فإن هذه الفئة من الدعاة رغم إيجابيات تحققت على أيديهم بإذن الله، فإنهم يلعبون دوراً خطيراً في وقف التوجه الشعبي نحو الإسلام الحقيقي بشموليته لجميع جوانب الحياة؛ فهم يمثلون مكابح للتدين تقف بالناس عند مرحلة معينة متوسطة بين الانحراف عن الدين وبين الإسلام كما يقدمه المنهج السلفي، ليقولوا لهم: نهنئكم بسلامة الوصول؛ لقد أصبحتم متدينين.
ولا يُخفي عدد من المفكرين والكتاب الغربيين أن هذا بالفعل هو مفهومهم عن أي إصلاح أو نهضة إسلامية. يقول (روبرت سبنسر) مدير موقع مراقبة الجهاد (jihad watch): يجب على النهضة الإسلامية أو الإصلاح ـ أيهما شئت ـ أن تكون إلغاء واضحاً للحرفية القرآنية، وإن لم تكن كذلك؛ فكيف ستُمنَع هذه الحرفية من الظهور مجدداً؟».
ولكن المؤسـف أن التـنازلات التـي يقدمها دعاة الاعتدال قد لا تلقى ترحيباً لدى الطامعين في المزيد، وفي مقدمة هؤلاء الحاقد الأكبر على الإسلام (دانيال بايبس) صاحب الحظوة في البيت الأبيض الذي كتب مقالة بعنوان «كيف نحدد المسلمين المعتدلين؟» نشرتها صحيفة (نيويورك صن)، ويقول فيها: «هـناك المزيـد مـن المعتـدلين المزيـفين الذيـن يصـعب الكشف عـن تطـرفهم، حتـى وإن كان المراقب هو مثلي ويكرس الكثير من الوقت والانتباه إلى هذه القضية». ونحن لم نسمع من قبل عن معتدلين يلبسون «طاقية» الإخفاء، وخاصة أن المسلمين السنة لا يعتمدون «التقية» في دينهم. ويقدم «بايبس» توضيحاً أكثر لمراده: «الإسلامويون ـ يعني المتطرفين ـ يعون الحاجة إلى المسـلمين المعـتدلين وهـم يتـعلمون كيـف يتظاهرون بالاعتدال، ولا شك أن هذا التمويه سيتحسن مع الوقت».

العنصر الثاني: المتصوفة الجدد:


ونحتاج إلى بعض التفصيل لهذا العنصر نظراً لأهميته وخطورته على الدين الحق، وهناك دلائل كثيرة تشير إلى أن السياسة الأمريكية باتت تنظر إلى الصوفية «المعدلة» على أنها يمكن أن تمثل بديلاً مناسباً للتدين لدى عامة المسلمين، ونذكر فيما يلي بعض هذه الدلائل،

ثم نقدم نموذجين للمتصوفة الجدد:

ـ في عام 2003م عقد مركز نيكسون للدراسات في واشنطن مؤتمراً عنوانه «فهم الصوفية والدور الذي ستلعبه في السياسة الأمريكية» وكان من أبرز الحضور الدكتور برنارد لويس وهو من أبرز الناقمين على الإسلام، والدكتور كوركوت أوزال شقيق الرئيس التركي الأسبق تورجوت أوزال، ومحمد هشام قباني رئيس المجلس الإسلامي الأمريكي.

ـ ووزع في المؤتمر دراسة بيانية توضح الجماعات والمذاهب الإسلامية والمنتمين إليها، وجاء فيها أن مجموعة السلفية هم الذين ينتمون إلى مدرسة ابن تيمية، وأطلقوا عليها «مجموعة الإسلام السياسي» ووضعوها داخل دائرة حمراء، واعتبروا من بينها: الوهابية ـ الجماعات الفلسطينية الإسلامية ـ الجماعات الإسلامية السلفية ـ حزب التحرير ـ جماعة التبليغ.

ـ يعتبر المجلس الإسلامي الأمريكي الصوفي الذي أسسه هشام قباني مصدراً مهماً للمعلومات لدى الإدارة الأمريكية عن الإسلام والمسلمين، وكان بول وولفويتز مساعد وزير الدفاع الأمريكي السابق يعقد لقاءات دورية مع أعضاء المجلس للتشاور معهم حول قضايا الإرهاب «الإسلامي».

ـ بعد فوز حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوجان الصوفي النقشبندي، بدأ مسؤولون في السفارة الأمريكية في تركيا بزيارة الجماعات الإسلامية التركية ودراستها عن قرب، والاطلاع على حجم شعبيتها وتأثيرها، والتباحث مع قادتها حول رغبة الأمريكيين في استخدامهم في نشر الإسلام المعتدل خارج تركيا ضمن إطار الشرق الأوسط الكبير، وفي المقابل كانت وعود بدعم مالي وسياسي ومنح دراسية لأتباعهم في أمريكا. (راجع موقع الصوفية على شبكة الإنترنت).

ويمكن الإشارة في هذا الصدد إلى نموذجين يمثلان التيار الصوفي الجديد: أولهما: الداعية علي الجفري، والثاني: الدكتور محمد هشام قباني المقيم في الولايات المتحدة.
فاـلأول ـ الجـفري ـ بـرز بقوة عن طريق مواعظه للنخبة الفـنية والطبـقة الغنيـة في مصـر، ثـم عبر الفضائيات؛ وذلك بعد 11 سبتمبر، وبدا أن الطريق أمامه مفروش بالورود؛ ففي خلال وقت قصير زار الولايات المتحدة وطاف في تسع ولايات، وألقى دروساً ومحاضرات بعضها في جامعات أمريكية، في الوقت الذي مُنع فيه حفيد الشيخ حسن البنا الدكتور طارق رمضان من دخول الولايات المتحدة، وتكرر ذلك مع الداعية البريطاني الجنسية والمولد يوسف إسلام، كما زار الجفري بريطانيا وأيرلندا وهولندا وبلجيكا، بالإضافة إلى إندونيسيا وسريلانكا وكينيا وتنزانيا ولم يفوت جزر القمر.. (راجع مقالة أنور قاسم الخضري رئيس تحرير صحيفة الرشد اليمنية، موقع صيد الفوائد).

والنموذج الثاني «هشام قباني» ـ من أصل لبناني ـ الذي أسس ما يسمى المجلس الإسلامي الأعلى، وهو منظمة صوفية في الولايات المتحدة، ويحظى الرجل بدعم كبير من الإدارة الأمريكية، ودُعي إلى البيت الأبيض والخارجية، وألقى محاضرات على مسؤولين في واشنطن إحداها كانت بعنوان «التطرف الإسلامي وخطورته على الأمن القومي الأمريكي».

ويبدي الدكتور هشام قباني عداء خاصاً للسلفية ممثلة في الدعوة الوهابية، ويُعتبر أحد مصادر المعلومات والتحريض ضدها في أمريكا، وهو يدعي أن 80 % من المساجد في أمريكا يسيطر عليها المتطرفون الوهابيون، ويتجول قباني في أنحاء العالم بحرية، وهو يقول: «في رأيي المتواضع أن الصوت المهيمن والمسيطر هو صوت الوهابية؛ فهم يسيطرون على النشرات والكتب والأموال، فكل شيء في أيديهم» وهو يعرض الصوفية كبديل واضح للوهابية فيقول مخاطباً من يعنيه الأمر: «علِّموا الطلاب الصوفية، يجب أن يتعلم الطلاب كيف يصبحون محبين للسلام، وكيف يصبحون جزءاً من المجتمع الكبير؛ فالوهابية تحرض الطلاب على ألا يكونوا جزءاً من المجتمع الكافر، ولكن ينبغي الاندماج والتكامل مع النظام الذي يعيش فيه المرء، أما الدين فمسألة بين المرء وبين الرب، هكذا يقول الإسلام» (نقلاً عن صحيفة صندى استريت تايمز، موقع إسلام ديلي).

وقد زار قباني ضمن الدول الإسلامية أوزبكستان ثلاث مرات، وكان في كل مرة يكيل المديح والثناء على رئيسها كريموف الطاغية الذي ألقى بعشرات الآلاف من الإسلاميين في السجون، وأغلق المدارس الدينية وحارب الحجاب وأغلق عدداً كبيراً من المساجد، وفي زيارته الأخيرة اصطحب وفداً تعداده 120 شخصاً طافوا أنحاء أوزبكستان يشوهون الإسلام ويلقون في أذهان الناس أوهام الصوفية المعتدلة!!
والحال هكذا؛ فليس غريباً أن تنشر مجلة يو إس نيوز الأمريكية أن واشنطن تسعى لتشجيع ودعم الحركات الصوفية كإحدى وسائل التصدي للجماعات الإسلامية، ويشمل ذلك تشجيع إعادة بناء الأضرحة وترجمة المخطوطات الصوفية القديمة، ويعتقد استراتيجيون أمريكيون أن أتباع الصوفية ربما كانوا من بين أفضل الأسلحة الدولية ضد الإسلاميين «المتشددين»!

وقد استرعى انتباه متخصصين أمريكيين الصراع بين الحركات الإسلامية السلفية وبين الطرق الصوفية، ولذلك قررت الإدارة دعم الصوفية ولكن بصورة غير مباشرة، وذكرت المجلة الأمريكية أنه في إحدى الدول العربية في شمال إفريقيا دعا قادتها في هدوء زعماء الصوفية المحليين، وقدموا لهم ملايين الدولارات كمعونة لاستخدامها كحصن ضد الأصولية المتشددة.

كما أوصت لجنة في الكونجرس الأمريكي مختصة بالحريات الدينـية بتشـجيع الحـركات الصـوفيـة فـي العالم الإسلامي، وفي كتاب أصدرته الباحثة شيريل بينارد ـ وهي زوجة سفير أمريكا في العراق زلماي خليل زاده ـ بعنوان (العالم الإسلامي بعد 11 / 9) تناولت الحركات والمذاهب الدينية القادرة على التغيير في العالم الإسلامي،

وكتبت عند كلامها عن الصوفية أنهم: «يشكلون غالبية المسلمين اليوم وهم محافظون على معتقداتهم الإسلامية وتقاليدهم المحلية، غير متشددين، يعظمون قبور القديسين ويؤدون عندها الصلوات، ومجموعة الاعتقادات هذه أزالت تماما التعصب والشدة الوهابية وأصبح الكثير من التقليديين يشابهون الصوفية في السمات والاعتقادات، ولا يرون تضارباً بين معتقداتهم الدينية وولائهم لدولهم العلمانية وقوانينها»


 

مقالات الفوائد