اطبع هذه الصفحة


القرحة الكبرى

د. طارق الطواري


يعد طبيبا فاشلا من يعالج أثار الأمراض الظاهرة ويترك أسبابها ، فأنت حينما تظهر عليك بعض أعراض المرض من ارتفاع للحرارة واعتلال للصحة ودمامل وخدور في الأطراف وكسل وربما ترجيع وزغللة في العيون ودوار في الرأس ، كل هذا آثار لمرض انتشر داخل الجسم وأورث هذه الآثار وظهرت أعراضه خارجا ، وبناء لهذه الأعراض يشخص الطبيب الماهر طبيعة المرض ويصف الدواء على خطين متوازيين ، الأول علاج السبب الرئيسي للمرض والثاني علاج الآثار والمظاهر الناتجة عن المرض في الخارج.

وإذا كان الطبيب غبيا أو متغابيا أو متدربا أو غير مخلص فإنه سيلجأ إلى إعطائك مسكنات ومهدئات وعلاجات سطحية للآثار والمظاهر دون التطرق للسبب الرئيسي لهذا المرض وهي القرحة الكبرى التي تفرز الدمامل على حسم الإنسان وتعمل بين فترة وأخرى على إيذائه وشل حركته ، إذا فهمنا ذلك فإن الواقع التي تعيشه أمتنا كواقع جسم الإنسان يظهر فيها بين الحينة والأخرى دمامل على السطح وآثار انحراف فمرة حرب في الصحافة وأخرى استهزاء في الإعلام والتمثيليات وأخرى مقابلة مع مرتد في التلفزيون لينشر سمه على الخلق ورابعة تشريعات وقوانين تحد من حريات المسلم وتدعوا للتفسخ والانحلال وتمنع المسلمة من الحجاب أو لبسه أثناء العمل أو لدخول المراكز الحكومية وخامسة في حملات الاعتقالات والتعذيب وصناعة الشيكات الوهمية واستصدار الأحكام القضائية المعلبة والمعدة ضد الشباب المسلم.
وإذا التفت إلى العالم الإسلامي تكاد تجزم أنه لا تكاد تخلوا بقعة من اغاضتك واستفزازك بكل طريقة ووسيلة تحت اسم الحرية أحيانا والديمقراطية حينا آخر والتدابير الواقية من التطرف ومحاربة الإرهاب والعلمانية حينا ثالثا.
وينشط الدعاة المخلصون عند هذه النوازل للرد والتبين والدفاع ونظل طوال حياتنا ندافع وغيرنا يهجم ونبرر وغيرنا يتهم ونصد وغيرنا يضرب ، ولست هنا في معرض التقليل من شأن ما يقوم به الدعاة ، فعلى سبيل المثال قبل أيام كتب غبي من أغبياء الصحافة الكويتية مقالا يشتم فيه صلاح الدين ويصفه بالمرتزق وأن القدس لم تكن عربية ولا إسلامية أبدا ، وكتب حيوان ناطق في الصحافة مقالا يمجد فيه اليهود والعلاقة الحميمة معهم وآخر كتب عن مقاسات اللحى وأثرها في التصنيف الحزبي ، ناهيك الفساد الأخلاقي والمقنن والمدروس الذي يتسلل إلى الناس عبر الفضائيات والانترنت والبلوتوث والصحافة والمجلات والمدارس الأجنبية.
وكل هذا لاشك يستلزم جهدا ووقتا في الرد عليه لكن نسي الأخوة الدعاة القرحة الكبرى التي تفرز كل هذا الواقع المرير المريض أنها النظام السياسي القائم ، فنظام الحكم في العالم الإسلامي لا يمت إلى الشريعة في صلة اللهم إلا القليل الذي أعن الإسلام منهجا له ، وعليه فإن النظام السياسي العلماني الحاكم في العالم الإسلامي هو القرحة الكبرى والداء العضال الذي يفرز هذه المتناقضات ففي الوقت الذي يسمح فيه بإظهار شعائر الإسلام من مساجد وصلاة ينتقض الإسلام في تغيير أحكام الحدود والقصاص والجنايات وأنظمته الإدارية والمالية لا تراعي أحكام الشريعة ولا تلتفت لها وعلاقتها الدولية مبنية على أساس المصالح المشتركة والاتفاقات الدولية لا على أساس الشريعة ومواثيقه وعهوده وتحالفاته لا تضع اعتبارا للكفر والإيمان بل ولا إلى شريعة الله تعالى.
ونظام الحكم لا يمت إلى الخطاب الشرعي لا المنزل ولا المؤول ولا المبدل بل هو نمط جديد مزيج من الأنظمة والتعاليم الإسلامية والفرنسية والنصرانية والهندوسية البرهمية وبالتالي فإن أي تغيير يريده الدعاة فلا بد أن يركزوا على معالجة أصل النظام الحاكم أو نظام الحكم.
ولقد قام النبي صلى الله عليه وسلم في العهد المكي والمدني ، ففي العهد المكي عالج آثار النظام السائد ليؤسس لنظام جديد وقد قام هذا النظام في المدينة لا على المزج بين الأنظمة الجاهلية والإسلام وإنما على الوضوح في النظام الإسلامي الجديد الذي جاء بديلا عن النظام الجاهلي في الحياة الاجتماعية والتربوية والدينية والقانونية .
و من المؤسف قد انطفأت نار الدعاة الذين يدعون إلى عودة الشريعة إلى الحكم أو البحث عن أرض يقام فيها حكم الله تعالى ، فبعد كفاح دام 50 عاما أصبح لليهود دولة محتلة ومغتصبة ،ووضع الصليبيين للنصارى دولة أسموها الفاتيكان ، ووجد للشيعة دولة إيران وبجهاد فردي وصدق وإخلاص قام للسنة دولة مخلصة صادقة اسمها دولة طالبان ولكن سرعان ما تآمر عليها الغرب وأعوانهم من الخونة لتدميرها ومسحها من الوجود وهي عائدة بإذن الله بل وفي القريب العاجل وقد ظهرت التباشير واتضحت العلامات .
لذا فإن على أهل السنة مع حربهم على أهل الفساد ومعالجتهم لمظاهر الانحراف أن لا ينسوا الأصل وهي إقامة دين الله في الأرض من خلال تحكيم شرعه وتطبيق أمره (( واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل إليك )) وأن كل نظام غي شريعة الله فهو من الجاهلية (( أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون )) وأن الذين لا يريدون شريعة الله ولا يرغبون بها ويرون أن قوانينهم مساوية لشريعة الله أو هي أحسن منها فهم كفرة وفاسقون وظالمون كما نص القرآن في ذلك.
وعليه فلا بد من نصرة من يدعوا لإقامة دولة الإسلام كإخواننا المجاهدين الصادقين أينما كانوا في العراق أو أفغانستان أو الفلبين أو كشمير أو فلسطين بكل ما تستطيع وبذلك تفهم كيف تأكل الكتف.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
 

مقالات الفوائد