اطبع هذه الصفحة


العيد الوطني وتوحيد العبادة
17/11/1434
23/9/2013

جمعة عيد الخطيب


بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم


هذا اليوم هو يوم الاثنين السابع عشر من ذي القعدة، وهو يصادف العيد الوطني بمناسبة ذكرى توحيد مملكتنا السعودية فشرّع القائمون على الأمر الاحتفال به بعد ممانعة طويلة من العلماء.
هو عيد ولو سموه يوما وطنيا، وهو يضاهي الأعياد الشرعية ويكاد يقصيها ويقضي عليها كما تقصي السنة البدعة، وكما يقصي الشرك التوحيد. ففي العيد الوطني تؤمر الشركات والمؤسسات والأسواق والمحلات التجارية بالتعطيل فيه قسرا، وتفرض غرامات على من يخل بذلك، ولا يفرض ذلك في العيدين الشرعيين: عيد الفطر وعيد الأضحى، فأيها أكبر؟ أبرز ما قامت عليه مملكتنا الحبيبة هو اعتماد دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب جعل الله سبحانه الجنة مثواه ومأواه منهجا وسلوكا للدولة، فرسائل الشيخ المبجل، وسيرته العطرة مع سيرة مناصره الأمير المؤيد محمد بن سعود طيب الله تعالى ثراه قد فرض تدريسها في التعليم العام والعالي، وشيوخ الدولة من علماء وقضاة ودكاترة ودعاة وأئمة مساجد شرحوا كتب الشيخ ورسائله وقرؤوها في دروسهم عشرات المرات حتى تشبع السعوديون بها، فصاروا في الخارج ينبزون بالوهابيين، وصار لمن تأثروا بهم في البلاد الأخرى سمت وهدي يعرفون به، فيُعادون بسبب انتسابهم لدعوة الشيخ الإمام.

وأبرز ما في دعوة الإمام ابن عبد الوهاب تعظيم جناب توحيد العبادة (الألوهية) والذب عنه، وقطع كل طريق يخل به.

ولم ينعم توحيد الربوبية ولا توحيد الأسماء والصفات في دعوة الشيخ بما نعم به توحيد الألوهية من التقرير والتحقيق والشرح والتكرار والإلحاح، وسبب ذلك: أن الشيخ ظهر في بيئة كان خلل توحيد العبادة فيها كبيرا جدا، مع إقرارهم بتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، وهذه عادة المصلحين أنهم يركزون جهدهم في دعواتهم على الخلل السائد في مجتمعاتهم. ومن أساسات توحيد العبادة: صرف التعظيم لله عز وجل وحده دون غيره، فلا تعظيم في مفهوم توحيد العبادة إلا لله سبحانه، ولا تعظيم إلا لما عظمه جل وتعالى. وأي تعظيم يصرف لغير الله عز وجل أو لغير ما عظمه سبحانه فهو يدخل في دائرة الشرك الأكبر أو الأصغر بحسب نوع التعظيم ومعتقد المعظم. وكتب أئمة الدعوة النجدية وتلامذتهم في مختلف البلدان من بداية دعوة الشيخ إلى وقتنا هذا زاخرة بتقرير أن التعظيم لا يكون إلا لله تعالى، وأن تعظيم غيره شرك، ومحاربة شيوخ الدعوة للقبورية هي بسبب تعظيم القبور الذي أدى إلى الشرك؛ فإن عباد القبور والمشاهد عظموها أو عظموا من نسبت إليه سواء دفن فيها أم لم يدفن فيها، فسألوهم من دون الله عز وجل، وأقاموا على قبورهم، وتبركوا بهم، واستعانوا واستغاثوا فأشركوا. ومما يناقض توحيد العبادة تعظيم أيام لم يرد تعظيمها في الشرع، وتعظيم أشخاص كان لهم أعمال أو إنجازات في تلك الأيام المعظمة، وهذه هي حقيقة العيد الوطني، فإنه قد عظم اليوم لما حصل فيه من توحيد المملكة، وعظم من كان توحيدها على يديه وهو الملك عبد العزيز رحمة الله تعالى عليه، ولا يشك من عنده أثرة من علم -ولو قليل- بالتوحيد أن الاحتفال باليوم الوطني قد اتخذ عيدا، وأنه زمان قد عظم -ولا يزال يغرس تعظيمه في القلوب- وأن تعظيمه يخل بتوحيد العبادة الذي قامت عليه البلاد.

ولذا اجتمعت كلمة علماء المملكة منذ نشأتها إلى يومنا هذا على عدم جواز الاحتفال باليوم الوطني، وأن الاحتفال به، أو تمييزه عن غيره من الأيام بشيء فإنه يُدخله في مسمى العيد ولو لم يسمى عيدا.

ولم يكن غريبا أن يسخر من يحييون المولد النبوي وليلة الإسراء والمعراج وغيرها من المناسبات بمن يفرقون بين عيد المولد وبين عيد الوطن؛ لأن العلة واحدة في كليهما وهي تعظيم زمن لم يعظمه الله تعالى، واحتجاجهم صحيح لا غبار عليه باعتبار النظر إلى تعظيم زمن لم يرد تعظيمه في الشرع المطهر. لقد استمات العلمانيون لجر الحكومة لإقرار هذا العيد الوطني، وحاولوا كرة بعد كرة خلال عقود فكانت محاولاتهم تصطدم بالعلماء الذين يعظمون جناب توحيد العبادة، ويسدون منافذ الإخلال به أيا كان مصدرها، وبالأمراء الذين يستمعون لكلمة العلماء.

وفي النهاية نجح العلمانيون في كسر هيبة توحيد العبادة الذي قامت عليه الدولة السعودية، وشُرع العيد الوطني رغم أنف علماء التوحيد، وصار رسما من رسوم الدولة يتم التعطيل فيه عن العمل، ويحتفل به احتفالا أشد من عيدي الفطر والأضحى، وينفخ فيه الإعلام العلماني للنكاية بأهل التوحيد من جهة، ولإقناع الحكومة بما يتمتع به العلماني من شدة الولاء للدولة، وهو في الواقع يقوض الأساس الذي قامت عليه، ويزيد المعاول لهدمها وتقويضها بالكلية.

وأما مظاهر العبث الصبيانية في الشوارع التي ينقلها إعلامنا العلماني على أنها تثبت الولاء واللحمة القوية بين الشعب والحكومة فهي نوع من الزور والكذب والخداع للتزلف والنفاق والكسب غير المشروع، إذ لا تدل على الولاء لا من قريب ولا من بعيد غير أنها تنفيس عن عبث وجد الشباب أن هذا اليوم لعظمته عند من شرّعوه يؤذن لهم فيه بالعبث وارتكاب ممنوعات لا يسمح لهم بها في غيره، ولو أن الدولة شرعت أياما أخرى يؤذن لهم فيها بما أذن لهم به في العيد الوطني من العبث والضياع وانتهاك الحرمات، وليسموا هذه الأيام بأحقر الأسماء: كالاحتفال بيوم القضاء على الفئران أو الاحتفال بيوم إتمام شبكات الصرف الصحي أو الاحتفال بيوم تدشين زراعة الفاصوليا لوجدت نفس مظاهر التجمهر والعبث الشبابي لا تتغير ولا تنقص في الاحتفال بالفئران أو المجاري أو الفاصوليا عن الاحتفال بالعيد الوطني..

فيا عقلاء بلادي:
صونوا توحيد العبادة كما صانه أجدادكم، وصونوا البلاد عن عبث يسخط الله تعالى ويستجلب عذابه، وصونوا الأساس الذي قامت عليه الدولة لا يقوضه العلمانيون فتتقوض بتقويضه.. والله المستعان على ما يصفون.

 

مقالات الفوائد