اطبع هذه الصفحة


وقفات مع تحول البنوك الربوية إلى إسلامية

عبد الله بن حميد الفلاسي


الحمد لله رب العالمين، والصلاة السلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، أما بعد:-

أصبحت البنوك الإسلامية منافساً قوياًً للبنوك الربوية في العالمين العربي والإسلامي، إلى الحد الذي جعل الأخيرة تقوم بإنشاء فروع للمعاملات الإسلامية، حيث برزت في السنوات الأخيرة ظاهرة تحوّل البنوك الربوية إلى بنوك تتعامل وفق أحكام الشريعة الإسلامية.

وتعتبر البنوك الربوية أفضل من أخذ في اعتباره أن هناك توجهات في المجتمع بدأت تطالب بالمعاملات الموافقة للشريعة، وبدأ كثير من الناس بتحويل حساباتهم إلى البنوك الإسلامية، للابتعاد عن المعاملات المحرمة، والوقوع في الإثم، ولذا تعتبر دوافع تحول بعض البنوك الربوية إلى إسلامية – في الغالب - لها أبعاد ربحية وتجارية بحتة، بسبب ما حققته البنوك الإسلامية من نتائج إيجابية، وارتفاع معدلات الربحية وعوائد عمليات التمويل مقارنة بعوائد التمويل الربوي.

وأن هذه المصارف التي تعلن التحول للتمويل الإسلامي يجب أن تكون موضع دعم وتأييد وتوجيه وترشيد، لا موضع استنكار واتهام، وخاصة البنوك التي تريد أن تتحول من العمل الربوي إلى العمل الإسلامي، هذه التي ينبغي تشجيعها، والتعاون معها على البر والتقوى.

أما البنوك المصرة على مزاولة الربا، لكنها بجانب ذلك تزاول شيئاً من المعاملات الإسلامية، ومزاولتها للعمل الإسلامي ليس من باب التوبة والاستغفار، لكن من باب التزود والاستكثار، فمقصودها منه الكسب والمنافسة التجارية، فهذه لابد من مقاطعتها، وعدم العمل فيها، أو التعامل معها، ولو في المعاملات الإسلامية.

وتتمثل الأسباب في تشجيع البنوك الربوية التي تتحول إلى إسلامية فيما يلي:-

السبب الأول: كان الناس يسلمون على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأغراض شتى، ولم يكن النبي عليه الصلاة والسلام يسألهم: أسلمتم لله أم للدنيا؟ وذلك لأن الإسلام يقود صاحبه إذا اتبعه إلى إحسان العمل وإخلاص النية، فعن جابر – رضي الله عنه- بإسناد صحيح أن وفد ثقيف لما بايعوا النبي -صلى الله عليه وسلم- اشترطوا ألا صدقة عليها ولا جهاد، فقبل منهم النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقال: "سيتصدقون ويجاهدون إذا أسلموا".

السبب الثاني: لأن هذا صد عن سبيل الله وعن التوبة من الكبائر. وقاعدة الشرع هي تيسير طريق التوبة بكل ما يمكن، قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "ومن تدبر أصول الشرع علم أنه يتلطف بالناس في التوبة بكل طريق"، فمهما صاحب عملية التحول من ثغرات أو نواقص فمصيرها إن شاء الله إلى الزوال.

وتحتاج عملية التحول إلى بنك يقدم خدمات مصرفية وفقاً لأسس الشريعة الإسلامية لعدة خطوات جوهرية، أهمها:-

1. التخلص من نسبة الربا الموجودة في رؤوس أموال البنوك الربوية ، وفقاً لقول الله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ)) [سورة البقرة: 278-279].

2. تشكيل هيئة للفتوى والرقابة الشرعية تقوم بالإفتاء الشرعي بشأن كل أعمال البنك وعملياته، ويكون لها حق منع أي معاملة تتعارض وأحكام الشريعة الإسلامية.

3. مواءمة نظام الحاسب الآلي ليعمل وفق الخدمات المصرفية الإسلامية، وتحضير نماذج الحسابات والعقود حسب أسس الشريعة الإسلامية، بناء على اتفاق يبرم بين البنك وعملائه بعد موافقتهم.

4. تدريب الموظفين على أساليب العمل الجديدة، وقد يلجأ البنك إلى تغيير اسمه إلى اسم آخر يعبّر عن هويته الجديدة.

ويستغرق في العادة تحول البنك التقليدي إلى إسلامي مدة لا تقل عن ثلاث سنوات، نظراً للإجراءات الفنية والقانونية التي لا يمكن للبنك التقليدي أن يتخطاها إلا خلال عدة سنوات، بل إن محاولة التحول السريع والمفاجئ قد يترتب عليه انهيار البنك.

وفي الختام فإن ما يعرف اليوم بتحول البنوك الربوية إلى إسلامية يعتبر نجاحاً للاقتصاد الإسلامي، غير أن من الواجب على المسلمين الحذر من مكر تلك البنوك وخداعها، ويحصل الحذر بالتأكد التام من مشروعية تعاملاتها التي تسميها إسلامية.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


 

مقالات الفوائد