اطبع هذه الصفحة


جيل جريء مخيف .... فما الحل؟؟

سعيد آل يعن الله
‏@Saeed_Yanullah


بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم

الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه أجمعين وبعد...

قرأت في حساب الشيخ الفاضل / عبداللطيف التويجري، في تويتر هذه التغريدة:

( ‏#تحرش_بفتاه_في_الطايف جيل جريء ومخيف، لا من الله يتقي، ولا من الناس يستحي! كم نحن بحاجة لدراسة هذه التصرفات وحسم مادتها السيئة؟! )

ثم تساءلت... ما الذي جعل هذا الجيل يصل إلى هذا المستوى من الجرأة على محارم الله، والتعدي على أعراض الناس؟؟!!
و الذي أجزم به أن هذا الجيل لديه من المقومات المادية، والقدرات العقلية ما يجعله ينافس أقرانه من الأمم الأخرى؛ لكنه لم يفعل!! وإن استمر هكذا فلن يفعل. فما هو السبب؟؟

هذا الجيل غالباً يعاني من فراغ ثقافي عاتي؛ جعله يسير بلا هدف، ويعيش بلا قصد، إلا ما رحم ربي، وقليل ما هم.
وفي ظل شبكات التواصل الإجتماعي، وعالم الرقميات المفتوح، وسهولة تحصيل المعلومة، جعل ذلك الفراغ الثقافي؛ تلك العقول الناشئة قابلة لتشرب أي شيء يثير رغباتها، ويحقق نزواتها؛ من التطرف والإرهاب والغلو إلى الانحلال والفحشاء و الإلحاد، ففي الظلام تضيء النار الحارقة كما يضيء النور الناعم، و الكوب الفارغ يمكن تعبئته بالعذب الفرات أو الملح الأجاج.

و أظن الرؤية هنا بدأت تتضح، فتلك العقول الطرية، والأفئدة الندية؛ والتي تمتلك كل المقومات المادية للنجاح؛ أو جُلّها، لازالت تفتقد في غالبها؛ الموجه الحريص، والمربي الأمين، ولازالت كذلك تفتقد الأجواء التربوية الصحيحة، سواء في البيوت؛ خاصة في ظل توفر المال و تسليم الوالدين مهامهما للخادمة والسائق، أو في ظل غياب أو انعدام المحاضن التربوية التي تأخذ بيد ذلك الشاب إلى طرق الحق و سبل الهداية، وتصقل شخصيته، و تُبرز مواهبه، وتحقق أمانيه، و تكبح جماح شهواته و نزواته، وتقوم ما فيه من انحراف، وتوفر له الجو الإيماني و العلمي، وتزرع في نفسه القيم و المبادئ، وتنمي فيه حب الثقافة و الإطلاع، وحب الخير للغير، و السعي في خدمة الناس وقضاء حوائجهم؛ عملاً بحديث النبي صلى الله عليه وسلم:" أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس" صححه الألباني.

وهنا يتخرج جيلٌ ذا همة عالية، وعقول صافية، وأفكار نيرة، مهتدية بكتاب الله جل وعلا وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، محققة للأمة أعلى مراتب التطور، و أسمى مراحل الرقي، وذلك لأنه جيل يحمل[ مباديء وقيم] ويعيش ليحقق[ أهدافاً و مقاصداً ]عالية المُنى، سامية الرجاء، جيلٌ معتزٌ بثقافته الشرعية، وقِيَمِه الإجتماعية، و مُثِله العليا؛ والتي "يفلتر" بها كل ثقافة جديدة، وأفكار حديثة؛ قبل أن يتشربها، أو يؤمن بها.

لقد كانت المحاضن التربوية في يوم من الأيام على اختلاف أنشطتها، وتنوع فنونها؛ منارات هدى، ونَباريس دجى، تخرج منها العلماء والدعاة، و المربون و المعلمون، و الأطباء و المهندسون، و الأكاديمون و الباحثون، ورجال الدولة من وزراء و موظفين، عسكريين و مدنيين، على اختلاف تخصصاتهم، و تنوع معارفهم، وظلت على ذلك الحال سنين عدداً، لم تغير و لم تبدل.

ثم جاءت أحداث سبتمبر فأستغلها أقوام من بني جلدتنا، ويتكلمون بألستنا، يفكرون بعقول غربية، وينشرون أفكاراً تخريبية، تختزل الحضارة في الحضارة المادية الغربية، وتختصر الثقافة في ثقافة العُري والانحلال الأوربية، دون النظر إلى قيم مجتمعنا و مبادئه، ومسلماته وثوابته، لا لشيء إلا لتثبت لأربابها أننا بتمسكنا بديننا و ثباتنا على مبادئنا؛ نمثل( الإرهاب) ونغذيه حسياً و معنوياً، فسلت أقلامها الجائرة على كل ما من شأنه الحفاظ على ديننا وقيمنا و مبادئنا ومُثلنا العليا، وبدأت شيئاً فشيئاً تتدرج في الطعن في الدين بالطعن بداية في المحاضن التربوية والقائمين عليها، ثم في خطب الجمعة و المحاضرات الدينية و الدروس العلمية، مروراً بالعلماء و الدعاة والخطباء، ثم بالسنة النبوية و رواتها، ثم بالقرآن و رسمه، ولازالت تلك الأقلام الخبيثة تنال من الدين حتى نالت من خير البرية بأبي هو أمي صلى الله عليه وسلم، ونالت من رب البرية جل وعلا، من دون حسيب ولا رقيب، والله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل، كل ذلك كان يتم باسم محاربة الإرهاب؛ وما هو إلا حرب على ديننا و مبادئنا وثوابتنا ومسلماتنا لتُزعزع مكانتها في القلوب.

و أما تلك العقول الفتية الخاوية فلازالت إلا ما شاء الله؛ تتلقف تلك الأفكار الدخلية، حتى تشربتها، وأصبحت لا تنثني ولا ترعوي عن أي شهوة أو نزوة، فلا نستغرب إذاً كيف تجرأت ولا كيف غاب حياءها.

وخلال سنوات عجاف، ما فتئت تلك الأقلام تشن حربها على المحاضن التربوية ومخرجاتها، حتى ماتت أو كادت، ليخرج لنا جيل خاوي إيمانياً، فارغ ثقافياً، مهزوز إجتماعياً، ضائع بين وسائل التقنية؛ ما بين غلو و تطرف أو لهو ولعب و تتبع عورات، في ظل غفلة أسرية؛ قد تكون حقيقية بسبب الإهمال، وقد تكون مجازية بسبب الجهل بوسائل التقنية، حتى أصبحت كثير من تلك العقول قابلة لتلقي الأفكار الهدامة؛ سَواء كانت أفكار داعش، أو أفكار الإلحاد، أوما بينهما من سيل الشهوات والشبهات الجارف.

و قد يُقال إن تلك المحاضن خرجت الإرهابين و دعمت الإرهاب، لذلك حُوربت، وضُيق عليها؟؟


والجواب/

لنسلم جدلاً أن هناك نسبة من مخرجات تلك المحاضن سلكت مسلك الإرهاب، فكم هي تلك النسبة؟؟ ما مقدارها في المجتمع مقارنة بما خرجت تلك المحاضن من مشايخ و علماء، و دعاة وخطباء، و مهندسون وأطباء، ومعلمون بارعون نجباء، بل ومن رجال الدولة أيضاً من مدنيين و عسكريين؟؟ بل كم عدد الإرهابيين في بلادنا مقارنة بعدد من يخالفهم، بل بعدد من يدافع عن دينه و وطنه من أبناء من التيار الإسلامي؟؟
هذه أسئلة لو وجدت إجابة من أرباب تلك الأقلام لظهرت الحقيقة، ولكن "تلك إذاً قسمة ضيزى"!!!

إن إنشاء محاضن تربوية متنوعة الأنشطة، مختلفة المهام، تهتم بالنشء الجديد، وتربيه إيمانياً، وثقافياً، و تزرع مبادئ الخير و الحب فيه، وتعلمه القيم السامية، والمُثل العالية؛ هي الطريق المختصر لحل" همجية و غوغائية الجيل الجديد"، وانتشالهم من براثين الجهل و التخلف، والسمو بهم في سماء الأخلاق، و الإرتقاء بهم في سلم العلوم، ولن يحدث ذلك إلا بدعم تلك المحاضن و دعم أنشطتها و برامجها وإمدادها بالخبرات التربوية، و إعطاها الفرصة من جديد لتثبت للجميع دورها الهام في حفظ والجيل الجديد و توجيهه، ثم بعد ذلك تقييد تلك الأفواه الجائرة، وتحييد تلك الأقلام الحاقدة عن أي نقد لتلك المحاضن إلا أن يكون نقداً بناءً بحق، يسمو بهدف تلك المحاضن، و يطور مخرجاتها؛ لا يعطلها.

والذي أعلمه يقيناً أن الدولة أحرص على الأمن و الأمان، ومحاربة الإرهاب أكثر من أصحاب الأقلام الأجيرة، والتي ربما تصنع الإرهاب بحربها على الدين، وبما تبثه من أفكار وأراء تحارب الدين، خاصة في ظل قلة العلم، و انتشار الجهل؛ الذي تعتبر هذه المحاضن عدوه اللدود، بما تنشر من علم و أدب، و أخلاق سامية، وثقافة عالية، فلنساعد في إنشاء ودعم تلك المحاضن، لنحقق ما نتمناه من رؤية أجيال ناجحة، عالمة عاملة، تبني مستقبلاً زاهراً، وتعيد للأمة حضارتها العلمية، ومكانتها العالمية.

و صلى الله عليه وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
 

سعيد آل يعن الله
خميس مشيط
12-10-1436

 

مقالات الفوائد