الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده وبعد :
فلقد كتب الله عزوجل لهذا الدين العظيم دين الإسلام الرفعة والسناء والمجد
والريادة ، فهو الدين الذي ارتضاه ملك الملوك الرب العظيم للبشرية دينا ، وهو
الملة السمحاء التي فرق بها عزوجل بين الناس فمنهم مؤمن ومنهم كافر ، وهو
الدين الذي لايقبل الله عزوجل ممن لايؤمن به عملا ولاقربة مهما بلغت حجمها
ذلك لأن أجل مايتقرب به العباد إلى الباري عزوجل هو تحقيق العبودية له جل
وعلا من خلال الإيمان الكامل والتسليم المطلق لهذا الدين والخضوع لجميع
أحكامه " إن الدين عند الله الإسلام " ، " ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن
يقبل منه وهوفي الآخرة من الخاسرين".
إن ماشهده التأريخ منذ بزوغ فجر هذا الدين العظيم من مؤامرات للقضاء عليه أمر
لم يتعرض له أي دين آخر وأي ملة أخرى ويكفي لمعرفة مدى مايتعرض له الإسلام من
مكر كبار النظر فيما يتعرض له ديننا في هذا الزمن من محاولات الاجتثاث
والإقصاء والتشويه والإبعاد ومع ذلك نرى هذا الدين لايزداد إلا انتشارا
وقبولا عند الناس والمعادلة تقول كلما ازداد الكيد لهذا الدين كلما ازداد عدد
المقبلين عليه وكيف لايكون كذلك وهو دين الفطرة ، كيف لايكون كذلك وهو الدين
الذي فيه الحلول الناجعة لجميع مشكلات البشرية وعللها .
هذا الدين العظيم جميع المنحرفين يكيدون له ، اليهود يكيدون له الكيد تلو
الكيد ، النصارى يكيدون له ، الوثنيون يكيدون له ، المنافقون يكيدون له ،
الشهوانيون والزنادقة والملاحدة والمبتدعة يكيدون له ومع ذلك فجميع هذه النحل
على اختلاف مشاربها تكيد كيدا نهايته إلى الخسران والبوار :
أيطفيء نور الله نفخة فاجر **** تعالى الذي
بالكبرياء تفردا
وقول الله أجل وأبلغ " يريدون ليطفئوا نور
الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون ** هو الذي أرسل رسوله بالهدى
ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون" ، ويقول جل وعلا : " إن
الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم
حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون " ، " إنهم يكيدون كيدا وأكيد
كيدا فمهل الكافرين أمهلهم رويدا ".
إن من حكم الله عزوجل على عمله بالفشل ضائع وعمله ضائع ومخططاته منكوسة وإن
ظهرت جعجعته في عالم الناس لفترة من الزمن أو لحظات من الوقت ذلك لأن الله
عزوجل لايصلح عمل المفسدين " إن الله لايصلح عمل المفسدين " ، وإن محاربة
الإسلام أعطم فساد يمارس على وجه الأرض وهو فساد تكفل الله عزوجل بإبطاله ورد
كيد منفذيه إلى نحورهم لأن الدين دينه الذي ارتضاه للبشرية دينا .
لقد جاءت البشائر النبوية بنصرة هذا الدين وظهوره على الدين كله ، ومثل هذه
البشائر تشيع الأمل في النفوس وتزرع بذور التفاؤل في الأرواح التي يؤلمها
ماحل بالمسلمين من المصائب والنكبات ، وهي بشائر أيضا تثبت اليقين في القلوب
وتستحث الهمم من أجل مزيد من العمل للدين ومن ذلك مارواه الإمام مسلم في
صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله زوى لي الأرض فرأيت
مشارقها ومغاربها وإن أمتي سيبلغ ملكها مازوي لي منها " ، فياله من مللك عظيم
وعز كريم ينتظر هذه الأمة المبشرة بالرفعة والسناء والتمكين في الأرض كما في
الحديث الصحيح : " بشر هذه الأمة بالسناء والدين والرفعة والنصر والتمكين في
الأرض" صحيح الجامع.
إننا مع مانشاهده كمسلمين من مكر كبار لهذا الدين إلا أن ذلك المكر يجب أن
لاينسينا حقيقة إيمانية وقاعدة ربانية تخبرنا بأ ن هذا الدين لايزال في زيادة
ولا يمكن أن يرجعه أعدائه إلى نقص وبوار فقد صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم
أنه قال : " ولايزال الإسلام يزيد، وينقص الشرك وأهله ، حتى تسير المرأتان
لاتخشيان إلا جورا ، والذي نفسي بيده لاتذهب الأيام والليالي حتى يبلغ هذا
الدين مبلغ هذا النجم" قال عنه العلامة الألباني في صحيح الجامع حديث صحيح.
هذا الدين بنيان شامخ وصرح عظيم قائم لاتهزه الرياح ولاتزعزعه العواتي ،
منصور بعون الله عزوجل بثلة من أوليائه ممن يغرسهم الله عزوجل ليستعملهم في
طاعته والمنافحة عن دينه ففي الحديث الذي حسنه العلامة الألباني رحمه الله
يقول عليه الصلاة والسلام : " لايزال الله يغرس في هذا الين غرسا يستعملهم
فيه بطاعته إلى يوم القيامة" ، وفي الحديث الآخر في صحيح مسلم : " لن يبرح
هذا الين قائما ، يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة " .
إن مثل هذه المبشرات لابد أن تصنع في نفوسنا الأمل الذي يحركه العمل وليس
مهما أن نرى بأنفسنا ثمرة نصر الإسلام أو تمكينه بل المهم هو أن نعمل من أجل
الإسلام وأن نسأل أنفسنا دائما : ماذا قدمنا للدين ؟ كيف ننصر ديننا؟ ماهي
المجالات التي نستطيع القيام بها وهي تخدم ديننا؟ فالإسلام محتاج إلى جهود
أتباعه وإلى طاقاتهم فمجالات الخير واسعة ومتعدده ولكنها محتاجة فقط إلى من
يعلق الجرس ، وهذا مايوجب علينا أن نطلق من حيز جلد الذات والبكاء على
الأطلال إلى حيز العمل والعمل والعمل.
ماجد الجهني