بسم الله الرحمن الرحيم

ظلال الإيمان
أرسل الموضوع إلى صديق


الحمد لله القائل في كتابه الكريم
( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين) اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ياربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك وبعد:ورد في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أول من يبعث، وتنشق عنه الأرض يوم القيامة ففى صحيح مسلم من حديث أبى هريرة رضى اللـه عنه أنه قال: ((أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأنا أول من ينشق عنه القبر، وأنا أول شافع وأول مُشَفَّع)) و أول من يُكسى يوم القيامة سيدنا إبراهيم عليه الصلاة و السلام.كما فى صحيح مسلم من حديث ابن عباس أنه قال: ((ياأيها الناس إنكم تحشرون يوم القيامة حفاةً عراةً غُرْلا وأول الناس يُكْسى يوم القيامة إبراهيم عليه السلام)) ثم بعد ذلك يبدأ الناس بالخروج من قبورهم ويحشرون إلى أرض المحشر فكيف هي أرض المحشر؟لاشك أنها تختلف عن هذه الأرض التي نعيش عليها اليوم كما قال تعالى ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) وفى الحديث الصحيح الذى رواه البخارى ومسلم من حديث سهل بن سعد الساعدى رضى اللـه عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كَقُرْصَةِ النَّقِىِّ ليس فيها عَلَمُُ لأحدٍ)). والعفراء: هي البيضاء كقرصةٍ نقى، أى كالدقيق النقى من الغش والنخال. قال سهل: ليس فيها معلم لأحد، ويحشر الناس على هذه الأرض حفاة عراة غرلا أي غير مختونين، في صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((يحشر الناس يوم القيامة حفاةً عراةً غُرلا)) قالت عائشة: يارسول اللـه الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض قال: ((ياعائشة الأمر أشد من أن يهمهم ذلك)) نعم يحشر اللـه الخلق جميعاً فلا يتخلف منهم مَلِك، ولا متكبر، ولا حاكم، ولا زعيم، ولا طاغية، كلهم موقوف بين يدي الله عز وجل في ذلك اليوم العصيب في ذلك اليوم الرهيب (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا ءَاتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا *لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا *وَكُلُّهُمْ ءَاتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا )

أيها الإخوة: في ذلك اليوم الرهيب يقوم الخلق فى هذا الموقف قياماً طويلاً طويلاً، ويشتد الكرب عليهم حتى يتمنى بعضهم أن يحشر إلى النار ولا يقف فى مثل هذا الموقف المهيب الرهيب ظاناً أن النار لن تكون أشد عذاباً مما هو فيه من هم وكرب. والزحام حينذاك يخنق الأنفاس، والشمس فوق الرؤوس بمقدار ميل، والناس غرقى فى عرقهم كل بحسب عمله كما ورد في الصحيح ويزيد الموقف الرهيب غماً فوق الغم وكرباً فوق الكرب بإتيان جهنم والعياذ باللـه.قال تعالى: (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى *يَقُولُ يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي *فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ *وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ ) فى صحيح مسلم من حديث ابن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((يؤتى بجهنم يوم القيامة لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها)) فإذا ما رأت الخلائق زفرت وزمجرت غضباً منها لغضب اللـه. فحينئذ تجثوا جميع الأمم على الركب. قال اللـه تعالى: (وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) وفى هذه اللحظة تطير قلوب المؤمنين شوقاً إلى الجنة، وتطير قلوب المجرمين فزعاً، وهلعاً، وهرباً من النار، ويعض صنف كثير من الناس فى أرض المحشر على أنامله تحسراً على ما قدم فى هذه الحياة الدنيا قال تعالى: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا *يَاوَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ للإِنْسَانِ خَذُولا )

وهنا وفى هذا الموقف ينادى الله عزوجل على أناس ليظلهم بظله يوم لاظل إلا ظله من هم هؤلاء السعداء؟!روى البخـارى ومسـلم من حديـث أبى هريرة: قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((سبعة يظلهم اللـه فى ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل، وشاب نشأ فى عبادة اللـه، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا فى اللـه اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصبٍ وجمال فقال: إنى أخاف اللـه، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لاتعلم شماله ماتنفق يمينه، ورجل ذكر اللـه خالياً ففاضت عيناه))

((إمام عادل)) : أى حاكم عادل عاش ليقيم العدل فى الأرض، سعدت به رعيته، وسعد هو برعيته، وكان يتقى اللـه فى هذه الأمانة، يعلم يقيناً أن الحكم والمنصب أمانة سيسأل عنها بين يدى اللـه قال صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: ((إن الولاية أمانة وإنها يوم القيامة حسرة وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذى عليه فيها )).رواه مسلم ترى ما جزاء هذا الحاكم؟! أن يظله اللـه في ظله يوم لا ظل إلا ظله.

((شاب نشأ فى عبادة اللـه)) هنيئا لك أيها الشاب يامن نشأت على التقوى وتربيت على الطاعة وتركت المعاصي وهجرت الذنوب وهي أقرب ماتكون إليك وهي أسهل ماتكون بين يديك ومع ذلك تركتها لوجه ربك الكريم وامتثالا لأمر الحكيم العليم فأنت والله كما قال الصادق المعصوم في ظل عرش الله يوم القيامة ،فصبرا يا أخي الشاب صبرا ، صبرا يامن تقبض على الجمر إن الجمر الذي تقبض عليه اليوم من أجل دينك سيكون فرشا ينام عليها أولئك الذين وضعوك في هذا الهلاك أولئك الذين يسّروا لك ولغيرك أسباب الفساد، صبرا على هذا الذي تراه أمامك من هذه الفتن والمفاتن والمحن والملاحم لدرجة ماعادت تحتمل ولاتطاق. صبرا حتى تلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحوض، كن كما كان المؤمنون الصادقون من الشباب من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان بلال وعمار وخباب ومصعب وسعد بن معاذ رضي الله عنهم وأرضاهم ((ورجل قلبه معلق بالمساجد)) المساجد حدائق الدنيا وسفارات الله في أرضه، المساجد أحب البقاع إلى الله تعالى وأبغضها إليه الأسواق كما يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم والمساجد هي أطهر الأماكن على الإطلاق وأشرفها على الإطلاق وأكثرها هدوءا وراحة وأمانا واطمئنانا على الإطلاق وعندما دخل الحبيب صلى الله عليه وسلم المدينة أول شيء بدأ به هو بناء المسجد لأن المسجد في الإسلام هو ((المعبد رمز الإيمان وهو البرلمان رمز العدل وهو المدرسة رمز العلم ولم يغصبه غصبا بل اشتراه بالمال وذلك رمز الإنصاف ولم يأمر ببنائه وقعد بل شارك أصحابه العمل وحمل الحجارة معهم وهذا رمز المساواة وبناه من الطين وهذا رمز البساطة فكان من هذه الرموز الإيمان والعدل والعلم والإنصاف والمساواة والبساطة هي مجموعة شعائر الإسلام أهداها إلينا المسجد في الدنيا)) .هذه هي هدية المسجد لك في الدنيا وأما هديته لك في الآخرة فقد جاءت على لسان حبيبك الأعظم صلى الله عليه وسلم ((سبعة يظلهم اللـه فى ظله يوم لا ظل إلا ظله ""ورجل قلبه معلق بالمساجد"")) ،((ورجلان تحابا فى اللـه اجتمعا عليه وتفرقا عليه)). إنه الحب فى اللـه إن (( من أعطى لله ومنع لله وأحب لله وأبغض لله وأنكح لله فقد استكمل الإيمان)) حديث صحيح رواه الحاكم على شرط الشيخين وإن آصرة الحب فى اللـه هى أغلى آصرة.. وإن رابطة الحب فى اللـه هى أغلى رابطة.. يقول اللـه سبحانه وتعالى فى الحديث القدسى وهو فى الصحيحين: ((أين المتحابون بجلالى؟ اليوم أظلهم فى ظلى يوم لاظل إلا ظلى)) الحب في الله هو روح الإيمان الحي ولباب المشاعر الرقيقة التي يكنّها المسلم لإخوانه جميعا حتى إنّه ليحيا بهم ويحيا لهم فكأنهم أغصان انبثقت من دوحة واحدة أو روح واحد حلّ في أجسام متعددة الحبّ في الله هو ثمرة الأخوة الصادقة في الله والأخوة في الله هي تلك العلاقة السامية التي تبنى على دعائم العقيدة وتطوي في رحابها كل علاقة أخرى فتكون كلمات الله هي المؤثّر الوحيد في سلوك ووجدان المسلم تجاه أخيه أما العلاقات الزجاجية فهي تلك العلاقات التي لم تنشأ أصلا بين الناس على التقوى والحب في الله فتكون المصالح المادية والمعنوية هي الوشائج الوحيدة في هذه العلاقات ،أليس من الغريب لأمة توحّدت فيها كل القواسم المشتركة النبيلة ثم بعد ذلك تفترق ؟إلهنا واحد وشرعنا واحد وكتابنا واحد وهدفنا واحد وقبلتنا واحدة ومع ذلك مما يدمي القلب ويكوي الفؤاد أن تنظر حولك فلا ترى إلا التفرّق والتشرذم والتدابر اليس من الغريب ان تتحوّل الخلافات الإجتهادية التي يسع الخلاف فيها إلى سكاكين تقطّع جسد الأمة الواحد ؟أليس من الغريب ان يسمع المسلم قول الله تعالى (ولاتكونوا كالذين تفرّقوا واختلفوا من بعد ماجاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم) ثم بعد ذلك يقطع أوصال الأمة لاختلاف في الرأي مع جهة أو جماعة أومدرسة معينة؟والعدو الذي يتربّص بنا ويقتلنا كل يوم يقتلنا جميعا لأننا مسلمون موحّدون من أهل السنّة والجماعة دون أن يفكّر بانتماءاتنا ومدارسنا واتجاهاتنا التربوية وبغض النظر عن مشايخنا ودعاة فكرنا((لايدخل في هذا اصحاب البدع وإنما من يسعنا الخلاف معهم ضمن منهج أهل السنّة والجماعة وسلفنا الصالح فخرج بهذا القيد أهل البدع والأهواء والفرق الضالة))

أخي المسلم إفتح قلبك لكل مسلم موحّد ومدّ يدك له وأحبّ له ماتحبّ لنفسك وردّد مع الشاعر قوله

بالشـام أهلي وبغداد الهوى وأنا *** بالرقمتين وبالفسطــاط جيـراني
وماطرسوس مهما لجّ بي دمها *** أدنى إليّ من فاس وتطوان
ولــــــي بطيبة أوطـار مجنّـحة *** تسمو بروحي فوق العالم الفاني
دنيا بناها لنــــا الهادي فأحكمها *** أعظـم بأحمد من هادٍ ومن بانٍ
وأينمــــا ذكر اسـم الله في بـلدٍ *** عددت ذاك الحـــــمى من لـب أوطاني

((ورجل دعته امرأة - أي للزنا - ذات منصب وجمال فقال: إنى أخاف اللـه)) : تذكر اللـه جل وعلا وراقبه وأعرض عن هذه الكبيرة خوفاً من اللـه جل وعلا، أقول لك إصبر أيها الشاب تعلّم من المدرسة اليوسفية ، تعلّم منها الصبر تعلم من مدرسة يوسف دروس الإيمان دروس الإباء دروس الرجولة دروس العزة والكرامة والتعالي على الدنايا تعلّم أن تقول( معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنّه لايفلح الظالمون) تعلّم أن تقول (رب السجن أحب إليّ مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين) أنا أعلم أنك تتعرض للفتنة صباحا ومساء وعشرات أولئك اللواتي يقلن لك كل يوم (هيت لك ) في الشارع وفي المدرسة وفي الجامعة وفي الوظيفة وفي البحر وفي شرفات المنازل وعلى الهاتف ،هكذا يريد المجتمع وهكذا يريد الطواغيت وهكذا يريد الشيطان وهكذا يريد الكفرة الفجرة يريدون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون) هم يريدون منك الزنا والله يريد منك العفة والتقوى فمن تطيع أخي الشاب؟ والعز في كنف العزيز ومن عبد العبيد أذلّه الله .كن أقوى منهم ياحفيد ابي بكر وعمر وسعد والمثنّى فأنت ماخلقت لتكون ضعيفا لقد خلقت للمعالى خلقت للكرّ والفرّ خلقت للجهاد والنصر فكونوا ايها الإخوة . كونوا شباب طهر ولاتكونوا شباب عهر. كونوا شباب الفضيلة ولا تكونوا شباب الرذيلة

شباب لم تحطّمه الليالي *** ولم يسلم للخصم العرينا
فلم تشهدهم الأقداح يوما *** وقد ملؤا نواديهم مجونا
فما عرفوا الأغاني مائعات *** ولكنّ العلا صيغت لحونا
فيتّحدون أخلاقا عذابا *** ويأتلقون مجتمعا رزينا
فما عرف الخلاعة في بنات *** ولاعرف التخنّث في بنينا
ولم يتشدّقوا بقشور علم *** ولم يتقلّبوا في الملحدينا
ولم يخوضوا في كلّ أمر*** خطير كي يقال مثقّفون
كذلك أخرج الإسلام قومي *** شبابا مخلصا حرّ أمينا
إذا شهدوا الوغى كانوا كماة *** يدقّون المعاقل والحصونا
وإن جنّ المساء فلاتراهم *** من الإشفاق إلا ساجدينا

((ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لاتعلم شماله ماتنفق يمينه)) الصدقات والإنفاق شعار الصالحين ودليل على صدق الإيمان واليقين قال عليه الصلاة والسلام ((من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب فإن الله يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبهاكما يربي أحدكم فلوه أوقلوصه حتى تكون مثل الجبل )) والصدقات والعطاء دليل الكرم وسماحة النفس والله يحب من عباده الكرماء ويبغض البخلاء الأشحاء والله عزوجل خلق جنة عدن بيده ودلّى فيها ثمارها وشقّ فيها أنهارها ثم نظر إليها فقال لها تكلمي فقالت قد أفلح المؤمنون فقال وعزتي لايجاورني فيك بخيل ،(ولايحسبنّ الذين يبخلون بماآتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون مابخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السموات والأرض والله بما تعملون خبير) فهلا جعلت ياعبد الله لك نصيبا من هذا الحديث بالصدقة هلا جعلت لنفسك ظلا يوم القيامة من الصدقات؟ هلا اتقيت النار والعار والبوار ببضع دراهم؟ هلا خصّصت من دخلك الشهري شيئا دائما ولو كان قليلا لنصرة إخوانك المجاهدين في فلسطين؟ هلا جفّف المسلمون دموع الأيتام من أبناء فلسطين فقد كادت دموعهم أن تغرق المسجد الأقصى؟ ،المسلم لايألوا جهدا في منفعة إخوانه ونجدتهم وإنقاذهم ولسان حاله يقول

" ياعصافير بلادي نفقت فضلة زادي ..
.لاتخافوا نقَروا هذا فؤادي "

((ورجل ذكر اللـه خاليا ففاضت عيناه)) : خلى بنفسه، وقام من الليل، وجلس يصلى أو يذكر اللـه سبحانه وتعالى فلما امتلأ قلبه بهيبة اللـه وبعظمة اللـه، فاضت عيناه بالدموع خوفاً منه وهيبة له سبحانه.قال رسول اللـه: ((عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية اللـه، وعين باتت تحرس فى سبيل اللـه)) وماأحوجنا اليوم وقد فاتنا أن تحرس أعيننا في سبيل الله ماأحوجنا أن تبكي أعيننا من خشية الله وقد بكى الصحابة رضي الله عنهم حتى نفدت دموعهم وجفت مآقيهم ونشفت عيونهم، صلّىعليّ رضي الله عنه صلاة الفجر وجلس حزيناً مطرقاً، فلما طلعت الشمس قبض على لحيته وجعل يبكي ويقول: (لقد رأيت أصحاب محمد، فما رأيت شيئاً يشبـههم، كانوا يصبحون شعثاً غبراً صفراً، بين أعينهم كأمثال ركب المعزى قد باتوا لله سجداً وقياماً يراوحون بين جباههم وأقدامهم، فإذا طلع الفجر ذكروا الله فمادوا كما يميد الشجر في يوم الريح وهطلت أعينهم بالدموع، والله لكأن القوم باتوا غافلين! وما رؤي رضي الله عنه بعد ذلك متبسماً حتى لحق بربه! [صفة الصفوة:1/138]. وعلي هذا رضي الله عنه ذكر عنه ضرار بن ضمرة أنه رآه في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله، وقد مثل في محرابه قابضاً على لحيته، يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، ويقول:" يا دنيا، يا دنيا، أبي تعرضت؟ أم لي تشوفت؟ هيهات هيهات غري غيري، قد بتتك ثلاثاً، لا رجعة لي فيك .... آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق." [صفة الصفوة:1/132].فإنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول((لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم)) [رواه الترمذي وقال حسن صحيح،] فبكى الصحابة من خشية الله وبكى التابعون بل لقد بكوا وبكوا حتى فسدت أعينهم من طول البكاء. وبكى يزيد الرقاشي أربعين عاماً حتى تساقطت أشفاره، وأظلمت عيناه، وتغيرت مجاري دموعه. [ابن أبي الدنيا:197].
فهلاّ جعلت ياعبد الله نصيبا لك من هذه الظلال في ذلك اليوم الرهيب أسأل الله عزوجل لي ولك وللمسلمين ذلك اللهم إنا نعوذ بك من عين لاتدمع ومن نفس لاتشبع ومن قلب لايخشع ومن دعوة لايستجاب لها آمين يارب العالمين

الشيخ محمود نبيه الدالاتي حمص/ سوريا
www.islamona.info
mahmooddalati@hotmail.com

الصفحة الرئيسة     |     مقـالات