الحمد لله والصلاة على رسول الله ومن والاه وبعد :
المفترض أن تكون الأمة التي جعلها الله خير أمة أخرجت للناس من المفترض أن
تكون هذه الأمة هي الأمة القائدة للعالم والشاهدة عليه فنحن أمة الشهود وأمة
الخيرية وأمة التمكين في الأرض ومع ذلك فإن كل هذه الافتراضات ليس منها شيء
على أرض الواقع فالأمة الإسلامية على مختلف أقطارها هي في العالم الثالث وبعض
منها في المؤخرة منه و بالإطلاع على بعض الإحصائيات يتوضح هذا فعالم الأرقام
عالم كشاف يكشف الحقيقة التي يحاول الكثير إخفاءها
( ... بعض البلدان تصل نسبة الأمية إلى 90 % مثل اليمن ومالي و60% في المغرب
وبنغلادش والسودان و 30% في البحرين و أندنوسيا والجزائر بينما نسبة الأمية
في أوربا 3% فقط ..) د البكار نحو فهم أعمق للواقع الإسلامي
( متوسط دخل الفرد في الصومال /190/ دولار وفي باكستان/ 370/دولار وفي النيجر
/310/ دولار بينما دخل الفرد في فرنسا / 16800 / دولار وفي اليابان/ 15030
/دولار وفي الولايات المتحدة/13800 / دولار والفرق بين باكستان مثلا
والولايات المتحدة حوالي /36/
ضعفا .) المرجع السابق
هذه الأرقام وغيرها توضح لنا وبشكل صريح واقع الأمة وأين هي بين دول العالم
لكن السؤال لماذا ونحن أمة الشهود وأمة الخيرية وأمة التمكين ؟؟؟
لماذا الأمية ونحن أمة اقرأ وأمة العلم ؟؟
لماذا ونحن أمة موعودة بالغنى فقد وعدنا رسول الله بذلك عندما قال ( ستفتح
عليكم كنوز كسرى) فلماذا هذا الدخل المتدني للفرد المسلم ؟؟
لعل هناك أسباب عديدة متراكبة ومتواكبة هي التي جعلت الأمة الإسلامية في هذا
الوضع المزري الذي لا يسر صديقا ولا أقول لا يفرح عدوا بل إن أعداء الأمة هم
أول الفرحين بهذا الوضع
ولعلنا من خلال هذه المقالات يوفقنا الله إلى إدراك بعض مكامن الخلل ونعمل
على تلافيها بعون الله تعالى نحاول من خلال هذه المقالات على تسليط الضوء على
بعض الجوانب المختلفة
أول خلل أصيبت به الأمة هو
1- عقلية البعد الواحد * :
ومعنى عقلية البعد الواحد باختصار " هو أن
المسلمين يرجعون مشكلة معينة أو حادثة معينة إلى سبب واحد وغالبا ما يكون هو
الأخير دون النظر إلى الأسباب المتراكبة والمتواكبة والمتضافرة التي أدت إلى
هذا الحدث أو ذاك ونتيجة لذلك تكون النظرة الدارسة لذلك الحدث قاصرة وسطحية
والمعالجة جزئية ومحدودة "
إن الإسلام طلب منا أن لا نكون بعقلية البعد الواحد وإنما طلب منا التفكر
والتدبر والمشاورة فما حقيقة الشورى في وجه من وجوهها إلا أنها دراسة للمشكلة
من جميع الجوانب وفي كل الاتجاهات
وإن ختم الآيات القرآنية بقوله تعالى أفلا يتدبرون أفلا يتفكرون لتعطي
للإنسان الأفق الواسع في دراسة ظاهرة أو حادثة معينة
ولما جاء رجل إلى النبي عليه السلام يشكو له الفقر لم تكن نظرة النبي نظرة
بعد واحد " أنه إنسان يحتاج مبلغا من المال وانتهى الأمر " إنما قال له اشتر
قدوما ثم غب عني خمسة عشر يوما أي أنه حاول علاج لمشكلة بأبعاده حيث إن النبي
عليه السلام قرر لنا في هذا الحديث ثلاثا من العوامل المهمة لحل مشكلة الفقر
وهي
- اليد العاملة
- أدوات النتاج ( القدوم )
- الزمن **
- وأضاف في حديث آخر لنفس القصة والموضوع (السوق التصريفية ) في حديث
" لأن يأخذ أحدكم حزمة حطب قيبيعها في السوق خير له من أن يسأل الناس أعطوه
أو
منعوه "
وبهذه الطريق للتفكير أبعدنا النبي عليه السلام عن عقلية البعد الواحد.
ومن المؤسف حقا أن كثيرا من الحوادث التاريخية الكبيرة التي وقعت في تاريخنا
الإسلامي تعزى إلى سبب واحد ومن هذه الأمثلة سقوط بغداد في أيدي المغول
فسقوطها لم يكن لضعف الحالة العسكرية فقط إنما كان هناك عوامل كثيرة ومتضافرة
هي التي أدت إلى سقوط بغداد منها:
أن المسلمين كانوا منهزمين داخليا قبل أن ينهزموا عسكريا , كان هناك أكثر من
خلافة
وكان الفحش الأخلاقي والزنا متفشيا بشكل غير طبيعي وكان الضرائب على أشدها
وكان الوضع العقائدي الذي هو الالتجاء إلى الله في الأزمات على أسوء حال ولقد
اختصر أحد الشعراء هذا الوضع العقائدي بقوله :
يا خائفا من التتر *** لذ بقبر أبي عمر
فبدلا من أن يلوذ بالله ويلجأ إلى السلاح
هاهو يقول لذ بقبر لا ينفع
وإذا سألنا مثلا ماهو الحل لخروج الأمة من هذا المأزق الحضاري لوجدنا كثيرا
من الناس يقولون بطرف لسانهم نحتاج إلى صلاح الدين دون التفكر أن خروج مثل
صلاح الدين لابد له من جهود جبارة من جميع أطياف الأمة .
إن عقلية البعد الواحد هي عقلية قاصرة ومحدودة وجزئية تحاول إصلاح الأمر دون
النظر إلى مسبباته وأسبابه ولذلك خرجت حلولنا المحلية والعالمية حلولا مجتزأة
وقاصرة .
إن المنح الإلهية للإنسان بإعطائه القدرة على التحليل والتركيب والاستقراء
والاستنتاج وغيرها عطلت في حياة المسلم وذلك لأسباب كثيرة منها:
الخوف غير المبرر على الإسلام وطريقة التربية و عدم تقبل النقد والظنيات التي
جعلناها قطعيات وغير ذلك .
إن هذه العقلية ليست على مستوى الأمة فقط بل أصابت حتى الأفراد فإذا سألنا
أبا لماذا رسب ابنك سيقول إنه لا يدرس دون النظر إلى الأسباب التي جعلته لا
يدرس
والأمثلة على ذلك كثيرة وكثيرة لكن يجب أن نؤكد أن الحبل الواحد والسميك هو
مجموعة من الخيوط الرفيعة والمتماسكة وأن الأحداث هي نتيجة لمجموعة أسباب
وليست لسبب واحد وبمعرفة هذه الأسباب يمكن الوصول إلى حل كلي وربما جذري أو
إلى رؤية مستقبلية مشرقة .
م. عبد اللطيف البريجاوي
* د. بكار العيش في الزمن الصعب
** د. دالاتي خواطر