اطبع هذه الصفحة


ليست قضية سامي

عبد السلام الحصين

 
أرادت الحكومة الأمريكية أن تبرز قضية سامي على أعلى المستويات، وكان إعلامها المطيع المذلل، الرافع لشعار الحرية في الظاهر، خادمًا لها في ذلك، وقائمًا بهذه المهمة خير قيام، وليس إعلام العرب، وأهل الجزيرة إلا رجع صدى لأولئك، إلا من رحم الله.
وأظن أنهم يتمنون الآن أن لو كانت هذه القضية عن الناس والإعلام بمعزل؛ فقد أظهرت من تهافت حججهم، وضعف أدلتهم، ما يقيم الحجة عليهم، في تسلطهم على الخلق، واتهام المظلومين، إلا أن تكون قلوبهم قد انسلخت من الفهم، وتعرت من الإدراك، وجودة النظر، وركنت إلى ما هم فيه من القوة والمنعة، وغفلة الناس.
كنت أعيش بين شعورين متناقضين؛ الضحك والبكاء، حين علمت أن مئة من أفراد الأمن، تصاحبهم طائرات تحرسهم من الجو، قد حاصرت منزلاً صغيرًا، يُكن عائلة صغيرة، في مدينة هادئة، لا تعرف الخوف والهلع.
وليس هذا فحسب؛ بل إن وزير العدل بنفسه يتولى الإعلان عن هذا الحدث، وأن درجة الخطر قد بدأت تخف، وأن بإمكان سكان هذه المدينة أن يزاولوا حياتهم بأمان؟!!!
بدا لي أن سامي غدا أخطر من أسامة، وأن الثاني هو في قمة إرهاب المقاتلين، والأول في قمة إرهاب المفكِّرين المبدعين.
قد تكون الحكومة الأمريكية أرادت هذا فعلاً، وأرادت أن تبرز لشعبها أن الحملة على المقاتلين إنما تتم بالحملة نفسها على أصحاب الفكر السليم، الذين يحملون همَّ الدعوة إلى الدين الصحيح، وإنقاذ الناس من عبادة غير الله، وتعريفهم بالصراط المستقيم.
وقد بقيت تهم الحكومة الأمريكية، تجول في عقول كثير من الناس، وتحملهم على الظنون السيئة للنهاية التي تنتظر هذا الإرهابي الخطير، الذي لا يعرف مشرِفُه عنه إلا قمة جبل الجليد، وأن المباحث الفدرالية ستكف الجبل كله.
حتى جاءت المحاكمة، ولم تصنع شيئًا غير أنها وضعت ضغثًا على إبالة، وأظهرت أن جبل الجليد ليس إلا ماءً حارًا يشوي وجوههم.
من الأدلة ضد هذا الإرهابي؛ أنه يعمل مع إحدى الجمعيات الدعوية محتسبًا، وأنه بذلك يمنع المواطنين من وظائف تُوفِّر لهم الدخل الجيد؟!
من الأدلة؛ أنه نشر قصيدة غازي القصيبي في المرأة التي فجرت نفسها في إسرائيل؟!
من الأدلة أنه يستقبل أخبار المستضعفين في الشيشان، ويرسلها إلى أصدقائه؟!!
من الأدلة؛ أنه من المسلمين الذين يعتقدون أن الإسلام فيه جهاد؟!!
من الأدلة؛ أنه يدعم القضية الفلسطينية؟!!
من الأدلة؛ أنه يستقبل ويرسل تبرعات للجمعيات الدعوية والخيرية، والمرخص لها من قبل الحكومة الأمريكية؟!!
من الأدلة؛ أنه يمارس الدعوة بجد، مع أنه جاء للدراسة فقط؟!!
وأما الشهود؛ فليسوا بأحسن حالاً من هذه الأدلة؛ فمن مصري مطرود من بلده بسبب آراءه الشاذة في الدين الإسلامي، يشهد بأن سامي من جنس الذين طردوه.
إلى عراقية عاشت في إسرائيل فترة من الزمن، ثم جاءت للتعاون مع المباحث الفدرالية، وتشهد ضده بمبلغ يتجاوز المئة ألف دولار.
إلى خبير في أجهزة الحاسب، يقف أمام القاضي، ليقول إن المعلومات التي كانت في جهاز سامي قد اختفت، دون معرفة السبب؟!!
وشاهد يشهد ضد سامي بأمور يفعلها هو، والفرق هو أن نيته سليمة، ونية سامي سيئة!!
شيء مقزز فعلاً، لا تتحمله العقول السليمة، ولهذا لا لوم على مشرف سامي حين قال: ©أتعجب من الطريقة التي أثَّرت بها هذه القضية على حياتي، لقد جعلتني أسعى لأكون جزءًا من الحكومة؛ لأجعلها حكومة أفضل، وأكثر احترامًا®.
ليست هذه القضية قضية سامي، إنها قضية كل مسلم صادق، مستقيم، ولقد صدق الأخ ضاري بن عبد العزيز الوهيّب حين كتب في عزيزتي الجزيرة (العدد 11607) مقالاً بعنوان: ©كلنا مثل سامي®، بين فيه تفاهة التهم، وأنها توجَّه لكل طالب مسلم.
والعجيب أن هذه القضية لم تستغل لإظهار الخلل الموجود في تصور الحكومة الأمريكية، وسوء تصرفاتها، وتخبطها في التعامل مع هذه الأحداث.
وقد أظهرت بوضوح أمورًا مهمةً؛ منها:
1- أن الحكومة الأمريكية لا تعادي المقاتلين، الذين تصفهم دائماً بالإرهابين، والذين يستخدمون القوة للوصول إلى أهدافهم، والدفاع عن كرامتهم، ولكنها تعادي كل صاحب فكر يخالفهم، ويقذف بالحجج الصحيحة، ويذعن الناس لمنطقه السليم.
2- أنها لا تستند إلى أدلة صحيحة، في دعاوها ضد الدعاة المسلمين، والمنظمات الخيرية الدعوية.
3- إلقاء الضوء على أمثال سامي؛ من الدعاة المستضعفين، والمصلحين الناشطين، والذين واجهوا نفس التهم، وحصل لهم نفس الموقف، وليس في غوانتناموا إلا بعضهم، ولم يُقدَّر لهم أن تنال قضيتهم ما نالته قضية سامي.
لا ألقي باللوم على حكومة الدولة التي ينتمي إليها سامي؛ لأنها قد دعمت القضية من جوانب أخرى، منها الجانب المادي، الذي قد يعجز عنه أسرة سامي، ولأني قد تربيت على قاعدة (الشيوخ أبخص).
ولكن ما بال إعلامنا النائم، الذي يُطعن قومه، وبنوا جلدته كل يوم، في فكرهم، وعقيدتهم، ومبادئهم، ثم لا يتحرك للانتصار لهم، حتى في هذه القضية، التي ظهرت فيها براءة سامي؛ كالشمس، وظهر زيف دعاوى الحكومة الأمريكية، وأنها لا تقوم على مبدأ صحيح في حربها؟!!
ما بالهم بالأمس قتلونا، وحطموا معنوياتنا بإظهار صورة سامي، في أول الصفحات، مشفوعة بالتهم، بل ومعها الحكم الذي قد يتجاوز مئات السنين، ثم لا تراهم اليوم يتحدثون عن براءة سامي، وإن تحدث بعضهم فعلى استحياء، في زاوية محصورة، لا يكاد يفطن لها، إلا من يستعرض الصحيفة كلها؟!!
القضية ملف كامل يفضح الحكومة الأمريكية، ولكن من يهن يسهل الهوان عليه، ما لجرح بميت إيلام.

وكتبه عبد السلام بن إبراهيم بن محمد الحصين في 11/6/1425.

 

مـقـالات