بسم الله الرحمن الرحيم

احصل على نسخة من الموضوع على ملف وورد
 


المقــــدمـة

إن الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.

وبعد...فإن هذا الكتيب يحوي مقالين كتبا في فترتين سابقتين, أذكر بها نفسي المقصـــرة وإخواني, سائلاً الله أن يكتب بهما النفع, فما أصبت فيه ووفقت فمن الله وبفضله, وما أخطأت فيه فمن نفسي والشيطان.

المقال الأول يعرض -على شكل نقاط- عدداً من الإشكالات التي لوحظت في العديد من الخطابات الدعوية التي حدثت تفاعلاً مع مآسي أمتنا (وتخبطاتها) الكثيرة المتنوعة المتكررة في عصرنا الحالي الذي نعيشه, والمقال الثاني يُذَكِّر ببعض الواجبات والمستوى الذي يؤمل أن يكون عليه الدعاة إلى الله خاصة في وقتنا هذا الذي كثرت فيها آلامنا واستبيحت دماؤنا وأذللنا أيما إذلال.

وقد ذيل المقالان
بهوامـــش بها نقاط تذكيرية هامــــــــــــة أتمنـــــى الإلتفات لها, خاصــة هوامش المقال الثاني والتي منذ سنوات وأنا أتمنى نشرها في كتيب مستقل وأتت الآن فرصـــة لأضعها باختصار في هذه الهوامش, فأسال الله أن ينفع بها. وأتقدم بالشكر والدعاء لكل من أعانني في إخراج هذا الكتيب وتنقيحه.

اللهم عجل بفضلك وكرمك هداية أمتنا, وأعنا على أداء واجباتنا, وارزقنا الإخلاص وصدق محبتك, واكتب لنا يا عظيم النصر على الأعداء, وأفرحنا بكرمك بنيل رضاك, وبدخول فردوسك, وبلذة النظر إلى وجهك الكريم يوم لقاك.

4/6/1424هـ


الخطــــــاب الدعوى و مآســـي المسلمين

هذه الكلمات في الفقرات التالية موجهةٌ لروح الأمة, وحاملي همها من الدعاة والمصلحين, وأصحاب الأقلام الطيبة, وإن كان الأصل أن كـــــل الأمة تكون كذلك, فالدعـــوة إلى الله مسؤوليــــة الجميــــــــع.

أولا: إشكــــــــــــــــالات في الخطاب:

1- يحز في النفس كثيراً أن العديد من الخطباء والمحاضرين والكتاب والشعراء في وقتنا الحاضر وبالذات في مآسينا (وأيضاً تخبطاتنا) الأخيرة الرهيبة, لا يقومون في خطبهم ودعائهــــــــــم وتوجيهاتهــــــــم -عند الحديث عن هذه المآسي- بتذكير المسلمين بواجب العودة إلى الله, وواجب كل مسلم في تحقيقها بالشكل الواضح والكافــــــــــــــي, والمؤثـــــــــــــر الحــــار, الذي يوصـل هذه الحقيقة إلى كــل المسلمين, مبيناً لهم بوضوح أن هذا هو الحـل,..... ومشعـــراً لهم بأن مسؤوليــــة تحقيقه تقع على كل فــــــــــــــرد مسلم,
مع أن هذا هو الحل الحقيقي الجذري (1) الموصل لتحقيق النصر, وإيقاف المآسي, وردع أعداء الدين.
قال تعالى:
( إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ )..الآية (محمد:7),
وقال تعالى:
(إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)..الآية(الرعد:11),
وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عن ابن عمر
( إذا تبايعتم بالعينة, وأخذتم أذناب البقر, ورضيتم بالزرع, وتركتم الجهاد, سلط الله عليكم ذلاً لا يرفعه عنكم حتى ترجعـــــــــــــوا إلى دينكم) (سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني).

ويبدو أن عدم وضوح بعض الأسس الإسلامية, إضافة إلى الضياع الفكري والتوجهي الذي تعيشه أمتنا حاليا, قد أثرا أيضا حتـــــــــى على العديد من الدعاة والمصلحين ؛ فرأينا البعض يتكلم ويكتب عن مآسي ومذابح الأمة بنظرة سمتها التركيز على الحلول الجزئية بما فيها الإكثــــــار من نقد التوجه العالمي, والتحدث عن الأسباب السياسية والمادية أكثـــــــــــر من النظر للخلفيـــــــــــات الشرعية(2) المتعلقة بهذه الأحداث.
والأهــــــــم من ذلك عــــــــدم التركيـــــــــــــز بدقــــــــة, وإيضـــــــــــــاح تام كـــــــــــافٍ على الحل الحقيقي لكل هذه المآسي بالشكـل الذي يصـــــــل إلى قلب ويقيـن كـــــــل مسلم (وليس إلى فكره فقط), مشعــــــــــرا له بواجبه في التغيير(3) والعـودة والدعــوة إلى الله.

وفي بعض الخطابات والبيانات المتعلقة بالمآسي وكثير من المشكلات التي تعيشها الأمة ذكر موضوع التوبة وعودة الأمة والحذر من المعاصي ولكنه كان يذكر عَــرَضَــــاً, أو باختصار شديد قد لا ينتبه له, أو فقط كنقطة من النقاط ضمن نقاط أخرى عديدة وبدون التركيز الكافي عليه, مع أنه أس قضايانا وكما يقال قضية القضايا.

2- أيضاً وعلى الرغم من سرور قلوبنا بما نقرؤه ونسمعه من العديد من الصادقين من تألم على الواقع والجراح, إلا أننا من كثرة المآسي والجراح, وفي غياب التذكير بالحل الحقيقي بوضوح, أصبحنا نمل أحيانا من كثرة البكاء والتباكي على واقع الأمة المتكرر,
فهل الهدف هو البكاء للبكاء؟
أم هل الهدف هو البكاء والتألم فقط لجمع المال للمنكوبين والمشردين؟ والذي لاشك في أهميته إلا أنه حل جـــــزئي ووقتــــــي, خاصـة إذا لم يربط بالحل الحقيقي,...
فالأصل أن يكون الهدف والمؤمــــــل الأكبــــــــــــــــــــــــــر من البكاء والتألم هو
جعل ذلك شعلــــــــــــــــة(4) للأمة للانطلاقـــــــــــة نحــــو التغييـــــــــــــــــر في واقعها, والعودة إلى الله, والدعوة إليه, التي -بإذن الله- بها وبنتائجها وثمراتها تعز الأمة, ويعود مجدها, وينطلق بقوة جهادها, وتنتصر وتحل كل مشكلاتها(وتخبطاتها) .

3- أيضاً يلاحظ في الكثير من المآسي التركيز على الدعـــــاء والدعم المالـــــي مــع الضعف في تذكير الأمة بواجب التوبة والعودة وإصلاح المسار,.... والدعاء والدعم المالي على الرغم من أهميتهما وضرورتهما إلا أنهما ليسا الواجب الوحيد والأهــــــم, وقد أصبح هذا المظهر أي مواجهة المذابح فقط بالدعاء والدعم المالي سمة لأمة الإسلام في العقود الأخيرة, وهل يعقل أن يستمر حال أمة الإسلام في كل مذبحة لأبنائها بهذا الشكل, بل إن أي أمة لا ترضى أن يستمر حالها هكذا في كل مذبحة ومأساة تتعرض لها, فكيف بنا أمة الإسلام ونحن مَنْ مِنَ المفترض أننا ندرك قيمة الدم المسلم عند خالقنا العظيم سبحانه وتعالى.

لذا فبالإضافة إلى تذكير الأمة بواجب الدعاء والدعم المالي وقت حدوث المآسي, فلا بـــــد من التذكير والتركيز في ذات الوقت على واجب التوبة والعودة وإصلاح المسار, لأنها الطريق الذي سيقود الأمة بإذن الله إلى العزة والجهاد والنصر, حتــــى يأتــــــي اليوم الذي توقف هذه المذابح والمآسي حال حدوثها, ولا نكتفي عندها فقط بالدعاء وتضميد الجراح, بينما السفاحون يقتلون ويبيدون!!.
بل في ذلك الوقت أي عندما تسترجع الأمة عزتها لـــــــــــــــــن يتجرأ عليها بإذن الله أعداء الدين, ويستبيحون كرامتها في كل حين, كما هو حاصل الآن حتى أننا أصبحنا أذل أمة على وجه الأرض.
خاصـــــــة أن الأمة في أيام الأحداث تكون متأثرة ومتفاعلة, وخســــــــــارة عظيمة أن لا تذكر بواجب التوبة وإصلاح المسار وهي في قمــــــــة تفاعلها.

وإن من سلبيات التركيــــز على الدعاء المقتصر على الدعاء للمنكوبين, وعلى الدعم المالي لهم مـــــــــــع ضعف التركيز على تذكير الأمة بالتوبة والإصلاح أن يحدث تخديـــــــــــــــــر للمسلمين, فيشعرون أنهم -بعمل ذلك فقط- يكونون قد أدوا ما عليهم, بينما هم مستمرون ويستمرون في الغفلة واقتراف المنكرات والإصرار على المعاصي التــــــــــي هي مصيبتنا العظمى(5), وأساس ذلنا وضعفنا وهواننا, واستئساد الكفار علينا وتمكنهم منا, وعجزنـــــــا عــن إنقاذ إخواننا, كما بين ذلك لنا كتاب ربنا العظيم وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم.

4- يتكلــم العديد من المحاضرين والشعراء والكتاب وتصــــدر توجيهــــات من بعض الدعاة بعــــــد العديد من المآسي والمحن عن الجهاد وعزة الأمة ووحدتها ونخوتها, ولاشك أن هذا تذكير نحتاجه وأن هذه أسس هامة جداً ونحن بأمس الحاجة إليها وبها بإذن الله يتحقق النصر ولكـــــــــــــن......
كيــــــف السبيل إليها؟
وهل وُضِّح للناس كيف نصل لطريق الجهاد؟ وكيف يتحقق النصر فيه؟
وكيــــف تحدث العـزة والوحـدة؟
هل نريد من المسلمين أن يثبوا فجأة للجهاد, رغم كل العوائق وأهمها الذنوب والمعاصي؟,.. ونتمنى أن يحدث ذلك ولكن المخدر بشكل عام عادة لا يقوم فضلاً من أن يثب وثوباً حقيقياً.
ثم لو حصل الجهاد من أمتنا بدون تركها المعاصي ومجاهرة الجبار بها فلن يحصل النصر الحقيقــي التــام. (6)
وحتى لو حصل نصر مؤقت فهل يكفينا حدوثه بينما أمتنا مستمرة في بعدها, وأين نضع هذا بالنسبة لأهداف الجهاد العظيمة وغاياته؟!! وهل هدف الجهاد في الإسلام هو فقط إنقاذ المسلمين؟! فعلى الرغم من أهمية وضرورة هذا الهدف, إلا أن الهــدف الأعلــى والأعظــــم للجهاد هو حفظ الدين وإقامته وتعبيد الناس لله رب العالميـن
(ويكـــــــون الدين لله)(البقرة:193, الأنفال:39).
ولا يخفى على الدعاة والمصلحين ما حصل في أمتنا من بعد كبير عن حقيقة دينها, ولا يخفى أيضا ما يفعله المفسدون في الأمة, حتى وصل الأمر إلى حد محاربة أوامر الله وتحكيم غير ما يرضاه.
وليتنا نرجع إلى كتب التفسير ونتأمــل بعض الحكم المستفادة من قوله تعالى في سورة محمد
[سورة القتال]: ( طاعــةٌ وقولٌ معروفٌ فإذا عــزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيراً لهم) (محمد:21).

ومسألة أخرى هامة تجدر الإشارة إليها هنا وهي: أن تذكيرنا للأمة بالجهاد بــــــــــــــــــدون توجيهها للتوبة والعودة قــد يــــــــؤدي إلى حدوث اتكاليــــــــة وتأخر في التغيير والإصلاح - الذي هو الطريــــــق الذي يقود الأمة بفاعلية للجهاد ويحقق لها النصر فيه بإذن الله- بيــــــن أفراد الأمة, بحجة أن الجهاد لم يقـــم وأننا ننتظر اليوم الذي يبدأ فيه حتى ننصر إخواننا بمشاركتنا فيه, فتنسى الأمة وتغفل عن أن استمرارها في الذنوب والغفلة وعدم تحقيق العودة الصادقة إلى الله هو أحــد أهــــــم أسباب تأخر الجهاد في الأمة وتأخر تحقيق النصر فيه.
وكـــــــم واجهنا من المسلمين الذين عندما نذكرهم بترك اللهو والمعاصي غِيرةً على الأقل على واقع الأمة نجدهم يحتجون بحجة عدم وجود الجهاد الآن, وأنه لو كان موجوداً لتفاعلوا معه في إنقاذ إخوانهم, ونَـســـــــــــوا أنهم بأعمالهم هذه ولهوهم يكونون من أهــم أسباب تأخر بـدء وحصـول الجهاد في الأمة.

وأبو بكـر وعمـر رضي الله عنهما وسلفنـا الصالح كانوا عندما يرسلون جيوشهم التي حوت خيار الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم كانوا يوصونهم بتقوى الله والحــــــذر من الذنوب وأنها أهـــــم العدة على الأعداء(7)...... فكيــــــف يُنســـــــــــى هذا -أو يذكر بدون إعطائه حقه- عندما نذكر أمتنا بالجهاد, وهي على ما هي عليه من الغفلة والبعد وتضليل المضلين وإفساد المفسدين.

بل ويبدو أن تذكير الأمة بالجهاد بـــــــــدون تذكيرها بالتوبة والرجوع ومساعدتها على تحقيقه, قــــــــد يؤدي إلى نشوء شوائب الحمية في إخلاص الأمة عند حماسها للجهاد, مما قـــد يجعل توجه البعض للجهاد تشوبه نية الحمية, التي تضعف تحقق العبودية فيه. وفي الحديث المتفق عليه عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياءً أي ذلك في سبيل الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم:
( من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله). وصفاء النية من شوائب الإخلاص تحتاج إلى أفرادٍ تربوا على الصدق مع الله, والتزام أوامره, والحرص على ما يرضيه.

5- وبالنسبة لجانب تفرق الأمة ووحدتها فمن الإشكالات في الخطاب الدعوي والإصلاحي أن تُوْهَم الأمة أن السبب الأســاس لتخبط الأمة وتأخر النصر هو عدم وحدة الأمة وإتحاد صفها وتلاحمها, فليس الأساس كذلك, بل نحتاج في الخطاب الدعوي إلى أن نؤكد للمسلمين بأن أمتنا لن تنتصر النصر الحقيقي وتحفظ حتى ولــــو اتحــــــــــدت وتلاحم أبناؤها طالما أنها لم تطبق شرع الله وتحترم أوامره.
وذلك حتى لا تعتقد الأمة أن أساس دائها هو التفرق (ولا خلاف في أنه مشكلة هامة), ولتـدرك فــــــي واقعنا الحالي أنه ليس إلا عــــــــــرضاً من أعراض مأساتها الكبيرة, ألا وهي بعدها عن حقيقة الدين, وعن التمسك الكامل به في كل أمور وجوانب الحياة. قال تعالى:
(أو يلبسكم شيعـــاً ويذيق بعضكم بأس بعض) الآية (الأعراف:65).
ورجوع الأمة إلى دينها وتمسكها به سيكون أقوى دافع لاتحاد الأمة ولحمتها, بل هو جزء أساس من معاني الرجوع إلى الدين وصدق التمسك به وبتعاليمه.

6- أيضا يلاحظ في أحيانٍ عديدة التركيز علــــــــى كيد الكافرين ومؤامراتهم وخططهم وخطورتهم والسبل المادية لمواجهتهم أكثـــــــــــــر من التركيز على الإصلاح وعودة الأمة, مع أن صلاح الأمة هو الأساس لردنا أي كيد وأي اعتداء, وخالقنا العظيم العليم أخبرنا سبحانه بأن كيدهم لن يضرنا إذا صبرنا واتقينا (وإن تصبــروا وتتقـــوا لا يضركم كيدهم شيئا) (آل عمران:120).
ولا شك أن أقـــــوى ما نواجه به الكافرين هو صدقنا مع الله والتزامنا بأوامره, وأن أهــم أسباب هزيمتنا وذلنا هو المعاصي, وبعدنا عن الله وعن التطبيق الحقيقي الكامل لشرعه وأوامره, ولا رد حقيقي لكيد الأعداء ونحن نقويه بذنوبنا ومعصيتنا.

بل وإن التركيز على كيد الأعداء(الذي من المُـسَـلّـمْ بأنه لا خلاف في الأصل على أهميته ) بــــطريقة تُـشْعِـر بأنه الأساس في مصائبنا وبـــــــــــــــدون تذكير الأمة بأمراضها التي كانت السبب في ذلها واستئساد الأعداء عليها وتمكنهم منها, قــــد يكون أيضا عاملاً آخراً يضعف التفات الأمة لمرضها الأساس, ودائها الأهم, وأولوياتها في طريق إنقاذ نفسها من الأخطار المحيطة بها؛ قال تعالى:
(أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم)( آل عمران: 165).

7- يكثر بعض الدعاة أحيانا من ذكر "صلاح الدين" وغيره من أبطال الأمة خاصة في الأشعار والأناشيد عند كلامهم عن مآسينا, ولاشك في أن أمتنا تحتاج إلى أمثالهم وبشـدة, ولكــــــــــــن.......
أن نجعل أن كل مشاكل الأمة وكل مآسينا بسبب عدم وجود"أمثال صلاح الدين" يعتبر فهماً خاطئاً, وله خطورتــــــــــه من حيث أنه يصــرف أنظار الأمة عن أمراضها الحقيقية التي تنخر في جسدها, كما وضح ذلك صاحب كتاب " هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس" الدكتور ماجد الكيلاني .
ثم كيف يخرج لنا مثل "صلاح الدين"؟!, هل ننتظر أن يوجد بيننا حتى ونحن على ما نحن عليه!!!!؛
إن العودة إلى الله ومناهج الإصلاح هي التي تخرج لنا" صلاحاً" -بإذن الله-!!. و"صلاح الدين" نفسه كـــان أحد ثمار المنهج الإصلاحي الذي عاصره وسبقه.

ولا شك أن ذكر" صلاح الدين" والأبطال مهم ونحتاجه, ولكن ليكــــــــــــن وسيلة لتحفيز الأمة للعودة إلى الدين, والنخوة له, والجهاد الصادق في سبيله, وليكن حافزا لنا لنكون على مثل ما كان عليه "صلاح الدين" من صـــــــــــلاح(8) وتقوى, سبقـــــــت بطولته وإنجازاته.
وذلك حتى يكون ذكره حافزا لنا في معرفة واجباتنا ومسؤوليتنا في الإصلاح, لا أن يكون ذكره وذكر عدم وجود أمثاله شماعـــــــــــــــة!!!! يستغلها الشيطان لكي تُـلقي الأمة عليها أخطاءها بينمــــــــــــا هي سادرة في غفلتها ولهوها وذنوبها, والتي هي أســـــاس مأساتها وتخبطها وتفرقها وضياعها وهوانها.

8- يبدو أيضا أن كثــــرة استخدام الدعاة والمصلحين والشعراء مصطلح العودة إلى الدين بالشكــــــــــل الذي يخاطب الأمة بشكل عـــــــــــــــام لا بشكل فردي مثل عبارة "عودي إلى الله" التي تخاطب الأمة وعبارة "الحل في عودتنا لما كنا عليه سابقا" قــــــــــد لا تشعـــــــــــر الفرد المسلم بواجبه في التغيير, خاصة مع وجود الغبش الكبير في فكر وسلوك أمتنا الديني, فقد يعتقد الكثير من أبناء الأمة أنهم ليســـــــــــــــوا هم المقصودين بهذه العودة, خاصــــة مع وجود عدو الإنسان الكبير الشيطان الرجيم وشياطين الإنس, الذين يلبســــــــون على المسلم أحكام دينه ويجعلونـــــــه يرضــــــــى بواقعه, على الرغم من وجود التقصير الكبير في تطبيقه والتزامه بالدين وأحكامه. وأيضا قد لا يكون واضحا للفرد أن بداية تغيير واقع الأمة وعودتها إلى الله تبدأ بالفرد نفسه, بالتــــــــــــــزامه الصادق الكامل وبدعــــــــــــــوته غيره من أفراد المجتمع ( عــــودة ودعـــوة(9)).

9- مما يدل أيضا على أن خطابنا الدعوي كان ناقصاً هـــو ما نلاحظه من البـــــــــــرود و الانتكــــــــــاس العاطفـي والعملـــي السريع, والعودة للضلال واللهو الذي يحدث للأمة بعـــــــد فترة وجيزة من انتهاء إحدى نكبات المسلمين.
بل حتى أنه مع استمراء الواقع وكثرة المذابح أصبح الكثير من الأمة يلهـــــو ويغني, وينشغل بالدنيا, والمعاصــــــــي التي يؤخر بها نصر أمته في نفــــــــس الوقت الذي يرى أمامه يوميا إخوانه وهم يذبـــــــح أطفالهم, وتهــــــدم منازلهم, وينكـــــــــل بهم أشد تنكيل.

10- يبدو أن من آثار عدم تركيز الدعاة وغيرهم من المصلحين والغيورين على طريق النصر الحقيقي-بالقــــــــدر الكافــــــــــــي- في خطابهم الدعوي أننا أصبحنا نرى العديد من الإنتاجات الطيبة التي كانت ردة فعل للمحن من مقالات وأشعار وكتابات, وإصـــــــدارات إعلاميـــــة متنوعـة, وتوجهـات شعوبيـــــة(10) , كلهـــا طيبة لكـــــــن الكثير منها يتسم بعــــــدم تلمس طريق النصر الحقيقي بإيضــــــــــــاح جيــــــــــــد لا بكلمات رنانة عامــــــــة, وأفعــال حماسيـة غير دقيقـــــــة في توجههــــــــــا لأساس الداء والدواء.
بل إن بعــــض ردود الفعل تجاه المحن سواء كانت نثراً أو شعراً أو خطابةً أو مظاهرات أو غير ذلك كانت تتكلم عن المحن بالطريقــــــة التي يتكلم بها أي إنسان يضيع عليه مجده أو وطنه أو ينتهك عرضه ودمه, فبعضها جـاف من المعاني الإسلامية, ومعاني العبوديـــــــــــــة, وفي بعضها سمة الحمية أظهر من سمة العبودية والإخلاص والتجرد والعمل من اجل إرضاء الله.

11- ومن الإشكالات التي لوحظت ما يمكن أن نسميه التخديــــــــــــــــر بالنصر والتفاؤل الذي يحدث عندما يحرص بعض الأفاضل الكرام الغيورين من الدعاة والمصلحين في خطاباتهم -كلمات كانت أو شعرا أو توجيهات- على طمأنة الأمة بأن النصر قادم, وبث روح التفاؤل فيها بــــــــــــــدون أن ُتذَكَّــر الأمة بأهمية أن تصحح مسارها, وتتوب من المعاصي التي وقعت فيها, وتعلـن وتبـــــــــدأ بجديــة في العودة الصادقة إلى الله, وإلى حقيقة دينها وتطبيقه الكامل, والدعوة والبذل والتضحية من أجله, فنكون بذلك كمن يطمئن الطالب الكســــــــــول المحبط بأن عليه ألا ييأس وأنه سينجح بـــــــــــــدون أن يذكره بان عليه أن يثابر ويجتهد.
ولا يعني هذا عدم التشجيع على بث روح الأمل والتفاؤل, فهو أمر مطلوب محمود, ولكن القصد أن يكون معـــــه تذكير واضح بالعمل والسعي للتغيير, حتـــى تُتَـلافـــــــى سلبية الركـــون واستمـــــــــــراء الواقع.

(( إن أمتنا تحتاج إلى التفاؤل ولكنهـــــــــــــــا.....
تحتــــاج أكثر ما تحتاج إلى من يهـــزها بقوة لتستيقظ من نومها العميق وبُعدها,
تحتــــاج أكثر من التفاؤل إلى من يحذرها من حدوث مآسٍ وعقوبات أخرى من الجبار سبحانه لها فهــــــــــــي:
لم تفق وترجع إلى الله وهي في أشد مآسيها وذلها وهوانها,
لم تعد ولم تتب من المعاصي(11) وهي ترى المسلمين يذبحون ذبح النعاج بما فيهم أطفالهم!!! الأبرياء, لم تعد(12) وهي تسمع بآلافٍ !!!! من أخواتهن يغتصبن!!!! .
لم تعد ولم تتب وهي ترى الأعداء يتربصون بها من كل جانب!!
لم تعد ولم تتب وهي ترى العالم يعيش في قمم من الضياع والتعاسة والكفر
والضلال, وهي المسؤولة عن تبليغه طريق النجاة...أولاً :بتمثلهــا هي نفسها الإسلام
حقيقة وصدقاً (فهو الأهم لنشر الدين), وثانياً: بتبليغها الإسلام بكــل عزم وهمة.
إن أمتنا التي لـــــــــــم تفق(13) ولــــــم تعد وهي ترى كل هذه البلايا....
تحتاج أكثر ما تحتاج إلى من يخوفها من حصول مثل ما حصل لإخوانهم عليهم.
وإذا أردنا أن نخفف بعض إحباطاتها فليُـصاحــــــب ذلك تذكيرٌ بالطريق والوسيلة التي بحصولها وبالبدء بتحقيقها نتفاءل التفاؤل الحقيقي الذي يكون تفـــاؤلا مفيداًً لا أمانـــــــــــي قــــد تضر أكثر مما تفيد ))(14).

12- ومــــــن سلبيات بعض الألفاظ التي تستخدم للتعبير عن بعض مآسي ومحن الأمة ووصفها مثلاً بأنها القضية الأخطر التي تواجهنا ونعيشها أو بأنها مشكلة المسلمين وقضيتهم الكبرى -وذلك في غياب أو ضعف تذكير الأمة بواجبها في الصلاح والإصلاح عند الحديث عن هذه الأحداث- أن تصــــرف الأمة عن التركيـــز على قضيتهـــا الكبـــــرى و مأساتهـــا الأكبـــــر ألا وهي بعدها عن حقيقة الدين, والالتزام بأوامره, والتي نتجت واستمرت بسببها شتى المآسي التي تعيشها الأمة من ضعف وتفرق وتخبط, وذل وهوان, وضياع للمقدسات والأوطان,..... فتعتقد الأمة أن المأساة هي فقط فيما حصل من فقدان للأراضي والبلاد,...وكأنه يرضي الله وتتحقق رسالتنا في الأرض فقط باسترداد ما فقد منا, وبأن ننتصر على الأعداء, وإن استمررنا على مداومة المعاصي والبعد عن حقيقة الدين.

13- وختاماً فمن بعض النقاط السابقة يلمس المرء أن بعض أحبتنا من الدعاة والمصلحين فـــي حديثهم عمّا يتعلق بالمآسي التي نعيشها يخاطبون(في أحيانٍ قليلة أو كثيرة) الأمة أو بعض فئاتهــــــا وكأنهــــا بشكل عـــام الأمة المستقيمة على ما يرضي الله والمطبقة لشرعه والسائرة على هداه, والتي لم يبق لها إلا توجيه لقضية معينة قصرت فيها, أو مسألة واحدة أخطأت في فهمها, أو فقط اجتماع كلمتها على حُكمٍ في مسألة,..... ولكن القضية أكبر وأشمل من ذلك,....إنها قضية إحيـــاء أمتنا التي قتلهــــــــــا الأعداء والمفسدون والشيطان والهــوى منذ عقود عديدة بإبعادها عن أساس حياتها, ومقتضيات رسالتها, وسر سعادتها في الدنيا والآخرة.

ثانياً: ما نتمنـــــــــــــاه في خطابنا الدعوي عن المآسي:

1- نتمنى من الخطاب الدعوي والإصلاحي عن مآسي امتنا وتخبطاتها أن يكون مركزا على الحل الأساس الأهم حسبما عرفنا من السنن الربانية التي عرَّفنا بها قرآننا العظيم, ونبينا صلى الله عليه وسلم, وعلماء الأمة وسلفها الصالح, ألا وهــو رجوع الأمة إلى دينها, وتطبيقه الكامل, وابتعادها عن المعاصي والذنوب التي هي أساس المصائب والفتــــــــن والنكبات والشرور.
وأن يركــــــز على علاج مـــرض أمتنا أكثـــــــــر من التركيز على علاج أعراضـــه(15),
وأن يكون مستمــــــــــــــــــــــــرا لا منقطعا, حتى لا يكون فقط ردة فعل تأخذ وقتها ثم تبرد وتنتهي.

2- نتمنى أيضا من الخطاب الدعوي - عندما يوضح أن نصرنا بالعودة(16) إلى ديننا- أن يكون خطابه معروضاً بطريقة مفصلـــــــة دقيقـــــــة, تبين لكل فــــــــــــــرد كيف يكون دوره في العودة والتغيير, لا أن يكون الخطاب بكلمة عامه فقط لا تُشعر الفـرد بدوره ومسؤوليته في تحقيقها, بل وتؤدي أحيانا إلى أن نَـجْــعَــل الفرد ممن يقول ما لا يفعل, فهو قد يتغنى بأن الحل في العودة ولكنه بعيد عن تحقيقهــــا وعن معانيها وواجباتهـــــــــــــا.
فنحن نتمنى أن تكثر الكلمات القوية والأشعار المؤثرة التي تجعل الفرد المسلم يخرج منها بخطــــــــــــــــــوات عمليـــــــــــــــــــه عمَّا ينبغي أن يفعله هو بنفسه لتغيير واقع أمته, لا أن يخرج فقط بحماس وانفعال قد يبرد سريعا, فأمتنا تريد عمــــــــــلا وعامليـــــــــــــن.

3- حبذا أيضا لو كان في خطابنا الدعوي- نثرا كان أو شعرا أو خطابة - تبيين وتذكير ببعض المنكرات التي انتشرت في الامه وخاصــــــــــةً التي استمرأها المسلمون, وهذا أفضل من العموميات في الكلام عن العودة والذنوب, لكي يتضـــــــــــــح للفرد المسلم نقاط خللـــــــــــــه وتقصيـــــــــره(17), ومن ثم يكون خطابنا أقــــــــــــــــوى في النتيجـة العمليــــــة الناتجـة منه بإذن الله.

وليت خطابنا الدعوي لا يُغفل تذكير الفرد والمجتمع بخطر المعاصي كلهـــــا بشتى أنواعها, بمــــــــا فيها خطر الإصرار على الصغائر(18), الذي تساهل به حتى الكثير من الأفاضل والطيبين, نسياناً منهم لبعض الحقائق والأسس المتعلقة بهذا الموضوع, ومنها تحول الصغائر إلــــــــــــى كبائر بأمور عديدة منها الإصــــــــرار والمجاهـــــرة وعـــدم الحياء والخجل من الله في عملها كما وضح هذه الحقائق علماء الأمة وسلفها الصالح.
فنحتاج في خطابنا إلى تبصير الأمة بهذه الحقيقة التي نُسيت, وخاصة وأننا نرى الانتشار الضخم في الإصرار على كثير من الصغائر في واقع أمتنا الحاضر, والذي لا شك في أن إفساد المفسدين وتضليل المضلين دعمه وقوَّاه في قضايا كثيرة.
وعلينا أن لا ننسى أن كثيراً من الكبائر التي انتشرت في الأمة كان مبدؤها التساهل بصغائر متعلقة بها وتؤدي إليها. كما أن التهاون والإصرار على الصغائر يُجَرِّئ المسلم علــى غشيان غيرها من المعاصي ولــــو لم تكن متعلقة بها.

4- نتمنى أن يُشْعِــــــر الخطاب الدعوي والإصلاحي المسلمين بفاعليـــة بـالتحديات الخطيرة التي تواجه الأمة, ويربطهــــــــــــا بضرورة تصحيح المسار والإصلاح,... حتــــــى يكون الشعور بالتحدي فعالا في إيقاظ المسلمين وعودتهم.
وقد كان الشعور بالتحدي فعالا في تغيير حياة كثير من شعوب العالم بعد نكبات ألمت بهم (اليابان أحد هذه الأمثلة).

5- نحن في حاجة كبيرة إلى الخطاب الدعوي الذي -عندمـــــــا يخاطبنا في مآسينا, ومشكلاتنــــا, وفي كـــــــــل أمور وشؤون حياتنا وانفعالاتنا وتحركاتنـا- يربطهــــــــــــــــا بعبوديتنا لله, فهذا هو الأصل الذي ربانا الإسلام عليه وامرنا الله به وخلقنا من أجله,
قال تعالى:
(قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين) (الأنعام: الآيات 162-163).
وإن صدق الإخلاص لله في أمورنا –مع التزامنا بالنهج الصحيح بالطبع - من أهم أسباب نصرنا, بل حتى حميتنا وغيرتنا عندما نرى ذبح إخواننا ينبغي أن تكون مربوطة بعبوديتنا لله, فنسعى لإيقاف ذلك لأنه يغضب ربنا سبحانه, ويعوق نشر دينه, وتحقيق خلافة الإنسان في الأرض, لا أن يكون غيرة وحمية أرضية.

6- يحدونا أملٌ كبير -إن حقاً ذكرنا أمتنا بفعالية بدائها الأساس وجعلناه قضيتها الكبــرىالأهـــــم- أن ينتج عن ذلك حصول توجه ضخم لأمتنا نحو الحل الأساس بما يمكن أن نسميه للتذكيـــــــــــر "مقاطعــــــــة الذنــــــــــــــــوب".
وعلى الرغم من أهمية وضرورة المقاطعة الاقتصادية وفرحنا بها إلا أن مقاطعة الذنوب! هي المقاطعة الأهـــــــــم, وهي الدواء الأساس الذي بِعَدَمِهِ يفشل أي دواء أو عمل مساند في تحقيق الشفاء والتمكين لأمتنا المريضة الجريحة الذبيحة.
بل إن مقاطعة الذنوب بمفهومها الحقيقي الكامل تشمـــــل المقاطعة الاقتصادية, وتقويهـــــا, وتدعمها, وتحفـــــــــز الأمة لها.
      وإن تحمس المسلمين الكبير للمقاطعة الاقتصادية التي دعا إليها الكثير من الدعاة والمصلحين لهي دلالة واضحة عن وجود البذرة الصالحة والاستعداد في الأمة للتوجه بحماس للعودة إلى الله في حال تذكيرها بهذه القضية بصورة مركزة كما حدث في المقاطعة الاقتصادية.
فكما فرحنــــــــــــا بإحساس أمتنا بالمقاطعة الاقتصادية الذي أدركه وتحمس له حتى الكثير من أطفالنــــا!!!.... فإننا ننتظـــــــــر فرحنــــا بحصول توجــــه كبيـــــر في الأمة نحـــــــــو المقاطعة الأهــــــــــــم التي هي الأســاس لحصول النصر واستعادة العزة.

ختامــــــــــــــــــــــــــــاً:

نقول لكل غيور قال أو كتب كلمة قوية مؤثرة وذرف الدموع تأثرا بالمآسي, وكتب الكلمات الحارة, نقول له: أكثر الله من أمثالك فبالصادقين أمثالكم- الذين يوضحــــون للأمة نهج الحق والصلاح بصدقٍ وغيرةٍ- تنتصــــر الأمة بــــإذن الله ويقترب فرجها.

وإنكم عندما تتألمون لقلة الناصر للمسلمين فثــقــوا-كما لا يخفى عليكم- بأن النصر الأعظم والأكبر سيكون بإذن الله عندما تعـــــــــــــود الأمة لله, فيومئذ يعظــــــــــم العطاء و التضحية (19) من أمة عظيمة عاشت لله بمنهج الله, وتضحـــي بالمـــال والأنفـــس رخيصة في سبيل الله.
(ويومئـــــــــــــــذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله) سورة الروم.


حتــى نحقــق النصـر والفــلاح

أخي هل تراك سئمـت الكفاح       وألقيــت عن كاهليك السلاح 
فمن للضحايا يواسي الجراح      ويرفع راياتها من جديــــــد(20)

إخوتنا الدعاة إلى الله – والأصل أن أبناء أمتنا كلهم دعاة إلى الله – يا من حملتم مشاعل الأمل لهذه الأمة في طريقها إلى العودة والنصر. إخوتنا إن مسئوليتنا تعظم مع هذه المآسي, فتقصيرنا في الدعوة وفي تربية أنفسنا التربية القوية في شتى الجوانب الهامة يعني إطالة معاناة الأمة واستمرار مذابح إخواننا.
فهـــــــل نهنــــــــــــأ والحال كذلك!!؛....
إن أملنــــــــا فــــــي حاملي مشاعل الأمل هـــــــــو أن:
يحققــــــــــــــــــوا
أولاً صدق إخلاصهــــــــــم وتجـــــــــــردهم لله(21),
وصــــــدق محبتهم له سبحانه(22),
وارتفاعهــــــــم في درجات العبودية,
وقوتهــــــــم في أعمــال القلــــــوب, وسلامتهــــــم من أمراضها(23), (فهـــــــــذه الأمــــــــــور من أقــــوى عوامل الفــــــــــــلاح والنصـــــــــــــــر).
وأن يلتزموا ما ورد في الكتاب والسنة والدليل الصحيح -فلا فلاح ولا نصر بدون هذا-,.. وحتــــى لا نقع في تمييــــــــع أحكام الدين أو التنطــــــع,
وأن يكونوا قــــــــدوة حقـة تتحدث أفعالهم قبــــــــل أقوالهم(24),
وأن يكونوا قمــــــة في أخلاقهـــــــم(25),
وقمة في تربيتهم الروحية الإيمانية(26) بما فيها الزاد العظيم زاد قيام الليــــــل, وزاد الصـــلاة الخاشعــــــة والذكــــر الـــــذي يواطيء القلــــب فيه اللسان(27),

وأن لا ينســــــوا أن يتسلحـــوا بالسلاح العظيم ألا وهو الدعــــــــــاء في كـــــل أمورهم,... خاصــــــة دعاء أوقــات الاستجابـة,
وأن يركــــــزوا في دعوتهم للناس على تربية الإيمان والعقيدة أولا(28),
وأن يركــــــــزوا على الأولويـــات(29),.......
والأهــــــــــــم فالأهــــــــم(30),
وألا تفـــــــوت عليهم الموازنـــــــــــــــة بين الواجبات(31),
وألا يركّزوا على الأعراض أكثــــر من الأمراض(على مستوى الفرد أو المجتمع),
وأن يقدمـــــــوا العطف واللين والحسنى والتسامح والتحبب والإحسان في تعاملهم الدعوي مع الآخرين, فهو يأتي بما لا تأتي به الشدة التي –في غالبها- تنفر أضعاف ما تقرب, وتُـخسِّـرُ أكثر مما تُـكسب(32), ومن أُغْـضِــبَ وخُـسِـرَ قـلـبُـــه ومحبته لا يستجيـب للنصح غالباً وإن غُــلِــبَ في الحجة والتبيان(33),
وألا ينشغلـــــــــوا في طريق دعوتهم بأمور أو معارك جانبيه تشغلهــم عــن الأساسيات والواجبات الأهـــــم, وعـــن الأعداء الحقيقيين(34),
وألا ينشغلــــــــوا بغير الأولى والأجدى والأهم للدعوة والإصلاح, فالوقت غالٍ ومحـــــــــــدود والواجبات كثيـــــــــــــرة جدا(35),
وأن يحفـزوا الهمم, ويشدوا العزم, وينطلقوا متفانين باذلين كـل أوقاتهم وأموالهم لا بعضها فقط, فهم ممن يفترض أنهم باعــــوا أنفسهم وأموالهم لله شــــراءً لجنتـه,
وأن يشحـــــــــوا بأوقاتهم وأموالهم بأن تضيع في غيــــر ما يخدم الدين ويساهم في تقريب النصر,... لأنهم قد باعـــــوا حياتهم لله فهي ليست لهــــــم!!,
وألا يدعــــــــــــوا أي فرصة فيها خدمة للدعوة إلا واستغلوها أحسن استغلال, ولـو كانت فرصة صغيـــــــرة أو عارضـــــــــــــة(36),
وأن يضحـــــــوا براحتهم في سبيل نصر الدين والعمل له, ليبزغ بإذن الله
فجر العزة والسؤدد الذي طال انتظاره.

وليكونـــــــــــــــــــوا كما قيل:

نبي الهدى قد جفونــــــا الكرى       وعفنـــــــا الشهي من المطعم
نهضنا إلى الله نجلـــــو السرى       بروعة قرآنــــــــه المنـزل(37)

وأن يجـــــددوا العهد إن ضعف العزم:

جدد العهد وجنبني الكـــــــــــلام               إنما الإسلام دين العامليــــــن
وانشر الحق ولا تخــش الظــلام             فبصـــدق العزم يعلو كل دين(38)

يقول أحد الدعاة متحدثا عن الدرجـــة التي ينبغــي أن نكون عليها في حماسنا لديننـــا ودعوتنــا:
(( إنه من الواجب أن تكون في قلوبكم نار متقدة تكون في ضرامها عــــــــــلى الأقل!!! مثـــــــــــل النار التي تتقد في قلب أحدكم عندما يجد ابناً له مريضاً ولا تدعه حتى تجره إلى الطبيب, أو عندما لا يجد في بيته شيئا يسد به رمق حياة أولاده فتقلقــه وتضطـــــره إلى بذل الجهد والسعي.

إنه من الواجب أن تكون في صدوركم عاطفة صادقة, تشغلكم في كل حين من أحيانكم بالسعي في سبيل غايتكم, وتعمر قلوبكم بالطمأنينة, وتكسب لعقولكم الإخلاص والتجرد, وتستقطب عليها جهودكم وأفكاركم, بحيث أن شؤونكم الشخصية وقضاياكم العائلية إذا استرعت اهتمامكم، فلا تلتفتون إليها إلا مكرهيـــــــــــن!!.

وعليكم بالسعي أن لا تنفقوا لمصالحكم وشؤونكم الشخصية إلا أقــــــــل ما يمكن مــن أوقاتكم وجهودكم,!!!! فتكون معظمها منصرفة لمــا اتخذتم لأنفسكم من الغاية في الحياة. وهذه العاطفة مــــا لــــم تكـــن راسخــــــــة في أذهانكم ملتحمـة مع أرواحكم ودمائكم آخــــذة عليكم ألبابكــم وأفكــــاركم، فإنكم لا تقدرون أن تحركوا ساكنا بمجرد أقوالكم )).

قال تعالى:
( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ومــــا بدلـــــــــــوا تبديلا ) (الأحزاب:23).

--------------------
الهوامش
1- قد يخطــــر في فكر بعض المسلمين شبهة أن السبب الأساس لعجز الأمة هو تأخــــــرها التقني والعسكري وتفرقهـــــــــــــــا, والحقيقة أنه سبب هام بــلا شـــك ولكنـــــه ليس السبب الرئيس, لأن سنـــــــة الله اقتضت أن النصر الحقيقي التـــام لا يتحقق لأمتنـــــــا بدون عودة صادقة إليه واستقامة على أوامره حتى لو تقدمت ماديا وعسكرياً واتحــــــــــدت.
 
ومن المعروف على مدى العصور أن أمتنا كانت ذات شأن في القوة بل وفي التقدم المادي عندما كانت مطبقة لدينها, وأن بداية تأخرها وضعفها وذهاب عزها تحصل عندما تنحرف عن دينها وشريعة ربها, لذا فالتخلف التقني والعسكري والتفرق في الأمة الإسلامية لاشك أنه من أسباب ضعفها(ويجب على الأمة أن تجتهد في تقويته) ولكنه متعلـــــــق وناتــج بالدرجة الأولى من ُبعدها عن الله و حقيقـــــة منهج الإسلام. وهو بالدرجة الأولى عـــــــرضٌ للمــرض الأساس للأمة وليس هو المرض نفسه,..... ثــــــم إن الأمة الإسلامية إذا صدقت في العودة إلى الله والاستقامة على شرعه ثم جاهدت أعداءها- في الوقت والظرف المناسبين- فهي منصورة بإذن الله ولو لـم تصل في العدة والعتاد والاستعداد إلى مثل مستوى أعدائها, فقط هي مطالبة بأن تعد ما تستطيعه من القوة وقتئذٍ. وتاريخنـــــــــــــا الإسلامي شاهـد على انتصارات المسلمين الكثيرة على أعداء لهم فاقوهم كثيرا في استعداداتهم المادية . وحبذا الرجوع إلى رسالة قيمة (من نشر دار ابن المبارك) تتحدث عن هذا الموضوع عنوانها (ما هو سبب تخلف المسلمين).
ولنتذكــــــــــــــر أيضاً أن تقصيـر أمتنا في الأخذ بأسباب القـوة المادية اللازمـة هـو أحد ذنوبهـا.
 
2- للشيخ ابن عثيميــــــن رحمه الله رسالة صغيرة هامــــــــة جـــــــداً تتحدث عن مشكلـــــة عــــــدم النظر للأسباب والخلفيــــات الشرعية في الأحداث عنوانها:(أثر المعاصي على الفرد والمجتمع).
وحقيقة أننا نستغــــــرب من كلمات بعض الدعــاة والكتــــاب الذين لا نكاد نرى أو أصبح نادراً في كلماتهم تذكير للأمة بالتوبة وتقوى الله وآثار المعاصي عنــــد الحديث عن آلامنـا ومشاكلنا وأزماتنــا فــي أي جانب.

3- لا شك في أن الدعاة يذكرون الأمة بالتوبة والصلاح وهذا أساس دعوتهم, ولكن الجانب الذي لوحظ  فيه النقص عند العديد هو التذكير بالتوبة والصلاح بتركيـــز عنـــــــد الحديث عن مآسي الأمة وتخبطاتها.
 
4- لقد مرت أمتنا وبالذات في السنوات الأخيرة بمآسٍ مؤلمة مبكية وأحداث عظيمـــــــة, وشاهدتها الأمة –خاصة مع إمكانيات وسائل الإعلام الحديثة- رأي العين, وتأثرت بها كثيرا, وأظـن لو أنه تم تذكير الأمة بعمـــق بحقيقة وواجب الرجوع إلى الله وأنها هي الحل لحصل بإذن الله توجـه كبير في الأمة نحو ذلك ولحـــــدث بإذنه تعالى تصحيح طيب في وضع الأمة وتوجهاتها.  

5- إن أكبــــــــــر مأســــاة تعيشها الأمة هي بعدها عن حقيقة دينها, والالتزام بكل شرائعه, وصدق التمسك به.
 
6- قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله كلمة مسجلة له تعتبر بالغة الأهمية, فقد قالها وسط غمرة أحداث الانتفاضة الفلسطينية المباركة الأخيرة وبالضبط يوم الاثنين 19رجب 1421هـ, فقال رحمه الله معلقا على الأحداث:
(( كيــف نؤمل النصر ونحن هذه أفعالنا ونياتنا.إذن لنرجع لأنفسنا لا تأخذنـا العاطفة !.......المسجد الأقصى لا يمكن أن يرجع إلا إلى أصحابه ومــن هم أصحابه... اسمع قول الله عز وجل(ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون)..(إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين)...... لن يرجع المسجد الأقصى إلا إذا قاتل المسلمون لله عز وجل, لكي تكون كلمة الله هي العليا مهما عمل الناس ......... أرجو ألا تأخذنا العاطفــــة.. ألا تأخذنا العاطفـــة! وأن نغفـــــــــل عن الأشياء الأساسيـــــــــــة !........  نحن لا نرضى أن يقوم طاغية من طغاة اليهود كشارون يطوف ببيت المقدس لإهانة المسلمين ولكي يرتفع عند قومه من وجه آخر...لا نرضى بهذا أبدا ولن يرضى بذلك أي مسلم...ولكــــــــن علينا أولا أن نصلــــــــح أنفسنا...أنفسنا ما صلحــــــــت إلا ما شاء الله...فكـــــــــــروا بهذه الأمور..لا تأخذكــــم العاطفــــــة(( .* هذه الكلمة ملحقة في نهاية شريط قيم للشيخ عبد المحسن القاضي عن الأقصى وقد قامت تسجيلات الاستقامة في القصيم بإضافتها نظراً لأهميتها.
 
7- كتب أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى عمرو بن العاص عندما أخبره عن كثافة جيش هرقل بإزاء جيش المسلمين: ( إنكم لا تغلبون بقلة عددكم وإنما تغلبون بالمعاصي على كثرة عددكم فاحترسوا منها ) "نقلاً من كتاب أسباب سعادة المسلمين وشقائهم للعلامة محمد الكاندهلوي".
ومما كتبه عمر بن الخطاب رضي الله عنه لسعد بن أبي وقاص عندما أرسله لفتح فارس:( أما بعد, فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال, فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو، وأقوى المكيدة في الحرب وآمرك ومن معك بأن تكونوا أشـــد احتراسـاً من المعاصي منكم مـن عدوكم، فإن ذنوب الجيش أخــــوف عليهم من عدوهم) "نقلا عن كتاب توجيهات إسلامية لإصلاح الفرد والمجتمع للشيخ محمد جميل زينو. .
 
 
8- كلمة معبرة للشيخ جميل عقــــاد(من سوريا) رحمه الله عن القدس يستشهد بها هنا وهي: ( لن تعـــــــود حتى نعـــــــود ).
 
9- هاتان الكلمتان تعبران باختصار عن دور المسلم في الإصلاح بتغييره نفسه ودعوته غيره, ويمكن أن يستفاد منها كشعـار عملـــــي يرمز لهذا الواجب. والشعارات لها أثرها الطيب الذي لا ينكر في التذكيـــــر والتحفيـــــز.

10- إننا نأمل أن تصبح شعارات وكلمات الرجوع والعودة إلى الدين, والتحفيز للتوبة والصلاح هي السمــــة الأساس التي لا تـفـتـقــــد فـــــي أي تفاعـــــل طيب يحدث من الشعوب المسلمة بعد الآلام التي تراها... فهذا هو الطريق الحق لعزنا ونصرنا وفلاحنا في الدنيا والآخرة.

11- أمثلة المعاصي والانحرافات التي وقعت فيها الأمة وجاهرت الجبار بها واستمرأتها (وكأنها حلال) وأصرت عليها وانتشرت فيها كثيرة وفي جوانب متنوعة عديدة,....ولكن لا أجد مثلاً أوضــح على ذلك –كما يبدو لي- مثل قضية إصرار الأمة -سواءً المنفذين أو المشاهدين- على قبول واستمراء المنكرات التي تأتي بها القنوات ووسائل الإعلام وتساهلها بعرضها ورؤيتها (خاصـةً مع معرفة الكثير بحرمتها) وإن كان ذلك مجرد النظر إلى المرأة المتبرجة مذيعـةً كانت أو غير ذلك (وهذا من باب ضرب المثل بالأقل وإلا فإن هذه الوسائل يعرض فيها أكثر من ذلك بكثير, ويعرض في كثير منها ما يشيب له الرأس مما يفسد المجتمع دينياً وأخلاقياً). وعلينا أن لا نستهين بهذا الجانب فخطر وأثر الانحراف في هذه الوسائل عظيم الأثر على فكر وقيم وسلوك وتوجهات واهتمامات وتربية أي مجتمع حتى لو غض الطرف عن جانب المعاصي المباشرة المتحققة بالنظر لها. وهي -بتعويدها الأمة على استسهال المعصية- تهيؤها للتمادي في معاصٍ أخرى في شتى المجالات.
 
12- لا يخلــو المسلم من الذنوب فهذا من طبيعة النفس البشرية, ولكن الخطورة على الفرد والأمة تكمن في الإصــرار عليها والمجاهــــــرة بها,.. وخطـر الذنوب وأثرها على الفرد والمجتمعات والأمة بشكل عام  فصله علماء ودعاة الأمة في السابق والحاضر. ومن أفضل الكتب الحديثة – حسب إطلاعي-  التي كتبت عن الذنوب وأثرها كتاب"المعاصي وأثرها على الفرد والمجتمع" للشيخ حامد المصلح.

13- لا تعني هذه العبارات فقدان الأمل في الأمة, بل إن الأمل في الخير الكامن فيها هو ما يدفع لكتابة مثل هذه الكلمات, ولا يُـنـكـر أن الأحداث غيرت العديد من المسلمين,.. ولكن بشكل عام فإن الغفلة لا زالت مستمرة والاستيقاظ المأمول لم يحصل حتى الآن.
 
14- جزء من مقال يتحدث عن هذا الجانب من موقــــــع"مأساتنا والحل:عودة ودعوة", وهو موقع يركز على التذكير بواجب العودة وإصلاح المسار www.awda-dawa.com  . 
 
15- أيضــاً لوحظ التركيز على الأعراض أكثر من المرض نفسه في كلمات بعض المصلحين بعد ما أصاب الأمة من أخطاء أو انحرافات, أو أزمات حادة أو مصائب أو نكبات, أو فتـــــن أو تخبطـــات معينه, فكنا نجد التركيز على الفتاوى والأحكام والتوجيهات والنظرات الخاصة بذلك الحدث مع ضعـــــــــــف الاستفادة من الحدث لتذكير الأمة بوضوح وتركيز بدائهــــــا الأساس الذي تسبب في هذا الواقع وانحرافاته, فبذلك النهج نكون قد توجهنا لعلاج العرض ونسينا الأصل المتسبب في ظهوره.
 ولا شك أننا نحتاج بشدة إلى الفتاوى والتوجيهات التي تبين لنا الحكم الشرعي والنظرة الصحيحة في حدث مؤلم أو انحراف معين, وينبغي علينا توضيحها للأمة، ولكن الأهـــــــــــــــم هو علاج المــــــرض الضخم الكبير الأساس الذي نتجت عنـــه تخبطــــــات الأمة وانحرافاتها , وتفرقهــــــــا واختلافها , وتشتــــــــــــت آرائها وتوجهاتها , وقلــــــــــة البركة في رزقها , وضعفها وذلها, وتسلـــط الطغــاة عليهـا, وتمكن الأعداء منها, ووضعها المأساوي الذي تعيشه,....ألا وهــــــو عدم استقامتها على الإسلام كاملا, وبعدها عن صدق التمسك بالدين, واستمراؤها الذنوب والمعاصي وإصرارها عليها, وعدم عيشهـــــــــــــــا للدين حقيقةً لا خيالاً.
  قال تعالى {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير} (الشورى 30).
 
16- أرجو ألا يُعْتَقَد بأن التركيز على العودة يعني تقليل أهمية الجهاد,....فأولا:  بلا أي شك فإن جزءاً هاماَ وأساسياً مما ينبغي أن تعود إليه الأمة هو الجهاد في سبيل الله,....وثانياً: علينا ألا ننسى وأن نتذكر أن أقـــــــوى ما يُعِدْ وتستعد به الأمة للجهاد هو عودتها إلى الله والتزامها أوامره,....وثالثاً: أن نصر الله لأمتنا مرتبط بنصرها له سبحانه وتعالى (العــــودة مَوْقِـــــــــدُ شُعْــلَــــةِ الجهاد وَسِـــــــــرُّ انتصاره) .
                                                                                          
17- من أمثلة العموميــــــــات في الخطاب وبغض النظر عن مسألة المآسي وواجب العودة أن تكثر الكلمات المتحدثة عن التوبة بدون أن توضح هذه الكلمات من مــاذا تكون التوبة؟ بـذِكــر بعض الأمثلة (وليس شرطاً أن تذكر الأمثلة في كل كلمة), فالسامع للكلمة قد يكون واقعا في العديد من المنكرات(سواءً في أمر العقيدة أو الفكر أو السلوك) ولكن ضعف التصور وهوى النفس قد تجعله يرى أنه ليس هو من المقصودين بالتوبة, وأن المقصود بها غيره من الواقعين في الكبائر الظاهرة مثل شرب الخمر والزنى وغيرها.
 بل أحيانا يُـــذكَـــر مثلٌ ولكنه مثل عام يحتاج إلى توضيح وتحديد, فيشارك أيضا الهوى وضعف التصور في إيهام المستمع بأنه ليس المقصود؛.... فمثلا الكلام عن النظر الحرام قد يتصور البعض أن المقصود به هو رؤية الأفلام الفاحشة والشديدة التبذل وأما أن يرى المرأة المتبرجة(بل أحيانا الكاسية العارية من شدة تبرجها) فلبس هذا من النظر الحرام في تصوره,... خاصة مع الاستمراء الكبير للعديد من المنكرات في مجتمعات المسلمين في عصرنا الحاضر.
 
18- إن التنبيه على خطورة الإصرار على الصغائر لا يعنـــــــــي أبــــداً أنها أهم انحرافات الأمة, فحتى الإصــرار على الكبائـــر إنتشر في الأمة,...... ففي الأمة الكثير مــــن الشرك والانحرافات العقديــــة, وضعف تحقيـــــق التوحيد وتمثــــــل معانيه!, والبدع,  وتحكيــــم غير شرع الله, والخلل في الولاء والبراء, ومحاربة المصلحين, والاستهزاء والتهاون بقيم الدين, وترك الصلاة, والتعامل بالربا, والظلم والغش وتضييع الأمانات, والغيبة, ...وغيــــر ذلك, ولكـــــن نبه على الصغائر لأن التذكير بها وبخطرها قــد يغفل وينسى.

19- يقول الأستاذ منير سعيد في كتاب هام له عن الانتفاضة الفلسطينية الأولى عنوانه "على طريق   الانتفاضة المباركة: إشراقة أمل وواجب الأمة نحوها":
        (إذا كانت الانتفاضة المباركة تمثل أمل الأمة في التحرير والنصر فإنها لا يمكن أن توصل إلى النصر إلا إذا تضافــــــــــرت معها جهود الأمة كاملة,... ولكــــــــن أمة الإسلام اليوم تعيــــش واقعا بعيدا كل البعد عـــــــن مقومــــــات النصر وأسبابه, مما يتطلب منها أن تعيــــــــــد النظر في هذا الواقع بما يكفل لها تحقيق الشرط الرباني في تحقيق النصـــــر.
إن العـــــــودة لله تعالى تطلب منا أن نحقق فــــي ديارنا مبادئ الإسلام الحنيف التــــي تدعو إلى العدالة والحرية والمساواة, وتجعل التقوى ميزان التفاضل بين الناس, وتطلب منا محــــاربة للمنكرات المحرمات, وأداء لواجــــب الأمر بالمعروف والنهـــــي عن المنكر, حتى يشيع الخير في الأمة من جديد,... عند ذلك فقط نسير في الطريــــــق الصحيح الموصل لخيري الدنيا والآخرة, وعنــد ذلك نتلاقــــــى مع إخواننا في فلسطين في نصرة الله تعالى فينـزل علينا نصــره الموعود ).
 
20- شعراء الدعوة الإسلامية في العصر الحديث: حسني جرار، أحمد الجدع، (الجزء الرابع) من القصيدة البليغة المؤثـرة "أخـــي" لسيد قطب، ص 44.  
 
21- إن الإخلاص كما قال علماؤنا عزيز وتحقيقه يتطلب جهداً كبيراً وحرصاً بالغاً وهو هام جداً, فأولاً: ضعف الإخلاص قد يحبـــــط العمل وقد يؤدي بالمسلم إلى الهلاك, وثانياً: هو عامل هام يؤدي عدم تحقيقه إلى تأخـــــــر نصر أمتنا بلا شك.                                          
       ولا تخفى التنبيهات العديدة في القرآن العظيم والأحاديث الشريفة وكلام الكثير من علماء الإسلام في السابق والحاضر عن أهمية هذا الجانب والانتباه للصدق في تحقيقه,  خاصـــــــة أن الشوائب والضعف في الإخلاص قد توجـد بـــــــدون أن ينتبـــه لها الداعية أو العالم, فقد يظن نفسه محققاً الإخلاص بينما قــــــد يوجد في إخلاصه الكثير من النقص والعديد من الشوائب التي تساهم في دفعه للدعوة بدون أن يشعر بها, وقد نبه الإمام محمد بن عبدالوهاب في كتاب التوحيد إلى مثل هذا الأمر عندما علق على قوله تعالى (( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين )) فبين أن من المسائل المستفادة من هذه الآية التنبيه على الإخلاص فقال:( فيه مسائل. . . الثانية: التنبيه على الإخلاص لأن كثيرا لو دعا إلى الحق فهـــو يدعو إلى نفســه ), أي أنه قد يكون سبب دعوته هو تحقيق شهوات خفية لإرضاء نفسه وإسعادها لإتباع الناس لما يقول, أو لفرحٍ دنيوي بأنه أصبح ذو شأن ونشاط وذو حركة وتميز(كمــا يحصل لمقتنع أي فكر أومبدأٍ أرضـــي يعمل ويبذل من أجلـــه), وليس دافعه الأساس الدعوة إلى الله, وفي الحديث الصحيح: ( يا أيها الناس اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل) (صحيح الترغيب والترهيب:تحقيق الألباني). ونبه ابن رجب الحنبلي رحمه الله لشوائب الإخلاص في رسالته الهامة عن شرح حديث(ما ذئبان جائعان), ولسيد قطب رحمه الله لفتات وتوجيهات هامـــة جداً عن الإخلاص والتجرد لله, ذكرها في أكثر من موضع في الظلال خاصة عند حديثه عن وعد الله للمسلمين بالنصر, فحبذا الرجوع إليها. 
                                                              
22- تحقيـــق المحبة الصادقــــــة ليس بالأمر الهين ويحتاج إلى جهد ومجاهدة,.. فهل حقـــــاً أن الله ورسوله (وما يحبـــــاه!!) أحب إلينا من أنفسنــــــا!!!! ومما سواهما؟!,..... وهـل نحن حقــــــاً نتأثـر!! ونغضب لله أويتمعــر وجهنا ونـتـألــم! عند رؤية المنكرات أو سماع أخبارها!! وما يتعلــــــــق بها!!!!!(كمـا لو أن شيئاً يصيبنـا)؟!!!,.... وهـل نحن حقــــــاً نحب فـــي اللـه!! ونبغض فـــي الله؟!!.            
 
23- كان سلفنا الصالح مثل شيخ الإسلام ابن تيميه وابن القيم وغيرهما يهتمون بأعمال القلوب ويحـذرون من أمراضها وخطورتها, ويركزون بالــذات على من تصدر للدعوة من أهل الصلاح خوفا عليهم من الضعف فيها, فإثم ذلك عظيم وشره كبير. وليتنا نرجع إلى كتبهم ورسائلهم عن هذا الجانب, ومنها "التحفة العراقية في أعمال القلوب" لشيخ الإسلام إبن تيمية. ومن جانب آخر فإن تحسن المسلم في أعمال القلوب يرفعـــــه درجــــــات أكبــــر و أكبر مما ترفعه أعمال الجوارح.                  
         وأيضــــاً قد توجد في الإنسان – وهــــو غيــــــــر منتبــــــه- العديد من أمراض القلوب الخطيــــرة مثل الكبر والعجب والحسد والرياء وغيرها والتي هي كما ذكر ابن القيــــم رحمه الله في المدارج أبغـــــــض إلى الله وأخـــــــــــطر مـــــن العديد من الكبائر الظاهرة.        
           وحقيقة أننا عندما نرى الاختلاف بين بعض فئات الصحوة من جهة, أوبين فئات الصحوة وغيرهم من المثقفين والمفكرين الخيرين من جهة أخرى فإن سببـه الأهـــم ( والله أعلم ) الضعف في الإخلاص وفي أعمال القلوب والتي تجعل الإنسان لا يتقبل الرأي الآخر حتـــــى مع وضـــوح وإيضــــــــــاح!! الحق والدليل الشرعي فيه!!, نظراً لما قد أصابه من أمراض القلوب من عجب بالنفس والرأي, وكبر على الآخرين وعلى تقبل الحق منهم, و حب للرياسة.                                 
       - ولا شــــك أيضاً أن من عوامل تأخر النصر الضعف في أعمال القلوب ووجود أمراضها, ولا أدل من ذلك من أن الصحابة الأطهار رضوان الله عليهم تأخر عليهم النصر في غزوة حنين لحدوث عُجْبٍ عَارِض!! كاد أن يكون سبباً في هزيمتهم ( ويوم حنينٍ إذ أعجبتكــــــم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً )(التوبة:25), وانظر كلام ابن القيم البليغ عن العبر من غزوة حنين في زاد المعاد.      
 
24- القــــدوة أســـاس ومن أهــم أسباب نجاح الدعوة, وضعفها مشكلــــــــــة كبيرة ومن أهم أسباب النفور وعدم التقبل,... فأذكر نفسي وإخوتي الكرام بأن نتقـي الله في هذا, وحتى لا نكسب إثم تنفير أحد, خاصـة أن الكثير يضعوننا تحت المجهر وحتى الخطأ الصغير يستكثر منا (ولا يليق بنا).
ومن أهـــــــــم الجوانب التي تعيننا بإذن الله على تحقيق ذلك؛ التناصــــــح بين الدعـــاة أنفسهم, والذي كثيرا ما نحتاجه..وكثيرا ما ننسـاه!! ونقصر ونجامل فيه!..وننسى أن جـــزءاً هاماً وواجباً!! من واجبـات الدعوة أن ينصح الأخ أخاه ويقومــه(بل وأيضاً نحتاج إلى أن نحســن ونطــور جهودنا بالتناصـح بيننا!).
 
25- لا نشـك في أن الشباب المتدين في واقعنا المعاصر في عمومهم يتميز الكثير منهم بالقرب من الأخلاق الحسنة بدرجات مختلفة في هذا القرب, ويعتبر الشباب المتدين بشكل عام أقرب إلى حسن الخلق وسماته وصفاته(وذلك لأثر التدين الذي لا ينكره منصف),.....ولكن الدرجـــــــة التي وصل إليها الشباب المتدين بشكل عام في جانب حسن الخلق لا تتناســـــــب مع المستــــوى الذي ينبغــــــــي أن يكونوا عليه, وهــــــــــم الذين من المفترض أن لا تخفى عليهم الدرجة الهامة و الأجر العظيم الكبير لحسن الخلق في الإسلام والذي يتبين من كثير من الأحاديث الصحيحة مثل قوله صلى الله عليه وسلم:(أكمل المؤمنين إيماناً أحاسنهم أخلاقاً..)الحديث, وقوله:(أحب عباد الله إلى الله أحسنهم خلقاً), وقوله:(أثقل شيء في الميزان الخلق الحسن) وقوله: (إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجات قائم الليل صائم النهار), وقوله:(أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس....ولأن أمشي مع أخٍ في حاجةٍ أحــــب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد شهرا)" الأحاديث من سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني".   
أيضا من الخســـــــــــارة ألا يكون الجل الأعظم من الدعاة قمـة في أخلاقهم وهــــــم يدركــون أثــر حسن الخلق في التأثير على الناس وتقبلهـم وتأثرهـم.                          
 
26- حبذا الرجوع إلى العديد من الكتــــــب القيمة التي تكلمت وتطرقت للجوانب الإيمانية التربوية بما فيها أعمال القلوب والسلامة من أمراضها الخطيرة مثل العبودية لشيخ الإسلام إبن تيمية,و"مختصر منهاج القاصدين" لإبن قدامة المقدسي,و"تهذيب مدارج السالكين" لعبدالمنعم العزي, و"تزكية النفوس وتربيتها كما يقرره علماء السلف" للدكتور أحمد فريد, وكتاب الرقائق لمحمد أحمد الراشد, وسلسلة"توجيهات نبوية على الطريق" للدكتور السيد محمد نوح. وإن أعظــــم اللـذة والسعـادة والفرح والفوز يكمن في تحقيق هذه الجوانب.   
 
27- إن من أعظم ما يحقـــق الفائدة من الصلاة والذكر ويَعْـظـــــمْ به أجْرُهما حضور القلب واستشعار المعاني.
 
28- إن عدم البـــــــــدء والتركيـــــز على تربية الإيمان وتقوية العقيدة في الله والدار الآخرة بين المدعوين, وفي المقابل التركيز فقط على النهي والأمر يؤدي إلى نفورهم وعدم استجابتهم,.. فَتَمَكُّنْ العقيدة والإيمان في النفوس هو الذي سيجعلها بإذن الله تستجيب لأوامر الشرع, كمــا حصل مع الصحابــة رضوان الله عليهم, فبعد أن تَرَبَّى الإيمان والعقيدة والتطلع إلى الآخرة فيهم في الفترة المكية من الدعوة, أتت الأوامر والأحكام الشرعية في الفترة المدنية فنفذوها مباشرة بلا أي تلكؤ, لأنهم عرفوا أنها أوامر العظيم رب الكون الذي مُلئت نفوسهم بمحبته, وبالإيمان بعظمته, وما عنده من الأجر الكبير لمن اتبع وأطاع, وما عنده من العذاب الشديد لمن عصى وعاند.
وعموماً فالطريق الدعوي الفعال الأقوى للتأثير على الناس ونقلهم بإذن الله إلى الالتزام بالدين هو معايشتهــــم والاحتكاك المستمـر بهم وتقوية إيمانهم وعقيدتهم والإحسـان إليهم لا مجرد الإنكار عليهم.                              

29- ليتنا ونحن في طريق الدعوة نتذكــــر الأهداف والأولويــــات!!, حتى لا نغـــرق في وسيلة ونهتم بها حتى تصبح وكأنهــــــــا هـدف ونقدمها على الأهداف الحقيقية, أو حتى لا نقدم الأقل أهمية على الأهم منه. فمثــــلاً ليس الهـــدف الأساس للدعوة ازدياد معلومات المسلمين الفقهية - وإن كانت أمراً هاماً ووسيلــة ضرورية لتحقيق معرفة المسلمين لأحكام الدين التي يجب عليهم معرفتها- فالهدف الأساس في الدعوة هو عودة الأمة إلى حقيقة الدين والصدق في تطبيقه والالتزام بأوامره في كل الأمور, وكمثل آخر ليس الهدف الأهم الأساس حفظ كتاب الله(مع جلالة هذا العمل العظيم)ولكن الأهم هو تطبيق الأفراد والمجتمعات لأوامر القرآن ونهجه, وتربيهم على معانيه وقيمه,(أيضاً المواضيع الفكرية هي وسيلة لا غاية!!).
         وهذا يُذكرنا بأهميـــــة أن يستفيد الدعاة من أفكــار ومبــادئ الإدارة التي تساعد على تقوية ملكات تقدير الأهداف والأولويـات, وتقييــم وتحسيـــن!! الإنتاجيـــة!!!!, والبحث عن الطرق الأكثر فاعليةً!!.
         وبمناسبــــة ذكر الاستفادة من العلوم الإدارية فأحب أن أذكر بالفائدة الكبيرة بإذن الله للخطباء والدعاة من معرفة ودراسة مهارات الإلقــاء والاتصال والحوار(تقدم بعض المؤسسات الدعوية أو التدريبية دورات جيدة في هذا الجانب), وأيضــــا معرفة القواعد التربوية المتعلقة بتغيير السلوك مثل ما يتعلق بالمعرفة والتوجهات وعلاقتهــــا بتغيير السلوك(وأن المعرفة وحدها لا تكفــي عادةً للتغيير).
 
30- (أ) من الأولويات والأمور الأهم التي تفــــوت علينا أحياناً مسألة التذكير بالتوبة فـــــي مواسم الخير مثل شهر رمضان والعشر الأواخر فيه وعشر ذي الحجة وغيرها, حيث نجد التذكير مركزاً على الازدياد في النوافل والسنن والأذكار والصدقات وفضائل الأعمال, ويقــــــــــل التركيز على التذكير بالتوبـــة والبعد عن المعاصي وأداء الواجبات المفروضة مع أنها أهــم الأعمال وأحــــــب الأعمال إلى الله, خاصـــــة في هذا الواقع الذي بعدت فيه الأمة وتهاونت في كثير من الأحكام الواجبة وانتشرت فيه الكثير من المعاصي, فكما ورد في الحديث القدسي الصحيح:(وما تقرب إلي عبدي بشيءٍ أحب إليَّ مما افترضته عليه..) صحيح البخاري, وفي الحديث أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: (اتق المحارم تكن أعبد الناس) "حسنه الألباني في صحيح الترمذي, وفي الأثر عن ابن عمر رضي الله عنه: (لرد دانق من حرام أحب إلى الله من إنفاق مائة ألفٍ في سبيل الله).
أيضـــــــاً يفـــــوت علينا أحياناً التذكير بالتوبة والالتزام بأوامر الدين عند الحديث عن حِـكَـمِ بعض العبادات مثل الحج والعمرة, والأضحيـة!!, وصيام رمضان, وقراءة القرآن وواجبنا تجاهه, وصيام التطوع في مواسمه المختلفة, والأذكار وغير ذلك, مع أن التوبة من أعظم وأهــــــــــم حكم هذه العبادات.
        بـــــــل إن التركيز في المواسم على فضائل الأعمال, والتركيز على حكم العبادات بــــــــــدون التذكير بالتوبة قــــــــد يؤدي إلى تكريس رضا الأمة بواقعها الذي بعد كثيرا عن الالتزام الكامل بالدين, بحيث يمكن أن يتربى في فكر الفرد المسلم(بشكل غير مباشر)أنه يكفيه أن يتقرب إلى الله بفضائل الأعمال في المواسم وغيرها بينما هو مستمر في إصـــراره على ذنوب لا يرضاها الله سبحانه وتعالى, أي تحصل لديه اتــكــالــيـة كبيرة علـى فضائل الأعمال التي يقوم بها, ( ومن المهم أن تُـذكّـر أمتنا بأن من علامات قبول الأعمال التوبة والأوبة بعدها ) .
     
  (ب) أيضاً عندما يتحدث داعية لأفراد مجتمعاتنا في هذه الأيام عن حديث البطاقة بـــــدون أن يتكلم عن شروط لا إله إلا الله,... أو يُـذَكِّــر في موعظة عن سعة رحمة الله ومغفرته بـدون أن يستدرك في الأخير وينبه أن سعة رحمة الله يجب أن لا تنسينا أنه سبحانه شديد العقاب؛ فتزيــد بذلك الاتكالية!.
    
  (ج) ومثل آخر على تفويت الأولويات وموازنتها أن نجد بعض الأفاضل ممن لا نشك كما نحسبهم في مدى تقواهم وصدقهم فتجدهم يجتهدون ويبذلون الأموال من أجل الاعتكاف في الحرم الشريف في العشر الأواخر ويفوت عليهم سعيهم لدعوة أهلهم وأقربائهم في موسم العيد (بتجهيز وشراء ما يمكن أن يوزع عليهم من وسائل الدعوة في فترة العيد, أو بغير ذلك من طرق ووسائل الدعوة) مع أن الدعوة والبذل لها واجــــــــب أهـــم من الاعتكاف.
     
(د) ومثل آخر على تفويت الأولويات ما يحدث أحياناً من حماس لتوزيع أشرطة أو كتيبات أو مطويات أو أي وسيلة أخرى لا تتحقق فيها الأولوية الدعوية من حيث أثرها في الدعوة وإحداث التأثر والتوبة والتغيير لديهم علـى حساب الأشرطة والوسائل الأهم في التذكير والإصلاح. فتوزيع ما يحوي قصص التائبيـــن ووصف الجنـة وأحـوال الآخرة والتذكير بعظمة الله  ومعانـــــي!! العقيدة أهم وأكبــر أثراً مـن توزيع ما يتعلق بفتوى عن قضية محددة أو الأذكـــــار(مع عدم إنكار أهمية توزيع كل ما ذكر, ولكن المسألة هي على ماذا نركز ونبذل الجهد الأكبر),........ وللجمـع بين الخيريــن!! فليتنا مثلاً عندما ننشر كتيبا عن الأذكار نضيف فيه(في باطن غلافه أو صفحته الأولى أو الأخيرة) كلمة أو قصة تذكيرية عن التوبة (وبالذات القصص أو كلمات التائبين, فلها أثر عظيم وقد اهتدى أناسٌ كثيرون بسببها).
    
  (هـ) أيضاً عندما نقدم بعض أنواع النوافل علــــى عمـــل فيــه خدمــــة للآخرين وإسعـــاد لهم, فالأخير هو الأهـــــم وأجره أكبـــــــــر.
 
31- قد نسرف أحياناً في واجب دعوي على حساب واجبات أخرى هامة أو أهم, ولعل من أمثلة ذلك ما قد يحدث في إسراف في الوقت المعطى للدعوة عن طريق الإنترنت على حساب واجبات أخرى,..
 وأيضاً إنكار المنكرات فعلى الرغم من أهميته إلا أنه يجب الانتباه إلى أن لا ننشغل أكثر من اللازم في إنكار منكر معين فيشغلنا ذلك عن منكرات أخرى أهم, أو عن واجبنا الدعوي التربوي الذي هو الأكبر فعالية في الإصلاح. بل يبدو لي أحياناً أن بعض المفسدين قد يفرحون بانشغال الدعاة انشغالاً أكثر من اللازم في إنكار منكر(وقد يكونوا قصدوا ذلك الإشغال), فحتى الكثير من أعداء الدين يعلمون بأهمية وفعالية العمل الدعوي التربوي فيفرحون بانشغالنا عنه, وباختلاط الأولويات علينا.
 
32- يكفي دليلاً على أهمية تقديم الرفق أمر الله تعالى لموسى وهارون عليهما السلام بأن يخاطبوا الطاغية فرعون بالقول اللين ليكون ذلك الأسلوب عوناً على الهداية, فأسلوب الشدة غالباً ما يعين الشيطان ليحرف الإنسان ويعوقه عن الاستجابة للحق (فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى) (طه:44).
وأسلوب الشدة يجعلنا نكســـب!!عــداوة الكثيرين,.. في الوقت الذي نحن بحاجةٍ إلى أن نجعل كل مسلم وكل ضالٍ مع الحق  لا عليه!!!
 
33- من العبارات التربوية الجميلة القيمة التي ينبغي أن نستفيد منها في الدعوة وعندما نناقش ونحاور عبارة: "إن كسب القلوب أهـــــــم من كسب المواقف", وهي منقولة من كتاب رائع وقيم ينصح جـــــداً بقراءته وعنوانه"أصــــــول الحــــوار" صدر من الندوة العالمية للشباب الإسلامي.                          
 
34- من المؤلــــــم ما نراه أحيانا من انشغال بعض الدعاة والمصلحين والغيورين والأخيار الأفاضل بالـــرد على خطأ أو وجهة نظر أخرى من دعاة آخرين بطريقة غيـــــر مقبولة, أو بإعطـــــاء الموضوع أكثـــــر مما يستحق, ولا نقول أن يقفل باب التناصح والرد على الأخطاء, ولكن ليعطى كل شيء حقه وبالطريقة المناسبة وبدون أن يحمل الموضوع أكثر مما يحتاجه, وبدون أن ننســـى فضل وخير من يُـنتقدون, خاصة إذا كانوا ممن نفع الله بهم الأمة كثيرا.
وأيضا على الناقد أن يتأكــد أولا, فقد يكون الرأي الآخر صواباً أو يعــذر فيه صاحبه, وخاصة أن أهواء النفوس تدخل في مثل هذه الأمور حتى بــــدون أن يشعر الإنسان بها.
        وليس من الصحيح أن يصبح ذلك جل همنا, فمحاربو الدين ومضيعوه هــــم الأولى بالوقوف في وجههم, بل هم من أهــم أسباب الواقع البعيد عن الدين وعن المنهج الحق الذي نعيشه, والــــذي من آثاره حدوث تفرق في الأمة, واجتهادات مختلفة للدعاة والمصلحين, قد يحدث الخطأ في بعضها.
بل وحتـــى الكثير من الفاسدين المفسدين والكثير من المنحرفين والمخطئين في فكرهم وتوجهاتهم يحسن أن يُرفق بهم وأن يُدعوا باللين والحسنى في أحيانٍ كثيرة عند دعوتهم, فبعضهم ليس خبيث النفس سيء النية, ولكنها الغفلة والبعد والضيــاع والتناقــــــــض الذي تعيشه أمة الإسلام في عصرنا(ونأمل أن يهتدي الكثير منهم ليقفوا معنا ضد الكفار المحاربين),....فكيف بمن يكون أخــاً لـنـا في الدعوة ويضحـي بالكثيــر من أجلها.     
        ويجب أن نحذر بشدة في هذا الموضوع لأنه لا شك أن الشيطان الرجيم يدخل في مثل هذه الأمور ويقويها, وأيضا شياطين الإنس وأعداء التدين وأعداء الإسلام يســــرون جدا من ذلك, بل هو من أسعد الأمور إلى قلوبهم أن يروا الدعاة والمصلحين والغيورين والأخيار مشغولين ببعضهم البعض, ويعطل بعضهم خير بعض. وإن مثل ذلك مثل أخوين في غابة مليئة بالسباع يفتـــــرض أن يكونا في غاية الحب والعون لبعضهما, فإذا بهما يتقاتلان بينما السباع تقترب منهما!...فلنتــق اللــه ولنحذر من أن نكون سببا في استمـرار جراح الأمة وتعطيــــــل الدعوة وتأخيــــر النصر.
 
35- كثيرا ما نجامــــــل!! بعضنا بعضاً وفي أمور يضيع فيها الوقت بل والمــــال أحياناً فيما ليس له ضرورة أو أولويــــــــة دعوية!, فليتنـا نقلل من ذلك, ولنتقي الله في أوقاتنا,...وليعــــــذر الواحد منا الآخر في هذه الأمور, ولنشجــــــع بعضنا بعضاً على التقليل من ذلك.
 
36- لقد سمعت من أحد الدعاة كلمة عظيمة في معناها أتمنى أن نتمثلها جميعاً, وهي: ( أن واقـــع أمتنا!! يقتضــــي أن يكون كل داعية مثل الجهــــاز المتعـــدد الأغـــراض ) يقصد أن يعمل للدعوة في كل اتجاه, ولا يقول مثلا: أنا داعية كبير مشغول فليس من مهامي( إذا أمكننــــــي وتيسر ذلك) أن أوزع شريطاً, أو أضع كتيبات في أماكن الإنتظـــــار!!!, أو ألقي كلمة وعظية عابرة في مسجد أو مجلـــس!!, أو أن أنكر منكراً أراه أمامي, أو أن أعــــظ وأنصح شباباً مجتمعين على رصيف, أو أن أُنسـق لحلقـة ذكرٍ للأقـارب أو الجيـران,أو أن أعلق إعلان محاضرة أو ورقـة نافعــة,.. وغير ذلك, ولا تعـــارض بين هذه الكلمة وموضوع التخصص الذي تحتاجه الدعوة في بعض مجالاتها, اللهم إلا إذا كان وقته وظروفه بالفعل نظرا لتخصصه وانشغاله لا تسمح له ولــــو بشيء من ذلك,... ولكـــن في أحيانٍ كثيرة –عند البعــــض- ليس التخصص أو الإنشغال السبب, ولكنـه نسيان الواجب,وضعف إدراك الأجر والفائـــــدة, وضعف في الهمة وكســل, وضعف في الشعـــــور والتألــم لجراح الأمة التي تدفع المستشعر لها حقا أن يبادر بكـــــل وبِـــــــــأَي شيء لتضميدها وإيقاف نزفها,.. وقـــــد يكون ضعف صدق الإخلاص ودخـول الشوائـب فيه سبب عدم اجتهاد بعضنا في أعمال دعوية غيــر التي نقوم بها عادة وتألفها وتحبهــــا!!! أنفسنـــا!!.
  ومما يُـحــــزن أننا نرى حتـى الآن!!! العديد من الدعاة ممن يبخل على الدعوة بماله, أو يكون حرصه على دنيا يصيبها أو مال يحصل عليه أعظـــم من حرصه على الدعوة،... وتأثـــره وقهره لما يفقده في الدنيا أعظــــم من تأثره إذا قصر في الدعوة والبذل من أجلها, أو إذا ضاعت عليه فرصة كان من الممكن أن يخدم الدعوة فيها بكلمـة أو عمل معين ولــــو كان صغيرا,  أو إذا فوت(أو أخـــــــر!!) أي شيء متعلق بها,... وكأنه لا يستشعر - وهو الداعية العارف بواقع الأمة وآلامها- أن تأخره وضعفه في همته الدعوية يعني تأخـر نصر الإسلام ويعنـــــــي!! تأخير إنقاذ أبناء أمتنا المذبحين في كل مكان.
         وأصبح أداء العديد من الدعاة لواجب الدعوة تشوبه (الروتينيــــــة!) والبــــــرود! والفتـــــور ويفتقــد الحرارة والحماس والهمة العالية, والتألم والحرقة على الواقع, والحرص والغيرة الشديدة على أن لا يفوت عليه أي شيء فيه فائدة للدعوة ولــــو كان من غير المجالات التي يهتم بها هذا الداعية عادة.                                      
          ومتـــــى لم نبلغ الدرجة اللازمة في حرصنا وهمتنا وبذلنا وتضحيتنا فلنعلم أن نصر الإسلام سيتأخــر كما وُضِّحَ ذلك في الكلمة المـــــــؤثرة لأحد الدعاة والتي ستُذكَر في آخر هذا المقال. وحقــاً ما قيل من أن جهود الدعاة والأخيار في الدعوة بشكل عام تعتبر قليلة مقارنــــةً بأعدادهم .
 
37- شعراء الدعوة الإسلامية في العصر الحديث: حسني جرار، وأحمد الجدع، من قصيدة الكتائب لعبدالحكيم عابدين، ص 40.
 
38- شعراء الدعوة الإسلامية في العصر الحديث: احمد الجدع وحسني جرار الجزء الرابع, من قصيدة (نداء القرآن) للشاعر أحمد حسن القضاة, ص 106.  

الصفحة الرئيسة     |     مقـالات