وأخرج من ذهول إلى ذهول .. ولا أكاد أصدق ما أرى ، وتتصارع الأفكار في رأسي
ثم أسقط في مكاني وأتحول إلى علامة استفهام مرة ، وعلامة تعجب مرة ثانية ،
وعلامة خطأ مرة ثالثة ، وبعد ساعات أفيق من غيبوبتي أتحسس جسدي كما أتحسس
الواقع الذي أعيشه ، أين أنا ولأي جنس أنتمي ، أحاول أن أفهم ، وأحاول ان
أقبل ما أفهمه..
نعم أنا مسلم وعربي .. ولكن ما الذي أذهلني وصعقني هكذا ؟؟؟ إنه الواقع الذي
أراه أمامي .
وقد استعرضت التاريخ كله فلم أر ذلا ولا هوانا مثلما نحن نعيشه الآن ، و إنما
الحقيقة التي لا أرى غيرها ، وبغير خوض في صفحات التاريخ ولا مقارنة بيننا
ونحن مستعمرون وبيننا ونحن أحرار _ هل نحن مستعمرون أم أحرار ؟ - فإن الحقيقة
أن الدم المسلم يجري في كل مكان وعلى كل أرض ، والمسلمين من مصيبة إلى مصيبة
ومن فجيعة إلى فجيعة ... حتى الشواذ والكلاب الضالة تجرءوا علينا ، ولولا أن
الإسلام هو دين الحق والحقيقة الذي يهتدي إليه الإنسان بعقله وفطرته ليجد فيه
الهدى والنور والحياة لاستقبح أن يدخل فيه أي إنسان حتى لا ينتمي لهذه الأمة
.
عجيب أمر هذه الأمة .. يريد الله لها العز وهي تهرب منه إلى الذل . أمة دمها
رخيص وعرضها مستباح وكلمتها مهانة ولا كرامة لها , أمة انشغلت بالسؤال عن دم
البعوضة وهي تهريق دم الحسين . تلبس قميص المثنى بن حارثة ولكن في يدها حربة
بابك الخرم . سحقت تحت أقدام الشهوات والملذات والتكبر والتجبر والتراخي
والأمراض النفسية والفرقة ، حتى تقدم آخرها فصار في أولها وتأخر أولها فصار
في آخرها . أمة يزدري بعضها بعضا ويشتم بعضها بعضا ويعتدي بعضها على بعض .
صار ما بيننا وبين الإسلام بعد ما بين السماء والأرض ، كنا نعلم الناس ونربي
الناس ونهدي الناس .. كنا نصدر للناس العلم والأخلاق صرنا نخرج لهم الفنانين
والفنانات والمغنيين والمغنيات والراقصين والراقصات .. كنا سادة فصرنا عبيدا
.
كم صرفتنا يد كنا نصرفها وبات يملكنا شعب ملكناه
أنا ما رأيت غرورا مع ذل ولا تكبرا مع مهانة إلا في هذه الأمة . تذبح في
الأرض وأنفها في السماء .. أمة تفتخر بعز مضى ولا ترى الذل الحاضر ، وتقول
كما قالت قبيلة باهلة : ( منا قتيبة ابن مسلم لكن مات يرحمه الله ) . لا وزن
لنا على أرض ولا قيمة لنا في مكان ولا وجود لنا في محفل .
ويقضى الأمر حين تغيب تيم ولا يستأذنون وهم شهود
فما الخبر .. ؟؟ وما الذي أدى بهذه الأمة إلى هذه الحال ؟ يذبح العشرات من
شعبنا في فلسطين يوميا وتشرب الأرض من دمهم حتى تفيض ولا أحد يتحرك .. وتهدم
البيوت على أصحابها ، ويحرق الناس أحياء في أماكنهم ، ويشرد المئات من
العجائز والنساء والأطفال والرضع ولا كلمة .. ويصرخون ويستغيثون حتى يسمع
الحجر والشجر في مشارق الأرض ومغاربها ولا حركة .. بكت عليهم الدنيا ولم نبك
، سقطت الحيوانات مغشيا عليها من هول ما رأت ، واحترقت أفئدة الطير وتفتت
الصخر ألماً ، وخرجت الدواب والهوام يجئرون إلى الله ليرفع عنهم هذا العذاب
ونحن نكتب الإيميلات ، ونعقد الندوات ، ونسطر المبادرات، الدار ترفض من بها
والأرض تلعن من عليها . عجيب أمر هذه الأمة .. مع هذا كله نذهب إلى عدونا
نطلب منه الحل ؟ ما هذا ..؟ لقد ملوا منا ومن تصرفاتنا ، حتى صار شارون
لايعرف إلا فكرته ولا يسمع إلا صوته ولا يرى في الميدان غيره . سقط مندوب
الأمم المتحدة أمام مذبحة دير ياسين من هول ما رأى وأمام مذبحة جينين قال
أحدهم .. إن ما رايته يفوق الوصف يفوق الوصف . فماذا قلنا ؟ عندئذ قال وزير
الخارجية الأمريكي . إننا مع اليهود ، ونحن هناك من أجلهم ، وسنظل هناك من
أجلهم . ونحن ما لنا نتجه إليهم ليأتوا لنا بحل . فما أصبح الأمر سراً ..
تكلم الرئيس الأمريكي فقال : إن علاقتنا بإسرائيل علاقة فريدة ولن نسمح لأحد
بضربهم . فأي كائنات نحن ..؟؟ فتذكرت قول الشيخ/ محمد العوضي عندما قال : ليس
لنا حتى عندهم حقوق الحيوان . ما الذي حدث لهذه الامة ؟ لقد سقطنا عندما سقط
الدين فينا .. سقطنا عندما سقطت الأخلاق لدينا .. وانهزمنا لأننا أعلنا الحرب
على الله .. وامتلأت القلوب جبنا ونفاقا . فكيف لهذه الأمة أن تنتصر ؟؟؟
وقامت علينا حثالة من البشر يسوموننا سوء العذاب ، لو يفعل ذلك بنا قوي أو
شجاع أو شريف .. إنما هم أحط وأجبن وأقذر أمة عرفها التاريخ .. إنهم اليهود
.. فهل بعد ذلك ذل ؟؟؟ أهنا أنفسنا ، وأهان بعضنا بعض، صرنا نستجدي الرحمة من
عدونا ولم نلجأ إلى الله ..
إذا المرء هان على نفسه لكان على غيره أهون .
هل هذه أمة تنتصر .. ؟؟ هم يختارون حاكمهم ونحن لا اختيار لنا . خرج نتانياهو
بأكبر مظاهرة في واشنطن ليدعم موقف شارون .. فأين من تركوا الوزارات لدينا ؟
متى يتصالح عندنا الحاكم والمحكوم ؟ الراعي والرعية ، متى يأمن الجار جاره ؟
الكل عندهم واحد متصالح مع نفسه ، والواحد فينا اثنان ومتخاصمين . طالما
الظلم والقهر والرشوة والمحسوبية والتعدي على الحقوق واضطهاد الدين وأهله في
هذه الأمة .. والله لن تنتصر أبدا . أنا لا أقيم الحجة على هذه الأمة لأنني
واحد من الصفوة . لا . فوالله لست كذلك . فأنا واحد من العامة . بل أنا واحد
من غثاء هذه الأمة . هنا قالت آيات الأخرس ووفاء إدريس وعندليب وغيرهم .. لا
أمل .. لا أمل . هذه أرواحنا ، وتلك أجسادنا نقدمها من أجل هذا الدين . فأي
حياة تلك التي تعيشونها ؟؟ تناثرت أشلاؤنا ونحن الأحياء ، وأنتم تمشون على
الأرض موتى . والله لقد أصيبت رجولتي في مقتل . يا إيمان حجو .. أيتها
الرضيعة الصغيرة .. ليت كانت القذيفة في رأسي ولا كانت في بطنك الصغير وقلبك
الأخضر . ايتها الأم العجوز الثكلى الجائعة العطشى .. أعتذر إليك .. أنا آسف
والله لو كان بيدي لفديتك . أيتها الفتاة الطاهرة العفيفة .. أنا آسف .. وجهي
منك في التراب . كيف يلمسك ذلك الخنزير ولا أستطيع أن أحميك ..؟ ما قيمة
الرجال وقد تركوا للنساء الدفاع عنهم ؟ أي رجولة ندعيها ، وماذا يعني
انتماؤنا لهذا الدين .. ؟ إن الذين يخجلون قد ماتوا ، ومن تبقي منهم لا
يهابون الموت ، فمتى نخجل ؟؟؟ وهل سيكون مشروعنا القادم الذي تجتمع عليه
الأمة هو العودة إلى الله ... ؟؟؟
أحمد المنسي
ALMANSI9@HOTMAIL.COM