فاوت الله جلّت حكمته بين خلقه فجعلهم درجات، وميزّ بينهم في الأعمال
والأموال والإدراكات ، كل ذلك ل: [يتخذ بعضهم بعضاً سخرياً ورحمة ربك خير مما
يجمعون ] فكل مسخر لخدمة الآخر وقضاء حاجته..
وإن من نعم الله على عبده ما يعطيه إياه من الجاه والمكانة بين الناس، وهي
كغيرها من النعم إن شُكرت دامت وزادت وإن كُفرت كانت حسرةً ووبالاً..قال صلى
الله عليه وسلم: [ من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل ] رواه مسلم..
ولقد تناسى
أصحاب المكانات والرئاسة أو حتى من لهم أدنى سلطة الفضل العظيم الحاصل
بالشفاعة الحسنة والسعي في حاجات الناس..[المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا
يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربة فرّج
الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ]- رواه البخاري ومسلم- ، وقال عليه
الصلاة والسلام – عندما أتاه سأل-: [اشفعوا فلتؤجروا، وليقض الله على لسان
رسوله ما شاء] - رواه البخاري – (الفتح1\451 ) ، والشفاعة الحسنة تُبذلُ لكل
مسلم ولا يُخصّ بها المعارف والإخوان فقط ف :[المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد
بعضه بعضاً ]، وحتى تنفع الشفاعة صاحبها وتزيد في رصيد حسناته فلا بد أن
تتوفر فيها شروط:
1)
أن لا تكون في حد من حدود الله : عن عائشة رضي الله عنه الله عنها أن قريشاً
أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا:من يكلّم فيها رسول الله، ومن
يجترئ عليه إلا أسامة حب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فكلّم أسامة رسول
الله، فقال عليه الصلاة والسلام:[تشفع في حد من حدود الله.؟! ثم قام فخطب
فقال :يا أيها الناس إنما ضل من كان قبلكم أنهم إذا سرق فيهم الشريف تركوه ،
وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، و أيم الله لو أن فاطمة بنت محمد
سرقت لقطع محمد يدها ] – رواه البخاري -..
وقد عدّ ابن القيم الشفاعة في الحدود من الكبائر …
2)
أن تكون شفاعة شرعية : فمن الشفاعات مالا يقرها الشرع ، كمن يشفع ليغتصب حقاً
أو يظلم مُحقاً أو يأكل مالاً باطلاً..
وفي ذهن كثير من الناس تصور خاطئ بأن كل شفاعة أو واسطة فإن فيها أجر وثواباً
ونسوا قوله تعالى: [ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها ] …
3)
أن لا تضيع من له حق: فكل شفاعة أضاعت حقاً من حقوق المسلمين فهي محرمة، ومن
الرزايا التي ابتلينا بها في هذا الزمان ما يضيع من الحقوق بسبب مكالمة قصيرة
أو ورقة صغيرة يُظن أنها من الشفاعة الحسنة..
تنبيه:
لا يجوز للشافع أن يأخذ مقابلاً على واسطته، فقد روى الإمام أحمد عن أبي أمام
مرفوعاً:( من شفع لأحد شفاعة، فأهدى له هدية فقبلها فقد أتى باباً عظيماً من
أبواب الربا )..
يقول الشيخ ابن باز – رحمه الله – ظاهر الحديث يشمل الأخذ ولو بدون شرط
مسبق..
قال الشافعي – رحمه الله -:( الشفاعات زكاة المروات ).. - كشف الخفاء 1\129 -
وفي يوم القيامة تزول كل الشفاعات ولا يبقى إلا شفاعة من أذن له الله و رضي
له قولاً : [ فما تنفعهم شفاعة الشافعين ] …
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب
إليها من قول وعمل..
م / رياض بن ناصر الفريجي
رمضان 1420هـ
riyadh_eng@hotmail.com