اطبع هذه الصفحة


ثقوبٌ في وجوهٍ تغريبية

ماجد بن محمد الجهني
الظهران


في عام 1882م احتل الإنجليز جمهورية مصر العربية عسكريا بعد أن احتلها الفرنسيون ومكنوا فيها لأداة من أدواتهم الشهيرة المتمثلة في محمد علي وسلسلة أبنائه حتى الخديوي إسماعيل الذين أسسوا لنفوذ فرنسي في مصر يمارس التغريب فيها بأيدي أبنائها ولما جاء الإنجليز إلى مصر واصلوا مسلسل التغريب فيها ولكن بطريقة تختلف عن الطريقة الفرنسية حيث حرص الإنجليز من خلال تجربتهم الاستعمارية العتيدة على الانطلاق من المفاصل المهمة لأي دولة في تغيير أنماط تفكيرها وسلوكها وأعني بذلك المقاتل الثلاث وهي(التربية والتعليم ممثلة في المناهج الدراسية-الإعلام كسلطة مؤثرة-المرأة كعامل بناء أو هدم حساس).

المستر دنلوب شخصية معروفة جدا لدى المصريين فهو كان المحرك الأساس لوزارة المعارف المصرية , وقد وضع دنلوبٌ هذا الأزهر على رأس أهدافه لما للأزهر من ثقل عالمي يشكل خطرا على المسيحية وكنائسها.

هو لم يتعرض إلى الأزهر بسوء لكنه وضع خطة جهنمية للتزهيد في شرف الانتساب للأزهر حيث قام بإنشاء المدارس التي تعلم الأمور الدنيوية فقط دون الالتفات لأمور الدين وكان(المتخرج من هذه المدارس يعين بعد أربع سنوات من الدراسة في دواوين الحكومة براتب يبلغ أربعة جنيهات بينما خريج الأزهر الذي يقضي عشرين سنة من عمره دارسا فلا يجد وظيفة وإن وجدها فبراتب لا يتجاوز مئة وعشرين قرشا

لقد كانت هذه الفكرة الدنلوبية الجهنمية كفيلةً بتزهيد الكثير من أبناء الجيل الناهض في شرف الانتماء لجامعة الأزهر العريقة ، ومن ثم التزهيد في علوم الشريعة واللغة العربية التي تعمد دنلوب أن يعطي لمعلميها رواتب أقل من أقرانهم في التخصصات العلمية الدنيوية.

لقد كانت مادة اللغة العربية ومعلم اللغة العربية هدفا رئيسا لمعاول الهدم الدنلوبية وذلك لما لهذه المادة من أهمية فهي الآلة التي يتوصل من خلالها طالب العلم إلى الفقه في الدين وهذا الأمر يُعد كارثة بالنسبة للإنجليز لأنهم أتوا لطمس معالم الدين ومسخ هوية الأمة المصرية العريقة.

هذه نتفٌ على صعيد التربية والتعليم ومناهجها ، وأما على صعيد الإعلام فالحديث كما تقول العرب ذو شجون وأعني بالإعلام وسائله الرئيسة في ذلكم الوقت والمتمثلة بالكتاب والصحيفة والمسرح والسينما والإذاعة قبل أن يُخترع التلفاز والذي سار فيما بعد على نفس المنهاج المنحرف الذي رسمه الاستعمار الإنجليزي.

لقد نشطت في ذلك الوقت حركة الترجمة ولعل قارئا يقول: هذا أمرٌ حسنٌ خصوصا ونحن أمةٌ متخلفة نحتاج إلى ترجمة علوم الغرب والاستفادة منها.

لكنني أقول لك أيها القارئ الكريم مهلا فقد كانت الترجمة بعيدة كل البعد عن مجال التقدم العلمي والتقني واقتصرت في غالبها على المئات من القصص والمسرحيات والكتب التي تحمل الفكر الغربي العلماني الذي يحارب الدين وينفر منه.

القصص والمسرحيات المترجمة انتقيت بعناية لكي تحطم الدين والقيم والأخلاق في نفوس الناشئة.

لقد كانت قصصا ومسرحيات تمجد الاختلاط وتدعو إلى السفور ، وتبشر بعصر انفتاحي جديد تنتشر فيه العلاقات المحرمة تحت عناوين براقة من الحرية الاجتماعية وحقوق الإنسان.

وهي نفس الحالة التي اعترت ثقافة القشور والغفلة والانحلال التي انتشرت في مكتباتنا الفترة الأخيرة من خلال الروايات المسفة والهابطة والتي تضعف روح التدين وتنمي جانب الشهوات البهيمية في واقع نقول أمامه ما أشبه الليلة بالبارحة.

وهكذا اتجهت هذه الوسائل الإعلامية ووجهت لخدمة هذه الأهداف الاستعمارية من خلال أبواق تتحدث بلسان مصري ولغة قومية تدعي الإصلاح والغيرة وتبشر بنهضة علمية يدشنها الرقص ، ويتوسطها الضياع ، ونهايتها الدمار الشامل لأمة يراد لها الضياع.

على صعيد الصحافة الحديث يطول ويطول ، ولعل نظرة في واقع بعض صحفنا المحلية يستجلب من الذاكرة صورا كثيرة لما فعلته الصحافة بالأمة المصرية في ذلكم الوقت ويكفي أن نعلم أن أكبر دور الصحافة في ذلكم الوقت كانت ثلاثا كلها لبنانية مارونية مسيحية وهي دار الأهرام لآل تقلا ، ودار الهلال لآل زيدان ، ودار المقطم لآل صروف ويالها من مفارقة ليست عجيبة في أن يتكرر دور المارونيين المسيحيين مرة أخرى تجاه البلاد السعودية كما تضطلع به اليوم القناة المسخ المسماة بقناة(إل بي سي )

لقد كان المارونيون المسيحيون العرب وسيلة قريبةً للاستعمار الصليبي في تدمير قيم وأخلاق المسلمين لأن مصدرهم ومصدر الصليبيين واحد وحقدهم واحد والتاريخ دلائله لا تحتاج إلى ذكاء ويجب علينا أن نعي ذلك جيدا وأن ننتبه كأمة إلى ما يفعله الإعلام الماروني الممول من بعض رجال أعمالنا السعوديين بنا وما ظهر من أهدافه ليس إلا نزرا يسيرا.

ونعود إلى الحالة المصرية في ضلعها الثالث الخطير وهو أمر المرأة التي تبنى الإنجليز قضيةً لها من العدم تدعى تحرير المرأة ، وهي في حقيقة الأمر تدمير المرأة المصرية التي سطرت البطولات في مواجهاتها مع الاستعمارين الفرنسي والبريطاني ولذلك حرص أعداؤها على تدميرها والزج بها في محرقة الأخلاق من خلال دمية مزيفة وبطل من خيال وخبال وهو المدعو قاسم أمين الذي أصبح النموذج الأمثل لدعاة تدمير المرأة في كل مكان ومنهم دعاة تدميرها من السعوديين العائدين بإذن الله تعالى بخفي حنين في القريب العاجل كما هو حال أصحابهم المصريين كما سنرى لاحقا.

تحرير المرأة من دينها ، وحرب حجابها ، وفتح باب الاختلاط بالرجال الأجانب على مصراعيه أمامها والزج بها لتدلف من خلاله إلى عالم لم تألفه يوما.

عالم جديد لا حدود فيه ولا سدود ، وكل شيء فيه مباح ومستباح من الليل وحتى الصباح.

تحرير المرأة من معاني العفة والرزانة والطهر والشرف ، وتحرير المرأة من قيود الأمومة والزوجية وأغلال النبل والصفاء والنقاء وهكذا صوروا لها الأمر برمته لتخرج في النهاية نادلةً وراقصة وممثلة وإعلامية متحررةً ولقمةً سائغة تتناوشها الأعين والأفواه والأيدي.

هذه هي قضية قاسم أمين في تحريره للمرأة المصرية وهي القضية التي جعلته لا يلتفت أبدا لأي امرأة مصرية عبقرية ألمعية مادامت تضع الحجاب على رأسها لأن الحجاب إسقاطه هدف ولا ضير بعد ذلك في أمية المرأة المصرية وهذا تماما ما يفعله اليوم بالضبط في بلادنا السعودية دهاقنة المد الليبرالي المنحدر إلى سفول والمنتهي إلى أفول بحول الله وقوته.

وبعد فما الذي أحرزته تلك المؤامرات بعد هذه السنين المتطاولة بالأمة المصرية؟.

هل نجحت في سلب الولاء من قلوب الجماهير المصرية لدينها وإسلامها؟وهل استطاعت أن تقضي على كل بذرة خير في قلوب فتيات مصر الأبيات؟هل تشكك الناس هناك في موعود ربهم في حماية هذا الدين وتسخير الأيدي الطاهرة للدفاع عنه والذب عن حياضه؟هل استطاعت هذه المؤامرات الكبرى المتتالية أن تنتزع مصر من قلب عالمها الإسلامي وتلقي بها لتكون في النهاية قطعة من أوروبا؟.

أقول لا والذي رفع السماء بلا عمد لأن أهل مصر لم ولن ينسوا دينهم كما هو المسلم المؤمن وإن قصر وضعف.

وأما الحجاب الشرعي فها هو يعود بكل قوة على رؤوس بنات أرض الكنانة الطيبات ، وهاهي مظاهر التدين تنتشر في أصقاع مصر وبين أفراد ذلكم المجتمع على اختلاف شرائحه وطبقات أفراده.

بعد تلك الأموال التي بُذلت والأكاذيب التي عُملت يأبى الله تعالى إلا أن يُركس أصحابها ليروا بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم ، وخيبةً في عقولهم وبلقعا بعدما جاءته صولة الحق.

بنيان المد التغريبي قبل أن يتصدع رأينا جميعا ثقوبا مميتة في وجوه دهاقنته الذين يتحسرون بعد هذا العمر الطويل في الضلال ، وهذا المال الذي بذلوه ارتد حسرة في قلوبهم وغصةً في حلوقهم يتجرعها معهم إخوانهم التغريبيون في بلاد الإسلام لا كثرهم الله.

واليوم نحن في بلاد الحرمين المملكة العربية السعودية نرى أن هذا الركام الزائف الذي صنعه حولنا بلهاء الفكر الليبرالي الذين استعانوا بالسفارات وبرديء العبارات ، واستنفروا المارونيين والفساق لملحمتهم المخزية على التعليم ومناهجه وعلى المرأة وحجابها وعلى دور العبادة وعلى علمائها وعلى مؤسساتنا الشرعية-أقول-هذا الركام كله إلى تباب قريب وخسارة كبيرة وإن فرحوا ببعض الظهور فإن ذلك من باب تمييز الحق والباطل ومن باب البلاء الذي يجلو به الله خبيئة أصحاب القلوب المريضة ، ولعل في القرارات الأخيرة لولاة أمر هذه البلاد وفقهم الله لكل خير المتمثلة في منع السينما وما حصل في قضية المجاهر بالمعصية ما يدل بإذن الله على أن الفكر الليبرالي الضال لن يجد له مكانا في هذه البلاد التي متى ما أرادت العز والتمكين فعليها بنصرة دين الله وحماية جناب الشريعة المطهرة والوقوف في وجوه أهل الضلالة مهما تنوعت أشكالهم وإلا فإن دين الله محفوظ بحفظ الله له ومهما تنمر أعداؤه فإن الله سبحانه سيقيض له من ينصره ويعزه.


ماجد بن محمد الجهني- الظهران

 

صليل القلم
  • صليل القلم
  • مختارات
  • الصفحة الرئيسية