اطبع هذه الصفحة


مطاردة اللصوص

ماجد بن محمد الجهني

 
كنت قد قرأت في جريدة الحياة اللندنية تعليقا على صورة لجنود أمريكيين في مدينة بغداد وقد تمترسوا خلف سور أحد الأبنية حيث يقول هذا التعليق المضحك ( جنود أمريكيون يقومون بمطاردة مجموعة من اللصوص داخل أحد أحياء بغداد ) .

لقد دهشت بالفعل وأنا أقرأ هذا الخبر الأعجوبة ومصدر دهشتي هو ذلك النبل الذي يتمتع به الأمريكيون من بين سائر بني البشر حيث أخذوا على كاهلهم عبء مطاردة اللصوص في أنحاء العالم وذلك إيمانا منهم بأن دورهم الريادي يتجاوز بكثير مسألة احتلال البلدان وتدمير مقدراتها وسحل الشعوب والنيل من كرامتها إلى الحرص على الضرب بيد من حديد على أيدي قطاع الطريق ولصوص المدن وهذه قمة الحضارة في زمن الحول الفكري والتراجيديا الدموية وليس غريبا على كل ذي لب أن يكون العراقيون المناهضون للاحتلال عبارة عن مجموعة من اللصوص فهم هداهم الله يقومون بسرقة مصارف المال ومتاحف الآثار ومصانع السلاح والجامعات والمعاهد والكليات بما فيها من معامل وبحوث وهم أيضا من قام بتلك الفوضى المنظمة التي اجتاحت المدن العراقية حتى لم يبق أخضر ولا أصفر إلا وتناقلته أيدي هؤلاء اللصوص.

حينما قرأت الخبر السابق تذكرت بالفعل المثل العربي الشهير الذي يقول ( رمتني بدائها وانسلت) , وأيم الله إن هذا المثل قد انطبق على هذه الواقعة تمام الانطباق ذلك لأن مطاردة اللصوص في بغداد قد قلبت بالفعل كل الموازين رأسا على عقب فا لمقاوم الذي يدفع صولة الباغي الأثيم عن أرضه وعرضه تحول بجرة قلم وتعليق صحفي وتلفيق استعماري إلى لص يطارد في أرجاء دهاليز وطنه على أيدي قوات المستعمر التي لاتجيد الحديث مع الشعوب إلا بمثل هذه اللهجة الممجوجة المليئة بكل ألوان الزيف والدجل والضحك على الذقون.

إن هؤلاء الذين يطاردون اللصوص في أحياء بغداد هم أنفسهم الذين قاموا بالأمس القريب بتدمير بلد كأفغانستان وتشريد شعبه تحت مسوغات أعجب من العجب في محاكمة لم تقم على دليل معتبر وكانت المحصلة النهائية احتلال بلد لعيون أنابيب تمد النفط والغاز الطبيعي من بحر قزوين عبر ذلك البلد المغلوب على أمره لتضخ تلك الأنابيب الدولارات الحمراء والمواقع الاستراتيجية في جيب تجار النفط القابعين في مكان ما ، وهم أيضا من قام باحتلال بلد عربي مسلم وهو العراق وأيضا بناء على مسوغات أوهن من بيت العنكبوت وبعد أن قاموا بتدمير هذا البلد العظيم بدأوا في التحريج عليه في مزاد علني تحت مسمى إعادة الإعمار في صورة من أبشع صور السطو المسلح الحديث كما عبر عن ذلك الوزير البريطاني السابق " توني بين " الذي علق على ماحدث في العراق بقوله ( إن التوصيف القانوني للأوضاع في العراق حاليا هو " عملية سطو مسلح " حيث استخدمت الولايات المتحدة وبريطانيا جيوشا هائلة من أجل سرقة العراق).

لقد تم هذا السطو المسلح كطريق لابد منها قبل بيع العراق بأكمله في المزاد العلني وهذا كلام معروف وليس سرا من الأسرار فقد نشر موقع الإسلام اليوم مقالا للأستاذ محمد المصري أشار فيه إلى ما سطره الكاتبان فيلب ثورنتون وآندروجومبل بجريدة " الإندبندنت" البريطانية في عدد يوم 8/10/2003 م حيث كتبا تحت عنوان ( أمريكا تعرض العراق للبيع ) : إن العراق يتعرض في الواقع إلى بيع منذ أعلنت الإدارة المدنية المعينة من قبل الاحتلال أنها ستفتح كل قطاعات الاقتصاد أمام المستثمرين الأجانب.

لقد قامت قوات الاحتلال بتدمير العراق بكامله طولا وعرضا ونهبه بعد ذلك عن بكرة أبيه وتقديمه لقمة سائغة لكبريات الشركات الأمريكية كبيتشتيل وهاليبورتون لينعم اللصوص الكبار بنصيب الأسد في بترول العراق ويقوموا في نهاية المطاف بوصف مقاومة العراقيين باللصوصية وهذا والله منتهى العجب أمام القدرة الباهرة على تحريف الكلم عن مواضعه الذي تمرس فيه أولئك القوم.

إن تلك المطاردة التي يبدو أنها طويلة جدا تجعلنا نتساءل بكل صراحة من يطارد من؟ إنه سؤال أترك جوابه لمطرقة التاريخ.
 

صليل القلم
  • صليل القلم
  • مختارات
  • الصفحة الرئيسية