اطبع هذه الصفحة


المراكز الصيفية والعطاء الكبير

ماجد بن محمد الجهني

 
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد :

فقبل نحو عشرين عاما انطلقت فكرة المراكز الصيفية التي تهتم بتوجيه الفراغ لدى الشباب وخصوصا الطلاب منهم توجيها صحيحا , لقد كانت فكرة جديدة شدت انتباه بعض الطلاب الذين كانوا يبحثون فعلا عن محضن يستغلون من خلاله الطاقات الهائلة الموجودة لديهم .

إنني لازلت أذكر أول سنة طرقت فيها أبواب هذه المراكز لقد كان ذلك في عام 1407هـ , كانت بالفعل تجربة جديدة بالنسبة لي لكنها فيما بعد أصبحت بمثابة القفزة النوعية التي غيرت مسارب كثيرة في حياتي تغييرا إيجابيا بحيث بدأت أسير بالفعل على الطريق الصحيح المؤدي إلى اكتشاف مالدي من مواهب مكنونة كنت من أكثر الناس غفلة عنها مع أنني أختزلها بين جوانحي.

لقد استمرت تلك العلاقة الروحية بيني وبين المراكز الصيفية إلى يومنا هذا وإن اختلفت تلك العلاقة بحكم عامل السن فلم تعد العلاقة علاقة طالب بمركزه وأساتذته الذين أحبهم وحلوا منه محل الروح من الجسد لكنها انتقلت إلى أحاسيس أب يدرك مامعنى المراكز الصيفية لأبنائه وأبناء المسلمين.

نعم الشعور نحو المراكز الصيفية شعور مختلف إنها تجربة حياة ورحلة عمر ملئت نورا وحبا للخير عميق غرسته تلك الإطلالة البهية من ذلك المعلم الذي يقتطع جزءا من وقته ووقت عائلته بل وجزءا من ماله وصحته وهمه لكي يغرس معاني الصلاح والاستقامة

لقد عرفتهم والله رجالا ماكان لهم هم في جمع مال ولا تسنم منصب ولا طمع في ثناء المثنين ولكنهم رجال حملوا هم أمتهم حملوا هم دينهم حملوا هم شباب المسلمين .

في المراكز الصيفية تعلمت الترنم بكتاب الله والتحليق في رحاب سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومازال لأصوات معلمي وهم يترنمون بالقرآن رجع الصدى في حياتي كلها.

في المراكز الصيفية عرفت دروب الأخلاء الصالحين وتعلمت قولا وعملا أن المرء على دين خليله وأن المرء يحشر مع من أحب وأن أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله.

فيها تعلمت أن المسلم إيجابي وهو لبنة بناء في مجتمعه وأمته وأن المسلم لايحمل الغل لإخوانه وأن المسلم لايعرف الأنانية وحب الذات وأن الإيثار منارة من منارات الصادقين وأن السعي في حاجات المسلمين من سنن وهدي المرسلين .

وتعلمت في ردهات تلك المراكز أن المسلم ليس باللعان ولا الطعان ولا الفاحش البذيء , وأن العمل للإسلام مسؤولية الجميع وأن النهوض بالأمة واجب شرعي لايحس به إلا أصحاب الهمم العالية وأن من لم يهتم لأمر المسلمين فليس منهم.

تعلمت في المراكز الصيفية أن الرجال يكبرون ويكبرون ويكبرون بمقدار مايقدمونه من تضحيات لدينهم وأمتهم وأن المؤمن الصالح مفتاح لكل خير ومغلاق لكل شر وأن المؤمن هين لين وأن الرجال الرواحل هم الذين يقوى بهم عود الأمة ويصلب.

تعلمت فيها أن صحبة السوء بريد الانحراف وطريق الفواحش والغشاوة التي تحجب نور الدين عن قلوب السائرين فمن أراد النجاة بدينه وعرضه فليفر منهم فراره من المجذوم أو فراره من الأسد.

وتعلمت فيها أن الجهود الخالصة التي تنبع من إيمان عميق بالله وتوكل عليه جل وعلا وابتغاء ماعنده- أقول هذه الجهود وإن كانت ضعيفة الإمكانيات ماديا إلا أن الله عزوجل يبارك فيها لأن الإخلاص يروي جذور غراسها وماسقته التقوى فحصاده الخيركل الخير.

تعلمت فيها أن الدعوة إلى الله عزوجل طريق لايسلكه إلا الموفقون المصطفون من الناس الذين يريد الله بهم الخير ذلك لأنهم سلكوا طريق الأنبياء والأصفياء والأولياء وهو ولاشك طريق يحتاج إلى صبر وتضحية وإخلاص .

وتعلمت فيها أن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لايخالط الناس ولايصبر على أذاهم وأن أبواب الصدقة كثيرة سهلة لكن غفلتنا كثيرا ماتنسينا إياها.

وتعلمت وتعلمت الشيء الكثير في تلك المحاضن النورانية التي ما أنصف كثير من الناس القائمين عليها , أولئك الرجال الذين أحسب أنهم لا ينتظرون ثناء من أحد حاديهم في ذلك قول الله عزوجل " إنما نطعمكم لوجه الله لانريد منكم جزاءا ولا شكورا" فهم يبذلون ما يبذلون صدقة لوجه الله عز وجل لا يريدون من الناس جزاءا ولا شكورا فهم لا يعدلون بما عند الله عزوجل الدنيا بأسرها وماعليها من متاع أو كنوز , ذلك أن كنوزهم تتزين لهم ليلقوا مايلقوا يوم أن يقفوا بين يدي سيدهم ومولاهم وقد ابيضت الوجوه وجاءت تباشير الفرح وتزينت لهم تلك الأعمال وأقبلت تضحك لهم شافعة بين يدي الواحد الأحد , نعم تأتي أوقاتهم التي بذلوها لله , وتأتي صحتهم التي بذلوها لله , وتأتي أموالهم التي بذلوها لله , ويأتي صبرهم على أذى الناس الذي بذلوها لله وعندها لاتسل عن الفرحة لا تسل عن النعيم لا تسل عن الهم والتعب والنصب فما أحلى النصب لله والتعب من أجل دين الله والصبر لأجل إعلاء كلمة الله و"إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب".

إنه حق على كل مسلم ومسلمة أن يدعم هذه المراكز الصيفية والقائمين عليه ماديا ومعنويا وذلك من خلال مؤازرتهم بالكلمة الطيبة وتلمس حاجات المراكز المادية لأن المال الذي يبذل لهذه المراكز يصب في النهاية في حقل تربية أبنائنا وتعليمهم وتثقيفهم ومن لا يستطيع الدعم المادي فلا أقل من الكلمة الطيبة والنصيحة المشفقة والاقتراح الفعال والدعاء لهم بظهر الغيب , ومن لم يستطع هذه ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فليكف أذاه عنهم فإنها صدقة منه على نفسه والله المستعان.
 

صليل القلم
  • صليل القلم
  • مختارات
  • الصفحة الرئيسية