اطبع هذه الصفحة


من هنا مر صدام

ماجد بن محمد الجهني

 
التاريخ يسرد لنا قصصا مختلفة تحكي أن أقواما مروا على هذه الأرض وملئوها ضجيجا وصراخا وخداعا وزيفا وظلما وعدوانا بعد أن ملكوا ناصية المنصب والقوة والمال.

فالتاريخ في حقيقة الأمر هو البوابة الكبرى التي فتحت دفتيها لجميع الأحداث لتسجل لنا بصدق نقلا أمينا ورصينا لكل شيء ، وكل ذلك يأتي في سياق الجواب على السؤال العريض : ما الذي حدث بالضبط ؟ ومن أين مر السابقون ؟ وهل اتعظ اللاحقون ؟ .

لقد غرد التاريخ وصدح ، وحلل وكشف ، وقدم صورا بليغة عن أحداث أبلغ في موعظة رددتها كل صفحة من صفحاته التي حوت من القوراع عبرا ، ومن الدروس مبتدئا وخبرا ، في شفافية لا تكدرها شخبطات تزوير في بعض صفحاته أرادها بعض المنتفعين الذين أسعفهم نفوذهم في زمنهم ولكن التاريخ لم يخفض عنقه لهم بعد رحيلهم فكتب وبصدق ، وبين وبوضوح أن القوم مروا من هنا ، وأن حقيقة الحدث لاما يقولونه بل ما أرويه أنا دون أن يكون لي مصلحة سوى ظهور الحقيقة والحقيقة فقط .

هذه المقدمة جالت في خاطري ، وتجولت أمام ناظري وأنا أنظر للرئيس العراقي السابق صدام حسين وهو يتقلب في قيد الذل والأسر على يدي العلوج الذين بشر الرئيس المخلوع بانتحارهم على أسوار بغداد متناسيا أن الذين يبيعون له الوفاء والولاء بيعا هم الذين في الميدان وهم مستعدون أن يقدموا ولائهم لمن يدفع أكثر ، ولهذا حلت الكارثة مضاعفة وهذا درس من دروس التاريخ يكرره لنا في صورة عجيبة وهو الدرس الذي لم يستوعبه صدام الذي لم يقرأ التاريخ جيدا ويبدو أنه لم يسمع بالبرامكة من قبل والذين لا يوجدون إلا في الأجواء التي تخلو من حسن العلاقة بالله وحسن التوكل عليه والإنابة إليه .

صدام حسين أصبح في عرف التاريخ قائدا عربيا سابقا ، وأسيرا حربيا مجرما لاحقا ، وبين المنزلتين مابينها من الفرق العظيم والبون الجسيم ، فلقد كانت المنزلة الأولى تسبغ عليه نياشين الألقاب وأنواط الأسماء بداية من القائد الركن المهيب ، وحارس البوابة الشرقية ، وأسد بابل ، ونهاية بقائد أم المعارك وحاسمة الحواسم ، وتلك ألقاب تعطي ما تعطي من البعد النفسي الذي يدلنا على صورة من صور التعاظم التي نحسن نسجها بخيوط عنكبوتية في عالمنا العربي الذي غالبا ما يختزل في شخص واحد تمثل شخصيته بعدا آخر حيث تتجمع المواهب وتختزل القدرات في شخص القائد البطل والزعيم الهمام ، والرئيس الملهم وهكذا كانت الصورة بالضبط في مشهد صدام حسين الذي نسج من نفسه شخصية مرعبة الذوبان فيها هو ناتج من نواتج حالة الرعب التي تدب في جسد المجموعة حينما سجنها الرئيس في شخصه فأصبحت لاترى له خطئا واحدا وذلك لأن العين التي ترى العيب بكل بساطة سيكون مصيرها العمى ، ولهذا مضت في الرجل سنة الله حينما أحاط نفسه بالزور ورضي ممن حوله بالزور وحينما أتت الساعة الحاسمة واحتاج من كان يشتري ولائهم بالأمس عندها عاين الحقيقة بوضوح فلقد باعه أقرب المقربين إليه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين ، وهذا درس من دروس التاريخ يقول بكل وضوح : يبدو أنك لم تقرأ جيدا عن الذين مروا من هنا يا صدام .

لقد كان مشهد صدام حسين مشهدا مأساويا لقطاع عريض من الأمة التي تتعرض لمخطط دعائي أمريكي رهيب من أجل ضربها في مقتل من الناحية النفسية ، فأمريكا الظلومة الظالمة التي لم يقرأ قادتها البله تاريخ من مروا عبر بوابة التاريخ أرادت من خلال المشهد الدرامي الهوليودي الذي أظهرت فيه الرئيس العراقي أن ترعب وترهب نفسيا ، وأن تواصل جلب الإحباط لعالمنا الإسلامي من أجل كسر شوكة اعتزازه بدينه وقيمه الروحية والأخلاقية لتقوده في النهاية إلى مستنقع اليأس والخضوع والرضى بهذا الواقع ، وأرادت بلسان الحال أن تقول : كل من تنتهي صلاحيته لدينا ، وكل من يحاول التطاول علينا ، أو مخالفة التوجيهات التي نمليها هكذا سيكون مصيره .
ولأن قطاعا عريضا منا لم يقرأوا التاريخ جيدا أصابهم بالفعل ذلك المشهد في الصميم ونال منهم الإحباط مانال حيث قامت الدنيا عند البعض ولم تقعد وكأن مصير هذه الأمة قد ارتبط بشكل مباشر بصدام أو غيره ، مع أن الصحيح بخلاف ذلك لأن نصر هذه الأمة لم يرتبط بشخص بحد ذاته مهما بلغ من الصلاح لا كما هو واضح في حالة صدام البعثي المنكوب ، بل هو مرتبط بشكل مباشر بمدى استمساكها بمنهج ربها عزوجل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وهذا درس آخر من دروس التاريخ يبدو أنه لم يمر في خلد البعض .

ومشهد آخر على مسرح الحدث يقودنا إليه زعيق العلمانيين الذي صفقوا للبعث في يوم من الأيام وطبلوا له وأخذوا يكيلون لدهاقنته المدائح واللوائح في عادة تقوم على ميزان المتاجرة بكل ما هو رخيص في مقابل تنحية الإسلام .
هانحن مرة أخرى نشاهدهم في صورة الشامت بما حصل للحزب البعثي والرئيس البعثي الذي رأوا فيه والآن فقط الرجل الدكتاتوري الذي غيب الديموقراطية عن بلاده وحكمها بالنار والحديد، ولهذا رأوا في غيابه بروزا لنور الأمل في أن تسود العراق الحرية والديموقراطية التي بشر بها اليمين الأخرق وراحوا ينسجون الأحلام والأماني في أن يتحول العراق إلى واحة الحرية المنشودة والسلام والوئام وأخذوا يحثون العالم العربي على التسريع من عجلة الإصلاحات وهي ( مصطلح له ظاهر وباطن ) في جميع المجالات ومن أولها ما يتعلق بالمرأة والتعليم والإعلام والحريات وهذه كلها ولاشك مصطلحات جميلة ظاهريا لكن ما هو مفهومها عند المستغربين ؟ هذا أمر لابد من مناقشتهم فيه خصوصا وهم المعروفون باحترام آراء الآخرين وبشدة !!!!

هؤلاء أرادوا أن يستغلوا حادثة صدام في الترويع والترويج وفي النقلة من الطرف إلى الطرف – أعني من البعثية إلى العلمنة – دون أن يستفيدوا من درس التأريخ ماضيا وحاضرا والذي أوضح وبجلاء أن جميع الأديلوجيات الفكرية المناكفة للإسلام لقيت مصيرا واحدا ولو سألنا التأريخ : أين الشيوعية ؟ وأين الناصرية ؟ وأين البعثية ؟ لقال لنا وفي الحال : إنهم من دروسي وإنهم قد مروا جميعا من هنا فهل تأملتم؟
 

صليل القلم
  • صليل القلم
  • مختارات
  • الصفحة الرئيسية