اطبع هذه الصفحة


دافوس البحر الميت

ماجد بن محمد الجهني

 
تابعت قبل أيام كما تابع العالم أجمع بعض فعاليات افتتاح منتدى دافوس البحر الميت الاقتصادي كما يسميه بعض المتابعين والذي جاء في افتتاحيته كما شاهد العالم ليمثل وجهاً جديداً من وجوه تقديم مزيد من قرابين العهود والولاء والطاعة التي أرادت أمريكا أن تكرسها من خلال هذه الفرصة ، ومع احترامي لجميع من يخالفني الرأي إلا أنني أرى أن المؤتمر لا يتعدى حدود الاطمئنان الذي تريد أن تراه أمريكا من وجوه حلفائها في المنطقة والذين تسابق المشاركون منهم فيه على تقديم كلمات افتتاحية من النوع الذي يرضي السيدة العجوز والذي تدور معالم خطابه حول القضية الأساس التي تهم أمريكا وهي قدسية كل ماله علاقة بمصالح أمريكا الاستراتيجية من قريب أو بعيد ، بل ولا أبالغ إذا قلت كل ما يخدم أهدافها القريبة والبعيدة.

شجون وهموم المنتدى الذي يفترض فيه أن يكون اقتصادياً بحتاً لم تتجاوز هموم العم سام الذي أراد من الجميع أن يتحدث عن الإرهاب وعن التعليم في المنطقة العربية والإسلامية كما لم ينس التركيز على حرية الأديان ، ولم ينس أيضاً أن يبدي قلقه على الديموقراطيات وحقوق الإنسان وأوضاع المرأة ، بل لقد كان السيد باول كريماً أكثر من ذلك حين تحدث عن أهمية إيجاد فرص وظيفية للشباب وعن أهمية محاربة الفساد الإداري ووجوب تحسين مستويات التصرف بالثروات طبعاً الذي جاءت أمريكا من أجل تعليمه للعالم الثالث بحيث يكون هذا التقسيم تحت إشراف مباشر منها لتتحقق في النهاية معادلة تسعٌ وتسعون نعجةً في يد العم سام ولامانع لديه من أن يكفل النعجة الباقية إذا رأى سوءً في التصرف بهذه النعجة.

المضحك جداً في هذا المؤتمر أن أمريكا أيضاً من جديد لم تستحيي من الحديث عن حقوق الإنسان والديموقراطية والعدل والمساواة ، وتحدثت أيضاً عن مناهج التعليم التي تعلم الكراهية متناسيةً أن الذي يغرس الحقد ويعلم الكراهية ويعلم الدموية والوحشية في العالم اليوم هو أمريكا نفسها ، وهل يعقل بعدما رأينا ما رأينا من الفضائح التي تبين بعضها في سجن أبي غريب أن نقبل من المجرم الذي تلطخت يديه بدماء الأبرياء والذي علق مشانقه في كل بقعة من بقاع العالم حديثاً عن حقوق الإنسان ؟؟ الجواب يقول وببساطة " ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق " ..

ثم كيف تتحدث أمريكا عن سوء التصرف بالثروات وهي التي تقوم بامتصاص دم العالم أجمع لخدمة مصالحها الأنانية من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب ؟ هل تريد أن تعلمنا أمريكا أن حسن التصرف بالثروات في عالمنا يكمن من خلال المشاركة في حروبها التي تشنها باسم هاليبرتون أو غيرها من كبريات شركات ديك تشيني وكوندوليزا رايس وولفويتز وذلك من حرب بترول بحر قزوين إلى حرب حقول البصرة وكركوك ؟.

ويحق لنا بكل صراحة أن نتساءل لماذا كل هذا الصراخ والاستعجال من أمريكا على مسألة الإصلاحات التي تريدها في الشرق الأوسط الكبير وهي بعد لم تثبت أقدامها في أمواج رمال العراق المتأرجحة بمستقبل صقور البيت الأبيض يمنةً ويسرة ..

إنني أعتقد أن المؤتمر أراد أن يؤصل وبشكل أسرع لإخراج أبناء المنطقة من دائرة دينهم التي تحدد مسألة الولاءات والتحالفات وعلى أي أساس يجب أن تكون إلى دائرة التحالفات الفضفاضة التي لا يحددها إلا إطار المصلحة المادية المشتركة بين جميع اللاعبين على وتر النفعية حتى ولو كان ذلك على حساب دين الأمة وموروثها العقدي والثقافي والأخلاقي بل وحتى على حساب مصالحها العظمى وقضاياها الكبرى ..

إن لهجة المؤتمر تكرس وبكل وضوح أهمية عزل الدين من خلال مسخ الأجيال عبر تقليص نفوذ التعليم الديني وتقليص دور المؤسسات الدينية تربويا وإعلامياً من خلال فرض مزيد من القيود على هذه المؤسسات ومزيد من الحصار المالي والإعلامي حتى يتقلص بالتالي دورها الريادي والحضاري ومن ثم تنزوي في ركن قصي ممثل في بعض المظاهر العبا دية المنعزلة عن التأثير في وعي الناس وأخلاقهم وتوجهاتهم ونظرتهم للحياة والأحياء.

والمؤتمر يستعجل وبشدة مسألة تحرير المرأة ويجعل تأشيرة الرضا والقبول من قبل صانعي القرار في البيت الأبيض على الآخرين مرتبطاً بمدى ما أحرزه الآخرون في العالم الإسلامي من تقدم في هذا الباب وهو ما يعني وبشكل واضح ارتباط مسألة تحقيق النجاح في إفساد العالم الإسلامي من زاويتين رمت أمريكا بثقلها كله لتحقيقهما ألا وهما مسألة التعليم وقضية المرأة.

أما مسألة حقوق الإنسان ومسألة الحريات فأعتقد أن الاكتفاء بعبارة ( لاتعليق) هو أبلغ ما يمكن أن يقال في حق راعية الإجرام في العالم وذلك لأن حديثها عن هاتين القضيتين لايمكن إدراجه إلا تحت كتاب جديد أقترح على إدارة البيت الأبيض إصداره على أن يكون العنوان " أم المهازل" على وزن " أم المعارك ".
 

صليل القلم
  • صليل القلم
  • مختارات
  • الصفحة الرئيسية