اطبع هذه الصفحة


مها الحجيلان والمراكز الصيفية

ماجد بن محمد الجهني
الظهران

 
منذ فترةٍ ليست بالقصيرة وأنا أتابع كما يتابع غيري هجوم بعض الإعلاميين المتدرج على المناشط الدعوية والخيرية داخل بلادنا الحبيبة المملكة العربية السعودية والتي شرفها الله عز وجل بخدمة الحرمين الشريفين والقيام على شؤونهما وبحمل رسالة محمد صلى الله عليه وسلم للعالمين جميعاً علماً وتعليماً ودعوةً .

ولعل من آخر ما تحدث عنه البعض هو المراكز الصيفية ومن ذلك ما كتبته الأستاذه مها الحجيلان في جريدة الوطن بتاريخ 24/5/1425هـ حول المراكز الصيفية وتحديداً تحت عنوان ( الأهداف غير العلمية للمراكز الصيفية) ، وقد قمت بكتابة هذا الرد على تلك المقالة وأرسلتها إلى تلك الصحيفة عبر البريد الحاسوبي لرئيس التحرير لكن للأسف حجبته الحواجب وهذا أمرٌ لازال محل استغراب من هذه الجريدة التي تتشدق دائماً في حديثها عن الحرية والديموقراطية وهي في حقيقتها عنوان الأحادية في التفكير والأحادية في النشر والأحادية في الطرح ويصدق عليها المثل العربي الشهير ( رمتني بدائها وانسلت) حيث ترمي أطرافاً عدة بالأحادية وتنسى الثوب الذي لبسته.

أعود لمقال الأخت مها الذي اتسم بالعمومية وعدم الدقة وافتقد إلى المنهجية العلمية في النقد والتقويم التي من المفترض أن تبنى على أسس علمية دقيقة وواضحة ، ولذا جاء المقال مجافياً لفحوى العنوان مجافاةً صارخة إذ المقال مبني على جملة من الظنون والتخرصات والأحلام والأوهام ولربما الرؤى والمنامات التي أصبحت رافداً لفكر الكثيرين الذين يعانون عند ذكر الحقائق من عقدة البروبقندا التي يستحضرونها في سياق خطابهم الإقصائي عند حديثهم عن المخالفين وعن جميع ما ينتمي إلى مشاريعهم من مؤسسات وجمعيات وحتى مؤلفات.

وإذا كان الحكم على الشئ فرع عن تصوره كما هو مقررٌ أصولياً فلعله كان من المناسب والله أعلم للأخت مها ألا تقحم نفسها في موضوع تبين للجميع عند كتابتها له أنها لاتملك أدنى تصور عنه وهذا واضح من خلال جهلها الظاهر بما يدور داخل تلك المراكز من منا شط ولو أنها كلفت أحد أقاربها قبل الكتابة ليقوم بمسح ميداني على أقرب المراكز الموجودة في الحي الذي تسكن فيه أو الأحياء المجاورة لتعرفت على البرامج الموجودة والتي من أهمها تحفيظ القرآن الكريم الذي لا نستغني عنه في كل وقت وتعليم تجويده وكذلك حفظ السنة وتعليم الحاسوب وورش للنجارة وتعليم للإسعافات الأولية ومن ضمن برامجها الرحلات وزيارة المنشآت العملاقة في بلادنا وزيارة وجهاء المجتمع والأخذ من معين تجاربهم وخبراتهم ، ولكن يبدو أن الكاتبة سارت على طريقة سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته ..

الكاتبة نشرت من خلال مقالها الوهم حول منشآت تربوية ومؤسسات علمية عريقة لها من التأثير الإيجابي في عقول ونفوس الناشئة مالايغمطه إلا مكابر معاند أو حاسد يبحث عن مآرب أخرى بعيدة كل البعد عن النقد والتصحيح والتقويم ولذا فإنه ليس من حق كاتبتنا أن تأتي لتحاكم محا ضن تربوية زاد عمرها على العشرين عاماً ملأت من خلالها السمع والبصر حتى أصبحت تحظى برعاية مباشرة ودقيقة من قبل ولاة أمرنا رعاهم الله والذين خصصوا للقيام على شؤونها وزارةً كاملةً ممثلةً في وزارة التربية والتعليم والتي تقوم بمتابعة دقيقة لهذه المراكز ولبرامجها وللقائمين عليها وخصصت لذلك جهازا كاملاً ممثلاً في جهاز شؤون الطلاب والذي يقوم فيه ثلةٌ من التربويين والأساتذة والمشرفين بتفعيل البرامج والخطط التي وضعتها الوزارة فالوضع ليس كما تصوره الأخت مها في مقالها عن تلك المراكز وكأنها تتحدث عن مراكز في جزر الواق واق أو في صحراء إفريقيا بلا رقيب ولا حسيب.

إن التشكيك والتجريح والغمز واللمز والتحريش فن يجيده كل إنسان مهما كان مستواه العلمي ولكن النقد الهادف المبني على معلومات موثقة لا يجيده أي إنسان ، وأنا ومن خلال معايشة لهذه المراكز امتدت على مدى عشرين سنة طالباً بين أروقتها ومشرفاً في جنبات قاعاتها ومديراً لبعضها أتحدث من واقع أجحف في حقه بعض من تكلم عن المراكز الصيفية في صحفنا ومن بينهم الأخت مها ، أتحدث عن تجربة تعلمنا وعلمنا من خلالها أن نطيع الله ورسوله وأولي الأمر منا وألا ننازع الأمر أهله ، وتعلما فيها وعلمنا توقير أهل العلم واحترام ذي الشيبة والنصح لكل مسلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبضوابطه الشرعية ، وتعلمنا فيها وعلمنا أن الجرأة على الفتيا جرأة على النار ورددنا بقلوبنا وعقولنا وجوارحنا يا أخت مها قول الله عز وجل ( ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون) ، وتعلمنا وعلمنا أن المؤمن العف والمسلم الورع عادلٌ في جميع أقواله وأعماله بعيدٌ كل البعد عن الغيبة والنميمة والزور والبهتان لا يظلم الخلق ولا يجترئ على الخالق ، وتعلمنا فيها أن كلمة التوحيد تعصم دماء أصحابها ولا تحل إلا بحقها الشرعي الذي أوضحه الله عز وجل ، وتعلمنا فيها وعلمنا حقوق الجار المسلم والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وحقوق الذمي والمعاهد والمؤتمن فلا نغشهم ولا نظلمهم ولا نخونهم ولا نعتدي على أموالهم وأرواحهم ، وتعلمنا أن منهج أهل السنة والجماعة منهجٌ وسط بين الغالي فيه والجافي عنه وأن التكفير لا يجوز لمعين إلا بضوابطه الشرعية التي أوضحها أهل العلم والذين هم المرجع فيها امتثالاً لقول الله عز وجل ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون).

هذا ما تعلمناه وعلمناه ومارسناه واقعاً عملياً في حياتنا بعيداً عن التوهمات الخيالية التي أتحفتنا بها الكاتبة والتي تقول أنها تخشى أن تكون الكتب التكفيرية والفتاوى التكفيرية هي ما يتم تدريسه في تلك المراكز أو أنها تخشى أن تكون وصايا المفجرين هي ما يتم تداوله والتربية عليه داخل تلك المراكز.

من المؤسف حقاً يا أخت مها أن يدلي المرء بدلوه في موضوع وهو لا يقف على أرضية معلوماتية صلبة عنه ولا يملك حياله إلا الظنون ، ومؤسف حقاً تلك اللغة العمومية التي بدأنا نسمعها في بعض وسائل إعلامنا والتي تريد أن تأخذ البريء بجريرة المجرم ، وتريد أن تزج بقطاع عريض من المجتمع ومؤسساته وسط دائرة الشك التي بدأ البعض ينسج لخيوطها في الخفاء في منهجٍ خفي سابقاً بدأت المرحلة تظهر أصحابه على حقيقتهم لاحقاً وإني لأرجو ألا ينجح الشيطان في جرنا إلى حبائله التي يصطاد من خلالها من يصطاد فقد أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه بقوله ( لقد أيس الشيطان أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم ) .

إن الكلمة أمانة وهي مسؤوليةٌ عظيمة الحساب عليها عسير بين يدي الله تعالى ولعلي لا أجد شيئاً أنسب من التخويف بالله عز وجل لكل أولئك الوالغين في أعراض المسلمين ونياتهم ورميهم بما ليس فيهم زوراً وبهتاناً وتجنياً وأذكرهم بقول الله عز وجل ( وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم) فالقول الحسن هو ما تحتاجه هذه المرحلة التي تتجهم فيها الظروف لبلادنا لا أن نخرج بعبارات وبكتابات تضرب الحابل بالنابل ..

إنني لا أظن أن الأستاذه مها مع احترامي الشديد لها أحرص من الدولة على سلامة عقول الناشئة والحفاظ على أمن البلاد وسلامتها ، كما أنني لا أظنها أيضاً أكثر حنكةً ولا ذكاءً ومسؤوليةً من ولاة أمرنا ولوكان في تلك المراكز الصيفية مافيها لما انتظرت الدولة مقال الأخت مها لكي تتخذه نبراساً لإنقاذ الجيل من حمأة المخاوف التي أتحفتنا بها الأخت مها والتي تناست في مقالها تقدير مشاعر المشرفين والتربويين القائمين على هذه المحاضن من سنوات لتأتي الأخت الكريمة بجرة قلم وتزج بهم في قفص المجرم المتهم الذي يظل متهماً حتى تثبت براءته.

وإن كنت أعجب من شئ فإنني أعجب من حنقها على من وضعوا من ضمن أهداف المراكز ترسيخ العقيدة الإسلامية في نفوس الطلاب وترسيخ القيم الإسلامية في نفوسهم ، وهي أي الكاتبة ترى أننا غير محتاجين لذلك لأننا في مجتمع مسلم ولسنا في مجتمع كافر ولعلي أقول كان من الأولى بها أن تحتج على دستور الدولة الذي نص نظام الحكم فيه على أن القرآن والسنة هما مصدر التشريع الذي ترجع إليه الدولة في حكمها فبهما تحكم وإليهما ترجع وكان لها أن تقول لماذا ينص نظام الحكم على ذلك فنحن دولة مسلمة ودولة إسلام ولسنا مجتمعاً كافراً حتى يكتب ذلك في وثيقة نظام الحكم ، وكذلك لماذا لا ترفع احتجاجها هذا إلى المجلس الأعلى لسياسة التعليم والذي نص على ترسيخ العقيدة الإسلامية وترسيخ القيم الإسلامية في نفوس الأبناء ، ولماذا الغضب يا أخت مها من مصطلح إسلامي فهذا أمرٌ بدهي في مجتمع إسلامي وليس مجتمعاً قومياً أو بعثياً أو ليبرالياً مثلاً ، إنه يا أيتها الأخت الفاضلة تكريس لشعور الاعتزاز بهذا الدين والانتماء إليه وهذا له أبعادٌ تربوية عظيمة وهو قبل هذا وذاك منهج دولة يا أخت مها ..

ختاماً أذكر الأستاذه بقول الله عز وجل ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) وبقول الشاعر العربي :

وما من كاتب إلا ويفنى *** ويبقي الدهر ما كتبت يداه
فلا تكتب يمينك غير شئ*** يسرك في القيامة أن تراه
 

صليل القلم
  • صليل القلم
  • مختارات
  • الصفحة الرئيسية