اطبع هذه الصفحة


حصان طروادة

ماجد بن محمد الجهني
الظهران

 
من رحم المعاناة الفكرية والتخبط الروحي أطل برأسه منذ أعوام سلفت ، وهو الباحث عن الشهرة واللاهث خلف الأضواء يقوده إلى ذلك خواء روحي ، وتسطيح عقلي فهو يفكر في الوصول إلى الأضواء على طريقة الأعرابي الذي بال في بئر زمزم ولما شكاه الناس إلى أبي جعفر المنصور برر بمقولته الشهيرة : إنني إنما أردت من ذلك أن يعرفني الناس.

كان مفتوناً بكل غريب ، وسيرته ملئت بالأعاجيب ، لا تفتر همته عن البحث عن مواطن الشهرة حتى لو كانت على رأس جبل وعر تسلقه قد يكلفه حياته ، وقد كان سريعاً إلى نبذ وتسفيه كل رأي مخالف لا يوافق رأيه ، ولم يكن في يوم من الأيام صادراً عن وعي وتأمل ونظر صحيح فيما يخص اعتقاداته وأقواله الباطلة ، وكلما أظهر شيئاً من مكنونات نفسه أمام عالم وجد حجراً يلقمه الصمت والانزواء على مكنونات حقد تراكم مع الأيام ليصبح كيراً أسودا ينفخه باسم الحرية والتعبير عن الذات والانتقال إلى الفكر التنويري ، وهو ولاشك ظاهرةٌ مرضيةٌ جمعت بين النرجسية المفرطة والبلاهة الموغلة في أتون الأنا المقيتة.

إنه زمنٌ غريب وعجيب والأيام حبلى بكل جديد ، ولعل صورة بلعام بن باعوراء لها من النسخ ما يمكنها من تكرار ذاتها عبر كل زمان ولعمر الحق إن الله ماقص علينا قصته إلا لحكمة بالغة نتلو من خلالها وعبر القرآن العظيم لكل الأجيال صوراً للزيغ لتحذر من أتون حمأته وتربأ بنفسها عن منسم وطأته.

هذه بداية قصة مرض نفسي نشاهدها عبر حياتنا اليومية في صورة بعض الآدميين يمشون بيننا ويتنفسون الهواء الذي نتنفسه وهم ولاشك قد قرأوا ومر بهم من الآيات والنذر ما مر بنا ، ولكن نظرتهم للحياة نظره مليئة بالاضطراب والشك ، متذبذبة بين الحيرة واليقين ، وقد اختلطت عليها الأمور حتى صار الحق باطلاً والباطل حقاً والثابت متحولاً والمتحول ثابتاً وكل ذلك يصاحبه عقلٌ بلقعٌ من العقلانية وإن ادعوها وروحٌ خالية من الروحانية وآدمية خلت من الإنسانية وإن سنوها ديناً جديداً يبشرون به البشرية من وراء حجاب غليظ من المرض والتخبط وسوء الفطرة والفهم ، وهذه كلها ولاشك من نتاج الهوى والشهوات ، وهي مما يلقيه الشيطان في النفوس الموغلة في تتبع الشبهات.

إنني أعتقدُ أن مثل هؤلاء المرضى هم الذين يفرح بهم المستعمرُ أشد الفرح ، وهم الذين يعدهم لليالي التي يحتاج إليهم فيها ولذا يسعى دوما إلى تلميعهم وتقديمهم في صورة الفكر الراقي ، والمنهج التنويري الذي يسعى من خلاله إلى غرس معاني الديموقراطية فهم حصان طروادة الجامح إلى نيل أعلى المطامح وإن كان على حساب الدين والأخلاق والفطرة السليمة .

لست بدعاً من الناس ولن آتي بجديد إن قلتُ :إن الأمةَ اليوم تمتحن على صعيد مستواها الفردي والجماعي وهي ولاشك تمر بمرحلة مخاض عسير تتبين فيه معادن الرجال ، وتُعرض فيه الأفكار والرؤى والتصورات على محك القرآن والسنة ، وهانحن نرى التجليات النورانية للمعاني الإيمانية في تلكم الآية القرآنية التي طالما تلوناها ورددناها ( أم حسب الذين في قلوبهم مرضٌ أن لن يخرج اللهُ أضغانهم ) ، وأيم الله لقد أخرجت قلوبٌ كثيرة أضغانها وأبانت عن صفحة السوء المندرجة تحت عباءة تنويرهم المزعوم وهانحن نسمع بمن يتمنى أن يكون قرداً ليفعل أفعال القرود ، وهانحن نبتلى بمن يرى الحياد بين الأديان ليدشن لنا في خاتمة تخريفاته ديناً جديداً يسمونه الإنسانية والروحانية.

السؤال الذي يفرض نفسه ونرفعُ به أصواتنا : متى نرى أو نسمع عن محاكمة مثل هؤلاء المرضى على تجاوزاتهم التي تطال أغلى ما يملكه المسلم؟ ثم ألا يُعد أصحاب هذه الأفكار الخطيرة ممن يحرضون على العنف والإرهاب ومن ثم يجب أن يحاكموا؟ ، وكيف للمرء أن يثق في وسائل إعلامية رفعت مثل هؤلاء الجهلة إلى مقام ليس لهم في الوقت الذي تتجاهل فيه كبار المفكرين والنابهين وهي التي تدعي العدل مع الجميع والبعد عن الأحادية ؟ هذه أسئلة لازلت أنتظر جوابها؟؟؟.

نُشر في جريدة المحايد
عدد الخميس 30شعبان 1425هـ
 

صليل القلم
  • صليل القلم
  • مختارات
  • الصفحة الرئيسية