اطبع هذه الصفحة


بلادنا ووحدة الكلمة

ماجد بن محمد الجهني
الظهران

 
إن بلادنا الحبيبة المملكة العربية السعودية تمرُّ بظروفٍ استثنائية، ومرحلة تاريخية حساسة في ظل ظروفٍ إقليمية ودولية بالغة التعقيد،وقد أصبح ظاهراً لكل ذي لب حجم ما يتربص بنا من المحن والفتن التي أطلت برأسها وأخذت تقذفُ بحممها ذات اليمين وذات الشمال في ظل سكوت الحكيم وعجزه،وجرأة الأحمق المتمصلح وفجوره.وما الحادث الأخير الذي وقع حول منشآت وزارة الداخلية بالرياض عما نقول ببعيد فهو صورةٌ بائسة من صور الخلل في المنهج والتفكير الذي لايمكن إصلاح عوجه إلا بتقوى الله عزوجل أولاً ثم بقيام الحكماء والعقلاء من أهل هذه البلاد الغيورين عليها بدورهم المنتظر أمام هذه الفتن التي إن لم يتداعى الغيورون إلى علاجها فسوف يكون للجميع نصيباً من شرها وشررها.

إن المرحلة التي تمر بها بلاد الحرمين تحتاج إلى العلماء الربانيين،والمفكرين الصالحين المصلحين،والدعاة المخلصين،وإلى كل رجل مسلمٍ في هذه البلاد وقد رزقه الله حُسن البصيرة،ونقاء السريرة،وصدق العزيمة،وليس المجال مجالَ أصحابِ المصالح الضيقة،والأجندة المشبوهة،وليس المجال مجالَ أصحاب تصفية الحسابات ممن ظهر طرحهم الفج المؤلم خلال المرحلة السابقة حين دشنو لمرحلةٍ جديدة من السخف والتهور والجنون والردح الذي مارسوه زمناً طويلاً في محاولاتٍ بائسة لتمرير مخططاتهم في تغريب البلاد والعباد ، وتذويب هوية أهلها ، وتجيير جميع المثالب إلى الطرف الذي أبغضوه كثيراً وحاربوه كثيراً عبر صحفٍ سيارة،ومقالاتٍ طيارة.

إنه قد آن الأوان للنفوس أن تتجرد من أهوائها،وأن تنسلخَ من مصالحها وأن تعلم بأن الحفاظ على وحدة وتماسك هذا الكيان الذي نعيشُ فيه هو من الأمور التي لاتقبل المزايدة،وخصوصاً بعد أن اجتمعت كلمات الجميع حكاماً ومحكومين،علماء وطلبة علم،دعاة ومصلحين،مثقفين ومفكرين،رجالاً ونساءً،شيوخاً وشباباً على رفض هذا المسلك الذي سلكته هذه الفئة التي انحرفت عن المنهج الشرعي،وافتأتت على الولاة والعلماء وقارفت أمراً منكراً وجب علينا جميعاً إنكاره وبيان عواره ديانةً لله تبارك وتعالى الذي نجله سبحانه وننزهه عن أن نتزلف بالقربى إلى أحدٍ سواه مهما كان شأنه.

ومن نافلة القول أن المفجرين في أعمالهم هذه قد خالفوا منهج الشريعة المحمدية التي ضبطت المسلم في جميع أحواله وأقواله ويا ليت شعري عن أي المخالفات سوف يتحدث المرء وهو يرى جُملةً من المنكرات قد اجتمعت في سياق هذه الأعمال التي لا تجلب يوماً بعد يوم إلا مزيداً من المنكرات التي وجدت مسوغاً لتمريرها في مثل هذه الحوادث إضافةً إلى مافيها من تشويه للدعوة والدعاة وللصلاح والصلحاء،والطامةُ الكبرى حين أفضت إلى تشويه صورة الجهاد الشرعي الذي يتنزه عن مثل هذه الأعمال الفوضوية الطائشة.

ووالله إنه لمن المضحكات المبكيات وفي ظل الجهود العظيمة التي تُبذلُ من قبل جميع المخلصين من أبناء هذه البلاد في سبيل رأب الصدع،وتوحيد الصفوف،وتنسيق الجهود-أقول من العجيب- أن تخرج علينا مقالات تدل على خسوفٍ فكري،وحولٍ منهجي لف عقول أصحابها الذين راحوا يربطون بين أعمال هذه الفئة وبين المساجد،ومنابر الجمعة وحلقات تحفيظ القرآن الكريم، ومن آخر هذه المهازل ما كتبه أحد العباقرة النادرين حول هزيمة المنتخب السعودي في كأس الخليج ودور منابر الجمعة والدعاة والشريط الإسلامي في نكبة المنتخب السعودي في الدوحة.

لقد أثبتت أحداثنا المحزنة التي مرت بها بلادنا أنها فوق مستوى بعض العقليات المريضة التي لا تجيد شيئاً مثل فن التأليب والتحريش وهو الأسلوب الشيطاني الذي نهانا الله تبارك وتعالى عن الوقوع فيه وهو ما يجب أن نحذر من التقحم في حمأته"لقد أيس الشيطان أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم"،ولذا فإننا نرى ألا يسمح ولاتنا وفقهم الله للمأزومين نفسياً أن يعرضوا على الناس أزماتهم الخاصة فالمريض كيف يُعالجُ مريضاً مثله،وذلك أن المرضى يجب أن يخضعوا جميعاً مهما تفاوتت نسب أمراضهم لمبضع الجراح لكي يُعالج ماهم ليتمكنوا من مباشرة واجباتهم الحياتية بشكل سليم.

إننا لا نملك أمام هذه الأحداث العاصفة حلاً سحرياً،وإن الحل المنطقي إنما يكون في حقيقة الأمر بعودتنا جميعاً إلى الله تبارك وتعالى،وعلينا أن ندرك جيداً بأن التفريط في ديننا والتنازل عن قيمنا وأخلاقنا لا يُكرس إلا لمزيدٍ من المصائب،وعلينا أن ندرك بأن فتح الباب على مصراعيه أمام الذي يُهاجمون مظاهر التدين في البلاد لن يقود إلا لمزيدٍ من الاحتقان الذي يفرحُ به أعداء البلاد فرحاً شديداً،ولا يمكن أبداً أن نقبل لا ديناً ولا عقلاً ولا عُرفاً ولا منطقاً ذلك الإسفاف الذي يقود إليه الذين يربطون بين العمليات الإرهابية وبين الحجاب الشرعي والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيره من معالم التدين.

لقد تقيأت أقلامٌ وتجرأت ألسنٌ تزعم الغيرة على بلادنا فطاشت موازينها وهاجمت كل شيء،نعم كل شيء الأخضر واليابس،وهذه الأقلام وتلك الأفواه قد شاركت في مثل هذه الجريمة بطريقةٍ أو بأُخرى،ولو كانت تلك الأقلام التي تتمسح بالتسامح صادقةً في أطروحاتها لما ساهمت في غباءٍ فاضح في التأليب على أهل البلاد وحين أقول أهل البلاد فإني أعني الحُكام والمحكومين لأنهم جميعاً لا يرضون بأن تُصبح معالم دينهم نهباً لكل ناهب ومرمىً لكل رامٍ ينالون منه بفجاجة وصلافة أخرجت مستكن ما مضى من ترسبات وتخبطات، ويريدون من خلالها أن يجروا المجتمع بجميع شرائحه إلى دوامة العنف حتى يخلوا لهم الجو ليبيضوا ويصفروا لا سمح الله.

لقد أثبتت الأحداث أن العلماء والدعاة وطلبة العلم ، وجميع المؤسسات العلمية والدعوية والخيرية ،وجميع الهيئات والمؤسسات الشرعية والأكاديمية في البلاد والمجتمع بجميع شرائحه يقفون صفاً واحداً خلف ولا ة أمرهم في هذه الأزمة ولم يند عن هذا الإجماع إلا الشُذاذ من مرضى القلوب والنرجسيين الذين يظنون أنهم هم لوحدهم من يملك زِمام الحقيقة بعد أن شكلوا حلفاً مع فئةٍ مُحترقةٍ قد اعتادت ومنذ فترة على محاسبة الناس على مجرد النيات والخطرات وربما تدخلوا في حديث النفس اتباعاً لمنهج يقصدُ بكذا كذا وكذا.

إذا كنا جادين في الحل ،ومساعدة بلادنا على الخروج من هذه الأزمة قويةً وهي كذلك بإذن الله تعالى فإن علينا أن نكف عن الهمز واللمز ولننطلق إلى ميدان العمل جميعاً فالمرحلة مرحلة عمل وجد وتوبة وإخلاص وتصحيح وإنجاز وأما المغردون خارج السرب فأولى لهم العودة إلى سربهم قبل أن يلفظهم.

 

صليل القلم
  • صليل القلم
  • مختارات
  • الصفحة الرئيسية