اطبع هذه الصفحة


هل الأدب بلا عقيدة ؟

ماجد بن محمد الجهني
الظهران

 
يتحدثُ بعض الأدباء في عالمنا العربي عن قضية حرية الأديب ، وأهمية عدم وضع قيودٍ حول نتاجه لأن تلك القيود-كما زعموا- تحدُّ من قدراته الإبداعية ، ويرون أن الأدب المحلق والمنتج والمبدع هو ذلك الأدب المتحرر من القيود العقدية والدينية والتي يسمونها مرات ومرات بأنها محض"عاداتٍ وتقاليد"هروباً من التصريح واكتفاءً بالتلميح.
هذه القضية بكل أبعادها الشائكة تطرحُ سؤالاً مهماً وحساساً يقول:هل يمكن للأدب أن يكون بلا عقيدة؟وهل يمكن أن يحصل الأدب على هوية إن هو فُرغَ من مضمونه العقدي والفكري؟.

والجواب على هذا الموضوع يتم من خلال سبر غور الآداب الإنسانية على مر العصور واختلاف الأمم ولغاتها وأجناسها ، وذلك لأن الإنسان الموجود على هذه الأرض منذ خلق اللهُ آدمَ عليه السلام لا يمكن أن تسير حياته إلا وفقاً لعقيدةٍ يؤمن بها،ومنهجٍ ينظر إلى الأشياء من خلاله ، وهذه القضية تمثلُ حاجةً فطرية للإنسانية جمعاء حتى لقد بين أفلاطون في كتابه"الجمهورية" أنه لن يقبل الشعر ما لم يكن ضمن إطار العقيدة والقيم التي يؤمن بها مجتمعه ، ورحب بالشعراء الذين يمجدون الأبطال والقدوات الصالحة ويتغنون بالفضائل وأصحابها.

إنَّ الناظر في النتاج الأدبي الإنساني الأممي يجد الترابط الوثيق الذي لا يكاد ينفصم بين الأدب ومعتقدات تلك الأمم ومن أمثلة ذلك مسرحية"سوفوكل" و"إلياذة هوميروس" عند اليونان ،و"إلياذة فرجيل" عند الرومان،و"الشاهنامة" عند الفرس ، وعند الهنود"كليلة ودمنة" ، وعند العرب"المعلقات"، وكل هذا التراث ينطلق من التصورات والمعتقدات التي تتمثلها تلك الأمم على اختلاف ألسنتها وعقائدها.

وأعتقدُ أن أيَّ متتبعٍ منصفٍ ومتجردٍ من الهوى لحركة الأدب الإنساني سيلحظُ أنه أحد أهم الأركان والروافد المعبرة عن عقائد الأفراد والشعوب ، واتجاهاتها القيمية أياً كان لون هذا الأدب المُعبر به نثراً أو شعراً.

إن دعاة الفن للفن ، وأصحاب الوجودية الجديدة المسماة"اللامنتمي" كلهم ينطلقون من مبدأ وفكر وعقيدة حتى ولو كانت منحرفة ، وحتى وإن هم رفضوا ذلك فلا قيام لنص إلا بفكرة ، ونصٌ لا فكرة له ولا منطلق لا يمكننا أن نسميه أدباً البتة، والذي يقول إن الأدب بلا عقيدة إنما يُجدفُ في حقيقته ضد تيار الفطرة الإنسانية ، ويقوم بالالتفاف على نفسه لكي لا يكون رهينة لوازم المعتقد الذي يعتقده.

نحن كمسلمين لا يمكن أن نقبل دعاوى حرية الأدب والأديب والثقافة والمثقف بإطلاق دون تقييد وضبط للأمور ، لكي لا يتحول الأدب إلى قلة أدب، والثقافة إلى سخافة كما حدث ويحدثُ من بعض الذين تجاوزوا باسم الثقافة والأدب حتى على الذات الإلهية والعياذ بالله.
 

صليل القلم
  • صليل القلم
  • مختارات
  • الصفحة الرئيسية