اطبع هذه الصفحة


فنون "الشقلبة"!!

ماجد بن محمد الجهني
الظهران

 
هناك ظاهرةٌ مرضية تسترعي الانتباه،وتستحق الدراسة لاستخراج العبر والدروس منها لكي لايخرجُ في أجيالنا القادمة نماذج مثيلة لهذه الظواهر المتلونة والتي يصدق عليها القول العامي"مع الخيل ياشقرا".

هذه الظاهرة هي ظاهرة تلميع المأزومين نفسياً،والجانحين سلوكياً و"المتشقلبين" فكرياً قبل أن يستووا على أرض صلبة من العلم النافع والفهم الثاقب.

تخيلوا إنساناً صاحب جنوح فكري مجنون في بداية حياته،يهرف بما لايعرف،ذو غطرسة وفلسفة،ولم يدخل من باب إلا طرد منه،تغشاه السكينة إذا خلا بالجانحين أمثاله،وتتخبطه الشياطين إن رأى الأسوياء، وهو مع ذلك قد رُصد في معاطن الفكر الغالي والجافي والحافي لتُوضع الأصفاد في يده ويُضربُ بالدرة على أم رأسه حتى يذهبُ عنه شيطانه الأول.

تخيلوا هذا الإنسان المضطرب يخرجُ بعد سنوات من أصفاده ليُحدث الناس عن الاعتدال وهو أبو الجفاء،ويعظهم في السماحة وهو أستاذ الغلظة،ويُحدد للناس الفكر السليم من الفكر السقيم وهو بنفسه وبعينه ومينه المرض العضال ، والداء السيال.

هذا الذي أطلب منكم-معاشر القراء الكرام- تخيله هو حقيقةٌ ماثلةٌ في حياتنا نشاهدها بشكل يومي فالشخص المتطرف فكرياً وعقلياً واجتماعياً وعلى جميع الأصعدة بالأمس هو نفس الشخص بتطرفه وعقليته التائهة في بيداء الفكر لم يتغير وكل الذي حصل له هو أنَّ شيطانه الذي ركبه منذ سنوات غير الخطة هذه المرة فبدلاً من الغزو المركز عليه سابقاً من جهة الدين تحولت البوصلة إلى جهة الشهوات التي ذاب معها ذوبان الثلج وانقلب معها إلى عالمه الرومانسي الجديد فساء المنقلب الذي يجعل الكافر والوثني والبوذي والملحد والمسلم إخوة لا فضل بينهم لأحد على الآخر.

أيعقلُ أن نشاهد تصدر البله والحمقى والنوكى في هذا الزمان بمثل هذه السرعة الخيالية؟! يالها من كارثة فكرية وأخلاقية تنزل على رؤوس الناس حين يتحدثُ إليهم بعض عديمي الذوق عن معنى الذوق فيخلطون عليهم حياتهم وينغصون معايشهم بما تسكبه أفواههم الموبوءة من رديء الفكر وسيء التوجهات.

في قنوات الفضاء،وعبر صحفٍ سيارة تقيأت الرمم البالية بما أوحى إليها شيطانها في الأيام الخالية من أنهم هم من يملكون الحقيقة الكاملة عن الناس وكل الناس.
مريضٌ نفسي واحد منهم يذكرنا بحكمة عمر بن الخطاب حين أشبع صبيغاً بدرته حتى ذهب عنه شيطانه وعاد إليه رشده،وليت شعري أين صبيغاً عن البحر الخضم الذي خاض فيه قزمٌ ليكشف سوءة أقزامٍ تبعوه على فعله وصفقوا له وتبوأوا منه مكان البردعة من المطية.

هذه الأشكال مشكلتها مع الدين عويصة لأنها لاتفرق بين الغالي فيه والجافي عنه فعيونها لم تعرف المنطقة الدافئة التي تستقر فيها العواطف وتنسجم فيها العقيدة مع متطلبات الروح والجسد،ولأنها عاشت حياتها في غلو مستمر فمن أقصى اليمين إلى أقصى اليسار دون مرور بالوسط الذي هو الحق والعدل والفضل.

ولأن في وسائل الإعلام بعض الخبثاء الذين لايستطيعون أن يبينوا عن حقيقة توجهاتهم فقد استخدموا هذه الأشكال ولمعوها وخلعوا عليها ألقاباً فوق طاقات ومستويات تلك النفسيات المريضة التي تحولت بقدرة قادر من صفوف الغلاة ليصبح بعضها خبيراً في شؤون الجماعات الإسلامية،والبعض الآخر من مؤسسي فكر التخريب إلى دعاة الإنسانية والرومانسية والرقة والعذوبة والنعومة والرحمة!!!؟.

المشكلة في أن هؤلاء قد تم تضليلهم وضُحك عليهم حين أُفهموا بطريقةٍ أو بأخرى بأنهم في مصاف المفكرين وهم في الحقيقة مجرد مطايا تقتضيها المرحلة الزمنية التي تمر بنا ثم ستكون نهايتهم إن لم يتنبهوا هي نهاية كل معتوه ومتسلل بجنون إلى أبواب الشهرة ولو من باب البول في بئر زمزم.
عموماً عند التأمل في مثل هذه الكائنات "المتقلبة" لا نملك إلا أن نقول الحمد لله على نعمة الدين والعقل.
 

صليل القلم
  • صليل القلم
  • مختارات
  • الصفحة الرئيسية